الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


للهزائم الرياضية وجوه أخرى!!

سامي عبد العال

2018 / 7 / 12
عالم الرياضة


إحدى مفارقات كأس العالم بروسيا 2018 أنَّ المنتخبات العربية فازت ولم تُهزم. انتصرت على الأنظمة السياسية التي حاولت منافستها رياضياً بمنطق السياسة. هذا سيبدو كذلك لمن يحاول أنْ يقرأ جيداً ما بين السطور، فمثلما ذهبت المنتخبات مشفوعة بصور ومظاهر الوداع الرسمي لم تعد كما كانت، إنما جاءت أكثر دلالة وتعبيراً بالنسبة لظروف المجتمع وأحواله.

لأنَّ رحلة المنتخب ( تمثيل الدولة + اليوميات + التغطية الإعلامية + التحليلات والتوقعات + المباريات ) كانت تأويلاً لنشاط الرياضة ( كرة القدم تخصيصاً ) وتوظيفها بالمجال السياسي. وبخاصة أن المسافة بين الرياضة والسياسة تنعدم تماماً من جهة الصراع السياسي الذي يخلط الأوراق ويهدر السياق ويزيح الأبعاد إلى الفضاء المطلوب.

الفكرة هنا ليست نكاية فيما حدث ولا استهزاء باللاعبين وليست قلباً لنتائج المباريات التي تمت بالفعل وخرجت فرق العرب منها صفر اليدين. لكن يجب أن نتساءل: كيف ذلك وهي قد لاقت الهزائم تلو الهزائم فعلاً ؟ بأي معنى تكون الخسارة الرياضية مكسباً بالنسبة لمنتخبها ولأوطانها؟
أيضاً المعايير الجارية وراء الفكرة السابقة ليست داخل الملاعب ولا عبر ميادين التنافس الكروي، لأن المباريات انتهت بانعدام النتائج البارزة. وكذلك ليست المعايير فنية، فالتحليل يكشف فراغ سجل العرب بروسيا من الأداء العالي ومن الخيال الكروي المبدع.

المعايير هي سياسات التزييف والتغطية على قبح الواقع الذي تعيشه المجتمعات العربية. فمنتخبات الدول التي تملأ سماءها بالعروض الجميلة والنتائج المبهرة قد تعمي الواقع، تضعه في طبقة أخرى من الضباب اللامرئي تحت بصر المشاهدين. وتنشئ سياجاً من القبول العام والبهجة الوقتية التي ينفخ فيها الحكام حتى يتم إهالة التراب على شظف العيش والركود السياسي والاتجار بالأحلام البسيطة للناس العاديين.

جميع حكام دول العرب المشاركة بالمونديال كانوا ينتظرون هذه اللحظة، فالرئيس والملك والأمير الملهمون يطلبون منذ شهور رسم هذه المساحة العامة أو تلك من الرغبات الجماهيرية ويتعايشون مع شعوبهم تحت دغدغة الأمل بالفوز والمشاركة العالية بمباريات الكأس. وقد أخذت اللقطات الخاصة وهم يستقبلون عناصر المنتخبات تمهيداً للسفر إلى روسيا وبدت الابتسامات حانية إزاء أبصار لا تصدق لكنها لم تقُل شيئاً. فالصور تغطي مساحات الفراغ الكوني بين الحياة الكئيبة الجارية ببلاد منتخبات العرب وبين مداعبة الأحلام لكيف يمررون الكرة ويراقصون المنافسين ويملئون شباكهم بالأهداف.

في تلك اللحظات اختفت المشكلات السياسية وغابت قضايا الإفقار والعنف والإصلاح والتنمية لصالح قضايا وطنية هامشية خاصة بالرياضة والهوس الجماهيري. والديكتاتوريون يدفعون في هذا الاتجاه دون هوادة، ليس حباً في الرياضة ولا دعماً لمنتخبات بلادهم، بل لأن الرياضة وسيلة تغييب للجماهير الغفيرة التي تتلهى بأهداف في شباك الخصوم بخلاف البحث عن الأسباب الحقيقية للتخلف والقهر.

والغريب أنَّ الأنظمة العربية المستبدة بدت في هذه المناسبة عصرية وتتفهم وضعية الرياضة على خريطة العالم كما أنها تواكب الحدث من جهة الاستعداد والإنفاق عليه بأموال طائلة. بينما الشوارع الجانبية لقصور الحكم تعلق به العشوائيات ومملوء بأنين الفقراء والضحايا، كأن الاستبداد يصنع منتخباً للمنافسة الدولية خلال أسابيع بينما يصنع من طبقات شعبه منتخباً من الضحايا طوال الأعوام.

من تلك الزاوية ستكون ( الهزيمة ) في المونديال( فوزاً )على من يريد صناعة المشاهد بحسب مآربه السياسية. أي تتجسد المفارقة في توزيع المشاهد على نطاق أوسع. فاللاعبون العرب يصارعون المنافسين بملاعب روسيا أما النتائج فليست إلا ببلادهم كاشفة ماذا كان يراد لهم أن يمثلوا من أدوارٍ. والأمر معكوس بالنسبة للأنظمة السياسية إذا يستغلون النتائج والأداء المميز لتحويل هزائمهم إلى شيء آخر. وهذا كله معناه تحويل المنتخبات الكروية عربياً إلى ماسحة للتجميل ومعايشة الجماهير لأجواء غير الواقع المعيش.

الهزيمة تصبح فوزاً طالما كانت غير قابلة للتوظيف ولا للسخرية من الجماهير، فلو كانت الانتصارات قابلة لذلك فإنها ستكون خسائر بعد العودة إلى أرض الوطن. إذ ستتوارى المنتخبات المنتصرة بين طيات نسب الانتصار إلى عبقرية الزعيم ودعم الزعيم ورعاية الزعيم وعناية الزعيم دون أدنى معرفة بماهية الرياضة ولا ماذا قدمت إلى الشعوب.

لقد تباينت ردود الأفعال إزاء هزائم المنتخبات العربية... ركزت وسائل الإعلام على مسح الخيبة بقدرات اللاعبين وعدم تركيزهم. وحاولت إعطاء الجماهير من كأس الهزيمة بتصوير مظاهر الحزن والأسى عليهم وأساليب التشجيع ومظاهره جراء ضياع الفرص والإصابة بالأهداف في مرمى الوطن.

ففي دولة المغرب مثلاً صبت الصحافة جام غضبها على تقنية التحكيم ( -var-)، أي رجوع حكم المباراة إلى الفيديو لحسم الألعاب والأهداف المشكوك فيها والتي يصعب حسمها. وكانت العبارات من نصيب الحكام الذين أخفقوا في إعطاء أسود الأطلسي حقوقهم الكروية. وإذا كان ذلك صحيحاً فلم يتطرق الإعلام إلى مشكلات أخرى مثل عدم نجاح المنتخب المغربي ككل في تحقيق الفوز وبعض الثغرات الخاصة بخطط المدرب هرفي رينار في قراءة الخصوم واللعب عليها.

وبباقي الدول المشاركة( مصر، السعودية، تونس) فلقد تولى إعلامها تنظيف آثار الخسائر، بين توجيه الاتهامات والشتائم كما حدث للاعبي السعودية واعتبارهم لا يستحقون تمثيل بلادهم وأن الأموال التي يحصلون عليها لم تكن لتجدي وأنها ذهبت هباءً وبين التماس الأعذار لهم والتركيز على تقطيع المباريات إلى فواصل ولقطات من اللعب الجيد كما جرى مع المنتخب التونسي وبخاصة فوزه الأخير على منتخب بنما.

أما حالة المنتحب المصري فقد كانت بائنة التوظيف بشكلٍّ لافت للنظر، لقد كان توديعه ابتداءً بمظاهر جماهيرية جاءت مصحوبة بكل أنواع الحشد والتعبئة ومظاهر الاحتفاء وأدواته كأنه منتخب قد فاز فعلاً قبل الذهاب إلى روسيا. فبعد ثمانية وعشرين عاماً لم يصعد المنتخب إلى المونديال، حتى قيل إن مجرد الصعود شكَّل حلماً لشعب طوال هذه السنوات وهناك من المعلقين من اعتبر الصعود طوق النجاة للدولة المصرية كي تقدم نفسها على الهواء مباشرة. وقد جرى التغني بالأمجاد والتواريخ والتقاليد والمستقبل الزاهر الذي ينتظر كافة المصريين. وأن فلاناً من اللاعبين دخل التاريخ وأن علانا سيصادق المستقبل وأن هذا سيعيش إلى الأبد وأن ذاك سيتحول إلى أنشودة!!

وهذا العمل أحدث شيئين:

أولاً: الإزاحة، حيث تم نقل المشكلات السياسية والاجتماعية من الواقع إلى أن تكون حماساً جماهيرياً في موضع آخر. إنَّ الأمجاد والتاريخ لا يحضران إلاَّ بحذف ما بين الماضي والمستقبل من قضايا. وهذا يعني خلق حالة من غسيل الواقع وتشذيبه. بحيث لا يستطيع الإنسان توجيه النقد لممارسات السلطة. ففي وضعية كهذه سيأتي الرد من زاوية أخرى هي الرياضة التي تصنع مبرراً لصرف الأنظار عن أية زوايا غيرها.

ثانيا: تحميل اللاعبين فوق طاقاتهم بل رسم صورة مسيَّسة للمنتخب. فهم عندئذ جنود ومنافحين عن واقع هم لم يصنعوه وإلحاق دلالته بهم. والهدف خلف ذلك أنْ يكون رد فعل الناس ( بما فيه ردود أفعالهم على الواقع) يطيش ذاهباً إلى المكان الخطأ. ولقد لعبت الصور الحية للبث دوراً في هذا الوضع، بما فيها سيول الإعلانات التي تدعو إلى تبديل الوعي وتحويله وثقبه. فالإعلان كان دعوة للدخول ضمن لعبة المنتخب وصورة الدولة. ولاسيما مع إبهار المشروبات والوجبات والحركات التي تزين المَشاهد.

هاتان النقطتان كانتا مفيدتين عندما فشل المنتخب المصري في تحقيق أي فوز، حيث حُمل المنتخبُ كل أذيال الهزائم بما فيها هزيمة الواقع، فهزيمة الواقع سياسياً استطاعت أنْ تتسلل ضمن حزمة السلبيات التي أُلصقت بالمنتخب. لم تكن خسارة مصر أمام السعودية في المباراة الأخيرة غير القشة التي قصمت ظهر البعير. كشف الإعلام المصري عن نواياه التي ظل متكتما عليها، كان أمامه سؤال مهم: كيف يتم تحميل المنتخب كل الهزائم سياسياً واقتصادياً ورياضياً مرة واحدة؟

فطالما أنه أخفق في الإتيان بفوز واحد يغطي على الواقع، فلتكن الخسارة هي المَعْبر الذي يتم عليه ذلك. إذ انخرطت برامج " التوك شو " في إماطة اللثام عن سلوكيات اللاعبين في معسكر روسيا، وماذا أكلوا وكيف تدربوا والخلافات التي وقعت بينهم وكيف احتفلوا بعيد ميلاد اللاعب الأشهر محمد صلاح. وكيف احتفل بهم الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف ومشاهد الرقص والغناء الديني أمام الرئيس المذكور وتناول تاريخه وعلاقته ببوتن والدولة الروسية. وجرى الحديث عن أخطاء المعسكر ومن الذي قرر إقامته في مدينة جروزني البعيدة عن مواقع المباريات. وتم تداول أخبار الاتحاد المصري وفساد أعضائه دون تحرك جاد للتحقق من ذلك. كل هذا وسط غلاء الأسعار والاحتقان السياسي وفوضى الأخبار حول الإرهاب ومحاربة الجماعات المسلحة وعمليات خطف الأطفال وفوضى الأحول المعيشة.

وإذا عدنا إلى الوراء قليلاً، فلربما كان التوظيف بهذا الوضع خرافة رياضية سياسية. فهل سيكون إحراز الأهداف عملاً سياسياً ينتشل المجتمعات العربية من التخلف والفقر؟ هل التمريرات الصابئة( بين اللاعبين) تعنى حل مشكلة الصرف الصحي وانعدام التخطيط العمراني وإيقاف العشوائيات؟ كيف تكون الهجمات المرتدة الناجحة مقاومة لانتشار الأمراض وعناية بصحة المجتمع؟ ما العلاقة بين رميات التماس والقضاء على البطالة وتوفير فرص العمل للشباب وتنمية قدراتهم؟

من هنا شعر اللاعب العربي أنه ليس مسئولاً فقط عن تسجيل الأهداف، بل عن حل مشكلة الفقر وتخطيط المدن والقضاء على ظاهرة التسول وإنهاء حالة الاغتراب لدى الشباب وإيقاظ الوعي بالحياة العامة وشق المصارف والترع لري الحقول والمزارع وزيادة الإنتاج الزراعي والصناعي وتوفير فرص الزواج للعانسين والعانسات ورعاية المسنين وكبار السن ورعاية الأرامل والمطلقات وزيادة رواتب العاملين بالدولة وفتح الطرق أمام حركة التجارة الداخلية والخارجية وإقناع الحكام بترشيد العنف وإنفاذ القانون وإرجاع الحقوق لأصحابها...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حالة غش في ماراثون بكين تلتقطها الكاميرات


.. تحدي الأبطال | حماس لا ينتهي مع بكي ووليد في Fall Guys و Hel




.. دوري أبطال أوروبا.. أربعة متأهلين من بينهم ريال مدريد وباريس


.. نجم ريال مدريد يحتفل بعد الإطاحة بالسيتى مرددا: الله أكبر




.. في 70 ثانية رياضة.. 6 منتخبات عربية تتنافس على لقب كأس آسيا