الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دردشة مع الذات ..للعبرة والعظة .!!

أحمد صبحى منصور

2018 / 7 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


دردشة مع الذات .. للعبرة والعظة
اولا : اسبوع المتاعب
1 ـ يوم الخميس الماضى تهشّم جهاز اللوب توب الذى يصاحبنى من سنوات ، وعليه المادة التى أعمل عليها وكل ما أحتاج اليه من معلومات تم تجميعها خلال السنين الماضية ، ومالم أنشره بعد ، وماهو فى دور الإعداد ، سواء من مقالات وكتب وأعمال درامية ، وبرنامج لحظات قرآنية ، بل حتى الباسووردات الخاصة بإميلاتى وبالدخول على إدارة الموقع وعلى صفحتى فى أهل القرآن وعلى صفحتى فى ارسال مقالات الى موقع الحوار المتمدن. أعطانى ابنى محمد الكومبيوتر الخاص به ، ولكن بلا فائدة . لا بد من تحميله بالداتا الموجودة فى اللوب توب الفقيد الراحل . إبنى الأمير المتخصص وعد بأن ينقل الداتا من الفقيد الراحل الى الجهاز الجديد الوافد ، وقال إن هذا سيستغرق وقتا وهو مشغول جدا ، وأعلم ذلك . لا تزال الداتا بعيدة عنى ، ولكن نجح محمد والأمير وسامح فى تعبئة الكومبيوتر الجديد بما أستطيع العمل به مؤقتا الى أن أستعيد ( ذاكرتى ) المحفوظة فى الهارد فى جثة اللوب توب الفقيد الراحل . هذا يعنى اننى سأكون ممنوعا من العمل وعديم الفائدة . كيف سأقضى أيامى القادمة ؟
2 ـ قمت يوم الجمعة بالذهاب الى مصلحة ( السيوشيال سيكيورتى ) التى اتبعها لأسأل عن معاشى المستحق وانا اقترب من السبعين، وبعد إنتظار مُملّ سمعت نفس الاجابة ان رصيدى فيما قدمت من ضرائب وخلال عملى ( ثلاث سنوات ونصف ) لا يعطينى الحق فى المعاش . قيل لنا هذا فى العام الماضى واضطررت لدفع ضرائب عن دخل وهمى لأكمل الرصيد . فى هذه المقابلة قيل لى انه لا يزال علىّ فارق بسيط لا بد من استكماله . أهمية المعاش ليس فى قيمته ( حوالى 400 دولار شهريا ) ولكن فى انه سيقوم بدفع التأمين الصحى الذى لا أستطيع حتى الان تغطيته. ستقوم إدارة ( المعاشات / السيوشيال سيكيوروتى ) بدفع التأمين الصحى وتحويل حوالى 70 دولارا لى. لم أقم بعمل كشف طبى من حوالى سبع سنوات . اعانى من التهابات المفاصل ( الركبتين والظهر ) وبسبب عدم القدرة على النوم على السرير والنوم جالسا مستندا الى ذراعى ــ أصبحت لمدة اسبوع اعانى من ألم هائل فى الكتف والذراع اليمنى ، وكالعادة رفضت الذهاب الى الطبيب ، ولم تنجح المراهم ، الى ان وصف لى صديق حبوبا لاراحة العضلات أتت بمفعول جيد وانتهى هذا العذاب مؤقتا ليحل معه إكتئاب بسبب تحطم جهاز اللوب توب وغيابى الاجبارى عن الموقع وتلك الاجازة الاجبارية اللعينة .
3 ـ ثم فوجئنا فى موجة حرارة غير مسبوقة بتعطل التكييف فى البيت . إستنجدنا بشركة مرموقة . جاء الخبير وأعاد التكييف مؤقتا بعد أن قبض 700 دولار . وعلينا أن نقوم بتغيير كامل للتكييف فى المنزل لأنه لم يتم تجديده منذ بناء البيت من خوالى نصف قرن . التكلفة حوالى عشرة آلاف دولار ، لم تكن على الخاطر .البيت يعانى مثلى من أعراض الشيخوخة ، وهو مثلى آيل للسقوط.
4 ـ أخى الشقيق د سيد رفعت هو الوحيد الباقى مصر ولم أره من حوالى عشرين عاما . من اسبوع وهو على فراش الاحتضار وحيدا فأولاده واخوته خارج مصر لا يستطيعون العودة لمصر . يعيش بعيدا عن بلدتنا ، وبجانبه اخته وزوجته . نتابع حالته بالاتصالات وقد نضبت لدينا كل ما نملك من مواعظ . ننتظر ان يُريحه رب العزة جل وعلا من هذا الاحتضار الطويل المرهق لنا .
5 ـ كان هناك أمل قارب على التحقيق ، وهو تمويل تمت الموافقة المبدئية عليه . ثم فى اسبوع الكوارث هذا علمنا بأنه لا أمل . كنت قد بنيت آمالا كبيرة واعطيت وعودا . ولكن كالعادة انهارت .
6 ـ ذهبت يوم السبت الماضى فى زيارة عائلية لصديقى ايرفنج المحامى وزوجته د فيرجينيا . هما من أروع من عرفنا فى أمريكا. ولم نرهما من سنوات . كانت مفاجأتهما برؤيتى أمشى متثاقلا متحاملا على يد ابنى . عرفوا بمعاناة آلام المفاصل . فرجينيا لها تجربة مؤلمة ومزمنة مع آلام المفاصل ، حكت بعضها ، وسمعنا منهما توصيات فى لزوم ان اذهب سريعا الى طبيب متخصص قبل ان تستفحل الحالة . كيف ومتى والى متى ؟!
7 ــ لأهرب من الإكتئاب قررت ان أنشغل بالكتابة بالورقة والقلم . بحثت فى تلافيف دماغى فعثرت على فكرة سيناريو فيلم . قررت كتابته . بدون مبالغة ــ وزوجتى وابنى محمد شهود على هذا ــ أتممته فى حوالى تسع ساعات . وقرأته زوجتى ، وإمتعضت من صراحته . عنوانه ( بُراز ) وهو يتناول قصة طبيب مثقف شيوعى فى عصر عبد الناصر وقت ان كان يعتقل الشيوعيين ، وقد رضى ان يعمل فى وحدة صحية تحت الانشاء فى قرية نائية ليختفى من اجهزة الأمن ، وهو لايعرف أنه تحت الرقابة . كانت مهمته مكافحة الأمراض المتوطنة ، من بلهارسيا وانكلستوما واسكارس . عانى من جهل أهل القرية، ثم بدا يتعرف على معاناتهم من التعذيب فى ( مركز الشرطة ) بدأ يقوم بتوعيتهم فانتهى الأمر به قتيلا تحت التعذيب. إقترحت زوجتى تغيير العنوان الى ( آه يا بلد ) وإقترحت بعض التغييرات . ثم دخلنا فى النقاش المعتاد : وهو ما فائدة كل ما تكتبه ؟ ما كتبته من اعمال درامية تحلم بأن ترى النور لم تر النور ، ولن ترى النور . وما نشرته من مقالات وكتب وبرامج على اليوتوب لم تغير شيئا ، بل يزداد الحال سوءا فى مصر وخارجها . هل هذا صحيح ؟
8 ـ فى دردشة مع نفسى إسترحت حين تذكرت كوب الشاى
ثانيا : كوب الشاى
نفترض أن معك كوب شاى نصف ممتلىء . بعضه ملىء بالشاى والباقى فضاء .هو نفس الحال مع كل البشر . كل انسان لديه كوب بعضه ممتلىء بما يملك والباقى من الكوب هو ما ينقصه .الانسان المؤمن يرى الجزء الملىء من الكوب الخاص به ويحمد الله جل وعلا على نعمائه ، وقد ينظر ببعض الأمل الى الجزء الفارغ فيصبر ولا مانع ان يتمنى ولكن يظل شاكرا حامدا . ليس هناك كوب ملىء بالكامل لأى إنسان ، وليس هناك كوب فارغ تماما لأى إنسان. ما نراه نحن من مواكب ومظاهر للمشاهير والمياسير هى خداع .كثير من الأثرياء المشاهير ينتحرون من الإكتئاب ويعيشون فى شقاء ، وملايين الفقراء يعيشون فى راحة نفسية يحسدهم عليها البليونيرات . كلما واجهت محنة تذكرت فلسفة كوب الشاى .
1 ـ من الناحية الصحية : أنا أفضل حالا من بلايين الناس . شقيقى د محمد علاء الدين منصور مات من عدة سنوات من سرطان الكبد ، ويتأهب ضقيقى د سيد رفعت لأن يلحق به من نفس المرض . وأنا أكبرهم سنا. ولا أعانى من الكوليسترول ولا من السكر ولا من السرطان .. الذى اُعانى منه هو ما يمكن تسميته ( إصابة عمل ) . الجلوس للكتابة والقراءة حوالى ثلاثين عاما لا بد ان تؤدى الى زيادة الوزن وآلام المفاصل، خصوصا وأن بعد الفراغ من العمل اليومى لا يتبقى طاقة تتيح المشى .
2 ـ من الناحية المالية فالوضع الآن أفضل مئات المرات عما كنت فيه فى مصر. فى مصر كنتُ ملزما بالانفاق على اولادى ، جاءوا لأمريكا وهم ناجحون فى اعمالهم ، وهم الآن الذين يتحملون النفقات . هو الأمل ــ او الطمع ــ فى المزيد لتدعيم جهدنا الاصلاحى . ولكن لا يكلف الله جل وعلا نفسا الا وسعها ، ونحن نبذل وسعنا فى الكتابة وفى الاتصالات . وفى النهاية لن يصل الينا الا ما قدره الرحمن جل وعلا وهو صاحب هذا الدين العظيم . ومن يتق الله جل وعلا يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله جل وعلا فالله جل وعلا هو حسبه ، والله جل وعلا بالغ أمره ، وقد جعل رب العزة جل وعلا لكل شىء قدرا ( الطلاق 2 : 3 )
3 ـ هل هناك أمل فى تحقيق الاصلاح الذى ندعو اليه ؟ نعم ، فهناك حقائق معلومة :
3 / 1 : المفكر الذى يسبق عصره يكون ضحية لعصره . خصوصا إذا كان داعية للإصلاح فى منطقة موبوءة بالفساد الدينى والسياسى والاخلاقى والاجتماعى . المفكر فى المجتمعات الراقية يأخذ ما يستحق من مكانة حتى لو كان كل إسهاماته بضعة كتب . نحن على العكس كتبنا ونشرنا آلافا من المقالات والكتب والفتاوى والتعليقات والفيدويوهات وكوفئنا عليها بآلاف اللعنات والاتهامات من التكفير والتخوين . مشكلتنا اننا نواجه تحالف الاستبداد والكهنوت . هم يملكون ما لا نملك ونحن نملك ما لا يملكون . يملكون كل شىء سوى الحُجّة والبرهان . هم يستخدمون امكاناتهم فى محاصرتنا بالتعتيم والتهميش وقطع اى طريق لمساعدتنا . هم الدليل الواقعى للإعجاز القرآنى فى حديثه عن الذين يصُدُّون عن سبيل الله جل وعلا ويتخذونها عوجا .
3 / 2 : ولكن مع هذا وبرغم هذا فقد نقلنا ـ بإمكاناتنا البسيطة ونحن تحت الحصار ــ الفكر الى مرحلة نوعية لم يعرفها تاريخ المسلمين من قبل . حطمنا أساطير تقديس الآلهة وتقديس الكتب المقدسة ، وإنفجرت فينا الألغام ، ولكن بنا أصبح الطريق ممهدا لمن أتى ويأتى بعدنا ليقول بعض ما نقول ، بل لينقل عنا بعض ما نقول وينسبه لنفسه. ونحن سعداء ، لأننا نسعى لرضا رب العالمين جل وعلا ونطلب منه الأجر وحده .
3 / 3 : من المؤلم حقا أن أنظر الى عشرات الأعمال الدرامية الى كتبتها ولم تر النور . واحد منها فقط تم بيعه للمنتج والمخرج المصرى كريم جمال الدين صاحب شركة الاكسير وصاحب استوديو مصر . كان على وشك انتاجه ففوجىء بالسوق المصرى يخاصم اول فيلم انتجه هو ، فقنع بتشغيل استديو مصر للآخرين . وأرضانى بأن أعطانى ثمن السيناريو ولا يزال عنده مجرد ورق. بمساعدة الاستاذ وحيد حامد عرضت على التليفزيون المصرى عشر حلقات من مسلسل ( مجالس ابن إياس ) وافقت عليها رقابة التليفزيون وطلبت بقية الحلقات. كنت قدمتها لهم باسم ابنى محمد . حين عرفوا اننى الكاتب أصدر الأمن قرارا بمنعى من دخول مبنى التليفزيون. كنت فى مصر أكتب الدراما للخروج من حالات القهر ولأعايش عالما أصنعه فى الدراما ، وكان هذا يعطى أملا فى انه ربما اتمكن من بيع بعضها . فى النهاية تراكمت بالعشرات . ولا يزال الأمل موجودا. حتى لو لم يتحقق فيما تبقى من عُمر سأتركه للأولاد . كتاباتى الدرامية اصلاح بالدراما ، هو أكثر تأثيرا من الاصلاح بالكلمة . والله جل وعلا هو الذى منح هذه الموهبة وموهبة البحث ، وهو جل وعلا الأعلم بالوقت المناسب . وما علينا سوى الأمل مهما تضاعف الألم .
4 ـ أى لا داعى الى الاكتئاب ، فالكوب الذى أملكه ملىء حاليا بالكثير . والجزء الباقى منه أرجو أن يتحقق بعد موتى . ويبقى علىّ أن أرجو لقاء الله جل وعلا ، وموعد الموت يقترب . وأحمد الله جل وعلا على أن هدانى فى مسيرة حياتى . نجحت وانتصرت و سيرى ابنائى ثمرة كفاحى بعد موتى . فى هذا العصر تتناثر الفقاعات كالزبد يذهب جفاءا. أما ما نفعله فهو الذى يمكث فى الأرض يثمر. أى سأظل بعون الرحمن جل وعلا حاضرا فى الاجيال القادمة .
أخيرا
1 ـ بعد هذه الدردشة مع النفس زال الاكتئاب ، وعادت لى طبيعتى الكوميدية . فى هذا الصباح قلت لزوجتى وابنى محمد وسامح : أتدرون ما عمل ترامب هذا الصباح ؟ إرتاعوا فهم لا يتوقعون منه إلا الشّر .قالوا ماذا ؟ قلت لهم : أيقظوه ليصلى الفجر فرفض. تنهدوا وابتسموا .
2 ــ بعدها بدأت أكتب هذا المقال وعظا للقارىء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا