الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأزق الوساطة الفوقية...

محمد امباركي

2018 / 7 / 6
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


بصوت مرتفع...

إن الدعوة الى وقف حملة مقاطعة حليب “سنطرال” مؤقتا والصادرة عن فعاليات "مدنية " واقتصادية وأكاديمية يشبه الى حد كبير الوساطات التي حاولت أن " تصالح " بين حراك الريف والدولة والتي ألبست نفسها العديد من التسميات والنعوت ولا زالت...
طبعا من حق نخبنا أن تنتج مبادرات " تصالحية " على المستوى الحقوقي والسياسي والاقتصادي...لكن قد لا تجدي هذه المساعي في ظل سياق ومناخ غير مساعدين يجعل من الفشل هو مصيرها المنتظر ...كيف يكمن تفسير هذه الفكرة؟
الأحكام القاسية في حق نشطاء حراك الريف و الطريقة الأمنية الصرفة التي تتعامل بها الدولة مع الاحتجاجات الاجتماعية هنا و هناك تحملان رسالة سياسية واضحة مفادها تجريم أية حركة احتجاجية تتوخى العدالة الاجتماعية و المجالية بما هي إعادة توزيع للسلطة و الثروة على أسس ديمقراطية و بالتالي تقويض المرتكزات البنيوية و التاريخية للدولة المخزنية القائمة على الاستبداد السياسي و الاقتصادي...بل إن تلك الأحكام نفسها أزعجت حتى الأوساط التي انتصرت لما اصطلح عليه ب " العدالة الانتقالية " و تجربة هيئة الانصاف و المصالحة و خاصة المنتمية الى الريف والتي راهنت على الاستبداد الناعم الذي أنتجت له حزبا سياسيا كرافعة لهذه " الأحلام الوردية " ..فلما ظلت آثار جبر الضرر الجماعي غير بادية و غير ملموسة في معيش الناس بالتزامن مع تمدد الاحتجاجات في الزمن و المجال خاصة بالريف كان الانتصار الواضح للخيار الأمني و العقاب الفردي و الجماعي بشكل سطر بمداد ناصع على العودة الى زمن ما قبل "المصالحة و الإنصاف "...بمعنى أنه من غير المقبول أن يستقيم بناء شعار " عدم التكرار " في ظل بنية سياسية سلطوية عاجزة عن القطع مع جوهرها اللاديمقراطي...و بالتالي ألا يمكن القول أننا أمام شبه سقوط أو نهاية لمنطق المصالحة السابق و الحالي في عقل دولة واعية بالفرص المتاحة داخليا و خارجيا لتعزيز استراتيجيتها القمعية خاصة ضعف القوى المضادة و تباين قراءاتها للمرحلة و طبيعة الجواب المطلوب.
ومن الراجح أن مواجهة الاحتجاجات الجماهيرية من أجل مستشفى ومدرسة وشبكة طرقية وفك العزلة، بالقمع والتنكيل ومحاكمة النشطاء و عسكرة فضاءات بكاملها هو الذي يفسر في جزء منه تبني خيار المقاطعة كأسلوب احتجاجي سلمي يعتمد في التعبئة و التحريض شبكات التواصل الاجتماعي مما وضع الخيار الأمني المباشر للدولة في مأزق أمام حجم الانخراط و الآثار الملموسة لهذه الدينامية...اللهم إلا إذا اجتهدت الدولة و أبدعت و اهتدت الى " قوات التدخل الافتراضية " و " البوليس السياسي الرقمي " ؟؟؟.
إن مقاطعة المنتوجات الثلاث و ضمنها حليب " سنطرال " هي حلقة في مسلسل الحراك الاجتماعي ببلادنا، و بالتالي لا يمكن عزلها عن السياق السياسي و السوسيواقتصادي الحالي و الذي يمكن توصيفه بأنه سياق الاحتقان الاجتماعي و السياسي أمام إقرار رسمي بفشل البرامج التنموية المهيكلة و غير المهيكلة في تحقيق النمو و صيانة الكرامة و تحقيق العدالة الاجتماعية، لكن لما يرافق هذا الفشل الجواب القمعي الصرف فذلك مؤشر قوي على أنه ليس هناك بديل تنموي منصف في الأفق المنظور و من ثمة ليس هناك أي استعداد لانفراج سياسي و اجتماعي مرتقب قد يؤشر على مصالحة حقوقية و اجتماعية بين الدولة و المجتمع...
من هنا إذا كانت المقاطعة امتداد للحراكات الاجتماعية في الريف، جرادة، زاكورة...فكيف ندعو الى وقفها مؤقتا والجراحات تتعمق عن طريق القمع و المحاكمات غير العادلة و الزج بخيرة الشباب في السجون و "فشل " مصالحات سابقة في العلاقة بحراك الريف و التي لم تسجل غير حضور إعلامي باهت لبعض " قادتها " الذين أراد قسم منهم العودة للمشهد السياسي عن طريق بوابة الريف و هو الآن "مصدوم " من طبيعة الأحكام الصادرة مؤخرا؟
كيف ندعو الى وقف المقاطعة مؤقتا بدعوى أن شركة سنطرال تتعهد بخفض الأسعار في الوقت الذي يعتبر فيه زمن المقاطعة منذ انطلاقها ( أزيد من 3 أشهر ) كافيا لإعلان هذه الشركة عن تخفيض الأسعار دون اللجوء الى الوساطة " السياسية و الجمعوية و الحقوقية و الأكاديمة " التي لا تعبر بالضرورة عن العقل الجمعي لدينامية احتجاجية تعددية و مفتوحة ؟...
هل من المتاح أن تكون للوساطة سواء كانت سياسية أو اجتماعية فعاليتها بل و مشروعيتها دون توفر إرادة رسمية تباشر إجراءات سياسية و اقتصادية ملموسة في مناخ من الثقة و التعاقد المؤسساتي يضح حدا لاقتصاد الريع و زواج السلطة و المال في اتجاه تحقيق العدالة الاجتماعية و المجالية؟...
لقد ظل منطق الوساطة المعلن وغير المعلن، كجزء من أطروحة المصالحة حاضرا في العلاقة الصراعية بين الدولة والحركة الوطنية و الديمقراطية في بلادنا...لكن أغلبها انتهى الى انتصار الدولة كنظام سياسي لاديمقراطي و بالتالي لم تتمخض عنه غير بعض التوافقات التي ظلت هشة و لم تتحقق الأهداف و الرهانات التي أحيطت بها بل ساهمت في أحيان كثيرة في إجهاض حركة التغيير الديمقراطي في بلادنا ، و هكذا استمر استقواء الدولة المخزنية باستمرار منطق " الوساطة الفوقية " كإحدى أعطاب المعركة الديمقراطية ببلادنا.
محمد امباركي
وجدة 5 يوليوز 2018








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز


.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز




.. يوم الأرض بين الاحتفال بالإنجازات ومخاوف تغير المناخ


.. في يوم الأرض.. ما المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي على ا




.. الجزائر: هل ستنضمّ جبهة البوليساريو للتكتل المغاربي الجديد؟