الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيء من الخوف... شيء من الرجاء !

عارف معروف

2018 / 7 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


شيء من الخوف... شيء من الرجاء !
------------------------------------
كان نظاما خائفا في الجوهر ، يتحسب للكلمات ويتسقط مسحوق الهمس ويحاول ان يقرأ ما في العيون وما تخفي الصدور ، وقد نبتت له ، في كل مكان ، عيونٌ لا ترى حقا وانما تتوهم أيضا ... تتوهم كثيرا وكثيرا جدا ! وعقولٌ مريضة بالمؤامرة ، موسوسة بالاعداء ، مشحونة بالتحّسب الذي يبثه العقل المركزي والذي يخاف ان تتكرر قصته ذاتها وتتسلل الى مراكز القوّة والقرار ، ذات ليلة ، مجموعة أخرى لتعيد انتاج الدور نفسه ضمن زمن آخر !
لكن هذا الخوف ليس موقوفا على نظام طغياني مسكون بهاجس الأعداء والمؤامرة وانما هو هاجس كل لص وغاصب ، سواء كان موضوع لصوصيته وغصبه السلطة او المال او حقوق الآخرين او ارواحهم او مستقبل اجيالهم ...
انه خوف مقيم وهاجس لايريم عند كل من يشعر في قرارة نفسه انه مطلوب للعدالة ومحقوق للحق وان الساعة آتية لاريب فيها يوم يتخلى الاولياء ويتشتت الاتباع . وهكذا ترى ان الخوف هو خالق الاشباح والكوابيس حتى من لاشيء وكيف ان وشوشة صغيرة يمكن ان تتحول الى خرافة مرعبة ووريقة تحوي خربشة طفل يمكن ان تنقلب الى مؤامرة كونية مثلما يمكن لتصرف عابر ان يفضي الى مأساة مروّعة !
في 1982 وجدنا في موقف الاستخبارات العسكرية نتيجة من نتائج ذلك الخوف المتعشق بالخيال وبالتذاكي ... شاب اسمر مفتول العضل من الجنوب . لم يكن له اسم ولا اثبات هوّية وكل قصّته ، كما فهمت من اخرين ، انه لُمح ذات عصر يتبول عند السياج الحديدي المشبّك للشعبة الرابعة والمحاذي لقاعة الشعب فجاء به الحرس وادّعوا انه كان يراقب الداخل ويترصد الحركة فيه ، ولما لم تكن لديه هوية او مستند اثبات شخصية وعندما لم يستقر على اسم له بعد عدة صفعات و" تظاهر " بالجنون تفتق العقل الأمني عن هواجس أخرى ، وتحّول عابر السبيل الذي اوقفه ضغط المثانة عند سياج الشعبة الرابعة الى قصة ، بل مسلسل طويل في حلقات !
كان " مجهول " كما سموه ، قد سبقني الى الموقف بأشهر طويلة وتنقل بين أجهزة الامن والاستخبارات العديدة وكل منها يستعيد قصته ويعرضها بصورة مختلفه في مخياله ، استنادا الى خبرته وهواجسه ، وبعد ان تنتزع مخالبه من لحم المسكين ودمائه ما يشبع نهمها ، يمّجه ويقذف به الى الآجهزة الأخرى علّها تستخلص منه شيئا ينفع أساسا لقصة مفيدة دون ان يظفروا منه بطائل !
اما خلاصة الهاجس الأمني الذي سيق المسكين على أساسه في رحلة العذاب الجهنمية تلك فهي : أن " مدّعي الجنون " هذا " معدٌّ بعناية ومرسلٌ من قبل اطلاعات( الاستخبارات او المخابرات ) الإيرانية وانه ارسل خصيصا لكي يقع في ايدي الاستخبارات باشتباه او مخالفة بسيطة ليخلى سبيله بعد ذلك وقد انجز مهمته وظفر بما يريد !
اما تلك المهمة فقد تكون الوصول الى موقوف او موقوفين خطرين لمعرفة وضعهم او تليغهم برسالة ما او شيء لا يقل خطورة عن ذلك ، من يدري ؟!!!
مما زاد في طينة " مجهول " بللا ، هو قوّة جسده الهائلة وعدم تأثره بالضرب المبرح الذي كان يتعرض له ، ربما اكد هذا هواجسهم بانه معدّ ومدرب بعناية خاصة !
لا اعرف اليوم اين انتهى مصير " مجهول " ربما كان رقما في مقبرة خاصة او جماعية ، لكنني وكل من كان معنا عرف ولمس لمس اليد ان المسكين كان مجرد شخص فاقد الذاكرة او مريض من مرضى الشيزوفرينيا قاده حظه العاثر الى تلك " البولة " المهلكة !
اما في 1987 فقد دخل المقر الخلفي للوحدة العسكرية الرعب والقلق واتخذ فصيلها الاستخباري اقصى درجات الإنذار والتأهب وهم يعثرون على " منشور غريب " ثبت على لوحة خشبيه قرب مشجب السلاح الذي كان عبارة عن حفرة مسقفة وقد كتب فيه " الى الاسم الأعظم بحق الغوث الأعظم ... سيدي الجيلاني ... الانتقام ...الانتقام ..الغوث .. الغوث ...مدد ... مدد.. مدد " ..لقد جُمع ، ليلا ، كل المشبوهين ممن هم تحت المراقبة من الذين لديهم اشقاء او أقارب معدومين او هاربين او معتقلين وحقق معهم عن مدى معرفتهم او تفسيرهم لمحتويات ذلك " المنشور " وعمن يشتبهون فيه وهددوا بالويل والثبور في حالة اخفاءهم لمعلومة نافعة وانهم سيرسلون الى منظومة الاستخبارات الشمالية ، التي كان ذكرها وحده يخلع القلب ، اذا لم يبوحوا بما يعرفون عن سرّ تلك الإشارات المريبة وما المقصود بالانتقام ومن اين سيجيء الامداد ولمن ؟ هل المقصود ايران ام الأحزاب الكردية ام أبو ريشة (مغاور كردي ، اثار رعب الوحدات العسكرية في قاطع السليمانية تلك الأيام ) وتسارعت الاتصالات باستخبارات اللواء والفرقة وعمت العجلة والاضطراب كل شيء قبل ان يجيء الفرج من نائب العريف ، صاحب المشجب ، الذي اسرع اليهم بعد ان علم سر " الهرجة " وأفاد انه هو من وضع هذا الدعاء لانه يطلب الغوث في الانتقام من أبناء عمومته الذين اهانوا ابيه في قريته ، ولم ينله تقريع او لوم كبير ، لانه من اهل الله ورجل صوفي ، ولا شبهة او غبار على سيرته وسيرة عائلته ، بحسب المعلومات المتوفرة !!
ثمة قصص كثيرة أخرى ، طريفة هذه المرة ، وليست سوداء وتقطر ألما وموتا كسابقتها ... قصص كثيرة واوهام تنجم عن خليط التوجس والخوف بالقوّة من جهة وخليط الامل والرجاء بالاتكال وتوقع المعجزات من جهة ثانية!
اتأمل الان الكثير من الكتابات والهواجس والتعليقات والمخاوف والامال التي ارتبطت ببيان واضح الركاكة والبساطة والانفعال لا يمكن ان يصدر الاّ عن صبي او بضعة صبيان او شباب محدودي المعرفة والتجربة تملأهم الخيبة والحماسة حاولوا ان يعبروا عن المهم واحتجاجهم بمغامرة صغيرة ... لكن ردة الفعل هي ما يشي بالكثير والكثير جدا !
أتذكر انا ويتذكر الكثيرون من أبناء جيلي ، هذه الالفباء في مسيرتنا السياسية ، لقد خاض معظمنا تجربة " التنظيمات الثورية " الصبيانية تلك محاولين التعبير عن انفسنا في أجواء مشحونة بالسياسة .. أجواء مشحونه بقصص الشيوعيين والقوميين والبعثيين واساليبهم ومغامراتهم ومواجهاتهم " البطولية " بالنسبة لأعمارنا وخيالاتنا الجامحة وكيف كتبنا البيانات والمنشورات وخططنا الهتافات على الجدران ليلا بلغة طفولية بمطالب كنا نستوحي فيها مطالب الكبار ولكنها ، بالطبع ، ما كانت مجرد محاكاة عابثة وانما ، أيضا ، واساسا ، استلهام وتعبير ، ولو طفولي عما يمور به الواقع !
لقد كنا نرقب ردة فعل الشرطة والامن والاخرين ونحن نمتلأ زهوا وخيلاء ....
أقول هذا وانا انظر الى الامر في شقيه :
شق الاوليغارشية الفاسدة ، الطفيلية والجاهلة الى ابعد الحدود ، المسكونة بالخوف والتحسب ، هي الأخرى ، مثل نظام طغياني معزول ، رغم تظاهرها واستعراضها لصلاتها الشعبية الزائفة والقائمة على التضليل والوهم والتي داخلها الرعب من مجرد قصاصة مجهولة المصدر . وريقة صبيانية واضحة اللغة والاساس ، وارتعشت لمجرد ذكر القّوة والتهديد بها والحساب والتلويح به ، ولجأت الى تعويذتها الشهيرة : البعث .. أمريكا ... الانقلاب العسكري ... داعش .. الخ
والشق الثاني هو حجم الامال والتطلعات التي علقها مثقفون وكتاب وناشطون وجمهرة من الغاضبين على ذلك الفعل وكأنه البديل عن الفعل الاجتماعي المتضامن مع نفسه والمعبر عن غضبه ورفضه والمنظم في اطر فاعلة، وممكنة ، تتصاعد مما هو بسيط ويومي الى الشامل والاجتماعي لرفض الحالة الكارثية التي وصلنا اليها دون التطلع الى منقذ يأتي به المجهول او فارس يجود به القدر !
أقول هذا دون ان انسى او اتناسى ان الواقع يمور بالرفض والغليان وانه وجد طريقه حتى الى عقول وضمائر وافئدة الأطفال !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد كيف تحولت رحلة فلسطينيين لشمال غزة إلى كابوس


.. قتلوها وهي نائمة.. غضب في العراق بعد مقتل التيكتوكر -فيروز أ




.. دخول أول دفعة من المساعدات الإنسانية إلى خانيونس جنوبي قطاع


.. على وقع التصعيد مع إسرائيل .. طهران تراجع عقيدتها النووية |#




.. هل تتخلى حركة حماس عن سلاحها والتبعية لطهران وتلتحق بمعسكر ا