الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراطُ متساقطاً: فاتحة 1

دلور ميقري

2018 / 7 / 5
الادب والفن


" والله يدعو إلى دارِ السّلمِ، ويهدي من يشاءُ إلى صراطٍ مستقيم "
يونس/ 25

*
صباحٌ ساطع. شمسٌ مصقولة بمهارة الصانع الأول، تتراقص أشعتها عند عتبة باب حجرتي، المسدل عليه ستارة بلون الأرجوان، يتلاعبُ بها، بدَورها، نسيمُ الصباح.
كان يتعيّن عليّ، أولاً، وصف دهشتي الأولى مع إفاقتي من حلمٍ جميل، سلّمني إلى هذا الصباح بيديه المعتمتين وكما لو أنني فاكهة صيفية على طبقٍ من بلور بلون أزرق غامق. إنه لونٌ مناسبٌ لليل، وأيضاً وخصوصاً، لكل ما هوَ مغربيّ؛ الزخرف، الزلّيج، الوشي، الوشم، الخميسة، العمامة، عقاقير السحر والسم والإنعاظ وغيرها!
أنا إذاً في المغرب، وفي مدينة مراكش تحديداً.
متى كنتُ هنا، آخر مرة؟ لا أذكر بالضبط. وليسَ ذلك بالشيء المهم، طالما أنني مُرحّبٌ بي دائماً في منزل حميّ. ولا أهمية كذلك لطول لإجازات لديهم ( حتى لو أضحت شبه إقامة دائمة )، ما دام يُنظر إليّ بوَصفي كاتباً متفرغاً لتأليف كتبٍ لا يعلمون، بطبيعة الحال، عن ماهيتها شيئاً. ولكنها، بأي حال من الأحوال، كتبٌ تعيّش ابنتهم من إيراداتها الوفيرة ـ كما يزعمون لأقاربهم ومعارفهم، بناءً طبعاً على معلوماتنا الخاصّة!
فهل من الممكن، عطفاً على ما سبق، ألا يُساء فهم شخصية الأديب ما لو علم أولئك الأهلُ بأنه يُعيّش ابنتهم على راتب متواضع يحصل عليه من صندوق الضمان، بصفته " متقاعداً مبكراً "؛ أي مصاباً بعاهة، أو علّة، نتيجة العمل؟ بلى، وسيكون الالتباسُ أدهى حينَ ينمّ إليهم طبيعة هذه الإصابة؛ ألا وهيَ المرضُ النفسيّ. عندئذٍ، لن يتمكن كائناً من كان ( ولا حتى النبيّ العربيّ نفسه ) وضعهم على سبيل الرشد ثانيةً، بإفهامهم أنّ المرضَ بوسعه إصابة أعصاب الإنسان في الغرب أكثر من أيّ مرضٍ عضويّ؛ بما في ذلك السرطان، الوحش المرعب المستطير، الذي ينهشُ في شرق ومغرب الله، أنسَهُ وجنَّه سواءً بسواء.

***
أنتَ إذاً ـ يا قارئي الكريم ـ في المغرب وفي مراكش تحديداً، للمرة الخامسة!
لقد رأيتني هنا، على سبيل المصادفة، في العام الخامس لتعرّفي على موطن الأطلس وحاضرته الأكثر شهرة. اتفاقاً أيضاً، أنني هذه المرة في مهمّةٍ أدبية بوَصفي كاتباً. ولا أدري حقاً، أأنا محظوظ بذلك أم مبخوس الفأل؟ ولكن سعادتي ستكون مثالية، لمجرد وجودي في المدينة الحمراء. سببُ هذه السعادة، يُمكن تأجيلُ ذكره قليلاً كي ينسجمَ السردُ: اعتباراً من هذه الفاتحة، أجدُني متورطاً في النصّ بصفتي أحد شخصياته الرئيسة. وأعتقد أنّ عليّ، أدباً على الأقل، أن أتوجه بشكري إلى الناشر. ليسَ فقط كونه بالغَ في التصميم على انجاز هذا العمل باعتباره الجزء الأخير من " كتاب مراكش "، بل وفوق ذلك، نقله إيايَ من مرتبة ملاحظ النص إلى مؤلفه بإصراره أن يحمل اسمي.
فما هيَ إذن صفة " ملاحظ النص "، التي لبستني في الأجزاء الأخرى من الكتاب؟
ليتَ أني أمتلك جواباً، يُشافه ذلك السؤال المهم. وأظن أنها مهمة الناقد، أو المؤرخ الأدبيّ، معالجة هكذا نوع من الأسئلة. بيْدَ أنّ القارئ ليسَ مُجبراً على انتظار ظهور أحد هذين الصنفين، خصوصاً أنهما قاربا على الانقراض في لغة الضاد!
من ناحية أخرى، فإنني كمؤلف وقارئ في آنٍ معاً، فكّرتُ ذاتَ مرةٍ بجملة وافرة من الفرص لهذا الكتاب البائس؛ نشراً ونقداً وتقريظاً وانتشاراً وترجمة..
( فكّرت في ذلك، آنَ كنتُ أمتطي دراجة في أحد شوارع مدينتي السويدية البهيجة تحت سمائها التي بلون الجنازة، الرماديّ الكالح. فجأة، مع مستهل النزلة المؤدية لوسط المدينة، إذا بي أفقد السيطرة على الدراجة. انحدرتُ معها بسرعة مخيفة، تحوطني أعشاب محنية الأعناق بفعل ريح الخريف، متوقعاً أن يدق عنقي عند ارتطامي بأيّ جسمٍ إن كان شجرةً أو جماداً. لحُسن الحظ، استطعت السيطرة على فرامل الرجل لحظة وصولي إلى تقاطع الطرق. إلا أن شدّة الاندفاع، جعلت رأسي يصطدم بعمود إشارة السير. لأفيق على الأثر وأنا في حجرتي المراكشية الأثيرة، في صباح ساطعٍ شمسُهُ مصقولةٌ بمهارة الصانع الأول الخ! )..

***
أفكّرُ بمعنى " ملاحظ النص "، دون أن أنتبه لاشتداد حرارة جو الحجرة مع اقتراب ساعة الظهيرة. إلى أن يغمرني العرَقُ، أكون قد توصلتُ إلى معنىً على شيء من المنطقية كان من الممكن أن يُرضي " رولان بارت " لو أنه لم يمت باكراً بحادث سير.. أكان ذلك الحادث أمام إشارة سير، كي يتوافق موته مع اهتمامه بعلم الإشارات ( السيميولوجيا )..؟
ولأنني كثير الاستطراد، كما لاحظ العديدُ من قراء مقالاتي، كان لا بد أن أفكّر وعلى سجية واحدة بكاتب آخر من طراز ذلك الناقد الرفيع. إنه نزيل مراكش، أو منقذ ساحة جامع الفنا، بعدما سبقَ وأسمع صوته للعالم احتجاجاً على محاولة تحويلها من ذاكرة شعبية للمدينة إلى كراج سيارات لأغنيائها ومحدثي نعمتها مواطنين وأجانب مقيمين. لم ألتقِ مع الرجل، على الرغم من أنني امتلكت صديقاً مشتركاً بيننا. لقد أشارَ لي يوماً إلى منزل أثريّ، يقع في زنقة مفتوحة على تلك الساحة: " هنا يقيم الروائي الإسبانيّ الكبير، ويمكن سماع أصوات أصحابه المغاربة وأغلبهم من الغلمان! "، قالها غامزاً بعينه. لا، لم أجد في نفسي الشجاعة للتواصل مع رجل مثليّ حتى ولو أنه مقيمٌ بين أناسٍ " الفاحشة في فجاجهم فاشيَة "ـ على حدّ تعبير ابن الجوزي!

> مستهل رواية " الصراطُ مُتساقطاً "؛ وهيَ الكتابُ الأخير من خماسية مراكش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج المغربي جواد غالب يحارب التطرف في فيلمه- أمل - • فران


.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال




.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة


.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية




.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر