الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب الأخلاق … يا وزير الأخلاق

فاطمة ناعوت

2018 / 7 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



كان هناك راهبٌ اعتاد كلَّ نهار على شراء الجرائد من بائع صحف في الحيّ. وكان البائعُ يستقبلُ الراهبَ بالسباب واللعان، وبعدما يبيعه الجريدة ويقبض ثمنها، يبصق عليه. فما يكون من الراهب إلا أن يأخذ الجريدةَ ويشكر البائع، ويمضي. ذات نهار، ذهب الراهبُ لشراء الجريدة كالمعتاد، برفقة صديق ولما لعنه البائعُ كالعادة، تمتم الراهبُ بالشكر وانصرف، فذُهل الصديقُ وقال: "لقد لعنك يا أبونا، ألم تسمعه؟!" فأجابه الراهب: "سمعته بالطبع. لا عليك، هو يفعل ذلك كل يوم. ربنا يسامحه." فاندهش الصديق وقال: "كل يوم يشتمك يا أبونا، ولا تأخذ موقفًا! بل تأتي للشراء منه مجددًا، وكل يوم؟!" فقال الراهبُ: "نعم يا صديقي؛ فأنا أرفض أن أكون ردّة فعل. أنا أصدُرُ عن نفسي، وهو يصدُرُ عن نفسه."
تذكرتُ تلك الواقعة التي قرأتُها قديمًا وأنا أتابع على صفحتي كمَّ الشتائم واللعنات، التي طالتني من بعض أشقائي المسيحيين، تعليقًا على مقال لي عن "الفن القبطي". حيث نشرتُ بعض لوحات من "وجوه الفيوم" وطرحت ما تعلمته على يد نخبة من أرقى بروفيسورات العمارة والتشكيل في هندسة عين شمس، حول مدارس الفنون التشكيلية والمعمارية. اتهموني بالداعشية وازدراء المسيحية حين قلت إن مدرسة "الفن القبطي" لا علاقة بها بديانة ما، بل هي تقنيات فنية ابتكرها الفنان المصري في القرن الأول الميلادي! وقال لي أحدهم: “سقط القناع وعرفنا أنكِ سلفية متطرفة تكرهين المسيحيين"!
أدركُ جيدًّا الحساسيةَ التي تُدثّر المسيحي المصري بعد عقود من الممارسات الطائفية ضدّه منذ توغّل الفكر الوهابي في أرض مصر في السبعينيات الماضية، حتى قرّ في الوعي الجمعي المسيحي، للأسف، أن حقوقه كمواطن مصري أصيل، باتت محلَّ نقاش، أو مشكوكًا فيها! وأن المسلمَ، بشكل عام، متربصٌ كارهٌ عدوانيٌّ، ومتهمٌ بازدراء المسيحية، حتى تثبت براءتُه. وإن ثبتت البراءةُ مع شخص ما، نذر حياتَه في ساحة معترك التنوير والمطالبة بحقوق الأقباط المهدرة كما في حالتي، من السهل جدًّا إرجاع التهمة الجاهزة، في لحظة واحدة، إن اختلفتِ الآراءُ حول قضية ما!
والحقُّ أنني لم أنزعج من إلقاء تلك التهمة الجاهزة في وجهي، "ازدراء المسيحية". فمن يخُض معركة التنوير عليه قبول الفاتورة الباهظة. وقد سبق أن كنتُ قاب قوسين من باب السجن بتهمة ازدراء الإسلام! لكن انزعاجي كان من المفردات الهابطة التي أصبحت مغروسة في معجمنا اليومي، وكأننا نتنفس لعانًا وبذاءات!
عام 1932، كتب فكري أباظة باشا في إحدى المجلات منتقدًا هبوط الأخلاق في الشارع المصري آنذاك قائلا: “الولد الصفيق يقف عند محطة الترام ويقترب من سيدة لا يعرفها قائلا: بونسوار يا هانم!” تُرى ماذا كان يوسعه أن يقول لو كان يحيا لحظتنا الراهنة؟!
لهذا يتأكد لي كلّ يوم أن أبناءنا تلاميذ المدارس بحاجة ماسّة إلى دراسة "مادة الأخلاق". وألا يُكتفَى بأن تُدرّس المادةُ نظريًّا، مثل كتاب "التربية القومية" الذي كان كالظلال الباهتة في مناجهنا؛ بل تُدعم الدراسةُ النظريةُ بالتدريب العملي، عن طريق وضع الأطفال في مواقف تجعلهم يقبضون على "الجوهر العميق للتحضر" والسموّ في معاملة الآخر. الحق أن الوحش الأشرس الذي ينهش في قلب مصر الراهنة هو غياب قيم الأخلاق عن منظومتنا اليومية. فالأخلاق هى متلازمة الحضارة والتحضر والرقى في المجتمع السوى. الأخلاق هى "فنّ مراقبة الآخر”. والمراقبة ليست باقتحام خصوصياته ودسّ الأنف فى شأنه، بل هي، كما فى الأدبيات اليابانية، العملُ على راحة الآخر وتكريس شعوره بالأمن والسعادة. لهذا يقول العظيم ابن عربي: "التصوّف إذا لم يعمّ مكارمَ الأخلاق، لا يعوَّل عليه.” ولهذا قال نجيب محفوظ في خطابه لجائزة نوبل: “وكما ينشط العلماء لتطهير البيئة من التلوث الصناعي، فعلى المثقفين أن ينشطوا لتطهير البشرية من التلوث الأخلاقي.”
هذا المقال نداء للدكتور طارق شوقي وزير التعليم وأنا أعلم حرصه على تطوير المنظومة التعليمية بشكل جوهري وحقيقي. وكذلك إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي أتوجه متسائلة: ألسنا بحاجة إلى وزارة الأخلاق؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بونسوار يا هانم
عادل سلامة ( 2018 / 7 / 14 - 17:16 )

صدقينى

الكتابة بدون رسالة حقيقية صادقة نابعة من قلب مخلص لا قيمة لها وهى والعدم سواء
انت لا تزالين فى مطلع الخمسين ولم تصبك الشيخوخة بعد .. فليكن القادم من الأيام للحق والحقيقة .. بعيدا عن الرياء وما يحيط به من منافع تافهة

فى أحد الأيام كنت فى محطة القطار وفجأة أصيب شاب فى كتفه بطلق نارى مجهول المصدر - وسالت الدماء
راقبت ردود أفعال الناس .. فواحد يصرخ ويلعن وآخر يسأل عن أقرب مستشفى وثالث يمسك بتليفونه لإبلاغ البوليس

وأنت من النوع الأول .. تكتفين بالصراخ والشكوى وليس لديك أدنى قدرة أو استعداد للمواجهة والتماس الحلول الجذرية .. وحتى فى اللقاءات مثل لقاؤك فى حلقة احمد عبده ماهر كان أداؤك مجرد صراخ وسرسعة - يا الهى يا الهى .. وكأننا فى مدرسة أطفال .. ومع ذلك وبكل جرأة وسذاجة تضعين نفسك فى مصاف رواد التنوير الذين نالهم جانب من الاضطهاد أمثال ابن رشد وطه حسين ونجيب محفوظ .. لمجرد ان حكما قد صدر بسجنك عقابا لك على سطر يتيم ندمتى عليه وأنكرتى معناه وتبرأتى منه ولعنتى سلسفين جدوده .. بل وأخذتى فى تملق جلادك خوفا وهلعا

زمن كل ما فيه ردىء ... مغشوش ... مزيف ... مدع ... كاذب


2 - المشكله عميقه
على سالم ( 2018 / 7 / 15 - 21:21 )
لاجدال ان الاقباط عانوا كثيرا بسبب الهيمنه الاسلاميه الوهابيه والاضطهاد والتفرقه والتهميش والظلم فى مصر , انهم اصبحوا متشككين فى كل شئ مما كان له اكبر الاثر فى تصرفاتهم وسلوكهم اليومى , حدث ان تنصرت فتاه مسلمه فى اميركا وكان من الطبيعى ان تلجأ الى الكنيسه الارثوزكسيه لااقامه الشعائر والطقوس المسيحيه مع ابناء الرب , الذى حدث ان الطائفه المسيحيه الارثوزكسيه فى اميركا لم يتقبلوها وكانوا يعاملوها بأحتقار وازدراء , كانوا يسموها المسلمه ؟ المسلمه حضرت ؟ المسلمه ذهبت ؟ من الواضح انهم لم يتقبلوها كأنسانه اعتنقت المسيحيه وكان بالاحرى ان يحتضونها ويقدموا لها الرعايه والارشاد , هذا يبين بدون شك انهم لايزالوا يعانوا من مشاكل وخلل فى التعامل الانسانى بسبب الضغط والاضطهاد الذى تعرضوا له عندما كانوا فى مصر


3 - انت فاطمة المصرية الصوفية
مالك سليمان ( 2018 / 7 / 17 - 19:27 )
أحييكي على هذا القلب المفعم بالنور والأخلاق العالية
لا تحزني من مهاجمة بعض الناس لكِ
اجعلي الله دائما أمامك واعلمي أن رب العالمين ومربيهم جميعا
وتذكري مالاقاه أهل البيت من الابتلاءات وهم من هم
وحسبك قراءة عابرة لكتاب مقاتل الطالبيين للراغب الأصفهاني
فكلما علت منزلة المرء عند ربه كلما زيد في بلائه حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة.. لا تحزني وازهدي في نفسك ومنزلتك واطلبي من الله ان يتجلى عليك بجماله وصفاته وأسمائه
فهو يحب هذا منا بل لم يخلق هذا الكون الا ليظهر فينا كما قال سيدي محي الدين بن عربي
أجمل تحية لك يا سيدتي
مالك سليمان
الطريقة العزمية

اخر الافلام

.. يهود أمريكا: نحن مرعوبون من إدارة بايدن في دعم إسرائيل


.. مجلس الشؤون الإسلامية في أمريكا: الرد القاسي على الاحتجاج ال




.. نحو 1400 مستوطن يقتحمون المسجد الأقصى ويقومون بجولات في أروق


.. تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون




.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع