الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
عدم تبلور مفهوم المجتمع المدني في مجتمعاتنا العربية (17-18)
غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني
2018 / 7 / 11
المجتمع المدني
11/7/2018
على الرغم من تداول هذا المفهوم في الأوساط النخبوية الحكومية وغير الحكومية، في بعض البلدان العربية، إلا أن هذه الظاهرة -كما أشرنا من قبل- لا تعني وجوداً أو تبلوراً لمجتمع مدني عربي كما يروج البعض، إذ أننا ما زلنا في مرحلة ما قبل الحداثة أو ما قبل المجتمع المدني، وإنّ كلَّ ما يتبدى على السطح، في الواقع المادي أو في المفاهيم، من مظاهر حداثية لا يعدو أن يكون شكلاً فقط بدون أي محتوى حقيقي يعبر عنها، والشاهد على ذلك بصورة حية، مسار التطور الاجتماعي العربي في سياقه التاريخي العام، القديم والحديث، هذا المسار لم يستطع حتى اللحظة، بسبب عوامل خارجية وداخلية مهيمنة، فرز أو بلورة طبقات بالمعنى الحقيقي، والواسع للكلمة، أي »طبقات بذاتها« تستطيع التعبير عن مصالحها الاقتصادية والسياسية، وتدافع عنها ككتلة طبقية موحدة مدركة لوجودها الموضوعي، ففي غياب هذا التبلور الطبقي، واستمرار سيطرة الأنماط القديمة، تشكلت في بلادنا حالة طبقية مشوهة، امتزجت فيها، كل العلاقات الاجتماعية المرتبطة بالأنماط القديمة والحديثة معاً، تبدو واضحة اليوم عبر ما نشاهده في كل مجتمعاتنا من استمرار وجود وتأثير العلاقات البدوية القبلية والحمائلية والعائلية والطائفية، والعلاقات شبه الإقطاعية التي اختلطت بالعلاقات الاجتماعية الرأسمالية الحديثة، وكونت هذا المزيج أو التشكل الطبقي المشوه والسائد –حتى اليوم- في كل مكونات البنية المجتمعية، الفوقية والتحتية بهذه الدرجة أو تلك، وبالتالي فإن الحديث عن مجتمع مدني، في إطار هذا المزيج أو الشكل المرقع من »الجماعات« ما قبل الحداثة أو المدنية، مسألة تحتاج إلى المراجعة الهادئة التي تستهدف تشخيص الواقع الاجتماعي العربي، وأزمته المستعصية الراهنة، تشخيصاً يسعى إلى صياغة البديل الديمقراطي القومي وآلياته الديمقراطية وصولاً إلى تفعيل مفاهيم وأدوات ومؤسسات المجتمع المدني في إطار النضال الوطني والقومي، التحرري والديمقراطي المطلبي معاً، ففي هذا السياق وحده، نستطيع نفي الطابع الطارئ والمستحدث الوافد لمفهوم المجتمع المدني من جهة، ونستطيع أيضاً نفي واقع الإبهام والغموض الذي يشوب الحديث عنه في هذا المناخ المهزوم والمأزوم، حيث ترعرع مفهوم »المجتمع المدني والديمقراطية الليبرالية« وبات مألوفاً من كثرة تداوله في معظم »الحوارات والندوات وورش العمل التي تعقدها بعض القوى السياسية وتروج لها المنظمات غير الحكومية، وهي »حوارات وورشات عمل« استطاعت الانتشار والتوسع في العديد من الدول العربية في أوساط نخبة يتكرر حضورها في هذه الندوة أو الورشة أو تلك بصورة شبه دائمة، وهي ظاهرة تدعو إلى إثارة الانتباه والتأمل، وليس الاستغراب، من حيث أن هذه »الورش والندوات« التي »نجحت« في القفز بمفاهيم المجتمع المدني والديمقراطية الليبرالية، والوصول بها إلى أعلى سلم الأولويات في الإطار الضيق »للنخبة السياسية« التي تخلى معظم رموزها عن مواقفهم اليسارية السابقة، لم تنجح –بالمقابل- في الوصول أو التغلغل بأي شكل من الأشكال إلى الأوساط الجماهيرية الشعبية، وإن دل ذلك على شيء، فإنما يدل على غربة هذه المفاهيم بطابعها وجوهرها الليبرالي عن الواقع من جهة، وغرابة صيغها وعناوينها الفرعية المتعددة، وشكل عباراتها المركب بصورة لا يمكن للجماهير أن تستوعبها، نورد بعضاً منها على سبيل المثال: »التمكين في المشاركة« »الشراكة الجديدة بين الدولة والأسواق«، »تنمية قدرات الإنسان«، »تقدير الفقر بمشاركة الفقراء في وضع استراتيجيات تخفيف فقرهم!« »تنمية المبادرات المحلية«، »المنظمات الأهلية والديمقراطية والتنمية المستدامة«، »دور المنظمات الأهلية مع القطاع الخاص«، »التنمية البشرية من منطلق الأطفال«، »الجندر«، »عمليات التشبيك«، »الليبرالية والخصخصة واقتصاد السوق«.. الخ. وهي عبارات غريبة في معظمها عن واقعنا، مما جعل منها عبارات عامة ومبهمة و»جديدة« حلت محل المفاهيم المعادية للإمبريالية والصهيونية ومفاهيم التحرر القومي والوحدة والعدالة الاجتماعية والاشتراكية، وأضيفت إلى مفردات اللغة والخطاب السياسي الهابط، الذي حدد النظام الرأسمالي المعولم الجديد، أسسه ومنطلقاته الليبرالية، الفكرية والسياسية العامة، وترك هامشاً للمنظمات غير الحكومية في العالم العربي، والعالم الثالث لتمارس دورها أو قناعاتها الجديدة، أو مشاريعها ومخططاتها المرسومة لها والتي قد تحمل في طياتها -في اللحظة الراهنة من الهبوط السياسي المريع- توجه بعض هذه المنظمات (عبر تأثير ودور شخوصها السياسية الكاريزمية) لتأسيس أحزاب سياسية ليبرالية اجتماعية جديدة في بلدان الوطن العربي عموما، وفي فلسطين بشكل خاص، تبتعد بصورة أساس عن جوهر المشروع الوطني المقاوم للاحتلال الصهيوني تحت غطاء البرنامج الاجتماعي الديمقراطي الداخلي، وحقوق الإنسان والتنمية، وبدعم تمويلي خارجي كبير لمساعدة هذه »الأحزاب الوليدة« وضمان فوزها في أية انتخابات قادمة، بعد إسدال الستار على المشهد الوطني في المرحلة الماضية لكي تكون هذه الأحزاب عنوانا للمشهد القادم.
وفي هذا السياق لا بد من الإشارة الى تلك الازدواجية أو المفارقة الغريبة، التي تمارسها دول النظام الرأسمالي الغربي، فهي من جهة تساند وتدعم جميع الأنظمة والمؤسسات الاستبدادية المتخلفة في بلادنا بصورة منهجية واضحة، وتقوم عبر هذا الزيف الليبرالي بدعم المنظمات غير الحكومية دفاعاً عن الديمقراطية وحقوق الإنسان من جهة أخرى!؟ أية ديمقراطية هذه؟ وما طبيعة هذا المجتمع المدني الذين يروجون له وما أهدافه؟ إنها الديمقراطية المغربة، النخبوية، الفوقية، والمعزولة عن الجماهير، ما يؤكد على ذلك أن جميع المنظمات غير الحكومية –في البلدان العربية- لم يستطع أي منها الاعتماد في تمويل مشاريعه على المجتمع المحلي ولو بنسبة 20% فقط؟! بسبب اعتماد هذه المنظمات على الآخر الأجنبي من جهة، وفشلها في إقامة أي شكل من أشكال العلاقة الواسعة والثابتة مع الجماهير أو المجتمع المحلي من جهة ثانية، مع أن عدد هذه المنظمات يزيد -كما أشرنا من قبل عن- (75) ألف منظمة(1) تنتشر في بلدان الوطن العربي على السطح بلا أي جذور أو تمدد، بما يؤكد تقويم المفكر العربي سمير أمين لهذه المنظمات بقوله »إن الطفرة في المنظمات غير الحكومية، تتجاوب الى حد كبير مع استراتيجية العولمة، الهادفة الى عدم تسييس شعوب العالم، وهي انسجام أو إعادة تنظيم لإدارة المجتمع من قبل القوى المسيطرة«. ..... يتبع
- المفارقة أن معظم هذه المنظمات في فلسطين والوطن العربي، لم تقم بعقد أية مؤتمرات داخلية لانتخاب هيئاتها ومجالس إداراتها بصورة ديمقراطية منذ تأسيسها الى اليوم، على الرغم من تداولها الكمي الواسع لموضوع الديمقراطية والتعددية السياسية في كافة المحافل ووسائل الإعلام؟!
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. لمنحهم بطاقات مسبقة الدفع.. إيلون ماسك ينتقد سياسة نيويورك ف
.. تقرير للأمم المتحدة: أكثر من 783 مليون شخص يعانون من الجوع ح
.. ثلثا مستشفيات غزة خارج نطاق الخدمة وفقا لتقرير الأمم المتحدة
.. ماذا تفعل سلطنة عمان لحماية عاملات المنازل الأجنبيات وضحايا
.. برنامج الأغذية العالمي: غزة بؤرة لمجاعة وشيكة هي الأخطر