الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل -السورية- هوية وطنية جامعة

منذر خدام

2018 / 7 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


هل " السورية " هوية وطنية جامعة
منذر خدام
توصلت في مقالة سابقة بعنوان "وهم الهويات الكبرى" إلى القول بأن الهويات الكبرى القومية او الدينية كانت مجرد وهم ( قل أيديولوجيا) اعتاش عليه الخطاب الديني والقومي، الإعلامي والثقافي وغيره لفترات طويلة، حتى استفاق أصحابه، أي من تحددوا في الخطاب الوهم كعرب( أمة عربية) أو كمسلمين(امة اسلامية) وحتى كهويات وطنية(في إطار الدول القائمة) على واقع يقول غير ذلك. العرب في الواقع يتحددون من خلال أشكال وجودهم الأهلية أي من خلال قبائلهم وطوائفهم ومذاهبهم وغير ذلك من هويات صغرى. فالهويات الكبرى لا تعدو كونها نتاج مغامرة ذهن جامح يحاول تعيينها في الواقع باستخدام صور ذهنية ،سماها مفاهيما، أو مسميات، توهم أنها تقبض على موجودات متعينة في التاريخ، غير أن هذا الأخير سرعان ما كشف زيف ما هو وهم أو افتراض(أيديولوجيا)، وحقيقة ما هو واقعي و تاريخي.
فإذا كان العرب قبل الإسلام قد تحددوا بهوياتهم القبلية والعشائرية وحتى بأفخاذ منها، صاروا بعد الإسلام يتحددون بالإضافة إليها، بهويات دينية صغرى كثيرة. إنهم اليوم يختلفون حتى على الله، وعلى رسوله، وعلى القرآن وتفسيره، وعلى مناسك الإسلام وطقوسه، ويتحددون بناء على ذلك في التاريخ كهويات صغرى ( مذاهب ومدارس وطرق دينية متعددة ومختلفة)
الهويات الوطنية "العربية" الكبرى هي هويات جغرافية وليس مجتمعية، بمعنى ان المصري او السوري او العراقي وغيرهم هم كذلك بدلالة الجغرافيا المصرية او العراقية او السورية، وكذلك بدلالة اللاصق السياسي(النظام) لهذه الجغرافيا. في الواقع التاريخي كل دولة عربية تقوم فعلياً على بنية مجتمعية غير انصهارية، متعينة من خلال هويات صغرى عديدة، بعضها ديني ومذهبي، وأغلبها قبلي وعشائري، وحتى جهوي ومناطقي. وما إن يزول اللاصق للهوية الوطنية الكبرى، أي للدولة، وهو الدكتاتورية، حتى يتم الارتداد إلى الهويات الصغرى، فتصير القبيلة والعشيرة والمذهب، وحتى الزعامة ضمن المذهب، بل والجهة أو المنطقة، هي الهويات المتميزة الفاعلة. في العراق بعد زوال الدكتاتورية التي كانت الشرط الحاسم لوجود هوية العراق كهوية كبرى، ارتد العراقيون إلى هوياتهم الصغرى المنحدرة في الصغر من المذهب، إلى التيار ضمن المذهب، إلى الزعامة الدينية، إلى العشائر وأفخاذها وغير ذلك من هويات صغرى.
في ليبيا واليمن أيضا حصل الشيء ذاته، فما إن سقطت الديكتاتورية حتى سقطت الدولة كهوية كبرى معها، واليوم يتعين الليبيون واليمنيون افتراضاً من خلال دولة ليبيا ودولة اليمن كهوية كبرى، لكنهم في الواقع يتعينون من خلال قبائلهم، ومذاهبهم، وجهاتهم، ومناطقهم، واثنياتهم، وعائلاتهم، وغيرها من هويات صغرى تؤكد ذاتها من خلال الصراع.
في لبنان الذي انشأ أصلا على اساس الهويات الصغرى الطائفية والمذهبية، يعجز حتى اليوم عن انشاء هوية وطنية جامعة في دولة تقوم على بنية مجتمعية مندمجة. حال سورية في هذا المجال لا يختلف عن حال بقية الدول العربية إذ برهنت الأزمة الجارية خلال سنواتها السبع ونيف، ان الدكتاتورية مستمرة كلاصق لهوية كبرى سورية مفترضة (جغرافية) ، مع أن هذا اللاصق قد تصدع وتشقق كثيرا. فالدكتاتورية ذاتها التي يفترض بها ان تكون لاصقا للهوية الوطنية تستخدم الهويات صغرى كمواد لاصقة للدفاع عن استمرار وجودها، من قبيل الهويات الطائفية والقبلية والعشائرية وغيرها. الصورة على جبهة المعارضة أكثر وضوحا، يميزها تعدد الهويات المقاتلة. فرغم أن جل المقاتلين على الأرض من المفروض أن تجمعهم هوية كبرى ، فهم يقاتلون من أجل إسقاط الديكتاتورية، وبناء دولة الخلافة على "منهاج النبوة" كما يزعمون، تحت رايات " الله أكبر"، إلا أنهم في الواقع يتحددون من خلال هويات صغرى، قائمة أساساً على الغنيمة. وكما كان الحال في صدر الدعوة الاسلامية، فإن الجماعات المقاتلة في سوري في الوقت الذي كانت رايات" الله اكبر" تحلق عاليا، كانت تمشي على الأرض بأرجل الغنيمة.
إن الهوية أيا كانت كبرى أو صغرى تتحد في الواقع التاريخي بعاملين أساسيين هما: توافر المصلحة، ووحدة الإرادة لتحقيقها و الدفاع عنها. تمثل المصلحة الشرط الموضوعي لوجود الهوية، لكنها لوحدها ليست كافية ، فلا بد من توافر الإرادة لتحقيقها والدفاع عنها كشرط ذاتي، وهذه الأخيرة يشترطها توافر الوعي بحقيقتها والاقتناع بها أو الايمان. في حالات كثيرة، يقدم التاريخ شواهد عليها، تكون المصلحة متوافرة لتكوين هوية ، لكن لا يتوافر الوعي الكافي بضرورتها، وبالتالي تغيب الإرادة المشتركة لتحقيقها، فتظل هذه الهوية في دائرة الافتراض كمغامرة ذهنية وهذا هو حال العرب عموماً. لكن التاريخ يقدم شواهد على حالات معاكسة، بمعنى أن وجود الوعي بضرورة هوية معينة، حتى ولو كانت قائمة على مصلحة مفترضة، فإن توافر الإرادة لتحقيقها، يحولها من دائرة الافتراض إلى دائرة التاريخ فتصير فيه تعبير عن مصلحة موضوعية إلى حين، طالما استمر الوعي بضرورتها، وتوافرت الإرادة المشتركة للحفاظ عليها والدفاع عنهاـ المثال النموذجي على هذه الهوية هو "اسرائيل".
في سورية كما في الدول العربية الأخرى لا يزال المحرك الرئيس للتاريخ فيها هو الهويات الصغرى، الدينية والمذهبية، والقبلية والعشائرية والجهوية وغيرها، وبالتالي فهي وحدها الواقعية، وما عداها فهو لا يعدو كونه هويات مفترضة. وإن الحفر عن أسباب هذا الواقع التاريخي لا بد ان يقود إلى سببين رئيسيين: الأول منهما كامن في المجال الاقتصادي حيث يهيمن الاقتصاد الريعي، والثاني كامن في المجال السياسي حيث يسود الاستبداد. في الاقتصاد الريعي، وخصوصا ذلك المتوجه نحو الخارج لا ينشئ روابط اجتماعية مدنية متجاوزة للروابط الأهلية، غير ان الاقتصاد الانتاجي الربحي يستطيع إنشاء مثل هذه الروابط، وتحطيم البنى الأهلية، وما تؤديه من وظيفة ودور في التركيبة الاجتماعية، لصالح صهر البنية الاجتماعية واعادة تكوينها على أسس طبقية ومدنية.
من جهة أخرى يقوم بين الاستبداد والبنى الاجتماعية الأهلية( الهويات الصغرى) تكامل وظيفي، فهي بالنسبة له تشكل الخلفية الاجتماعية ، وهو بالنسبة لها يشكل الواجهة السياسية . وما إن تنكسر الواجهة السياسية حتى تتقدم البنى الأهلية لتمارس وظيفتها السياسية مباشرة، وهي وظيفة تفتيتية بالضرورة.
الحل لهذه الاشكالية المعقدة يكمن من جهة بالانتقال إلى الاقتصاد الانتاجي الربحي، ومن جهة ثانية الانتقال من الاستبداد إلى شكل محدد من الديمقراطية. أقول الانتقال إلى شكل محدد من الديمقراطية، يمكن ان يساعد على صهر البنية المجتمعية في هوية وطنية جامعة، وليس ابقائها مركبة من هويات صغرى. في هذا النظام الديمقراطي لا بد بداية من التمييز دستوريا بين مستوى السلطة المركزية للدولة، والسلطة المحلية على مستوى المحافظةـ بموجب هذا التمييز يتم نقل صلاحيات كثيرة من السلطة المركزية إلى السلطات المحلية، وبصورة خاصة تلك الصلاحيات التي لها علاقة مباشرة بحياة المواطنين( الخدمات بصورة رئيسة). وثانيا لا بد من اعتماد النظام الانتخابي النسبي والدائرة الواحدة، بحيث يتم التصويت لقوائم وبرامج حزبية او تحالفات سياسية. في سورية نحن بحاجة لتجاوز ما اظهرته الأزمة او أفرزته إلى نظام رئاسي برلماني مشترك تتمتع فيه مؤسسة الرئاسة بصلاحيات تنفيذية واسعة، في حين يحتفظ البرلمان بالصلاحيات التشريعية والرقابية. وفي مجمل الأحوال ينبغي في قانون الأحزاب عدم السماح بتشكيل احزاب سياسية على أسس أهلية( طائفية او مذهبية او قبلية وعشائرية)، بل احزاب وطنية او قومية. في هكذا نظام ديمقراطي يسمح فقط للأحزاب السياسية الوطنية او للتحالفات الحزبية ( أي المنفتحة تنظيميا وبرنامجيا على جميع السوريين) بالاشتراك في الانتخابات. اما على مستوى السلطات المحلية في المحافظات فيمكن أن تتنافس الأحزاب الوطنية مع الأحزاب المحلية المنفتحة أيضا على جميع السوريين، أو القائمة على أساس قومي، للفوز بالسلطات المحلية( مجلس تشريعي محلي، وحكومة محلية وحاكم منتخب) يحدد القانون الأساسي للدولة( الدستور) مجال صلاحياتها. وهنا أيضا ينبغي اعتماد النظام الانتخابي النسبي. بهذا الشكل ومع تطور المجال الاقتصادي والسياسي سوف تفقد الهويات الأهلية أية وظيفة سياسية او اجتماعية أو اقتصادية لها في إطار الدولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن