الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأثر الاجتماعي و السياسي على النص الديني

ماهر رزوق

2018 / 7 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



أبدأ هذه المقالة باعتراف شخصي على المستوى المعرفي في ما يخص الذي كتبته سابقا من مقالات في مجال النقد الديني و الاجتماعي ، و أقر أنني أغفلت جانبا مهما جدا في عملية النقد هذه ، فعندما كنت أتطرق إلى موضوع ديني ما ، كنت أنتقد النصوص و ما تقدمه ، مغفلا بذلك ، الأثر الاجتماعي الكبير الذي يوافق النص الديني أحيانا و يعارضه أو يتجاهله أحيانا أخرى ... فما بدى واضحا لي الآن ، كان غائبا عن ذهني و معرفتي ربما ، لذلك أحببت في هذه المقالة أن أسلط الضوء على هذه المسألة ....

عندما ننظر عن كثب ، إلى حال المجتمعات العربية و الاسلامية ، نلاحظ أننا نظلم بعضها ، عندما نشملهم جميعا بوصف واحد أو بدراسة واحدة غير تفصيلية و متمايزة ... فالواقع أن بعض هذه المجتمعات طوعت النص الديني و روضته ليتناسب مع متطلبات الحياة الحديثة التي فرضت نفسها على الساحة الاجتماعية و الثقافية ... و بالمقابل بقيت بعض المجتمعات الاسلامية ملتزمة إلى حد كبير بتفاصيل النص ، و يبدو أن الأمر يعود إلى أسباب اقتصادية و سياسية و إلى صلابة ثقافة المجتمع الأصلية قبل دخول الاسلام إليها ...

و كمثال على ذلك نذكر التجربة التونسية الأخيرة ، أقصد ما بعد الثورة ، حيث درس البرلمان قرار المساواة في الميراث بين الذكر و الأنثى في مجتمع تغلب عليه الهوية الدينية الاسلامية ، و يبدي بطبعه احتراما لشريعة هذه الهوية ... و عندما بحثت في تفاصيل الأمر ، بدى لي أن المسألة لا تتعدى كونها احتيال اجتماعي على النص الديني ، فالحقيقة أن القرار لا يجبر أحدا على المساواة ، و إنما فقط يسمح بالمساواة و لا يعتبرها مخالفة للشريعة الاسلامية ، فمن يريد أن يساوي يستطيع و من لا يريد يعود إلى حكم الشريعة ... و هنا يبدو الأمر لبعضنا بسيطا و ليس له أثر يذكر ، لكن هذه الخطوة تعبر عن تقدم بالغ الأهمية على مستوى العلاقة بين النص و المجتمع ، و قدرة هذا النص على حكم علاقات المجتمع ، فالأثر الذي نتحدث عنه ليس مباشرا و سريعا ، و إنما قد تظهر نتائجه على المدى البعيد ، عندما يتعود المجتمع على المساواة و تترسخ مبادئها في ثقافته حتى لا يمكن لأي نص كان ، دينيا أو غير ديني ، أن يزيحها و يقلل من أهميتها ...

و هنا أيضا أطرح مثالا آخر ، يوضح إلى حد كبير أهمية المثال الأول و صحته ...
فما يبدو طبيعيا و التزاما بالشريعة الإسلامية عند بعض المجتمعات ، يعتبر أيضا عند مجتمعات أخرى ، عيبا و أمر مرفوض أخلاقيا !!
فمسألة تعدد الزوجات مثلا ، تعتبر أمرا طبيعيا في المجتمع السعودي أو المصري ، بينما في مجتمعات أخرى ، كالمجتمع التونسي ، تعتبر أمرا مستهجنا و غير أخلاقي و مرفوض ... و كذلك الأمر بالنسبة للمجتمع التركي ، الذي يعتبر أيضا مجتمعا إسلاميا بامتياز ...
كما أن هذا الرفض ينطبق على عدد من الجماعات الدينية الاسلامية في مناطق مثل سوريا و باكستان و ايران ، كالجماعة الاسماعيليه على سبيل المثال ، التي يندر فيها تعدد الزوجات و يعتبر أمرا معيبا على المستوى الاجتماعي ...

هنا أيضا لا يمكننا أن نهمل جانب استغلال الدين و النصوص الدينية لصالح السلطة في سبيل تحقيق غايات سياسية معينة ...
فهذه العلاقة ، بين الدين و السياسة ، قديمة قدم الدين نفسه ، و الاستغلال بدى واضحا من قبل العديد من الخلفاء و حكام الدول التي تسمي نفسها اسلامية ...
و هنا نطرح مثالا من الواقع المعاصر أيضا ، و الذي هو موضوع قيادة المرأة للسيارة في السعودية ... حيث أن الأمر كان محرما شرعا ، و لم يغفل أي رجل دين سعودي عن ذكر هذا التحريم في خطبة جمعة أو لقاء أو برنامج تلفزيوني ... و كان التحريم يرفق بنصوص دينية تدعمه و تؤكد على حقيقته ، و بقي الأمر مقبولا لدى المجتمع السعودي ، حتى سمح ولي العهد مؤخرا بالقيادة للمرأة ، و عندها خرج نفس الشيوخ و رجال الدين الذين حرموا الأمر سابقا ، ليقدموا لنا نصوصا أخرى مضادة للنصوص الأولى ، و تثبت أن الأمر شرعي و مسموح دينيا ، و أن قرار ولي العهد صحيح تماما ...
هنا نلاحظ التناقض الاجتماعي و الديني الذي سببه قرار سياسي ما ، و يتضح جليا أثر السياسة بالدين و استغلالها له للتأكيد على ضرورة قرارها و صحته و تسهيل قبوله عند العامة ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة