الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كشف الحساب _ فصل من روايتي (الرجل الذي أكله النمل)

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2018 / 7 / 7
الادب والفن


كشف الحساب

اليوم وفي مرئاب سيارات المدينة متوجها إلى بغداد و الحاج كاظم يلازمني منذ الصباح محاولا أن يثنيني عن السفر , معتقدا أن ما حصل بالأمس هو ما قد دفعني للسفر اليوم , أقسمت له أنني ممتن جدا وشاكر له مشاعره النبيلة ولكن لا بد من مشاورة فريق العمل معي , علينا أن نهتم بترتيب بعض الإجراءات القانونية الضرورية ليكون عملنا أصوليا كما لا بد لنا من الحصول على مساعدات تقنية من جهات فنية , وقد يكون لنا فريق أكبر ومتخصص وقد نبني مخيما للعاملين هناك , نصحني أن لا أجعل الحكومة طرفا في الموضوع لأنها ستفسد المشروع وقد تصادر الأرض التي يعيش عليها الكثير من الناس وهذا ما لا يتناسب مع جهودي.
ما جرى يوم أمس من أحداث لم يكن عاديا استثنائيا بالنسبة للجميع وكشف عن صدق إحساسي وظنوني أن أبو حسين كان يهمه ما تحت الأرض مما يعتقد كنز أو خزينة كما يسميها , لم يك يعنيه هدفي عكس الحاج كاظم الذي قدم لنا كل شيء بروح رياضية وبنفس يخلو من الطمع , أراد فقط أن يكتشف سر اللعنة التي حلت على جده قبل ستين عام تقريبا, همس في أذني قال أنه أخفى عني تفصيلا مهما جدا لا يكاد يعرف به أحد حتى المستر ذاته ويقصد الرجل الإنكليزي ,يا رجل ما تنفك تتحفني بالمفاجأة دوما في اللحظات الحرجة , هات ما عندك قبل أن أركب السيارة ,قال لا ينفع أما أن تنتظر أو ما لا أبوح لك بشيء.
رجعت معه للجلوس في المقهى الصغير المجاور للمرئاب لنشرب الشاي وأنا أتمعن بملامح الرجل وقدرته الفذة على المناورة والتخفي وانتظار اللحظات الحرجة ليضعني في شباك الأمر الواقع، تكلم يا رجل،
_عليك أن تخبر أصدقاءك أولا بما جد معنا ولكن أتمنى أن يكون يشكل لا يفضحنا أمام الناس وأن تطلب من المساح أن يعود لعله يساعد في تتبع ما نريد.
_لكن كيف أخبرهم وأنت تقطع المشهد معي كأنك تخرج فلم بوليسي.
_أخبرهم فقط أنك ستمكث مدة أكثر للتأكد من أمور كثيرة سأتكلم بشأنها أثناء العودة إلى المكان صدقني ستفرحك الأمور أكثر مما وجدت لحد الآن.
_الحقيقة أنا كان بودي أن أجلس أكثر لولا قسوتك مع صهرك الأمر لا يحتمل هذه الشدة وقد يفسد الأمور كلها، كان بالإمكان تسوية الأمر معه أنا لا أحتاج إلا قطعة ذهبية واحدة فقط للذكرى.
_يا أخي لقد أعطيته ما يستحق فهو لم يعمل معنا سوى ليلة أمس قطعة واحدة كانت مجزيه له تماما، كان يريد أن يقتسم معنا بالتساوي ونسي أنك أنفقت الكثير وأمامك الكثير.
_يا حاج أنا من تبنيت المشروع على أساس علمي لا يهمني ما أنفقت كما لا يهمني أن أكسب شيء غير الموضوع العلمي.
_لا يمكن أن أسير وراءه أنه قليل الأدب ولم يحترم ما نحن فيه فأنت ضيفنا ولو كان بيدي لأعطيتك كل ما وجدنا أنها سبع قطع تركية وقطعتان حسب ما تقول جنيه إنكريزي.
_يا حاج أنا أرجع معك بشرط أن تعطيه قطعتين واحده لقاء عمله وواحدة شراء لرضاه وتعميق لروح العمل الجماعي.
_ولكن
_بدون ولكن لم نتعامل مسبقا بالشروط ولكن هذا رجائي إن أمكن أن تقدر رجائي.
_كما تحب يا رجل.
انتهى الحوار عند هذه النقطة وذهبنا للبدالة كي نتصل بأحد من أعضاء الفريق، كانت الاتصالات صعبة جدا ويدوية والمكان لا يتسع، ليست من النوع الحديث الذي نشهده الآن بعد ربع ساعة نادى عامل المقسم علي للتكلم كان صاحبي المساح , تكلمت معه رمزا وطلبت منه الحضور هذا اليوم ضروري وحتما كما طلبت أن يتصل بأي أحد من أعضاء الفريق ويكلمه موجزا بانتظار نتائج مهمة.
كان في الكيس الذي ظفرنا به ليلة أمس من ظاهر الأمر هي كل ثروة الرجل الذي كان يستعين بها أو أخر ما بقي منها، خاصة وأن الحكومة البريطانية المنتدبة على العراق آنذاك لم تهتم لأمره، المعروف أن موتى البريطانيين لهم مقبرة خاصة في بغداد يدفن فيها كل من يحمل جنسية الدولة العظمى أنذاك، أو لربما يكون الرجل ليس بريطانيا خالصا ربما من جنسية أخرى، كل العلامات الدالة ومن ملاحظاته التي دونها في مذكراته تؤكد أنه بريطاني أو من الذين يتكلمون الإنكليزية على الأقل ومن رعايا المملكة التي لا تغيب عنها الشمس.
أحتمالات كثيرة منها أن يكون جاسوسا أو عالم أثار أو مستكشف يعمل لحساب جهة غير معروفة، أو قد يكون حضر بدون علم الحكومة البريطانية وهذا من الاحتمالات الضعيفة. لم نعثر على شيء أخر لا هوية ولا حتى جواز سفر ولا صورة شخصية غير ما كان في الصندوق، سأخبره ذاك البدين الطويل المكرش ..... هذه ليست غنيمة ولا كنز لا تتوهم كثيرا أبو حسين .... لا بد أنه الآن يبدو يتحسس الندم، واحدة خير من لا شيء، سأزوره في داره أقل شيء حفاظا على سرية العملية ومن أن تفتضح أمام الناس.
ذهبنا للاغتسال في حمام المدينة ومن حظي أن الحمام في هذه الأيام لا يفتح إلا في الأسبوع مرة واحدة، معظم الناس تذهب للنهر للاستحمام كرياضة واستحمام مجاني، الحمام قريب جدا من ضفة النهر .... شاهدت منظرا رائعا كثيرا ما أستمتع به وأنا طفل وشاب حتى أنهيت الدراسة المتوسطة وانتقلت مع عائلتي إلى المدينة الأكبر، كم أشتاق أن أعود لتلك الأيام البريئة والفقيرة لكنها ممتعة بنظري الآن، صارحت الحاج كاظم بذلك قال يمكنك أن تسبح قريبا منها هناك مكان جيد للسباحة، قلت إن الطقوس هنا أجمل وأنت تسبح مع الكثيرين نتراشق بالماء وقد نقع كثيرا ضحايا مقالب تجعل للمشاركة طعم أخر.
حاولنا أن نمضي النهار لنقتل الوقت كله في التجول داخل أسواق المدينة يكفيك نصف ساعة على الأكثر أن تحسب بخطواتك كل شوارعها فهي لا تتعدى أن تكون قرية متضخمة قليلا، صحيح أنها في القياسات الإدارية تعد ناحية بل ومن أقدم النواحي في العراق لكنها لا يمكن أن توصف كذلك بسبب الإهمال الحكومي لها ..... أنها مجرد مدينة صغيرة، المهم حاولنا أن نمضي الوقت بقدر ما نستطيع بعد أن تبضعنا الكثير من اللوازم البيتية وأودعناها في أحد المحلات بانتظار أن يحل علينا صديقنا القادم من المحافظة الخبير المساح.
المسافة بين مدينته أو مركز المحافظة والمكان الذي نحن فيه لا تتعدى الساعة والربع كثيرا لو كان معه سيارة خاصة، وهو ما يمكننا أن نضاعفه لو حاول الوصول بواسطة السيارات العامة، العصر حل وقته تقريبا الانتظار ممل جدا لنا وأنا أحاول أن أشتت ملل رفيقي الحاج كاظم وهو يفعل نفس ما أفعل، عسى أن يكون القادم هو، لقد جاء بسيارته الخاصة هذه المرة، سيتيح لنا ذلك كسب الكثير من الوقت.
في الطريق للقرية شرح لنا صديقنا ما أستنتجه من خلال تجربة سنين وما تعلمه أكاديميا وأيضا من خلال مهنته الوظيفية أننا أمام أثار أمام تأريخ مجهول لم يدرس سابقا ولم يلتفت له أحد ... ربما نحن أمام حقيقة التاريخ المجهول بمعنى مجهول ..... مدينة حقيقية بكل أبعادها واتجاهات البناء وأسسه المعتمدة. من قياسات الزوايا وتحديد مطالع الشروق، أيضا من طبيعة الأرض ونوع البناء والكيفية التقنية .... نحتاج الكثير من النظريات التي درسها وتعلمها من مرافقته للآثاريين والمنقبين.
أوضح أن ما يمكن استنتاجه من الخرائط التي جلبها وهي خرائط رسميه ومع المخطط الذي رسمه أن هذه المدينة أصلا كانت محل عبادة لديانة سماوية مقدسة جدا، في الواقع التأريخي لا بد أنها كانت تقع على مجرى نهر كبير، قد يكون الفرات القديم أو نهر مواز له أو شبيه به .... هذه المساحات المحاذية له والكبيرة بشكل طولي تؤكد نظرية الخبير أن هذا المستنقع كانت أصلا مجرى مائي قد لعبت به الظروف المناخية أو تدخل الإنسان به، يتكلم بالافتراضات والاحتمالات العديدة المعززة بالأدلة ... طول الطريق أحاول أركز جديا على بعض الأفكار المنسجمة مما كان يطرحها صديقي، ولكن انشغالي بقضية أبو حسين والصلح معه حاز على كل تركيزي واهتمامي، لذا وقبل أن نصل إلى دار كاظم طلبت منه أن نمر على دار أبو حسين لنأخذه معنا حاول أن يعتذر ولكنه خضع أخيرا وها نحن أمام داره.
سألني أبو ماهر المساح عن أخر التطورات وعن هذا الرجل الذي نقف بالقرب من داره أجبته مختصرا إنه صهر الحاج كاظم ومساعدنا في العمل وسأكمل لك الحكاية لاحقا، إنها توزيع تركة المرحوم المستر شاكو لم يقبل بنصيبه من التركة يظن نفسه أحد أولاده ممن له سهم.
الآن وكما أظن بعض مفاجآت الموقع ستنتظرنا في الإيشان أو في دار كاظم، سنصل قريبا ونرتاح ومع غروب الشمس الهادئ سننطلق، خرج أبو حسين من داره شبه نصف عاري بلباس أبيض طويل ومن غير غطاء الرأس وطلب منا النزول تبادلنا الأعتذار، قال لا يمكنكم الوصول بالسيارة إلى هناك لا بد أن تتركوها هنا ونركب الجرار، أنزل الرجل جميع الأغراض وحمل أبو ماهر حقيبته وأوراقه وحملت حقيبتي وصعدنا الى الجرار الذي جرنا جرا وضجيجا إلى دار كاظم.
فتح الصديق أبو ماهر خرائطه بحضور كاظم وبدأ يشرح لنا كيفية التعامل مع الأرض وبعض ما تعلمه كخبرة من فرق المنقبين، أشار إلى موضع محدد قال أنه كما يظن المدخل الرئيسي والمفتاح الأهم الذي من خلاله يمكننا أن نعرف طبيعة هذه المدينة، المكان وحسب ما أخبرني كاظم هو بالقرب من قبر المستر ومن ذات الطريق الذي دخلنا منه, ثم ضحك ليتأكد من أنه هو خبير أيضا وطلب من أبنه محمد الذي حضر اليوم من عمله أن يجدد الشاي, عرفت وتبسمت بوجهه وقلت الآن حل الكلام الحلال كما يبدو.
_نعم هذا هو الأمر الذي وعدتك به هناك فتحة كبيرة بحدود مترين ارتفاع وعرض متر لكننا لا نجرؤ أن ندخل فيها كان المستر قد حفرها بيده ونصب خيمته هنا ولما مات دفنه جدي بالقرب من الفتحة هذه ووضعنا العلامات الحجرية كدليل للقبر كي لا تضيع المعالم.
شرع أبو ماهر يسأل كاظم عن اتجاهات الفتحة فأشار إلى أنها وحسب الوقع تشير لمسار يمتد من المشرق بأتجاه المغرب وأنه لم يتقدم أي شخص غيرنا متر واحد فيها، قال أخبرني أبي أن جدي قد دخل مسافة مهمة لا أعرفها بالضبط ولكنه قدرها بحدود مئة خطوة وعندما خرج منها بعد أيام حلت اللعنة عليه، بالنتيجة كما فهمت من أبي أنه أخرج شيئا ما لا ندري ما هو وحمله معه إلى المدينة، لا نعرف لمن سلمه وأين حل به القرار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصدمة علي وجوه الجميع.. حضور فني لافت في جنازة الفنان صلاح


.. السقا وحلمى ومنى زكي أول الحضور لجنازة الفنان الراحل صلاح ال




.. من مسقط رأس الفنان الراحل صلاح السعدني .. هنا كان بيجي مخصوص


.. اللحظات الأخيرة قبل وفاة الفنان صلاح السعدني من أمام منزله..




.. وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما