الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ضرورة النضال من أجل إقامة الاشتراكية

وديع السرغيني

2018 / 7 / 14
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


في ضرورة النضال من أجل إقامة الاشتراكية

فللموضوع أهمية قصوى، وجدوى نظرية وسياسية هادفة وتربوية، تفتح النقاش، وتنظمه، وترعاه.. حتى تحقيق هذا البديل المجتمعي المنشود.. فكيف السبيل إذن لتحقيق الانتصار على هذه الرأسمالية السائدة خلال عصرنا هذا، والتي عمّرت لأزيد من قرن ونصف من الزمن، حيث تهيمن وتتربع على مجمل الأنشطة الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية والثقافية، ببلدنا المغرب.. وحيث بات من الضروري واللازم تعويض هذا النمط الوحشي والمتوحش، بنمط إنتاج واقتصاد، يسيطر خلاله المنتجون الأحرار على شروط حياتهم، في ظروف من الحرية والديمقراطية، دون الحاجة للنهب والسرقة والاستغلال والتربح..الخ
فما من شك أن النظام الرأسمالي، في جميع صوره ونسخه، "الاجتماعية" منها والمتوحشة، أثبت عدم صلاحيته كجواب على تطلعات المغاربة، وكحل لمشاكلهم ومطالبهم التي لا تـُعد ولا تحصى.. حيث تعاني أغلبيتهم، من الفقر، والجهل، والأمية، والمرض، والتشرد، والتهميش، والبطالة.. وجميع ما يمكن أن يتصوره المرء، علاقة بما ينتجه الفقر، وما يفرضه من مسارات لتدبير لقمة العيش، "تقبل" في غالبية الأحيان بامتهان اللصوصية والتسول وتجارة المخدرات، والدعارة والوشاية والبلطجة..الخ
فمنذ بزوغها، نشرت الرأسمالية العديد من الادعاءات حول محاسن برامجها الاقتصادية والاجتماعية، ولم تدخر جهدا، بواسطة دعاتها ومفكريها ومنابرها الإعلامية، لنشر حلم الرفاهية والتغني به، مقابل المشروع الاشتراكي ودحضا له، حيث نشرت اليأس من تحقيقه، ومن مصداقيته، وقدرته بالتالي أن يشكل بديلا لجنـّتها المزيفة، مشككة بالتالي في نجاعته لامتصاص البطالة المستشرية، وفعاليته لتجسيد الحرية والديمقراطية على أوسع نطاق.. إذ بالرغم من تشبث جميع شعوب الاتحاد السوفياتي بهذا النمط الاقتصادي والاجتماعي الجديد، الذي وفـّر لجميع السكان المواطنين حقهم في الشغل والتعلم والصحة والسكن، وحرّر المرأة وعموم القوميات غير الروسية، من الذل والاضطهاد.. لم تتوانى النخبة اللبرالية في الغرب الأوربي، وداخل الولايات المتحدة وكندا.. عن الدعاية الكاذبة، وإعلان الحرب على هذا النموذج الاقتصادي الاجتماعي البديل، والعادل، بدعوى قصوره وتعدّيه على الديمقراطية والحريات الفردية، ومنعه للتعددية الحزبية..الخ على الرغم من هذا كله، توفرت لدى الحركة الاشتراكية المغربية المبدئية والأصلية، رؤية نقدية لجميع التجارب التي انتصرت للاشتراكية وآمنت بمشروعها، أي بما في ذلك التجارب التي استلمت أحزاب وجبهات الحركة الاشتراكية زمام السلطة، بها، ثم انخرطت عمليا وميدانيا في عملية البناء الاشتراكي، كما هو الشأن بالنسبة لشعوب الاتحاد السوفياتي وأوربا الشرقية والصين وكوبا وفيتنام وألبانيا وكمبوديا ولاووس..الخ دون فسح المجال للتفصيل، وسرد الأخطاء والمنزلقات والانحرافات عن خط البناء الاشتراكي الأصيل ومستلزماته، كما أشارت عليه القيادة البلشفية وتوجيهات لينين الثاقبة لحظتذاك.
