الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وأدتُك قلبي: رواية : الجزء الثالث

صبيحة شبر

2018 / 7 / 9
الادب والفن


الجزء الثالث من رواية ( وأدتُك قلبي )
(31)
الفرحة لاتسع باسمة سعيد ، تود لو تقوم من مكانها الذي الصقتها به قوة جبارة وان تقبل الناس جميعا ، لتعلن عن سعادتها بهذا اليوم الذي انتظرت قدومه طويلا ، تود الضحك والرقص ، ولكنها تجد جسدها لايطاوعها في الحركة ، يظل ثابتا في مكانه ، وهي لاتود ان تسبق الأحداث ، الحبيب المعشوق من يجب ان يتحدث اليوم ، وهي تصغي الى حديثه العذب الذي تراه كالغيث ينعش الأرض الميتة ان سقط عليها ، سوف تحيي كلماته الجميلة قلبها الذي كان في سبات ، ثم ايقظته قوة النداء فجاء هارعا من بلاد بعيدة ، ليتوج ايام الحرمان بفرحة تدوم مدى العمر ، سوف تكون الايام القادمة زاخرة بالجمال والبهاء لأنها اخيرا وجدت الرجل الذي انتظرته طوال العمر ، انها تولد الآن ، في هذه اللحظة سوف يعلن الحبيب حبه لها ، سوف لن تسأله عن الأيام الماضيات ، فهي تعرف ان حبيبته الأولى لم يعد لها مكان في قلبه الكبير الذي يشبه البحر في عمقه..
تقول الشقيقة:
- سوف نخرج هذه الليلة لنسهر معا انا وانت واحمد وشقيقاتي الثلاث
- مرحبا بكم جميعا..
- احمد لايسهر لوحده ، فهو يختلف عن الرجال الذين يتركون اخواتهم في المنزل ، ويخرجون مع الأصدقاء والصديقات أحيانا..
- جميل هذا التصرف.
- سوف نخرج كلنا بعد قليل وحين تكمل الشقيقات استعدادهن للخروج..
تسعد باسمة سعيد بما سمعته من الشقيقة ، اهتمام الرجل باخواته وأسرته يجعله مهتما بزوجته ، هذا ما كانت تؤكده النساء الخبيرات بالحياة وتناقضاتها، تشغل الشقيقة المسجل ، فيهل صوت فيروز الساحر ، وهي تصدح باغانيها الجميلة ، بكتب اسمك ، يا مرسال المراسيل ، حبيتك بالصيف، من عز النوم ، وقّف يا اسمر..
تدخل الشقيقات الأربع غرفة الضيوف وهن بأتم الاستعداد ، وتخشى باسمة ان تكون اقلهن اعتناء بالمظهر واستعدادا للخروج في سهرة موسيقية.
تسير الشقيقات مع اخيهن ، وهن مستبشرات ، تسير باسمة سعيد معهن ، يصلن الى مكان الاحتفال ، الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ، صفت الطاولات في الحديقة التي تحيط بها الأشجار ، وتضوع الورود بعبيرها الأخاذ من جوانب الحديقة ، الكل فرحون بهذا الحفل الذي يجرى في بداية كل شهر ، فيجدد الناس نشاطهم ، ويجد الأدباء والكتاب حافزا يجعلهم يقبلون على الكتابة بفرح وسرور ، ولا يشعرون انهم قد قيدت حركاتهم او فرضت عليهم تحركات معينة او كلمات واحدة يرددونها كالببغاء ، الجميع كانوا يشعرون بسعادة طاغية وهم يظنون ان ايام الفرح والتآلف بين ابناء الشعب سوف تتواصل باستمرار ، ولن يجري وأد هذا الفرح الذي يشعر به الحاضرون الى الاحتفال وهم الأدباء والشعراء..
- ماذا تحبين ان تشربي؟
- بيرة
- انا ايضا احب البيرا ، سوف اطلب ست قناني لنا ولشقيقاتي..
تقدم اواني المزة ، اللبلبي ، الباقلاء ، الفستق ، الجاجيك
- في صحتك
- في صحتك
تبدأ الفرقة الموسيقية بعزف الحانها الراقصة ، يقوم الحاضرون يودون الرقص على الانغام الجميلة التي يسمعونها ، يأتي احد اصدقاء احمد ويطلب باسمة للرقص ، تود الرفض ، ثم تدرك اخيرا ان الرفض لايجوز. تهب الى الرقص مع من طلبها وتعود الى الطاولة التي يجلس حولها الحبيب ، يأتي طالب ثان:
- هل تسمحين لي بهذه الرقصة؟
- اذهبي معه ، لماذا لاتذهبين ؟
- ولماذا لاترقص انت ، اطلبني انت للرقص!
يبتسم احمد ويصمت ، تهب باسمة للرقص ثم تعود ، تجد ان قنينة البيرة قد نفذت ، تهيمن على قنينة احمد الذي نعلو الابتسامة محياه عندما يراها تسطو على قنينته! ينتهي الحفل الموسيقي في ساعة متأخرة ، يعود احمد وشقيقاته وباسمة الى منزل احمد ، يتمشون الى المنزل ، احلام كثيرة تراودها ، تود لو وجدت الشجاعة لتحقيقها ، ماذا يحدث لو امسكت بيد احمد وسارت به الى المنزل كما يفعل العشاق ؟ تسرع في سيرها ، وتحقق امنيتها ÷، تمسك بيد احمد والجميع يتمشون ببطء الى منزلهم ، الحرارة تحرق يدها وتصل الى جسدها كله فتجد ان الحريق يشعل كيانها ، مسكة واحدة تعمل كل هذا الحريق ، يصلون الى المنزل ، تسرع باسمة وكأنها تهرب من نار تكاد تحرقها ، ترى احمد يركض خلفها محاولا احتنضانها ، لكنه لا يفعل ، لماذا لم يفعل ما كانت تتمناه دائما ؟ هل هو يستحي مثلها ، لم تحضن احدا ولم تمسك بيد رجل وهي تسير امام الناس ، تصعد الدرجات بسرعة ، فتصل الى السطح ، تقول لها شقيقة احمد الكبرى :
هل تريدين الزواج :؟ احمد يريدك زوجة!
(32)
نسير معا الى حفلة اتحاد الأدباء ، والتي تقام في بداية كل شهر ، يجتمع الأدباء والشعراء مع عوائلهم ، فيقضون وقتا سعيدا ممتعا ، كانت شقيقاتي فرحات ، أدركن انهن يقضين معي سهرتهن كل شهر ، وهذا يجعلهن يطالبن بحقوقهن حين يتزوجن ، فلا يجرؤ الزوج على السهر لوحده ، وترك زوجته وحدها تعاني الوحدة الموحشة ، وتنتظر سلطان الزمان متى يمكن ان يتذكر ان له منزلا، ادرك تماما ان الرجل في مجتمعنا الذي يقدس الذكورة ، يعطي الرجال حقوقا متميزة لانثيل لها في العالم ، لهذا اخرج في السهرات مع شقيقاتي اللاتي يحببني كثيرا.
ارى باسمة سعيد تسير مع شقيقاتي ببطء ، أجد انها تجهد كي تلحق بالشقيقات ، أتساءل بيني وبين نفسي ، كيف استطاعة السنون القليلة التي مضت على تخرجنا الجامعة ، ان تجعل باسمه الرشيقة بهذه البدانة ، ماذا فعل الدهر لتلك الغزالة الشاردة ، التي كان يصرب المثل بسرعة حركاتها ومهارتها في الجري ، تلاحظ شقيقتي سندس بطء باسمة ، فتحاول ان تبطيء قليلا من سيرها ، وان يكن معا في هذه الليلة.
نصل حديقة الاتحاد ، ونسمع أنغام الموسيقى وقد صدحت تشنف الأذان ، هويتي في الاتحاد سمحت لي ان تدخل معي اسرتي في بغداد والمكونة من شقيقاتي ، جلست باسمة سعيد والشقيقات حول احدى الطاولات، ارى ان الحياء الشديد قد أنهكها ، وربطها بقيود ، تبذل جهودا كبيرة كي تنقذ نفسها مما يؤثر على سلامة حركاتها ، مما يجعلها صامتة طوال الوقت ، ابتدأت دائرة الراقصين والراقصات تتحرك في وسط الحديقة ، وترفص على صوت الأنغام الجميلة.
جاء احد أصدقائي وطلب باسمة للرقص ، حاولت ان تتملص من طلبه في البداية ، لكنها وافقت وقامت ، الاحظ حركات هذه الباسمة ، وأجد انها ليست كالفتيات ، لاتحسن شيئا ، ربما القراءة التي كانت تحبها كثيرا ن، أيام زمان قد فارقتها ، لم تعد تحب تلك الهوايات الجميلة ن التي تضيف للانسان عبقها وعبيرها ، ربما أصبحت باسمة نهمة للطعام ، مما أكسبها سمنة مفرطة ، لاتليق بمن كانت في سنها.
تعود باسمة مع صديقي الى مكانهما ، تجلس قليلا ، يطلبها عدنان وهو اعز صديق لي ، تمانع اولا:
- اذهبي للرقص مع عدنان ، لماذا لاتذهبين!
- لماذا لاتطبني انت؟
اجد ان قنينة البيرة قد جعلت باسمة تتحرر من حيائها التعيس ، تقوم للرقص وتبذل جهدا لابأس به ، كي تبدو انها ليست اقل من الفتيات في الاقبال على المهارات القليلة التي تكسب الفتاة خفة ولياقة تبعدها قليلا من التعليمات المتحجرة التي تجعل منهن مخلوقات بائسات.
تعود باسمة الى الطاولة ، واجد ان لسانها قد حلت عقدته ، فأستغل هذه الفرصة ، وأستذكر معها حديث السنوات الجميلة التي انقضت ..
كانت سهرتنا ممتعة ، جرجنا من جنائن الاتحاد في ساعة متأخرة، تمشينا معا الى المنزل ، كانت شقيقاتي معا ، وانا اسير وحدي ، لاحظت ان باسمة سعيد تسير لوحدها ايضا ، فجأة اخذت تسرع في سيرها ، لحقت بي، أمسكت بيدي ، كأن عصفورا صغيرا حط في راحتي ، انتعشت نفسي ، وأينعت ثمار قلبي ، ماذا صنع الحب ؟ فغير طبيعة باسمة الحيية ؟ لكنها وهي في تلك اللحظة الغنية من فيضان المشاعر وتوهجها ، لم تستطع ان تنطق بكلمة ، سرنا متشابكي الأيدي مسافة قصيرة ، ثم تركت يدي ، وأسرعت في سبرها ، لحقتُ بها آملا ان اضمها الى صدري ، واحضنها ، أعشق انا الفتيات الجريئات ، اللاتي يعبرن عن توهج مشاعرهن بطريقة جميلة ، سارت باسمة بسرعة ، ودخلت المنزل وكأنها تهرول، ثم صعدت الدرج ، حاولت اللحاق بها ، لكن سيولا من الخشية قد اجتاحت نفسي ، فأيقنت شقيقتي سندس حقيقة امري ، وهرعت الى الضيفة باسمة سعيد تحدثها برغبتي بالاقتران بها ، لاادري كيف عرفت سندس انني تلك اللحظة كنت شغوفا بباسمة، راغبا في لثم ثغرها ، متمنيا ان يضمنا مكان واحد ، لنتبادل كما العصافير ، رغبتنا في بناء عش سعيد...





(33)
تفقد باسمة القدرة على الكلام ، ماذا يجب ان تقول؟ تجد نفسها عاجزة عن النطق ، تذهب في غيبوبة ، لاتسمع ماذا يقولون لها ؟ وخاصة احمد الحبيب الذي طال انتظارها له ، لماذا لاتستطيع الكلام في مثل هذه المناسبات ، ولماذا تجد نفسها ضعيفة عاجزة عن فعل اي شيء ،في قصص الحب التي يعترفون بها لها ، تتمتع ببعض الجمال وبعص الخصال التي تثير اعجاب الناس وخاصة الرجال ، ولكن لماذا ينتابها الخرس حين يعبر لها احدهم عن حبه لها واشتياقه ورغبته ان تبادله الشعور بمثله ، واحمد لم يعترف لها بالحب ، ولم يطلبها للزواج ، بل ارسل شقيقته لتحدثها عن رغبته بالزواج منها، لماذا لجأ احمد الى هذا التصرف ؟ هل لأنه يعرفها تمام المعرفة وقد قضيا معا اربع سنوات من العمر في الجامعة ، وكانت باسمة كل مرة تستمع فيها الى اعتراف احدهم بالحب ، حتى تفقد القدرة على النطق وتبتعد عن الرجل الذي اعترف بمشاعره الحقيقية نحوها ، اي سر تخفيه هذه المخلوقة ؟ ولماذا تتصرف وكأنها عاجزة عن تقبل مشاعر الحب التي تحتاجها كثيرا ان اعترف احدهم بحبه لها ، وخاصة اؤلئك الذين تعجب بشمائلهم وتتوق الى سماعها منهم والتمتع بحرارتها ؟ باسمة لاتدري لم هذا التصرف ، واحمد لايدري ايضا ، وهو يحبها كثيرا ، لكنه يطلب من شقيقته ان تفاتحها برغبته بالزواج منها ، وهي الفتاة المثقفة ، التي ترفض الزواج الا ان كان بعد قصة حب حقيقية ، تكون المشاعر واضحة والأحاسيس مشتعلة تغلي كبركان يريد ان ينتفض ، كل ما يقوم به احمد من تصرفات واقوال تشي بحقيقة ناصعة انه متيم بها ، ولكن تصرفها لا أحد يعلم اسبابه ، وحتى هي تجهل لماذا ينتابها الخرس وتذهب في غيبوبة طويلة ان اعترف احدهم بحبه لها، كل ما تقوم به باسمة من اجل الحصول على حب لاينتهي ، فلماذا يصيبها داء الخرس وتظل عاجزة عن ابداء رأيها فيما يحدث حولها من امور.
يزداد حبها لأحمد لهيبا يشعل القلب والعقل معا ،ويرغمها على الصمت ، تشعر ان ينبوعا من الحب ينمو باستمرار في حدائق قلبها المتيم ، فينعشه ، لكنها تظل ظمأى الى كلمة من الحبيب ترويها وتنعشها ، ولكن كيف للحبيب ان يتحدث وهي خرساء وصماء ،لاتسمع ولا تعي ما يجري حولها من امور عصية على الادراك والفهم السليم ، هل هي مريضة ؟ لتتصرف هكذا ؟ وهل اصابتها أسقام الروح لتبدو حائرة ،لاتعرف اي الطرق تسلك؟ لم تبدو ضعيفة ؟وهي التي يشهد الجميع بشجاعتها بأصعب المواقف وأبشع العراقيل ، واحمد معذور في لجوئه الى الشقيقة كي تعرب عن رغبته بالاقتران بمن احب...

(34)

ربما افقد القدرة على تملك مشاعري ، حين اجد المرأة قد أصابتها الحيرة ، لم اكن احب باسمة ، بل كنت اعجب بخصالها الكثيرة،أريدها زوجة تحفظ بيتي وتحافظ على أسرتي التي سوف ننشئها معا ، أرسلت شقيقتي سندس لتخبر باسمة اني ارغب بالزواج منها ، لا أدري لماذا ظنت سندس انني احب باسمة ؟ انا لااعشق النساء الخجولات ، ويفكرن ألف مرة ان عشقهن الرجل ، كيف يكون ردهن على العشق الجميل ؟ الفتاة في بلادي مكسورة الجناح ، عاجزة عن القيام بما تريد ، دائما هناك مراقب ، يحصي عليها الحركات والسكنات ، وكل كلمة تصدر منها تفسر بما يريد السامع ، قد يضيف على ما سمعه الملح والبهارات لتبدو حكايته اقرب الى التصديق ، فتياتنا محرومات من أيسط الحقوق التي نجد نساء الأرض يتمتعن بها ، وكثيرا ما تتهم المرأة الشجاعة في قضايا الحب بما يثلب سمعتها في مجتمعنا الذي يجعل شرف الرجال محصورا بين ساقي النساء ! اي شرف هذا! ولهذا تجد النساء المسكينات مترددات امام قصص الحب /ن التي طالما حلمن بها ، ما ان نقلت شقيقتي سندس لباسمة اني اتوق الاقتران بها ، حتى تبدلت ملامحها ، وهذا الوجه الهاديء الباسم انطبعت عليها كل علامات التوتر ، ألم تحلم باسمة بالزواج ؟ الا تداعب الرغبة بالتمتع بأحضان الرجل عقلها وكيانها كلها ، جميع أصدقائي كانوا يخبرونني ان باسمة معجبة بي ن ولعلها تحمل أكثر من الاعجاب ، وبعضهم يزعم انها تحبني ، فهم يقولون انها كثيرا ما تردد اسمي ، وانا غالبا ما كنت اجدها امامي ، في كل مكان اتوجه اليه ونحن طلاب في جامعة بغداد ؟ هل كانت ترغب ان اعترف بحبي لها ؟ اعرف بعض الأصدقاء اعترفوا بحبعم لباسمة فتصرفت معهم تصرفا غريبا ن وابتعدت عن طريقهم ، هل ان باسمة مثل بلقيس ؟ وهل كل فتاة عراقية تحمل في دواخلها صفات المرأة التقليدية التي تجاري اعتى الرجعيات وتحاول ان تئد الحب في أعماقها ، كي لايتهمها احد بما يسيء الى سمعتها ؟ اين التقدمية واين ذهبت دعاوى المطالبة بالمساواة ؟ لماذا تملك النساء في بلادنا كل صفات الشجاعة حين يتعلق الأمر بالفكر والاسياسة ؟ وتصاب بالخرس في قضايا الحب ؟ اي حياة هذه ؟ وهل انا مثلهم ؟ اسارع الى التمتع بأحضان نهلة والارتواء بما يتضمنه جسدها من ينبوع يروي ظمأي للحب لاينفذ ، واطلب الاقتران بفناة تجسد العقل والاتزان وتتصف بكل ما يثير اعجاب العجائز والشيوخ الذين مضى بهم الدهر ، لكني بريء مما اتهم به نفسي ، فقد طرحت على نهلة رغبتي بالاقتران بها مرات عديدة ، وكانت كل مرة ترفض اقتراحي ، معللة رفضها ان الزواج في بلادنا يقتل الحب ، وان الرجل مهما كان شجاعا وتقدميا ، فانه سوف يترك زوجته تعاني الأمرين من اخواته المتسلطات ومن امه التي تريد الاستبداد ، ونهلة جربت الزواج ، وما يجره من ويلات تقضي على كل الأحلام في حياة سعيدة ، فبقيت ترفض طلبي ، وظللنا نتمتع معا بكنوز من الجمال تهبه لنا علاقتنا الغرامية ، والتي اراها فريدة في مجتمع يؤثر الكذب والادعاء على الصدق .
سوف لن انتظر رد باسمة على طلبي كثيرا ، ان طال صمتها سوف اجعل الوالدة تخطب لي سميرة ابنة خالتي ، فهي لايمكن ان تسكت ان حدثتها الوالدة عن رغبتي كما كان الأجداد يحدثون بناتهم ، اي مجتمع مسكين نحن ؟


(35)
يستبد الحب بباسمة سعيد ويسيطر عليها ، تود ان تقبل جميع الناس وتراقصهم ، وتسمعهم اغاني الوجد والهوى ، تشغل المسجل على اغنية اهل الهوى لأم كلثوم ، تتمايل مع الألحان العذبة ، وتنهمر دموعها مدرارا لأنها عاجزة ان تبث ما تشعر به من لوعة الحب وآلام الغرام ، وبودها ان تعرف لماذا هي دون فتيات العراق يصيبها الخرس في مثل هذه المواقف ، وتبدو صماء امام نداء القلب الذي يشتعل اواره ، تضحك حينا وتبكي احياما أخرى وهل تجهل طبيعة نفسها المخفية في اللاشعور في الأعماق ، ولماذا تشعر بالحرمان من لمسة الحبيب ومصافحة من ترغب بلمساته ، تود لو تحضنه وتضمه الى قلبها المتيم الولهان : ام كلثوم تقول بلوعة:- -
- يطولوك يا ليل ، المتألم ، وفيهم كسير القلب ، آه و الذي كتب شكواه ولم يتكلم ، واللي اعد بعد الحبايب وحده وبقى حزين ، يشكي هيامه ووجده ، يشكي ولا مخلوق ، يشكو ولا مخلوق ، سمع شكواه ، اا الكواكب في السما سمعاه ، يطولوك ياليل ، يا ليل يا ليل يا ليل ، بالسهد والأفكار ÷، والشمس بعد الليل تطلع عليهم نار نار وبعد طول الويل ..
تنتهي أغنية ام كلثوم التي تثير الشجون ، فتعيد باسمة تشغيل المسجل على نفس الأغنية ، وتظل تردد نجواها والكل نائمون ، وضعوا قلو بهم وأجسادهم بين سلطان الكرى ، الا باسمة فقد أضناها الوجد ، واستبد بها الغرام ، لماذا لاتستطيع ان تحضن الحبيب وتضمه الى صدرها ، لماذا لاتدعه يقبلها وقد ظلت تشتهي قبلة من حبيب كل السنين /التي عاشتها تشكو من الظمأ المستمر المتعب ، اية قوة تهيمن على ارادتها وتجعلها تحرم نفسها وقلبها من امور تتمتع بها كل الفتيات ، اين احلام النساء واين الحقوق ؟ واين الرغبة في المساواة ، ؟ هل انتهت كل هذه المفاهيم الجميلة التي ناضلت من اجلها الى سراب يظنه الظمآن ماء؟
ماذا يفعل احمد منصور الآن ؟ لابد انه استسلم لسلطان الكرى بعد ان جعل شقيقته ، تعرب عن رغبته بالاقتران من باسمة بكلمات ، لم تستطع ان تطفئ ما بداخلها من سعير ، وان تبدد النار التي تحرق كل قوة ، انتظرت حبا ، واذا به يطلبها للزواج ، كثيرون طلبوها للزواج ، فهي مثقفة وموظفة ومن اسرة غنية ولها حساب في المصرف وجميلة ايضا كما يقولون ، هل تتزوج كأي امرأة وهي التي ظلت تحلم بالحب الذي يحيل حياتها الى جنة تجري من تحتها الانهار ، تجري جداول من السعادة في اديمها وتغرد الأطيار وتشدو البلابل ، اعذب الألحان ، انتظرت رجلا معينا واحدا من بين الرجال ، هو احمد منصور ، الذي لم يحدثها عن الحب كما تشتهي وانما طلبتها شقيقته للزواج ، اية نقمة حلت بها ، هل تسعد ام تشقى ؟ وهي ترى احلامها تتساقط كأوراق الخريف ، وامنياتها بالحب تذبل وتزول ألوانها المتلألئة بالجمال ، هل العيب منها ؟ ولماذا تضعف امام بوح الحب وتختفي قدرتها على الكلام ؟ ماذا يجري لها ، واية مخلوقة هي ، تبدو الشجاعة عليها بأعلى صفاتها ، فاذا ما حان اوان الحب فقدت النطق والسمع والبصر...
تعيد تشغيل المسجل ، وام كلثوم تصدح بأغنيتها الجميلة ، والحب المفقود الذي انتظرت ان يكحل عينها بعد ان املت كثيرا ان يأتيها مع الحبيب المعشوق ، هل ترقص؟ تفقد الرغبة ايضا وقد اعياها السهد ، ماذا يجب ان تفعل ، هل تحدثه عن عشقها الطويل وانتظارها له كل هذه السنين ، تشعر انها جثة هامدة ، ليس بطاقتها ان تبدأ العمل في مدرستها وتقوم بتعليم الطالبات وهي بهذا التعب الذي يبدو على ملامح وجهها ، لماذا سارعت اذن ونقلت عملها من الكويت الى بغداد ؟ هل كانت تعلم ان الحب المنتظر والمأمول ، سوف يغدو طلبا للزواج ، وكأن الحب لم يبن له في القلب اشجارا باسقة ، اثمرت ورودا زاهية ،عبيرها يسر القلب ويجعل الانسان سعيدا يحمد الله على كل نعمه ، لاحت تباشير الفجر وهي لم تذق طعم النوم ، هي تحب عملها وطالباتها ،وسوف تنهض من فراشها بكل نشاط،
يوم انقضى وليلة مسهدة ولت ، و باسمة تأمل ان يكون الغد اجمل..


(36)

تتغير باسمة سعيد كثيرا بعد ان أبدت شقيقتي رغبتي بالاقتران منها ، اختي تتعجب لماذا اصبحت باسمة تطيل الصمت ، اعرف انها قليلة الكلام ، تنطق كلمات ، فاذا لم تجد من يصغي بانتباه ، سكتت ، لكنها بعد سماعها عرضي بالزواج صارت لاتتكلم ، وتكثر من الصمت ، احيانا تبتسم واحيانا اخرى يبدو عليها التفكير العميق ، لا ادري ماذا ألم بها ، هي مخلوقة غامضة ، تقرا كثيرا ولا تعبر عما كانت تطالعه من الكتب ، وكأنها تحتفظ بالمعلومات ،التي استمدتها من الكتب لنفسها فقط ، كنت انتظر ان تقوم بالاجابة عن طلبي فتوافق بالزواج مني ، ولكن انتظاري طال ، وصبري أوشك على النفاذ ، واسرتي ما زالت تطالبني بالوفاء بنصف ديني ، ونهلة حبيبة الروح والجسد ، ما فتئت تردد على مسامعي كلما حدثتها بأحلامي ان نكون معا دائما وان تجمعنا ظلال الحب الدائم الوارف :
- الزواج يقتل الحب
كدت افقد صبري وانا اجد باسمة سعيد غير ميالة للاجابة ، وكأن شقيقتي اقترفت اثما حين صارحتها برغبتي بالزواج ، ماذا كانت تأمل باسمة مني ؟ وعلامات الحب تبدو واضحة على محياها ، فهي تظل تراقبني اينما حللت ، ونظراتها العاشقة تتابعني ، ولكني لااعرف سببا يجعلها ، لاتقوم بالموافقة على طلبي ، هل كانت تأمل ان اصارحها بالحب ؟ وهي الحيية التي تصطبغ وجنتاها بالحمرة حين تسمع كلاما عن الحب ، فكيف اقوم انا بمصارحة هذه المخلوقة بالحب الذي تعتبره شيئا مقدسا لايجوز التقرب منه ، حاولت التفكير لايجاد السبب ، ولكني عجزت ، شقيقتي سندس تقترح ان تقوم بالاستفسار من باسمة عن السبب ، وان تبدي رغبتي بالاقتران بها مرة ثانية ، علها تظفر بجواب شاف ، لكنني لم اوافق على اقتراح سندس:
- باسمة خجولة ، سوف تظل على صمتها ان لم ابادر الى الاستفسار عن موقفها من طلبك،،
- دعيها تطيل الصمت ، سوف انتظر قليلا ، ثم اتحول الى امرأة أخرى!
- باسمة افضل النساء اللاتي تعرفهن ، وهي جديرة ان تكون زوجتك، اعذرها ÷، فقد نشأت في بيئة مغلقة!
-
- هناك اخريات قد لاتعرفينهن ، وارى انهن اكثر جرأة من باسمة التي لاتملك الشجاعة الكافية كي تحب !
- اعذرها ..
- عذرتها زمنا طويلا مر من عمري !
- أرى انك لاتحبها !
- نعم ، لا أحبها !
- ولماذا طلبت ان أخبرها برغبتك بالاقتران بها ؟
- ان يقدم الرجل على الزواج من اي امرأة ، لايعني انه وقع في غرامها!
- كنت كثير التحدث عنها ، فظننت انك تحبها..
- قد يحب الرجل امرأة معينة ويتزوج أخرى ، وقد يحب امرأتين في وقت واحد!
- كنت اظنك من انصار حقوق المرأة !
- من الظلم ان نتنكر للحقوق التي يعترف بها المجتمع للرجال! الشرع اباح للرجل ان يتزوج من اكثر من امرأة واحدة ، لماذا اتخلى عن حقوقي ؟
- باسم المساواة ! التي تقول انك من انصارها..
- اية مساواة تجعلني افقد حقوقا املكها ؟
- ونضال المرأة ؟
- المرأة تناضل من اجل تحسين ظروف الحياة ، وانا أدعهما في طريقها ذاك
- انتم تثيرون العجب يارجال !
- لم اقف في طريقك يوما يا اختي ايا من الرجال تختارينه للزواج سوف اقف بجانبك مؤازرا !
- شكرا لك اخي ، اعرف انك سوف تقف معي مؤيدا في أمور كثيرة!



(37)
هل يستطيع المرء ان يغير نفسه ؟ عادات وتقاليد توارثها ونشأ عليها كيف يمكنه ان يتصرف بالضد منها ، حتى لو كان مؤمنا انها خاطئة ، وأغلب تقاليدنا لا تناسب الحياة التي نتطلع اليها ، باسمة سعيد تعشق احمد منصور ، لماذا تجد طلبه الزواج منها ليس كما كانت تشتهي وتتمنى ، يمكن ان توافق ثم تخبره انها قد اشعلها الحب نحوه منذ زمن طويل ، وحين رأته اول مره في المهرجان الربيعي الذي دعيت اليه ، وهي صامتة لا تحسن التعبير عما تشعر به من لواعج الحب ومحرقة الغرام ، وهل يمكن انه لم يشعر بمدى الحب الذي تكنه له هذه المخلوقة ،التي تنادي بالحياة العصرية وهي تحيا حياة جدتها وتحرص على اطاعة كل الأعراف التي تدعو الى النضال ضدها ؟ كيف تتصرف والحبيب حائر قد استبد به القلق وهو يرى من طلبها للزواج ويثق بحبها له ،لا تحسن الكلام ؟
ام كلثوم تواصل نصائحها لسامعيها أطفئ لظى القلب بشهد الرضاب ، فإنما الأيام مثل السحاب ، وعيشنا طيف خيال ،فتنل حظك منه قبل فوت الشباب ، ترقص باسمة سعيد على الانغام الجميلة وهي حيرى ، لبست ثوب العيش لم أستشر وحرت فيه بين شتى الفكر ، وسوف يضنو الثوب عني ولم ادرك لماذا جئت أين المفر..
النصائح تتوالى وباسمة تؤمن بصحتها : يامن يحار الفهم في قدرته ، وتطلب النفس، فهل يمكنها الاستجابة لها ، ان لم اكن اخلصت في طاعتك ، فإنني اطمع في رحمتك وانما يشفع لي انني قد عشت لا اشرك في وحدتك ، فما بال باسمة مزعزعة لا تستقر على قرار، والله عليم بذات الصدور ، يعرف انها عاشت محرومة من الحب رغم حاجتها اليه ، تخفي عن الناس سنا طلعتك ، وكل ما في الكون من طلعتك ، لقد علموها ان الله رحيم بعباده ، ان تفصل القطرة من بحرها ففي مداه منتهى امرها ، تقاربت يا ربي ما بيننا ، يا عالم الأسرار علم اليقين ، يا كاشف الضر عن البائسين ، ارح باسمة من افكارها المتلاطمة واجعلها تبوح بحبها لأحمد منصور ، يا قابل الاعذار ، عدنا الى ظلك نطلب الرحمة والغفران..
تنتهي ام كلثوم من نصائحها ومدائحها ، وتعيد باسمة تشغيل المسجل على الاغنية التي تحبها كثيرا ، ككل اغاني ام كلثوم تجعل المشاعر تتوق الى من يطفئ لهيبها ، والى الحبيب الذي يسكت نحيب القلب ان أضناه طول الحرمان,,
حالتها لا ترضي احدا من الاصدقاء والمحبين ، فما بالها تكثر الصمت في موقف يستدعي الكلام لتوضيح ما غمض على الاخر من غموض يكتنف هذه المخلوقة التي تدعي انها عصرية..
تردد الاغنية مع ام كلثوم بصوتها الهامس ، وتتخيل انها تخاطب المحبوب بهذا الصوت عله يرأف بحالها ، ولكن كيف يمكنه ان يشعر بما هي عليه من غموض ، وهي نفسها لا ترحم قلبها الذي ظل طوال سنين ينتظر ان يثمر حبها لأحمد بستان ورد وأفياء ، واشجار محبة ودفء تسعد القلبين اللذين انتظرا طويلا ، هي من انتظرت ، هو كانت له حبيبة ، لم توافق أسرتها على تزويجها له ، ولكن ما بالها تفكر بالماضي الذي فات ، ولماذا لاتبدأ الحياة بجمالها التي حلمت به كثيرا مع الحبيب /الذي تاقت نفسها الى العيش معه والتمتع بسجاياه التي تقول للشمس اغربي لأحل مكانك وأنير دروب البشر الحالمين بحب كبير ينقذهم من جبال الثلج التي تضغط على صدورهم، جبال من المتاعب تثقل حياتها ، لماذا لا تحدث احمد بما يتعبها ، وهي ترى كل أصدقائه يستنجدون به ، ليطلع على مشاكلهم وينقذهم من براثنها ، الليل طويل وهي تعيد تشغيل المسجل ، لكي لاتكون وحدها في يم وجدت نفسها داخله وهي لا تعرف السباحة..
(38)
يبدو ان باسمة وقعت غريقة في شبر من الماء، تظهر عليها علامات الحيرة ، لا اجد في وجهها ما ينبيء انها تفكر ، كلمات قليلة تجعلها بمنأى عن الاطمئنان ، اعرف باسمة سعيد كثيرا ، ورغم اني لا احب شخصيتها الحائرة ، فانها تتميز بخصال جميلة ، تسعد من يشاركها الحياة ، كنت اطمح ان اجعلها تتعلم اصول العيش المشترك وان تعرف كيف تعشق ، والا تكتفي بالافكار النظرية ، التي لاتسر رجلا ، ولكن صمتها الطويل يفقدني صبري ، سوف لن اواصل هذا الصبر الذي وجدته نقمة ، وسوف اقتنص فرصة سكوتها ، كي انطلق مثل الطائر هاربا من عش ، اردت أن اجعله سجنا لي ، سوف اذهب الى حبيبة الروح ، واانعش النفس بأفيائها الوارفة ، وقلبها الكبير ، وجسدها العابق بالعبير العطر الفواح ينبعث من كل انحائها وانا جذل ، بصحبه هذه الانسانة الفريدة ، شكرا لباسمة التي أطالت الانتظار ، لتنطلق روحي من سجنها ، التي ألح علي الأهل والأصحاب ان اضع قلبي داخله ، باسم الزوجية والوفاء بالدين الذي فرضه العرف ، ارادوا ان اضع الأغلال في قلبي ، وأميت روحي وأجعل القيود حول جسدي المنتعش ، صمت باسمة سوف يحررني من سجن رهيب ، كدت ان اجعل قلبي داخله ، ولكن اي سجن يمكن ان يقيدني وانا عاشق لنهلة الرائعة ، واي زواج يمكن ان يربطني بامرأة لاينبض قلبي لوصالها ، سوف اشكر باسمة ، انها انقذتني من حياة تعسة ، اوشكت ان تقضي على كل آمالي ، سوف لن ادع شقيقتي تعيد الطلب ، وسوف انفذ بجلدي من سجن رهيب ، سوف يجعلني اتذوق الموت ببطء ، يقول بعض أصدقائي ان باسمة من الطيبة سوف لن تحاسبني ، ولن تستفسر عن سهري الليالي بعيدا عن منزل الزوجية ، وسوف ترحب بنهلة معتبرة اياها احدى صديقاتها المقربات ، ان وجدت عندي ميلا لنهلة الرائعة ، لكني لن اصدق ما يقولون ، سيبقى العرف حائلا بيني وبين ما اريده من وصال نهلة ! ألا تطالبني باسمة بحقوق الزوجية ان ابتعدت عنها ؟ الا يمكن ان تقف عائقا بطريق سعادتي ؟ هل يمكن للزوجة العراقية ان ترضى بكل سلوكيات زوجها ، وحتى تلك العصية على التفسير ؟ هل سمع احد بان زوجة استقبلت عشيقة زوجها بنفس راضية ، لماذا اسارع باصدار الأحكام ، وما زالت باسمة سعيد صامتة ، ولم تعلن قبولها او رفضها لعرضي ! ولكن اسرتي سوف تكرر رغبتها بتزويجي ، مدعية ان الزواج نصف الدين ، وعلي الوفاء به ، وان باسمة سعيد خير زوجة لي ، يمكن ان تصبر على حجم الأذى الذي سوف أسببه لها ، بعشقي الذي لن يزول لنهلة الفاتنة ..
باسمة سعيد تواظب على الصمت ، ملامحها متوترة ، ونفسها هائجة ولكن لسانها لايعبر عما يختلج داخلها من مشاعر جياشة ، اعرف انها عاشقة ، ولكن الدواء ليس بيدي ، حتى ان زارتها الشجاعة المفقودة ، على غير توقع ، واستطاعت ان تعبر عن عظيم حبها لي ، فسوف لن استطيع ان امد يد العون لها ، فقلبي ليس ملكي وروحي ليست معي ، ونفسي تتطلع الى ظلال وارفة بالجمال تغدقها نهلة كل ليلة.





(39)
تخبر شذى صديقتها باسمة سعيد ان الفنان فالح معجب بشخصها، وقد حدثته شذى عن شدة ذكاء باسمة وثقافتها وشجاعتها للتصدي للأمور التي لاتتناسب مع آرائها في الحياة..
- لأتعرف عليه ، فانا ضجرة جدا ، وتتعبني كثيرا قصتي مع احمد.
- الا تزالان غير مستعدين للحديث عن الحب والاقرار بقوته ، انا صديقتكما المشتركة ، وأعرفكما تمام المعرفة ، هو يعجب بك ويقدرك الى حد الحب ، وأنت تعشقينه كل هذه السنين ولم توافقي على الارتباط بأحد الذين حدثوك برغبتهم بالاقتران بك ، لأنك وقعت في حبائل حبه ، الى متى تبقيان بعيدين عن بعضكما وأحدكما يعشق الآخر ويهيم به ..
- لم يحدثني عن الحب ، الذي اتعطش اليه كل عمري الذي شارف على الانتهاء، بل ارسل لي اخته لتطلب له يدي.
- لابد انه يعرفك تمام المعرفة ، وخشي ان تقعي فريسة الهروب ان حدثك بصراحة عن عشقه ، جميع أصدقائك يعلمون انك تسعين الى الحب وتهربين منه ان تشجع احدهم واعترف لك بما يقاسيه القلب.
- وماذا افعل ؟
- اقبلي طلبه للزواج ، ثم صارحيه انك متيمة بوسامته!
- لكني من شدة هيامي به ، صرت لا أقوى على الحديث معه ، فكيف يمكنني ان اصارحه بحبي ؟
- لاتصارحيه الآن ، رحبي بيده الممدودة اليك طالبة الاقتران ، وهو سيقوم بكل ما تحبين !
- صعب علي صديقتي شذى ، لاادري ماذا يصيبني ان اقترف احدهم ذنب الاعتراف بالحب، يصيبني الفرح حتى اغوص في بحر هائج الأمواج ، ويستبد بي الخرس ، ولا أقوى على الكلام!
- اعرفك صديقتي كل المعرفة ، كل من افشى لك سر حبه بات حائرا ، يلعن اللخظة التي قرر ان يفشي سره الكبير الذي لازمه طويلا..
- لأتعرف الآن على صديقك المعجب ، وسوف نتحدث طويلا لمناقشة المرض الذي يعتريني عند الحديث عن اعراض حب اتمناه طويلا،،
- لماذا لا تتحدثي عن مرضك لأحد الذين تثقين بهم ولهم دراية بعلم النفس؟
- لا أدري . أين اجد ذلك الذي يتمتع بالثقة ؟ حيث احدثه بمتاعب لازمتني طويلا ، وكلما طلبت البرء منها واجهتني بقوتها ،ورغبتها بالانقضاض على كل ارادتي ، كم حلمت ان يحبني احمد منصور كما احبه ! وحين تقترب مني تلك اللحظة يصيبني الذهول ، هل يفهم كل انسان نفسه ؟ لابد ان دهاليز غائرة في الأعماق تظل خفية ، لايمكن تفسير دلالاتها ان ظهرت أمام الأعين وتحت عثرات اللسان ، الانسان مخلوق عجيب ، وحتى هو نفسه لايستطيع ان يبرر كل ما يقوم به من تصرفات.
- تدركين انك تكونين غريبة أحيانا ، عصية على الفهم من أقرب الأصدقاء.
- سوف اقابل صديقك المعجب ، فانا في الصداقة لا أفقد القدرة على الكلام واتخاذ موقف محدد ، كما اكون عاجزة في الحب!
- غدا نقابله معا ، وسوف تجدينه لطيفا وحنونا ، ويعرف عنك الكثير! في اتحاد الأدباء غدا توجد سهرة.
- سوف نسهر ليلة الغد ، لعل السهر يزيل ما علق بنفسي من سقم! بالاباءعليه
- غيري تسريحة شعرك ، وارتدي الملابس التي تظهر جمالك ، انت فاتنة يا صديقتي حين تستولي عليك الفرحة.
- لكن الفرح هذا يغادرني حين أناديه ملء رغبتي بالإبقاء عليه ومنادمته!
- انت قوية الارادة غالبا ، لماذا اجدك اليوم مهيضة الجناح؟!
- حسن صديقتي ، سوف ألبي ما تنصحينني به ، وسوف يعود الي غدا جمالي ، الذي سلب مني طوال معاناتي بحب لا أستطيع التعبير عنه.. ،
(40)
باسمة سعيد استجابت لنصيحة صديقتها ، وستجلس مع الفنان فالح الذي سمع بها كثيرا ، واعجب بشجاعتها وجمالها وثقافتها ، لاادري هل تستجيب باسمة لحب فالح وهو الفنان المتغير الأهواء ، المتقلب المشاعر ، الذي لم يظفر بحب امرأة طيلة حياته ، يعترف بعشقه للحسناوات ، ولا واحدة منهن تحترم عواطفه المسكوبة ، ومشاعره المنتهكة ، تمضي قصص حبه بنهايات بائسة ، ويندم انه تسرع باقتراف جريمة لايقدر على نتائجها ، فالحب له ناسه ، وباسمة لن تحب اي رجل ، قد أحبت شخصا معينا ، وهي من اللاتي لايكررن الحبيب ، كنت لااحبها واحب نهلة ، لكن ساءني كثيرا انني سوف لن اقدر على الزواج منها ، فهي رائعة الشمائل ، عظيمة الصفات ، شخصيتها حلوة رغم عدم اقدامها في قصص الحب ..
شذى صديقتنا المشتركة تعرف كل اخبار باسمة سعيد ، واقترحت علي كثيرا ان أصارحها بالحب ، فهي شخصية عاطفية وحساسة ، وحين احدث شذى بما يمكن ان يبدر من باسمة سعيد تعذرني:
-باسمة سعيد افضل صديقاتي ، وانت صديقي العزيز ، كنت ارجو ان تكونا مجتمعين في عش واحد ، فأنتما تتحليان بالصفات الجميلة نفسها ، وانا اعزكما ، ولكن باسمة لما مرت به من ظروف عصيبة ، اجدها لاتستطيع ان تعيش قصة حبها ، رغم انها تتمنى ان تكون لها قصة حب نهايتها سعيدة ، كما الفتيات في بلادنا ، لايستطعن ان يعشن قصص الحب ، الا ان كانت متوجة بالزواج ، مجتمعنا هكذا لاينظر باحترام الا المرأة التي تحب العديد من الرجال ، فالمرأة التي تصرح بالحب لرجل معين ، كان قد اخبرها بانه عاشق لها ، وحين تستجيب لما يزعم ، وتخرج معه ، يجب ان تتزوجه والا حكم عليها المجتمع ، بانها ليست من الفتيات الشريفات ، فتصبح سمعتها على الألسن..
استمع لحجج الصديقة شذى ، والتي اعرفها جيدا ، فشقيقاتي حين يصرح لهن الرجل بالحب ، لاادعهن يخرجن بمفردهن معه ، اخشى على سمعتهن من التنلوث ، اخرج معهن ومع شقيقاتي الأربع كلهن ، كي لاتكون فتياتنا في الظلام ، ويتقول عليهن كل مخلوق لا يملك المروءة والنبل..
حجج شذى تجعلني اعذر باسمة سعيد ، فهي من هذا المجتمع القاسي مع النساء ، حتى لو ناضلت من اجل تحرر النساء ومساواتهن بالرجال ، هذا الأمر يحتاج الى تضافر الجهود كي تأخذ المرأة العراقية مكانتها المرموقة في المجتمع ، وكيف يمكن للانسان ان يكون سعيدا وهو محروم من الحب ؟ لايستطيع ان يعيش علاقة صحيحة قبل الزواج ، فكيف يمكن للمرأة ان تعرف الرجل ؟ أليس بالعلاقة التي كانت تجمعهما قبل الزواج ؟ وهل تبلغ قسوتنا مداها حين نطالب المرأة ان تعرف الرجل ، وتدرك دوافعه وهي لم تعرف عنه سوى الكلمات التي يرددها الكثيرون منا ـ دون ان تعني لهم شيئا ، حتى يقال انهم تقدميون يحترمون النساء ، ويؤيدونهن بالنضال من اجل تحسين ظروف الحياة ، ادرك ان مزاعم الكثيرين كاذبة ، وان القليلين منا من يرغب حقيقة بان تصبح زوجته ندا له ، تشاركه بالانفاق على المنزل ، ويقوم باعانتها بأشغال المنزل، لعلي واحد من الرجال الذين لاتنطبق اقوالهم على افعالهم ، ورغم انني احب نهلة ، فقد حزنت كثيرا ان باسمة ذهبت لفالح ، هل يمكن حقا ان تكون باسمة المخلوقة اللطيفة لفالح هذا ؟ وهل تستطيع امرأة رائعة الصفات مثل باسمة ان تتزوج فالحا الذي لم تحببه اية امرأة رغم قصص الحب الكثيرة ، المأسوف عليها والمنكودة النهايات ؟

(41)
تذهب باسمة سعيد لمقابلة الفنان فالح فهو يتمتع بمواهب عديدة ، والأصدقاء كلهم يمدحونه لما يتصف به من مميزات تثير الاعجاب ، باسمة تحب ان تجد صديقا بجانبها فأصدقاؤها الكثر غادر كل منهم الى مكان وبقيت لوحدها ، وهي تمر بوقت عصيب ، حب جارف تكنه لأحمد دون ان تتمكن ان تبوح به لأحد ، تخشى التعبير ، وتود لو تمد يد صديق الى نجدتها ومساعدتها ،في التعبير عن جبال الحب التي تضغط على صدرها وتكتم أنفاسها وتجعلها عاجزة ،عن عمل اي شيء مخافة ان تفقد المخلوق الأثير على نفسها ، احمد جعلها تتلوى من الألم وتتعذب من الكتمان ، سوف تسعد بالصديق الجديد الذي بدا لها مؤمنا بالصداقة بين الجنسين ، وهي تريد صديقا يشاركها الأفكار التي تعتنقها ، وقد يمحضها النصح ان وجدها تتخبط في دياجير القلب..
تجد فالحا لطيفا ، فهو فنان رقيق الشعور مرهف الأحاسيس ، لديه الكثير من الصداقات من الجنسين ، تجد ان الوقت يمضي بها سريعا وهي تستمع الى أحاديثه العذبة وذكرياته الجميلة ، وحين تكون اذناها تستمعان لحكايات فالح الممتعة ، فان قلبها يناجي الحبيب الغائب ،الذي لاتملك القدرة على الابتعاد عنه ، فهي تظل معه بمشاعرها ونبضات قلبها ، مع انه بعيد عنها ،وهي تجلس في المقهى تستمع الى الصديق الجديد ، وقلبها قد ملكه حب مشتعل منذ زمن طويل ،ولا تريد ان تبرأ منه او تسلاه ، فهو كالينبوع الجميل يزودنا باللذة والبهجة ونحن نرحب به ، يحدثها فالح عن اعجابه بها وعما سمعه من حكايات عن ثقافتها وذكائها وانه يود ان تتعزز علاقته بها ، وهي توافقه على ما يريد ، أليست تطمح الى صديق صدوق يسمعها الصادق من الأخبار والنظيف من العلاقات والتميز من الصداقات ، توافق باسمة سعيد صديقها الجديد على ما اراد منها ، فهي تحب الصداقة وتشعر بالراحة ان ضمها مجلس الى المثقفين المتنورين سواء كانوا رجالا ام نساء..
ستمضي بصداقتها الجديدة مع فالح ، اما عشقها الكبير لأحمد فلعلها تملك القدرة على الاعتراف به وقد أعيتها السبل وانهكها التعب ، وبقي القلب جامحا لايعرف كيف يبوح لتأتيه الراحة ولينقذ نفسه، مما اعتراه من وهن وضعف ، سوف تجلس مع فالح ويظل القلب متشوقا الى ضمة من احمد تطفيء السعير، الذي تشعر انه اخذ يلهب كل شيء فيها ،ويفترس قوتها ويسرق شبابها الذي لم تر منه شيئا ، ومضى العمر خاليا من كل معاني الفرح والحبور..
تعود باسمة سعيد الى منزلها وهي متعبة ، وكأنها كانت وحيدة في صحراء يابسة خالية من الماء لتطفيء ظمأها المتواصل ، فكرها مع احمد منصور ، ترى هل يعلم ان قلبها معه اينما حل ؟ تتصل بها صديقتها شذى :
- أين انت ؟ حبيبك الذي تهيمين به يتساءل لماذا تجالسين فالح؟ الا يكون هذا دليلا على حبه الكبير ؟ الى متى تتجاهلين ؟ سوف تحترق نفسك بأتون عجزك عن البوح بما يكنه القلب ، كوني قوية لحظة واحدة ، واعترفي بما يلهب القلب ويحرق الضلوع ، سوف تفقدين أحمد باصرارك على الكتمان ، وسوف يغضب من تصرفك هذا ، ومن حقه ألا يجد لك عذرا ، ليس في الجلوس مع الآخر اعذار ! وانت تعلمين بهذه الحقيقة خيرا مني ، أيتها المثقفة التي تتصرف ككل أمية تنتظر من الناس ازهاق روحها! اللعنة عليك ايتها الصديقة التي احبها ، كم تظلمين نفسك بهذا التصرف اللعين وكم ستؤذي لعبتك الطائشة هذه احب الناس اليك ! كفاك صمتا وبوحي بما تخبئينه في اعماق القلب..

(42)
لاادري عن مشاعري ، كنت اخبر نفسي دائما انني لااحب باسمة سعيد ، بل أسعى للاقتران بها ، لما تتمتع به من خصال حميدة ، ولكن ما ان جلست مع فالح في المقاهي وأمام مرأى الناس ، وأخذت تتمشى معه في شوارع بغداد ، حتى التهبت نفسي وذهب ما أتصف به من هدوء ، وأصبحت أثور لأتفه الأسباب ، ماذا اريد من باسمة ؟ وماذا تطلب هي مني ؟ ان كان الحب لي واضحا وضوح الشمس على حركاتها ، وصمتها الدائم وحتى كلامها الهامس ان تكلمت نادرا ، كل هذه العلامات تدل انها عاشقة لي من زمن طويل ، وحين كنا على مقاعد الدراسة ، ألتقي بأصدقائي وكانت معهم ، نتبادل أطراف الأحاديث ، عما يجري في العالم من أحداث ، نقرأ الكتب ونتبادلها بيننا ، وكانت باسمة واحدة منا ، أصدقاؤها هم أصدقائي ، لماذا حين طلبت يدها ابتعدت عني ؟ وماذا كانت تتوقع مني ، وانا اعرف شخصيتها الحيية تمام المعرفة ، منذ ان باح لها صديقنا حسام بالحب ، وابتعدت عنه واخذت تنأى عن الأمكان التي يكون فيها حسام ، وكثيرا ما أثارت استغراب المعارف بتصرفاتها ، التي لاتتناسب مع ثقافتها الكبيرة واطلاعها واتزان شخصيتها ، وثقتها بنفسها ، وكثيرا ما تساءل الأصدقاء : لماذا تتصرف باسمة في قصص الحب هذا التصرف غبر اللائق ؟ لماذا ؟ وهل حدث شيء في طفولتها ، جعلها تبدو بمثل هذا الحياء ؟ وكيف تكون شجاعة في مواقف الرأي ، وتكون مترددة في قضايا الحب ؟ حين اضحت باسمة تسير مع فالح ، ساءني تصرفها ، وان كنت واثقا انها ما احبت فالحا هذا ! انما الحب كله كانت تخبئه باسمة لي! حدثت نهلة عن حب باسمة لي ، وعن تمشيها مع فالح ، فلم تبدي نهلة استغرابها :
- لاتتحامل على باسمة!
- انا لا أتحامل ! انما تصرفها يثير كبير استغرابي!
- أخبرتني سابقا ان باسمة من أصول ريفية.
- نعم ، لقد نشأت في الريف ، وعاشت هناك في طفولتها ، لكنها دخلت الابتدائية في بغداد.
- لقد علمتنا كتب علم النفس التي اكثرنا من قراءتها ، ان صفات الشخصية الأولى والمهمة تتكون في الطفولة ، وبعض العلماء يؤكدون انه حتى الاجنة تتأثر بتصرفات الأمهات ، ان كن هادئات ام عنيفات . سعيدات ام شقيات!
(43)
تجلس باسمة سعيد مع فالح للمرة الثالثة في حديقة اتحاد الأدباء ، يحدثها عن حياته واعجابه بها ، وعن النساء اللاتي وقع في غرامهن ، ويخبرها الا واحدة منهن بادلته الحب ورضيت بما طلبه منها من مشاعر بسيطة تكنها له ، وانه قد أعياه البحث عن قلب نابض ، ولكن الأيام اصابت قلبه بالتعب ، وجعلته يدرك انه لن يصل الى مراده ، ولكن حين سمع بصفات باسمة الجميلة ، وقع في حبها قبل ان يراها ، وانه الآن واثق من شدة حبه لها ، فهي جميلة ورائعة الصفات كما عبر لها .. ويود لو يقترن بها لتنسيه الألم الكبير ، والحرمان الذي عاشه طيلة الحياة ، أعجبت باسمة بفالح كثيرا ، فهو يتمتع بمزايا كبيرة ، اهمها الرقة والتقدير لها وتظهر دلائل الحب لها من طريقته في النظر اليها، لكن باسمة لم تحب فالحا كما كانت تأمل ، قلبها قد بقي مع حبيبها الأزلي ، كيف يمكنها ان تحب رجلا آخر ، وهذه فرصتها للتمتع بمن انتظرته طويلا، وجدت فالحا يحب كل نساء الأرض ، وادركت انه من المحال ان تحبه اي امرأة ،تسعى للعثور على رجل معين تجد معه سعادتها ، فهو متغير العواطف ، يعشق بسرعة ، وينسى معشوقته بالسرعة نفسها ، وان كان معسول الحديث ، يحب القاء النكات ، مرحا ، باسما ، حدثها عن حبه لها وهيامه بها ، وانه محظوظ جدا ان تعرف اليها، وسوف يجد عندها ضالته في السعادة والحب ، وابدى لها رغبته في التعرف اليه جيدا كي تبادله الشعور نفسه ، فهو لايريد الاسراع في الامور ، ويعرف ان من حقها ان تأخذ وقتها ، اعجب باسمة حديث فالح ووجدته ظريفا ،،يحب الغناء والموسيقى ويعشق القراءة مثلها ، لكنه سريع الوقوع بالحب ، وقد عشق كل النساء اللاتي صادقهن في العمل ، وأثناء الدراسة الجامعية ، وقد احب الكثير من الجميلات ممن يصادفهن في الطريق ، او الرجوع الى المنزل ، فقلبه رقيق يعشق الجميلات ، فماذا تفعل باسمة ؟ وهي التي كانت تسعى لحب رجل يبقى العمر كله معها ، هل يمكن ان يتركها فالح الى أخرى ان بادلته الشعور نفسه ، وهل تناضل من اجل ان تحب فالحا كما يحبها؟ لمادا تدعه يتعذب كثيرا بالهجران والصدود ، وبإمكانها ان تحبه كما يحبها ، لقد اعترف بحبه الكبير ورجاها ان تبادله المشاعر ، فقد قضى العمر محروما ممن تبادله العشق وقد احب الكثير من النساء ، وآن له ان يرتاح قليلا من الهم الذي عاناه..
تقوم باسمة سعيد بعدة تمارين قرأتها في كتاب ، يجعلها تحب فالحا كما يحبها هو ، بواسطة الايحاء تحاول ان تبادله الحب الكبير الذي يكنه لها ، ولكن قلبها ما زال متيما بأحمد منصور القوي الذي يمكنه ان يجد المرأة ،التي تحبه في كل وقت يشاء. اما فالح فسوف تحبه باسمة ، لأنه محروم من الحب..
تقضي باسمة اوقاتا صعبة ،من اجل ان تدخل حب فالح في قلبها العاشق الولهان ، تتراءى لها صورة احمد القوي الشجاع ، وتجد ان حبها له كالينبوع يجري في القلب ويغذي بجريانه كل انحاء جسدها والعقل والفكر معا.
رجلان في حياة باسمة ، واحد يريدها واعترف لها بحبه الكبير ، والثاني تعشقه هي ، وهو قد طلبها زوجة ، ولم يحدثها عن الحب الذي عاشت من اجله وناضلت في سبيله ، وان كل ما تقوم به من اجل هدف واحد وهو الحصول على حب لا يزول.. فهل تخدع نفسها ، ام ان القلب يراوغ ؟ ام ان العقل يقوم بعمل يتنافى مع المنطق والطبيعة ، لماذا لا تجرب ؟ أليس بمقدورها ان تحب فالحا من كل قلبها كما يفعل هو ، اليس من المروءة ان نعامل الناس بالمثل ، ايام عصيبة تمضي ، وباسمة المجنونة لا تعي انها سوف تضع نفسها في جحيم حارق لا نجاة منه.

(44)
لم تعد باسمة تتردد على منزل شقيقتي كما كانت ، وأتساءل :لماذا ؟ هل انها كانت تروم شيئا في بيتنا المشترك . فنأت بنفسها عنا ، حين لم تجده عندنا ، أسأل شقيقتي:
- لماذا لم تعد باسمة تزورك ؟
- ، انها رقيقة المشاعر ، حساسة ، وبصورة أشد كثيرا مما اخبرتني عنها؟
- ماذا تقصدين ؟
- في الآونة الأخيرة وحين وجدنا ان صمتها طال ، لم تر ترحيبنا كما كان! - هل قلت لها شيئا لا تريد سماعه ؟ وهل ذكرت لها احدى الشقيقات ما رفضت ان تعرفه؟
- لم نذكر لها شيئا . كانت تحبك وقد ظهرت عاطفة الحب جلية على ملامحها ، وانت لم تحرك ساكنا ! وبقيت على صمتك ..
- انها حيية جدا ، كم مرة فكرت ان اعترف لها بعاطفتي الجياشة ، لكني حين ارى تلعثمها وخجلها الشديد أتراجع !
- كنت تحدثني عن شجاعتها الكبيرة ودفاعها عما تعتقده صحيحا ..
- نعم اعرف انها مكافحة وصديقة رائعة وامرأة ممتازة ، لكن صفة واحدة لاتعجبني فيها ، انها شديدة الحياء ، وكأنها خرجت لأول مرة من منزلها ، من يراها بهذا الحياء ، لايتبادر الى ذهنه انها امرأة مكافحة وعاملة وصادقة وقوية الشخصية!
- قوة شخصيتها وشدة ثقتها بنفسها لايتناسبان مع حيائها الشديد ، وشعورها بالخجل المتواصل!
- نعم شقيقتي العزيزة ، ان باسمة تتصف بصفات كثيرة ، متضادة فيما بينها ، وكأنها تحمل شخصيتين متعارضتين ، واجزم ان باسمة سعيد امرأتان وليست امرأة واحدة !
- ما ذا تعني يا أخي ؟ كلامك غريب ! ارى انك تهجوها !
- لا أهجو باسمة كما تعرفين جيدا ، انما ادرك ان كل منا يحمل في داخله عددا من الشخصيات المتصارعة ..-
- هل انت ايضا تحمل في داخلك شخصيات متصارعة ؟
- نعم أحمل ! وكلنا نحمل!
- لماذا ؟
- لأننا عشنا حياة صعبة ، لاحرية فيها ، نقوم بأعمال كثيرة ، ولا نجد ما يسعدنا ، نضحي كثيرا ولا نرى ان تضحياتنا جاءت بثمراتها!
- لأول مرة اراك يا أخي شديد التشاؤم !!
- لأنني مررت بسنين قاحلة!
- وكلنا مررنا بهذه السنين !
- ليس كما عشت أنا ، لقد اضطررت ان امنح كل راتبي لأخوتي الصغار ، وانتن البنات لم تكن تعلمن بمدى تضحياتي ، كنتن صغيرات ! وباسمة رغم تضحياتها ، الا انها لم تعش الفقر كما عشته ، كان أبوها غنيا ، وان لم يكن شديد الثراء!
(45)
تخرج باسمة سعيد مع فالح ، تسهر معه في منزله مع اخواته وأسرته ، واحمد منصور يشاركها السهر ، تراه جالسا معهما يستمع الى الأحاديث ويعبر عن رأيه فيما يقولان، فكرها وعقلها وعواطفها وكل ما يمثل باسمة سعيد ،مع الانسان الوحيد الذي حلمت به ، لكن لسانها مع فالح الذي يتحدث عن حياته ،وعن قصصه العاشقة لنساء عديدات ،أحبهن فالح وما بادلنه الحب يوما، ولم تعترف احداهن بالمشاعر الجياشة ،التي عبر بها فالح عن حبه الكبير ، يستمعن لقصص حبه وعشقه بإعجاب شديد ، ويمضين في طريقهن غير مباليات بمن استمعن اليه قبل قليل ، قال فالح:
- أحببت ساهرة وسعاد وبهيجة وانتصار التي كانت تستمع لي بشغف واعجاب، ثم تحدثني عن الرجال الذين اعجبوا بها وبادلتهم الحب ، اتخذت مني انتصار صديقا وحاملا للأسرار وكاتما للقصص الغرامية وناصحا ان اقتضى الأمر!
- حياتك مليئة بالقصص
- بل انها فارغة من المعنى ، كلهن كنت لهن عاشقا متيما! وانت ما قصتك؟ كم مرة غرد قلبك للحب؟
تسكت باسمة سعيد ، ماذا يمكن ان تقول؟ هل تخبر زوج المستقبل ان احمد منصور الوحيد الذي احترقت بنيران حبه ، وانها اقترفت ذنبا حين توهمت انها يمكن ان تعشق رجلا آخر؟
- لم تحدثيني ما هي قصتك ؟ الماضي ذهب واندثر ونحن نسيناه ومن الخير ان يخبر أحدنا الآخر بماضيه!
- ليس عندي قصص !
- المرأة دائما تحاول ان تخفي ماضيها ، أنا حدثتك ، وانا رجل تقدمي ادرك ان المرأة انسان مثلي تماما ، قد أحبت في ما قبل الزواج مرات عديدة..
- لا ماضي لي!
- انت شجاعة كما اعرف ، ومثقفة وجميلة وتعملين في التدريس ومن أسرة غنية متماسكة وفاتنة الخلق ايضا ومرهفة الحس ورقيقة المشاعر، كيف انك لم تقعي بالحب؟ ام انك تخشين مني ؟ هل تخافين ان أحاسبك على مشاعر كنت تحملينها قبل ان نقترن ببعضنا؟
- ولكني حقا بلا تجارب!
- انك تغمطين حقك بهذا الكلام ، جميعهن يقعن بالحب من الكلمة الأولى، هل كنت تتناولين حبوبا لمنع الاصابة بداء الحب؟ اني امزح معك فاخبريني بقصصك ، ولا ريب انها قصص جميلة..
- لا أذكر قصصا في هذا الشأن !
- هل قصصك كثيرة الى الحد الذي تنسين عددها وأبطالها؟!
- لم يستمر الحب عندي ، ما ان يعبر الرجل عن حبه لي حتى أهرب من طريقه!
- لماذا ؟ هل تخشين شيئا؟
- لا أخشى ، ربما هي طبيعتي!
- وهل توجد طبيعة انثوية لامرأة ،تطلب الحب وتهرب منه بعيدا؟
- نعم انا تلك المرأة!!
- لاحظت انك معجبة بأحمد منصور، وقد أدركت من الحديث معه انه يكن لك حبا كبيرا!
- كيف عرفت؟
- فهمت من طريقة حديثه معك ومن انصاتك له ومن كثرة ترديدك لاسمه! وانا أشعر بالغيرة من هذا الرجل!
تتمنى باسمة ان تملك القدرة لتطلب من فالح ان يتركها وشأنها ، وان بساعدها للتقرب من الحبيب الذي تعشقه وتهرب منه ، كثير من الرجال يقومون بمساعدة الحبيبة ، ان وجدوا انها تحب رجلا غيرهم ، ويسعدهم ان يمدوا لها يد العون لتعرف نفسها ، وتنتبه لمشاعرها التي كثيرا ما توأد في بلاد مثل العراق ، تحاسب المرأة فيه على المشاعر والأحاسيس ، باسمة لاتستطيع ان تجرح فالحا بعد ان اطمأن لها ، وحدثها عن حبه ، ولكن هل يمكنها ان تثق برجل كل يوم له حبيبة جديدة ، من يدريها ؟ الا يمكن ان يتركها في اول فرصة تبتسم له احدى النساء ،معبرة له عن حب كاذب ومشاعر خداعة ، تتساءل باسمة لماذا هي هكذا تحرص على شعور من يعبر لها عن الحب ، متناسية مشاعرها الصادقة والكبيرة نحو احمد منصور؟ هل هذا ضعف في الشخصية أونكران للذات أكثر مما ينبغي؟


(46)
تكثر نزهات باسمة مع فالح ، يحضران معا كل الأنشطة التي تقام ، و يذهبان الى دور السينما ، ليشاهدا الأفلام المتنوعة معا ، أعرف ان فالحا يملك ثقافة سينمائة كبيرة ، وهو فنان ، ويمكن ان باسمة اعجبت به لصفته المبدعة وشخصيته الفنانة ، لكني حين ألاحظهما ، لا اجد علامات السعادة على باسمة ، انها تسير وكأنها تحمل ثقلا على ظهرها ، هربت الايتسامة التي كانت تزين ثغرها ، وتجعل جمالها ساحرا ، كما انني لم اجد السعادة ظاهرة على تصرفات فالح ، انه منهمك في داخل نفسه الحزينة التي ما عاشت السعادة ولا امتلكت الثقة ، وأظن انه يسأل نفسه كثيرا :
- لماذا احبته باسمة ؟
ولا يعثر على الجواب الشافي ، انه يدرك ان المرأة تحب الرجل القوي الذي يشعرها بأنوثتها ، وبكونها امرأة تتطلع الى الحب الدائم ، اعرف فالحا ، واعرف عددا من النساء اللاتي كان يظن انه وقع في غرامهن ، لا واحدة منهن بادلته الحب ، فالح يدرك هذه الحقيقة ، المرأة الكاذبة قد تظهر الحب تمثيلا ، لاحقيقة حين يعترف لها فنان بالاعجاب ، وان فالح فنان كبير ، يرسم النساء اللاتي وقع في حبهن يلوحات بوتريه تثير الأعجاب ، ولا أدري لماذا لايقيم معرضا للوحاته ، كثير من الفنانين واقل ابداعا من فالح ، أقاموا معارض نالت استحسان الناس ، وجعلت الصحافة تتحدث باسهاب عما يتصفون به من ابداع جميل ، وتراكض الصحفيون والاعلاميون ، من اجل الحصول على حوار ممتع مع هؤلاء الفنانين ، قينال الاعلامي والصحفي شهرة كبيرة ، والمرأة المدعية والتي لاتملك صفة الصدق ، ان عبر لها فنان مبدع بالحب ، سوف تفقد توازنها ، وتطلب منه لوحة تخلد جمالها ، وما اكثر اللوحات التي رسمها فالح ارضاء لمن كان يظن انه احبهن ، والحب عنه بعيد ، ينأى عن شخصيته وعن انعدام ثقته بنفسه ، كما يبتعد الحب الحقيقي عن النساء المدعيات ، فيا لتعاسة باسمة التي توهم نفسها بحب فالح ، ويا لتعاستي انا الذي لم يجرؤ على االتعبير بمدى حبي ، ويا لتعاسة فالح الذي رغم احاطنه بالنساء المدعيات ، الا انه بعيد عن نيل الحب ، فشخصيته متذبذبة ، وقد يظن ان باسمة ان احبته ، فان هذا الحب يعود الى شرخ كبير في شخصيتها او عيب تود التكتيم على فداحته..

(47)
تحاول باسمة ان تنسى حبها الوحيد ، فالح يخبرها انها الوحيدة التي بادلته الحب بعد ان عبر عن حبه لنساء عديدات ، احمد منصور يبتعد عنها مؤثرا الثأر لكرامته من الانسانة التي كانت توهمه بالحب ،ثم ابتعدت حين وجدت رجلا آخر ، اين الوفاء ؟ واين ما كانت تخبئه من مشاعر جياشة لاتستطيع الأيام ان تطفيء حدتها ، لم تعد ترى احمد منصور ، وصارت شقيقاته يستقبلن باسمة ببرود غريب ، جعلتها تحاول ان تئد حبها القاتل وان تدرب قلبها ان ينبض لرجل بعيد جدا عن رغبتها ، رسمت صورة الرجل المناسب في خيالها وحين وجدته ،لم تجد القوة في نفسها لتعبر له عن حبها ، ألم ير احمد مشاعرها مرسومة بوضوح ، ألم يحدثها عن الزواج ؟ لماذا لاترى في رغبته تلك صفات الحب التي طالما تمنتها ، فالح لاتشعر معه بأي مشاعر حقيقية ، الألم يفقدها عقلها ، تتمنى لو تستطيع الهروب ، القلب والعقل لا يرغبان بفالح ، وهي تريد ان ترغم نفسها عليه ، يا لها من انسانة غريبة ! انتظرت الحب كثيرا ،وحلمت ان يأتيها احمد منصور نفسه ، وحين جاءها تعطلت قواها واصبحت عاجزة عن النطق ، اصابها الخرس وألجم لسانها ، تضع يدها في يد فالح ويتمشيان في الشوارع وهما يتحدثان ، وفكرها بعيد مع الرجل الذي لاتجد في نفسها القوة للحديث معه، الناس يهنئون فالحا بها ويتمنون لها حياة باسمة بقربه ،والقلب مشغول برجل آثر الابتعاد وكأنه تخلى عن المرأة التي يحب ،لانسان عبر لها عن الحب دون ان يشعر به..هل تستطيع باسمة سعيد ان تفعل شيئا ؟لاعادة حبيبها المبتعد ، انها بسيرها المتكرر مع فالح ، قد جعلت احمد منصور يؤثر الابتعاد ن ما شأنه بامرأة غريبة الأطوار..انه8ا تسعى للحب ، وفالح عبر لها عن حبه الكبير لها ، ماذا تريد اكصر من ذلك؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى


.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا




.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني