الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف ننقذ أعالي البحار؟

أوليف هيفرنان

2018 / 7 / 14
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر



صيد مدمّر!
يقول بول سنيلجروف، عالِم أحياء أعماق البحار بجامعة ميموريال في سانت جونز بكندا: "ما علمناه من تأثير طريقة الصيد بالشِّباك الجرافة في قاع البحار هو أن مدة التعافي، وخاصة بالنسبة إلى الموائل المعقدة، مثل المرجان في المياه العميقة، قد تستغرق مئات السنين. أعتقد أنه علينا تقبُّل فكرة أن العِلْم لن يكون العامل الحاسم الوحيد، لكننا نأمل بالتأكيد أن يكون أحد الاعتبارات الرئيسة".



في أوائل القرن الخامس عشر، وصل بحّارة برتغاليون إلى منطقة هادئة من المحيط الأطلنطي، تغطيها طبقات من عشب بحري ذي لون بني مائل إلى الذهبي. وفي أجواء سكنت فيها الرياح، سارت مراكب البحّارة في هدوء مع حركة التيارات البحرية. وأطلقوا على ذلك العشب البحري اسم السرجس Sargassum، لتشابهه مع نبات برتغالي يحمل اسمًا مشابهًا، ثم عُرِفت المنطقة بأسرها في النهاية باسم "بحر سارجاسو".
هذه المنطقة من المحيط الأطلنطي - التي ساد اعتقاد في بادئ الأمر أنها قاحلة كالصحراء - تُعرَف الآن بأنها أشبه بغابة مطيرة في الماء، حيث تُعَد أحد أكثر الأنظمة البيئية البحرية ندرة وقيمة على سطح الكرة الأرضية، وهي غنية للغاية بالمغذيات، لدرجة أن الأنقليس (ثعبان البحر) يسافر آلاف الكيلومترات من الأنهار في أوروبا والأمريكتين من أجل التكاثر هناك.
لكن "بحر سارجاسو" هو أيضًا أحد أكثر مناطق المحيط المفتوح تلوُّثًا، وأكثرها تضررًا، إذ تحتجز دوامة التيارات البحرية - التي تحدّ هذا البحر الخالي من الشواطئ - كميات هائلة من النفايات البلاستيكية، وتتراجع الثروة السمكية في هذه المنطقة، التي أصبحت الآن طريق شحن بحري مزدحمًا.
يرغب العلماء في المحافظة على النظام البيئي لبحر سارجاسو، ووَقَّعت عشر حكومات على اتفاق غير مُلزِم لحمايته، لكن جهود هذه الحكومات تتسم بالمحدودية، نظرًا إلى وجود ثغرة كبيرة في السياسة الدولية؛ فبحر سارجاسو - شأنه شأن نصف كوكب الأرض - لا يخضع لسلطة أيّ دولة واحدة بمفردها. وبمقدور الدول حماية أو استغلال مياه هذا البحر لمسافة لا تتجاوز 200 ميل بحري (370 كيلومترًا) من سواحلها، لكن كل شيء خارج هذه "المناطق الاقتصادية الحصرية" يُعَد مياهًا دولية، أو ما يُعرَف بأعالي البحار.
تُشكّل أعالي البحار ثلثي مساحة المحيطات على الأرض، وتوفِّر 90% من موئلها المتاح للكائنات الحية، كما يعود إليها الفضل في مبلغ يصل إلى 16 مليار دولار أمريكي سنويًّا من حصيلة مصائد الأسماك. تمثّل المحيطات أيضًا مكانًا أساسيًّا لاكتشاف الرواسب المعدنية عالية القيمة، والمواد الدوائية الفعّالة، واحتياطيات النفط والغاز. وتنظم اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الأنشطة التي تُمارَس في المياه الدولية، بما في ذلك التعدين في قاع البحار، ومدّ الكابلات، كما تُشرِف مجموعة مكوّنة من 20 منظمة - أو نحو ذلك - على جوانب الشحن الدولي، وصيد الحيتان، بالإضافة إلى صيد الأسماك، والمحافظة على البيئة على المستوى الإقليمي، لكن لا توجد معاهدة شاملة حتى الآن لحماية التنوع البيولوجي، أو المحافظة على النظم البيئية المُهدَّدة في المحيطات.
وثمة حالة من الزخم تتولد في الوقت الراهن لحماية أعالي البحار. ففي سبتمبر القادم في مدينة نيويورك سيتي، سوف تبدأ مفاوضات حول معاهدة للأمم المتحدة - من المرجح أن تُلحَق باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار - بُغية الاتفاق على كيفية حماية هذا المورد المشترك الشاسع، عن طريق تخصيص مناطق للمحافظة على البيئة، ووضع قوانين لأنشطة معينة مثل التعدين في أعماق البحار. ويمكن للمعاهدة أيضًا إيجاد سبل لمساعدة جميع الدول على الاستفادة من الأبحاث التي تُجرَى على أنواع الكائنات التي تعيش في أعماق البحار - بما في ذلك الأبحاث التي تتناول ما إذا كانت جينات وبروتينات الكائنات البحرية يمكن أن تشكِّل أساسًا لأدوية أو مواد جديدة، أم لا – سواء أكانت هذه الاستفادة من الناحية المالية، أم من خلال نقل التكنولوجيا. وتم الترويج لهذه المحادثات على أنها ستكون اتفاق باريس للمناخ القادم ولكن فيما يخص المحيطات؛ فهي فرصة بالغة الأهمية للحفاظ على هذه المنطقة، التي تُعَد الأقل استكشافًا على سطح كوكبنا. ويقول في هذا الصدد لانس مورجان، رئيس معهد المحافظة على البيئة البحرية - غير الهادف إلى الربح - في سياتل بواشنطن، الذي يركز على حماية المحيطات: "لدينا فرصة لا تحدث إلا مرة واحدة في العمر، لإبرام معاهدة ستتيح للبلدان إدارة أنشطتها في أعالي البحار".
وَضَعَت بالفعل منظمةُ الأمم المتحدة ومنظمات مصائد الأسماك الإقليمية والهيئات غير الربحية قائمة قصيرة بالعديد من المناطق البحرية الدولية الجديرة بالحماية، مثل بحر سارجاسو، لكنّ الباحثين غير متيقنين مما إذا كان الساسة سيبالون بالمشورة العلمية في اختيار المناطق التي تجب حمايتها، وفي إصدار الأحكام عن الآثار البيئية، أم لا. واستباقًا للمفاوضات، تُقدِّم دورية Nature هذا الدليل التوجيهي لحماية أعالي البحار، إلى جانب عرض المناقشات العلمية الدائرة حول هذا الموضوع.



//كيفية إنشاء طوق حماية حول المحيطات

من بين الجوانب الرئيسة التي ستركز عليها المعاهدة الاتفاق على عملية لإنشاء مناطق محمية بحرية، وهي مناطق تحظر فيها ممارسة بعض أنواع النشاط التجاري، على أقل تقدير. ويمكن لهذه المناطق - في حال إنشائها كما ينبغي - أن تعزز التنوع البيولوجي في المناطق التي تعرضت للتدمير في أوقات سابقة. وصحيح أنها لا تستطيع منع المواد البلاستيكية من دخول المحيط، أو إيقاف زيادة سخونة أو حمضية المياه، لكن بإمكانها زيادة حجم المجموعات البحرية وتنوعها؛ ما يمنحها قدرة أكبر على الصمود في وجه هذه العوامل المُجهِدة.
يقول العلماء إنه ينبغي تطويق مساحة لا تقل عن 30% من المحيط العالمي، موزعةً بالتساوي بين النظم البيئية للمحيطات، لتجنب الانقراض الجماعي للكائنات الحية البحرية. وعلى الورق، يُفترض أن حوالي 7% من المحيط العالمي يخضع للحماية حاليًّا؛ فعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، أُنشئت في المياه الساحلية 13 منطقة من أكبر المناطق المحمية البحرية في العالم، تزيد مساحة كل محمية منها عن 100 ألف كيلومتر مربع. وكان الدافع الرئيس وراء هذه الخطوة هو هدف وضعته منظمة الأمم المتحدة، يرمي إلى حماية 10% من المحيط بحلول عام 2020، أما على أرض الواقع، فغالبًا ما تكون هذه الحماية دون المستوى. فلِكَي تكون المناطق المحمية البحرية فعّالة، ينبغي أن تتوفر فيها سمات رئيسة؛ هي: لا بد أن تكون مناطق "محظورة"، أو مستثناة تمامًا من النشاط التجاري، وأن تبلغ مساحتها 100 كيلومتر مربع على الأقل؛ وأن تكون مناطق دائمة ومعزولة بشكل مادي عن البيئة غير المحمية المحيطة بها بالمياه العميقة أو الرمال؛ وأن تتوفر لها إجراءات حماية جيدة التنفيذ. وقد أظهر تحليل أُجري على 87 منطقة محمية بحرية أن المناطق التي لا تتوفر بها سوى سمة واحدة أو اثنتين من هذه السمات لا يمكن تمييزها من الناحية البيئية عن مواقع الصيد1.
تجيز مناطق محمية بحرية ساحلية عديدة باستكشاف النفط والغاز، وحركة الشحن، والصيد. ويُذكَر أن 2% فقط من المحيط مساحة محظورة، ومعظم هذه المناطق المحمية تقع في المياه الاستوائية العميقة ذات الأهمية الضئيلة لقطاع الصناعة، ومن ثم لا تسهم بالكثير في الحد من الاستغلال الشامل للمحيطات. أما فيما يخص أعالي البحار، فتبلغ المساحة المحظور فيها الاستغلال التجاري 0.5% فقط. (تمثّل أكبر منطقة محمية بحرية على مستوى العالم - التي تقع في بحر روس قبالة القارة القطبية الجنوبية، وأنشأها مجلس إقليمي يضم 25 دولة - الجزء الأكبر من هذه المساحة). وتقول إليزابيث دي سانتو، وهي أخصائية في الإدارة البيئية بكلية فرانكلين ومارشال في لانكستر بولاية بنسلفانيا: "وكما هو الحال عادةً في المناطق الأقرب إلى الشاطئ، ثمة خطر كبير يتمثّل في أن المناطق المحمية البحرية في أعالي البحار ستقع في مناطق ذات أهمية تجارية منخفضة". ولم يُبتّ بعد في كيفية الاستفادة من المشورة العلمية بشأن المناطق المحمية البحرية في معاهدة الأمم المتحدة.



الرقابة والتنفيذ

بمجرد أن يتم الاتفاق على المناطق المحمية من المحيطات، من الأهمية بمكان جمع بيانات أساسية في هذا الشأن. وقد قدّم مشروع نُفِّذ في الفترة ما بين عامي 2000، و2010 - تحت اسم "تعداد الحياة البحرية" - كثيرًا من المعلومات التي يعرفها الباحثون عن الحياة في أعالي البحار، لكن المحيطات أصبحت أكثر دفئًا وحمضية، وزاد الصيد فيها بكثافة أكبر منذ ذلك الحين. وهذه الحاجة إلى بيانات جديدة، يمكن أن تكون حافزًا لبدء مرحلة جديدة من الاستكشافات.
يمكن رصد انتهاكات المناطق المحمية البحرية بفضل تكنولوجيا الأقمار الصناعية. فعلى سبيل المثال، تتيح "منصة رصد الصيد العالمي" - وهي مبادرة للمراقبة باستخدام الأقمار الصناعية، أطلقتها في عام 2014 المؤسستان غير الربحيّتين «سكاي تروث»، و«أوشيانا»، بالتعاون مع شركة جوجل - لأي شخص يمتلك وسيلة اتصال لاسلكية (واي فاي) تعقُّب الصيادين في الزمن الحقيقي. وتشير هذه البيانات إلى أن الصيد التجاري يغطي أكثر من نصف مساحة المحيط، ويمتد على مساحة تُقدَّر بأربعة أمثال المساحة المزروعة على سطح اليابسة2.
على أن ملاحقة الانتهاكات التنظيمية مسألة سياسية، وتخضع لإرادة كل دولة على حدة. وقد وجد تحليل لمئات المناطق المحمية البحرية الساحلية أن عدد العاملين والميزانيات هما أقوى عاملَين يتنبآن بما إذا كانت منطقة بحرية محمية بعينها سيكون لها تأثير في المحافظة على البيئة، أم لا3. وتوصّل الباحثون إلى أن الآثار البيئية للمناطق المحمية البحرية، التي تضم عددًا كافيًا من الموظفين لرصد النشاط داخل المحمية ومراقبته تفوق بنسبة ثلاث مرات تقريبًا آثار المحميات البحرية التي لا تتوفر لديها هذه القدرة بشكل كافٍ.
يتعين أن تخضع الأنشطة التجارية الجديدة على اليابسة، وفي المياه الساحلية - على حد سواء - لتقييم الأثر البيئي؛ من أجل تقدير أيّ فوائد في مقابل الضرر الذي مِن المحتمل أن يلحق بالحياة البرية المحلية.
وفي أعالي البحار، لا يخضع لمثل هذا التنظيم سوى بعض الأنشطة، حيث لم تخضع تقنية الصيد بالشِّبَاك الجرافة في قاع البحار - وهي طريقة للصيد مدمرة للغاية - لتقييم الأثر البيئي، إلا بدءًا من عام 2006. وقبل ذلك، دمرت هذه الطريقة المرجان في أعماق البحار. وحتى في الوقت الحاضر، فإن مصائد الأسماك في الأعماق المتوسطة، ومزارع الأسماك في المياه المفتوحة، وعمليات إطلاق الصواريخ (التي تتخلص من نفاياتها في البحر) ليست مرغَمة على وضع الضرر البيئي المحتمل في الاعتبار. ولذا، يرغب العلماء في أن يروا الأنشطة التجارية الجديدة في أعالي البحار تخضع لتنظيمات صارمة. ومن المحتمل أن يؤدي التعدين في أعماق البحار - على وجه الخصوص - إلى إشعال الجدل في محادثات الأمم المتحدة.
اعتمدت السلطة الدولية لقاع البحار، التي أُنشئت بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، 29 ترخيص استكشاف لشركات معينة، مثل «لوكهيد-مارتن»؛ لإجراء عمليات مسح، التي يكون معظمها على طول الحيود الواقعة في المحيطات، وعند المَنافس الحرارية المائية. وتضع السلطة حاليًّا لوائح تنظيمية لتقييمات الأثر البيئي، التي يتعين على شركات التعدين إجراؤها.
تقول سيندي فان دوفر - عالِمة أحياء أعماق البحار بجامعة ديوك في دورهام بولاية كارولينا الشمالية - إن العلماء يساورهم القلق من كَوْن هذه اللوائح التنظيمية غير صارمة بما فيه الكفاية. وتتمثّل إحدى المسائل التي لم تُحسَم بعد فيما إذا كان بإمكان الشركات ممارسة التعدين في مواقع المَنافس الحرارية المائية النشطة التي تؤوي مجتمعات أحيائية كبيرة ومتنوعة، أم لا. وتقول فان دوفر: "نحن نرى وجوب حماية المَنافس الحرارية المائية النشطة". ولا يعرف العلماء بعد ما إذا كان يمكن لهذه المجتمعات التعافي من آثار التعدين، أم لا. ويقول في هذا الصدد بول سنيلجروف، وهو عالِم أحياء أعماق البحار بجامعة ميموريال في سانت جونز بكندا: "ما علمناه من تأثير طريقة الصيد بالشِّباك الجرافة في قاع البحار هو أن مدة التعافي، وخاصة بالنسبة إلى الموائل المعقدة، مثل المرجان في المياه العميقة، قد تستغرق مئات السنين. أعتقد أنه علينا تقبُّل فكرة أن العِلْم لن يكون العامل الحاسم الوحيد، لكننا نأمل بالتأكيد أن يكون أحد الاعتبارات الرئيسة".
(كاتبة علمية تقيم في دبلن، المادة جزء من مقال نشرته "نيتشر")








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة