الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دودة الشجرة

ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)

2018 / 7 / 6
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


المثل الإنكليزي ( Old sins have long shadows )يعني : أن الذنوب القديمة لها ظلال بعيدة ، ينطبق على وضع الحزب الشيوعي العراقي . فالذنب الذي إرتكبه الحزب في عام 1959 ، عندما كان أحد دعامات النظام الجمهوري الجديد ، وموضع ثقة قيادة الثورة ، وفي أوج نشاطه الجماهيري ، فتح أبواب الإنتماء للحزب على مصراعيها ، فكانت فرصة ليس للمؤيّدين والمؤمنين الحقيقيين لمبادئ الحزب وسياسته فحسب بل لكافة الإنتهازيين والوصوليين الذين ما أن دخلوا تنظيمات الحزب حتى بدأوا ، بوسائلهم الخاصة ، في تسلّق درجات التنظيم الحزبي حتى وصل بعضهم إلى مستويات القيادة . لقد شكّل وجود مثل هذه العناصر ، وبنسبة كبيرة في تنظيم الحزب ، الحلقة الرخوة التي ساعدت جلاوزة حكام نظام إنقلاب الثامن من شباط 1963 في إنتزاع الإعترافات من الشيوعيين والتمكّن من هدم الهيكل التنظيمي للحزب بالكامل وتصفية قيادته . لقد كان قصد نظام حكم البعثيين ، في عهدهم الأول ، الذي دام تسعة شهور فقط ، تصفية قيادة الحزب بالكامل بإعدام كافة كوادره ، من القيادة العليا نزولاً إلى مستوى الدرجة الرابعة ، الذين وصلت إليهم أياديهم بالإعتقال أو الإغتيالات . لقد كان من نصيب بعض الكوادر ، صدفة ، أن يكونوا خارج القطر ، أو في منطقة كوردستان ، ولم تنلهم أيدي أزلام النظام ، فتمكنوا من إعادة بناء الحزب ، ولكن ، مع الأسف ، لم يجد هؤلاء في الساحة غير الأشخاص الذين إرتدّت شخوصهم بسبب ما شاهدوه من قسوة لجان التحقيق البعثية وصور إنهيار قادة شيوعيين ، كانوا موضع الإشارة بالبنان ، فخروأ صرعى التعذيب ولم يكتفوا بالإعتراف بل زاول بعضهم التعذيب ضد رفاتقهم لإستلاب الإعتراف منهم . لقد وُلد التنظيم الجديد ضعيفاً ، ليس عددياً فقط ، بل وفكريّاً أيضاً ، ولهذا السبب ، فقد كانت إحدى شطحاته في عام 1964 عندما قررت القيادة حلّ تنظيمات الحزب والطلب من الأعضاء الإنتماء إلى " الإتحاد العربي الإشتراكي " الذي تشكّل في عهد عبد السلام عارف ، تشبّهاً بالإتحاد العربي الإشتراكي المصري ( على عهد جمال عبد الناصر ) .
نعم : لقد تمكن الحزب من النهوض من كبوته ، بعد الرفض الكلّي لقرار حله في 1964 ومقابلته بنظرية ( وجهة نظر النملة )* ، وعلى الرغم من الإنشقاق الذي قاده عزيز الحاج ، ومباشرة فصيله الكفاح المسلّح في الأهوار ، والذي فشل فشلاً ذريعاً بعد إلقاء القبض عليه ، وظهوره على شاشة التلفزيون وإعترافه بخطئه . فقد أعاد الحزب تنظيم صفوفه ، وبرز ككيان مؤثر في الوضع السياسي العراقي ، مما جعل نظام الحكم البعثي ( الذي إستعاد السلطة عام 1968 ) أن يتودد إلى الحزب ، ويطلب التحالف معه ، في مرحلة كان البعثيون يخططون لتأميم النفط ، فتم التوقيع على عقد التحالف الذي أطلق عليه " الجبهة الوطنية والقومية التقدّميّة " ، إلاّ ان البعثيين ( الإنقلابيين ) كانوا قد خططوا ، في ذات الوقت ، ليكون هذا التحالف " تكتيكيّاً " مرحليّاً لحين تحقيق الغرض الذي يريدون . ولكن يبقى فخراً للحزب الشيوعي أنه إستلب من أعتى تنظيم شوفيني عروبي الإعتراف بوجوده كحزبٍ سياسي في الساحة العراقية ، وساهم في تحقيق تأميم النفط العراقي وتثبيته ونجاحه .
لقد إنقلب نظام حكم البعثيين على الحزب الشيوعي لحجج واهية في عام 1976 ، ولكن بعد 1979 وإستلام صدّام حسين موقع الحاكم المطلق ، قام بإستخدام تنظيمات حزب البعث العربي الإشتراكي ليس كحزب يقود النظام بل كتنظيم مكمّل للتنظيمات الأمنية ، العسكرية والمدنية ، لمكافحة كل تنظيم أو فرد يعارض شخصه ، إذ لم يكن هناك أي مجال لأيّ نشاط سياسي ، سيّما في ظروف الحرب التي إندلعت بين العراق وإيران في عام 1980 . ولذلك فمن الخطأ الشائع الذي يصر عليه بعض المثقفين ، وبعض الحركات السياسية في تنسيب فترة نظام الحكم بين تموز 1979 ونيسان 2003 إلى حزب البعث ، لأنه لم يكن هناك كيان سياسي لحزب بإسم البعث في العراق بل كان هذا الكيان أداة بيد صدام كأي أداة أمنية أخرى ضد أعدائه .
على الرغم من قساوة الملاحقات التي طالت نشاط الشيوعيين سواء في دوائر الأمن العامة أو المخابرات ، فلا يمكن إهمال دور " الشيوعيين إياهم " الذين إنتموا إلى الحزب ، بسبب فتح باب الإنتماء في 1959 ، الذين أصبحوا مثل الدودة التي تنخر في جذع الشجرة . فقد إنقلب الكثير منهم ، وإنتموا إلى البعث أو قوى أمن السلطة وأصبحوا مخبرين يساعدون السلطات في مكافحة الحزب الذي كانوا منه ، والآخرون الذي إحتفظوا " بإنتمائهم " لكنهم أصبحوا ينادون بالفكر اليميني والمهادنة ، أوبالفكر اليساري والمجابهة مع السلطة الغاشمة . والذاكرة تحفظ أسماء الكثير من الذين كانوا من الرعيل المتقدم من كوادر الحزب ثم إنشقوا عليه . هذه الأفكار تمثل فكر البجوازية الصغيرة التي تتأرجح دائماً بين اليمين واليسار ، ولا تُعتبر هذه حالة غريبة ، بل هي سلوك مرتبط بطبيعة مصالح البرجوازيين الصغار : تدفعهم حيث ما يتطلب تأمينها في كل مرحلة .
أمّا في مرحلة إنشغال القوى السياسية العراقية بالتهيئة لخوض الإنتخابات العامة للسنة 2018 فقد إنبرى الحزب الشيوعي لتأسيس تجمّع سياسي " واسع وعريض " من القوى " التقدمية والعلمانية والديمقراطية " ليكون بذرة لتأسيس تحالف عابر للطائفية والأمل في الحصول على نتائج مشجّعة في الإنتخابات العامة بقصد تغيير ميزان القوى السياسية ، والخلاص من النظام المحاصصي الطائفي الأثني . لقد تمكّن الحزب من إيجاد هذا التحالف الذي حمل إسم " تقدّم " ، ولكن ، مع الأسف ، صار الجدل بين أطراف " تقدّم " يشبه لعبة كرة السلة في تبادل وتلاقف الكرة دون الوصول إلى صيغة يمكن أن ترشد إلى طريق عملي لتنفيذ الآمال التي بُنيت على تأسيسه ، وآمال أبناء الشعب التي إرتبطت بذلك الحدث . إن هذا الجدل الذي حصل بين أطراف " تقدّم " ليس إعتباطيّاً ، بل سمة موضوعية بطبيعة فكر البرجوالزية الصغيرة التي ينتمي إليها أطرافه ، عدا الشيوعيين . لقد إستغرق الجدل البيزنطي بين أطراف " تقدّم " وقتاً ، ليس بالقصير ، بل كاد يؤدّي إلى تخلّف الحزب عن ركب التهيئة لمعركة الإنتخابات ، لولا حنكة القيادة ، وصحة تشخيصها للوضع الذاتي ، وأن الحزب يحارب في جوّ سياسيٍّ وهو مُحاط بالأعداء الطبقيين من جميع الجهات " تقدميون أو غير تقدميين " ، فإتخذ قراره ، بجرأة الواثق من صحة فعله ، في بناء تحالف مع إحدى التنظيمات حديثة النشأة والمدعومة من مقتدى الصدر لتأسيس تحالف " سائرون " لخوض الإنتخابات .
بالقدر الذي خلق نشوء تحالف سائرون الخوف عند القوى السياسية الأخرى التي كانت مسيطرة على الحكم للخمسة عشر سنة الماضية ، خلق في نفس الوقت ردة فعل قوية عند الحلفاء السابقين من جماعة " تقدّم " ، وعند البعض من " الشيوعيين " من بقايا " إيّاهم " الذين ظلّوا يحملون أفكار البرجوازية الصغيرة ، فتناولوا معاولهم وأقلامهم ، يهدومون ويدبجون المقالات لمهاجمة الحزب داعين إلى مقاطعة الإنتخابات ، بذريعة " ضرورة الحفاظ على المبادئ " ( كذا ) أو " الحفاظ على سمعة الحزب وشرفه عند الجماهير " ( كذا ) ! إن ما نعيشه اليوم ما هو إلاّ ظلال ذلك الذنب الذي إرتكبه الحزب في عام 1959 ، فتصرّفات هذه الفئات إنعكاس للإنحدار الطبقي الذي ينتمون إليه من جهة ، ومن جهة أخرى ، حداثة أعمار الكثيرين منهم والتي لم تسمح لهم بالحصول على المعرفة الكافية لعمق النظرية التي يهتدي بها الحزب ، وما تتميّز به من مرونة في التنفيذ والأخذ بنظر الإعتبار الظروف الموضوعية والذاتية في البلاد .
إن الحملة الإعلامية الظالمة التي يقودها هؤلاء في عدائهم للحزب ومحاولة " تشويش " ذهن جماهير الشعب ، وجعلها تنفض عن الحزب ، محكوم عليها بالفشل ، ما دام الحزب متمسّكاً ، وبإصرار ، بمصالح الطبقة العاملة والطبقات المسحوقة ، سواء كانت هذه الطبقات محسوبة ، سياسياً ، لصالح الحزب أو لصالح حزب أو حركة سياسية أخرى . فالمهم ، أن الحزب ملتصق بالطبقة الإجتماعية ذات المصلحة في وجوده ، وصاحبة المصلحة في قيادته لها . فيا أيها السادة : إننا نريد:
حزباً شيوعيّاً لا إشتراكية ديمقراطية
وننشد بصوت عالٍ دائماً :
حُصنُ حزبِنا شاده فهدُ كيف تستطيع هدمه قِرَدُ
• . شبّه الرفاق وجهة نظر " قياد الحزب " بوجهة نظر النملة ؛ إذ لا تعتبر النملة الأسد من الحيوانات المفترسة ، لأنها تتمكن من السير أينما تشاء على جسم الأسد دون أن يعترض .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كليلة ودمنة (ماركسية)!
طلال الربيعي ( 2018 / 7 / 6 - 02:05 )
اذا كان الحزب الشيوعي يعتبر نفسه نملة ويعتبر (سيده الغير متقلب المزاج كالبرجوازية الصغيرة) اسدا, فان الحزب الشيوعي لا يحتاج نظرية ماركسية وتحليل طبقي, بل كل ما يحتاجه هو كتاب مبسيط في علم الحيوان ويمكن لاحقا تحويل قصة التحالف بين النملة والاسد الى قصة للأطفال ترويها لها امهاتهم قبل الخلود الى النوم, او الى ادب رفيع من نوع كليلة ودمنة من تأليف خط آب وليس من ترجمة ابن المقفع!
نعم ان نظام الاحتلال في العراق هو بمثابة الغابة ولكننا لا نعلم لماذا نُصب السيد القائد ملكا للغابة وهل استشيرت حيوانات الغابة كلها في تنصيبه ملكا؟ وهل ان القرار ساري المفعول برغم ان من اتخذه هي النملة فقط ولا ندري من خول النملة باتخاذ هذا القرار المصيري الذي سوف يؤثر (ديالكتيكيا!) على كل حيوانات الغابة. وكما يبدو فان المحتل احال انسان العملية السياسية العتيدة الى حيوان وباعتراف الشرفاء والاعيان!

اخر الافلام

.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز


.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز




.. يوم الأرض بين الاحتفال بالإنجازات ومخاوف تغير المناخ


.. في يوم الأرض.. ما المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي على ا




.. الجزائر: هل ستنضمّ جبهة البوليساريو للتكتل المغاربي الجديد؟