فرد الاعتبار للثورة الاشتراكية ومشروعها الاجتماعي العادل والنبيل، يبتدئ حتما بالإدلاء برؤية نقدية موضوعية وشاملة، لكل التجارب السابقة المعنية والمرتبطة بالمشروع.. فالنضال الاشتراكي كان ومازال التزاما وقناعة طبقية مبدئية، تستحق التأكيد على مشروعيته، كمشروع ومسلسل للنضال ضد الاستبداد، وضد الاستغلال، وضد النهب.. من منظور طبقي لا هوادة فيه.. نضال يؤمن شديد الإيمان بمصالح الطبقات الاجتماعية المختلفة والمتناقضة، وبنظرية الصراع الطبقي، وبأن هذا الصراع لا بد وأن يتخذ طابعه الثوري في لحظة من اللحظات، ولمرحلة قد تطول أو تقصر.. ثورة اجتماعية شاملة، سيكون هدفها تهديم الأسس التي قام عليها نظام الرأسمالية التبعية القائم، باعتباره المسؤول الوحيد، عن إنتاج الفقر والبؤس والحرمان واللامساوات..الخ
فنحن جماعة مناضلة في صفوف الحركة الاشتراكية، غايتها التغيير بصفة جذرية، في حياة الناس وأحوالهم المعيشية، التغيير الذي يجب أن يتخذ طابعه الاشتراكي، بأن يقضي نهائيا على المِلكية الفردية والخاصة لوسائل الإنتاج، ويمنع أي شكل من أشكال التملك.. فجماعتنا اشتراكية لا لبس في هويتها، فصيل من فصائل الحركة الاشتراكية العمالية الأصيلة أي الماركسية اللينينية، حيث لا نبالغ في تأكيدنا على هدفنا الثوري الاشتراكي، الذي لا نرى مبررا لإخفاءه، أو لتأجيله إلى حين نضج الشروط، أو إنضاجها، سيان.!
إذ أن أغلبية فصائل الحركة الاشتراكية تناضل بوضوح، من أجل هدف مرحلي، ذو طبيعة بورجوازية، تستهدف بالدرجة الأولى نظام التبعية وارتباطاته الإمبريالية.. ثورة تسمى في أدبيات الحركة المعارضة الجذرية، بالثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، ثورة بورجوازية في عمقها، لا تستهدف القضاء النهائي على الاستغلال، وعلى الرأسمالية بالتالي، بل تدعو للحفاظ على نمط الإنتاج الرأسمالي وتطويره، عبر إضفاء الطابع الوطني على محتواه، وضمان استقلاله، وتمحوره على الذات وقطع علاقاته مع الإمبريالية، ومؤسساتها المالية، وشركاتها المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات..الخ الشيء الذي يفرض على هذه القوى السياسية الداعية لهذا البرنامج، أي برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، نسج تحالفات طبقية وسياسية واسعة، بغية الوصول لهذا الهدف، وبطبيعة الحال لن يتم استثناء القوى البرجوازية "الوطنية" من هذا التحالف، أو بالأحرى إحدى شرائحه، بمبرر عدائها ومناهضتها للإمبريالية!
إنه منزلق فكري وسياسي خطير، أنتجته الحركة اليسارية السبعينية اهتداءا والتزاما بالأطروحة الستالينية والماوية، التي سنرجع لمرتكزاتها في سياق النقد، والتحليل، والدفاع عن أطروحتنا الاشتراكية، وعن تصورنا للنضال من أجل استنباتها وتحقيقها على الأرض.. حيث من الواجب أن نوضح أسباب رفضنا العيش تحت رحمة الرأسمالية أو القبول بنظامها المسؤول بشكل مباشر عن الفقر والبطالة والحرمان..الخ وبالتالي لن يكون غريبا رفضنا المطلق للرأسمالية كاقتصاد، وكتدبير وكنمط إنتاج..الخ
فحركتنا ترفض الرأسمالية، وتناهضها بكل جرأة وشراسة.. نرفضها صراحة لأنها لا تنتج سوى الفقر والبؤس والبطالة والحرمان.. بسبب اعتمادها على الربح والتربّح ومراكمة الأرباح. هاته الأرباح التي لن تجد لها طريقا إلى جيوب الرأسماليين البرجوازيين، لولا لجوئهم للاستغلال والاحتكار، عبر الرفع من أثمنة المنتجات والسلع الاستهلاكية والخدمات..الخ لهذا السبب نعتبر أن أصل الشر وجميع الشرور كلها خلال هذا العصر، مرتبط أشد الارتباط بوجود الرأسمالية ذاتها.
فبسبب من الرأسمالية برز العمل المأجور، ووُلدت الطبقة العاملة لترغم على بيع قوة عملها، حتى لا يموت الفقراء من الجوع.. فمن أجل العيش، والاستمرار في الحياة، لا بد من عرض العمال قوتهم للمساومة في السوق، أي للبيع والشراء كأية بضاعة، عسى أن تجد زبونا يحتاجها ليعوض صاحبها عن شقاءه وكدحه بأجرة تغطي بالكاد مصاريف ومستلزمات العيش الأساسية، من أكل ولباس وكراء..الخ
فلكي تضمن الرأسمالية استمراريتها وتعيش الطبقة البرجوازية في رفاهية، لا بد من اعتمادها على الاستغلال، ومن الاستفادة من الريع والامتيازات وحماية جهاز الدولة.. فهي تعيش من عرق العمال والعاملات، تمتص دمائهم حتى يتساقطون تباعا، لتعوضهم، فيما بعد، بمن هم أصغر منهم وبأولادهم ونسائهم..الخ فالبروليتاريا، أي الطبقة العاملة، هي منتوج الرأسمالية الطبيعي.. ونقيضها داخل المجتمع هي الطبقة البرجوازية، حيث تعيش الطبقتين وضعا تناحريا حادا، أي من أجل أن تعيش الواحدة، لا بد أن تنهك الأخرى أو تقضي عليها نهائيا. لكن المجتمع يتكون من عدة فئات، تنتمي غالبيتها الساحقة إلى الطبقة البرجوازية الصغرى، أو كما يسميها البعض بالطبقة الوسطى، وهي كثيرة العدد مقارنة بعدد العمال، داخل المجتمع.. تعيش التناقض هي كذلك تجاه الرأسمالية وطبقتها البرجوازية، ومن مصلحتها التغيير ولا تتأخر قط عن النضال والاحتجاج على أوضاعها المزرية..
فلماذا الرهان إذن على الطبقة العاملة، لقيادة عموم الكادحين والمتضررين من نمط الإنتاج الرأسمالي، في نضالهم من أجل الإطاحة بالرأسمالية والقضاء عليها؟ لماذا نؤكد باستمرار على أحقية هذه الطبقة، وقدرتها دون غيرها، على قيادة عموم الكادحين والمحرومين، خلال معركة التحرر الموعودة، الضارية والجارية أمام أعيننا، وفي جميع مناحي ومجالات الصراع الطبقي؟ فهل هي الطبقة أو الفئة الوحيدة المعَرّضة للاستغلال والاضطهاد؟ أم أن هناك من هم في قاع المجتمع ممن يذوقون طعم القهر بلا حدود، ويعانون الانسحاق، ويعيشون البؤس والحرمان بدرجة أفظع وأشمل مما تعيشه الطبقة العاملة، دون أن يلفتوا نظر المبشرين بالثورة الاشتراكية؟ فلماذا إذن تستحوذ الطبقة العاملة على هذا الموقع الطليعي في المعركة؟
في نظرنا، وفي نظر جميع الاشتراكيين المبدئيين، أي جميع المؤمنين بهذه الرسالة التاريخية التي تتحملها الطبقة العاملة، والتي تتلخص في قدرتها، وتفردها في قيادة جماهير الشعب الكادح والمحروم، خلال معركة التغيير والمطالبة بالثورة الاجتماعية.. يعني قيادة وتوجيه عموم المتضررين من نمط الإنتاج الرأسمالي، لوضع الحد النهائي للاستغلال، والسيطرة عن منتجات وخيرات الوطن. الشيء الذي يفرض علينا أن نعي، أو نعمل على توضيح من هم هؤلاء المتضررون من هاته الرأسمالية.
فالمتضررون هم بدرجة أولى وأساسية، العمال والعاملات، أي الطبقة العاملة بجميع أصنافها ومكوناتها، الصناعية والفلاحية والخدماتية.. ثم الطبقة البرجوازية الصغيرة بجميع فئاتها كذلك ـ عدا شرائحها العليا الطموحة والأقرب للبرجوازية ـ فالمعنيون بالتغيير من هذه الطبقة، هم صغار الموظفين، أي المعلمين والأساتذة والممرضين والإداريين وأطباء القطاع العام..الخ بالإضافة لصغار التجار والفلاحين والصناع التقليديين، وأصحاب الأورش الصناعية والخدماتية، وحوانيت الإنتاج الصغير المعتمدة بدرجة أولى على التشغيل الذاتي دون استغلال أي كان..الخ
فليس للثورة التي نؤمن بها، ونعمل على تأييدها والتعبئة الشاملة والطبقية، من أجل إنجاحها.. أعداء شرسين سوى البرجوازية نفسها، ومجمل الملاكين العقاريين الكبار.. وليست ولن تكون ثورة ديمقراطية برجوازية على الشكل الذي أنتجه الواقع الروسي بداية القرن الماضي.. على العكس، فالواقع المغربي في حاجة ماسة لثورة اشتراكية تلائم الوضع الملموس لواقع المغاربة، ولاحتياجاتهم وتطلعاتهم. ثورة تقطف ما سيبقى عالقا من المهمات النضالية الديمقراطية، والتي يمكن أن يستمر النضال من أجل حلـّها، لفترة طويلة من الزمن، في ظل سلطة الطبقة العاملة.
ثورة تحتاج للدعم والمساندة من عموم الكادحين والمحرومين، بكيفية لا تؤجل البناء الاشتراكي والملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، ولا تعمل على تأبيد برامج المنتجين الصغار في البوادي والمدن.. الشيء الذي يحتاج من الطبقة العاملة وحزبها الاشتراكي، تقوية التعبئة وفق نهج ديمقراطي داخل الأوساط البرجوازية الصغيرة، لإقناعها بجدوى المخططات الاشتراكية في المصادرة، والتأميم، والتصنيع، وتحديث الإنتاج ومراقبة التوزيع، وضمان الاكتفاء الذاتي والاستقلال الفعلي والحقيقي..الخ
بدون هذا التدقيق الذي يحتاج من مناصري الثورة الاشتراكية، المزيد من الجهد والاجتهاد، حتى تبديد جميع الأوهام البرجوازية الصغيرة الصرفة المرتبطة ببرنامج "الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية".. كما يدعو له أنصارها أو الغالبية منهم.. فالبرنامجين مختلفين من حيث الشكل والمضمون، ولا يؤدي إحدهما إلى الآخر كما يتصور البعض، نقلا عن واقع مغاير ومختلف، يرتبط ببداية عصر الرأسمالية وتغلغلها داخل المجتمعات الأوربية.. فالرأسمالية حقيقة أصبحت معطى ماديا ملموسا ببلادنا، خلال عصر الإمبريالية والعولمة ولا تحتاج لتبرير علمي، حتى نؤكد عن وجود وحدات الإنتاج والمعامل والمصانع والشركات وفروع الشركات المتعددة الجنسيات، دانون ورونو ولافارج ويازاكي ودلفي..الخ الشيء يدعونا كحركة اشتراكية وكخط بروليتاري، إلى المزيد من التشبث بهذه الثورة الاشتراكية المنشودة، من حيث بنائها ومن حيث أساسها الطبقي، ومن حيث قيادتها العمالية وبرامجها الميدانية والعملية، التي لن تحمي بتاتا مصالح البرجوازية وحلفائها، بل ستقضي عليها نهائيا ولن تعطي الفرصة لانبعاثها من جديد، عبر محاصرة الإنتاج الصغير والتضييق على عملية تطويره.. الشيء الذي يتطلب من جميع أنصار البناء الاشتراكي، تعميق النقاش حول مدى خطورته، ودوره في تسهيل العودة لاقتصاد السوق والامتيازات، والاحتكار في الإنتاج والتوزيع..الخ وهو الشيء الذي لا يقلل من إمكانية انتصاره على المِلكية الجماعية لوسائل الإنتاج، بما يعنيه ذلك من توسع، وعرقلة، وتجويع، وتخريب للاقتصاد الاشتراكي.
فلسنا إذن، بحاجة إلى الجمهورية الديمقراطية البرجوازية الصغيرة، فهي قصيرة العمر، وقابلة للانحراف بسرعة عن الأهداف الاشتراكية الكبرى، والأمثلة عديدة في هذا المجال.. فنحن محتاجين حقيقة للجمهورية الاشتراكية باعتبارها الضامنة فعلا للديمقراطية، لأن الثورة الديمقراطية، كما سبق وأن أوضح لينين ذلك، ذات مستقبل، ماضيها هو الرجعية والاستبداد والتسلط والحرمان من الحقوق.. ومستقبلها هو الحرية والقضاء على الاستبداد والاستغلال، وضمان المساوات..الخ
فالتحولات السياسية في الاتجاه الديمقراطي الحق، وبالأحرى الثورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، في المرحلة الحالية، لا تستطيع في أية حال مهما كانت الظروف، أن تضعف شعار الثورة الاشتراكية أو تلغيه بل إنها على العكس تعززه وتقويه، عبر الإقرار بهذه الثورة، وبحتميتها وراهنيتها.. موسعة بذلك أساسها وقاعدتها، ومجتدبة إلى حضنها جماهير شعبية عريضة، ستقتنع، لا محالة، بالنضال الاشتراكي وبثماره.. جماهير من صفوف البرجوازية الصغيرة، وجماهير نصف بروليتارية.
وبالإضافة إلى هذا يجب على مناضلي الحركة الاشتراكية أن يكونوا مقتنعين أشد الاقتناع، بأن الثورات السياسية أمر محتم في مجرى الثورة الاشتراكية، بحيث لا يجوز اعتبارها عملا واحدا، بل هي مرحلة من الهزّات العاصفة، السياسية والاقتصادية، التي تتطلب المتابعة والحلول والإبداع.. فقد تتحول إلى نضالات طبقية ضارية، وحرب أهلية وثورات مضادة واختراقات إمبرالية..الخ فستظل البرجوازية مستميتة في الدفاع عن سلطتها، وستستميت كذلك في الدفاع عن مصالحها، إلى آخر رمق.
هو ذا المنظور الشمولي، الذي نتبناه وندافع عنه خلال رصدنا ومتابعتنا لكل المعارك الجماهيرية والطبقية، والتي يحظى خلالها خط النضال الديمقراطي بأهمية قصوى، لا تبخـّس بمطالبه وتكتيكاته في شيء.. مقحمة قاعدة واسعة ومهمة، من الجماهير البئيسة الكادحة، والمحرومة، والمهمّشة.. جنبا إلى جنب الجماهير العمالية، في معركة مصيرية، تتطور من مطالب تحسين الأوضاع، إلى مطالب التغيير، والقضاء على النظام القائم، ودكّ أركانه وأسسه، باعتباره أصل الشر والتمييز والاستبداد والاستغلال..الخ
فالعديد من الأصوات والأقلام التي انبهرت، في لحظة ما، بالاشتراكية وببعض من شعاراتها ومواقفها، تواجه هذه الرؤية بكل حقد وعنف.. تحت ذرائع شتى، واتهامات رخيصة لا أساس لها.. كاليسراوية، والتطرف، والتروتكسية، والاقتصار على الإستراتيجية دون الدعوة للتكتيكات اللازمة..الخ إضافة للجوئنا المبالغ فيه للنصوص الماركسية، واللينينية، وهو ما نؤاخذ عليه كثيرا، خلال جدالنا الفكري والسياسي، ضد خصومنا في صفوف الحركة الديمقراطية والتقدمية.. فنحن كماركسيين لا ننكر وجود تيارات مناضلة عديدة ومتنوعة، كما هو الشأن بالنسبة لجميع الشعوب والمجتمعات.. الغالبية منها تعادي في الجوهر، المشروع المجتمعي الاشتراكي، الشيء الذي يتطلب منا فتح النقاش مع روادها دون أن نستحي أحدا حول المطالب السياسية والاجتماعية الملحّة، وحول تكتيكات وخطط النضال، وحول السبل الناجعة لإشراك الجماهير الشعبية المعنية بالتغيير، أساسا الطبقة العاملة وحلفائها في المدن والأرياف.. دون اللجوء لأدنى تشويه قد يمسّ عطاءات ومساهمات كافة المكونات الديمقراطية والثورية، المشكلة للحركة.. وفي إطار المنظومة السديدة وحدة ـ نقد ـ وحدة.
فمن اللازم علينا في هذا السياق، التحديد الدقيق لقوى الثورة والتغيير.. ولا يسعنا سوى الرجوع والالتزام بالثوابت والمحددات الماركسية، والتي تتطلب منا الوضوح، وعدم تجاهل الفوارق الطبقية والصراعات في صفوف الجماهير الشعبية، تجاوزا للاجتهادات التي تعجن الكل في ماعون واحد، تحت صيغة "الجماهير الشعبية الكادحة".. في تعمّد يلغي، ويقفز على التناقضات في صفوف الجماهير الشعبية، بين جماهير الشغيلة غير المالكين وأشباههم من المياومين والعاطلين، من جهة، وبين مجموع فئات الملاك والمنتجين الصغار وحلفائهم من المواظفين.. من جهة أخرى.
فالواجب علينا كحركة اشتراكية أن نقوى ونعزز هذه الوحدة النضالية، وأن نرفع راية الرفض، والمناهضة لنظام الاستبداد القائم.. والمعادية لكل أشكال الاستغلال الذي تمارسه الرأسمالية عبر مؤسساتها الاقتصادية المتنوعة وصنادقها المختلفة وأخطبوطها العابر للقارات.. يجب علينا أن نصطف منظمة كفاحية موحدة، يكون هدفها المناهضة للإمبريالية والقضاء على النظام الرأسمالي، حيث يستمر النقاش والصراع الفكري والسياسي داخل المنظمة نفسها، حيث أن وجودها لا ينهي الاجتهاد، بل ينظمه، وينعشه، ويمده بانطلاقة جديدة تراعي الشروط الجديدة، وقواعد العمل الديمقراطي المتوافق عليها، في اجتماعات ودورات ومؤتمرات التنظيم.
فالانتماء للحركة الاشتراكية والدفاع عن مشروعها المجتمعي، بل وحتى الاستناد على المرجعية، الماركسية المدعمة باجتهادات لينين الفكرية والسياسية.. لن يكون كافيا لمعالجة جميع معضلات الحركة وتعثراتها الميدانية. صحيح أننا نتشبث بالوحدة الفكرية والسياسية والتنظيمية، مع أقرب الرفاق لنا داخل الحركة، والذين يتقاسمون معنا نفس المنهجية للوصول إلى الهدف المنشود، حيث يجب دائما تغليب مبدأ الوحدة، والنضال المشترك، والتنسيق الميداني.. تجاوزا للتخريجات الخجولة، بين اتجاهات وفرق عمالية اشتراكية، متشبثة ومرتبطة أشد الارتباط بحركة الاحتجاج الشعبي في الشارع، رافعة راية النضال الديمقراطي الجذري، والذود عن جميع المطالب والحقوق المرتبطة بالحريات الديمقراطية، والحقوق المادية للعمال والشغيلة، وحقوق ومطالب عموم الكادحين المحرومين والمهمشين..الخ إذ لا معنى أن يظل المشروع متعثرا لأسباب خلافية، حول مفاهيم، هي في الغالب نظرية، وحول أمور تفصيلية، بعضها مرتبط بالخطط، والأشكال العملية الميدانية.. في الوقت الذي يمكننا فيه أن ندون المجلدات، حول ما نجمع عليه كمكونات ديمقراطية، وما نتبناه وندافع عنه، بكل تلقائية وعفوية.
فالنضال الديمقراطي له وجهين أو اتجاهين يصعب استيعاب ديالكتيك العلاقة، التي تربط بينهما.. فأحيانا يكون من صلب اهتماماتنا وواجباتنا، الانخراط في معارك جماهيرية بسيطة تقبل بالعمل في النظام البرجوازي القائم. حيث لا يلزمنا أحد بالاعتراف به، أو القبول بسيادته الأبدية كآخر ما أنتجته البشرية من نماذج. فالانعزالية والتخلف عن المشاركة مرفوض، والمعارك تتطور بشكل مستمر، ويشتد الصراع ويتقوى، ويوحد الحركة الجماهيرية المطالبة بالتغيير.
حينها لن تتأخر القوى الديمقراطية الجذرية عن الإعلان عن مشروعها المجتمعي الاشتراكي، كبديل حتمي وتاريخي، يقضي على الاستغلال والاضطهاد والحرمان، من أساسه.. في شكل ثورة اجتماعية، تضع جانبا الشعارات والمطالب الإصلاحية، التي ما زالت قابلة بالنظام الرأسمالي وبقواعد لعبته الديمقراطية الهشـّة، لاستبدالها وتعويضها بديمقراطية جديدة، بكل ما في التجديد من معنى وثورية.
حيث أن البلاشفة نفسهم، ما كان يمكن أن ينجحوا في معركتهم من أجل الثورة الاشتراكية.. "حيث كان لا بد لهم، بالضرورة أن يعرفوا كيف يتقهقرون، وكيف يعملون بصورة شرعية، في أكثر البرلمانات رجعية، وفي أكثر النقابات والجمعيات، رجعية.. لو لم يطبقوا تكتيكا صحيحا في الجمع بين غير المشروع والاستخدام الإلزامي للإمكانات الشرعية".. فمن خلال دفاعنا عن خط النضال الديمقراطي الجذري، خلال هذه المرحلة من الصراع الطبقي المحكوم بموازين قوى محددة، وواضحة لا غبار عليها، وهي المختلة بشكل ملموس لصالح النظام الرأسمالي القائم وطبقته البرجوازية وحلفائها من المالكين والإمبرياليين.. حيث سنظل بالرغم من هذا كله أوفياء دائما لمشروعنا الاشتراكي، وسنعتمد في نضالنا هذا على جميع الأساليب القمينة برفع الوعي الطبقي، وتعميقه في الأوساط الطبقية الكادحة، والمعنية بالثورة، وفي مقدمتها الطبقة العاملة منتجة فائض القيمة، والتي لن تنعم بحريتها إلا من خلال القضاء النهائي على المِلكية الفردية والخاصة، وتحويل مِلكية وسائل الإنتاج إلى مِلكية جماعية.
"فإلى حدود سقوط النظام القيصري بروسيا، استفاد الاشتراكيون الديمقراطيون الثوريون ـ البلاشفة ـ مرارا من خدمات البرجوازيين اللبراليين، يعني أنهم عقدوا معهم اتفاقات عملية متعددة.. وشكلوا معهم حلفا شكليا، بالرغم أنه لم يدم طويلا، أي مع الزعماء السياسيين للبرالية البرجوازية، بدون أن يكفـّوا عن النضال السياسي والإيديولوجي، بدون انقطاع ولا هوادة ضد هذه اللبرالية البرجوازية نفسها، وضد أي تمظهر لنفوذها في حركة الطبقة العاملة".. فليس بزعيم سياسي للطبقة الثورية حتى النهاية، ذلك الذي يستنجد، ويتمترس وراء مبادئ "يجوز ولا يجوز" ولا يعرف أو لا يتقن فن "المراوغة والمناورة والمساومة، حتى.." في وضع يفرض عليك ذلك.. وفي شروط تلزمك إلى جانب هذا الدفاع عن الاشتراكية وعن مشروعية النضال ضد الرأسمال والحرب ضد الطبقة البرجوازية، والإعلان بشكل واضح عن تناقض وتضارب المصالح بين الطبقة البرجوازية من جهة، والطبقة العاملة وعموم الكادحين والشغيلة المحرومين والمضطهدين.. من الجهة الأخرى.
"فالثوريون الذين لا يعرفون، ولا يتقنون مزج الأساليب النضالية الشرعية بالأساليب الأخرى غير الشرعية، هم ثوريون سيئون حقا.. وإنه لمن الصعب جدا.. والثمين جدا، أن يكون المرء، حين تكون الشروط غير موجودة فعلا، من أجل نضال مباشر، وعلني جماهيري فعلا، وثوري فعلا، وأن يكون قادرا فعلا على الدفاع عن مصالح الثورية (بالدعاية والتحريض والتنظيم) في الهيئات غير الثورية، وفي كثير من الأحيان في الهيئات الرجعية السافرة، في وضع غير ثوري بين الجماهير العاجزة عن التقدير بصورة فورية، الحاجة إلى ظرف العمل الثوري".
فالاستناد إلى هذه التعاليم الماركسية، ليست دعوة للنسخ وقتل روح الاجتهاد داخل الماركسيين، بل هو توجيه منهجي لكيفية التعامل مع جميع الإشكالات التنظيمية، الهادفة لرفع الوعي، واقتحام جميع ميادين الصراع، واستعمال جميع الآليات والوسائل، الثورية والسلمية، من أجل الحشد والتعبئة للمعارك الشعبية الطبقية الحاسمة" فإن من واجبنا، بمساعدة مبادئنا الشيوعية أن ننصرف إلى تهيئ جميع الميادين بدون استثناء، بما فيها الأقدم والأعفن، والأكثر عمقا في ظاهرها، دون هذا لن نكون قادرين على استعمال جميع الأسلحة، ولن يكون في مقدورنا تهيئ النصر على البرجوازية.. "فإن الجوهري في مذهب ماركس هو تبيان دور البروليتاريا التاريخي العالمي، بوصفها بانية المجتمع الاشتراكي" بما هو تأكيد، لا غبار عليه، على الرسالة التاريخية للطبقة العاملة.. ومن لا يؤمن بهذه الرسالة، أو مجرد يشكك في صحتها وفي قيمتها، فيعتبر مجرد مناضل ديمقراطي لم يستوعب بعد تعاليم الماركسية، ووجهة نظرها الطبقية في التحليل.. إذ لا مجال بعد كل هذه السنوات من ظهور الماركسية، وبعد كل التجارب التي خاضتها وتخوضها الجماهير العمالية والشعبية" من أجل نيل حقوقها الديمقراطية، ومن أجل بناء جمهويات لهذا الغرض.. أن نستخف بهذه المطالب والمبادئ الديمقراطية، وبخط النضال الديمقراطي، الذي من المفروض أن يعمل جاهدا من أجل تكريسها على الأرض، في إطار التصور الاشتراكي الجذري البديل.. فكأننا نعاكس خط الثورة نفسه خلال نضال الطبقة العاملة ضد الرأسمالية.. وبالرغم كذلك من تأكيد جميع الماركسيين، ولينين نفسه، على حقيقة أن الديمقراطية نفسها ليست حدّا لا يمكن تخطيه خلال مسيرتنا التحررية.. ما زالت بعض الأصوات والأقلام تشكك في جدوى هذا المنحى، وفي أهمية مطالبه وشعاراته وخططه التكتيكية.. عن طريق التزوير والتشويه لخط النضال الديمقراطي.. "فالديمقراطية تعني المساوات، ولا حاجة لتبيان مدى أهمية نضال البروليتاريا من أجل المساوات، وشعار المساوات، إذا فهم هذا الشعار فهما صحيحا.. أي بمعنى القضاء على الطبقات" فهل يكفي هذا كتوضيح؟
فالبرجوازية لا تعني في شرحها للديمقراطية سوى التأكيد على الحريات الشكلية والمساوات الشكلية.. أما الاشتراكية، فعلى العكس من هذا كله، تدفع بالمعركة إلى الأمام وتنتقل بها من مستوى هذا الاعتراف الشكلي والمحدود، إلى اعتراف حقيقي يقر بمساواة جميع أعضاء المجتمع فيما يتعلق بتملك وسائل الإنتاج تملكا جماعيا، مساواة في العمل والأجر، قبل أن يصبح هذا الأجر بدون معنى ويصبح العمل خدمة عمومية صرفة لا يطالها التمييز أو التراتبية..الخ "فكل حسب قدرته ولكل حسب حاجته" هذا المبدأ الذي لن يتحقق إلا عبر استلام السلطة السياسية، من طرف ولمصلحة الطبقة العاملة وحلفائها، في إطار مسلسل نضالي طويل وشاق، يختلط فيه الجانب الفكري والسياسي والاقتصادي والتنظيمي، ويوجهه الخط النضالي الديمقراطي وفق خططه ومحطاته وبرامجه النضالية التي لا تفرط بتاتا في إستراتيجيتها الاشتراكية بأي ثمن، وتحت أية ظروف.
فالذي يجب أن يميزنا كحركة يسارية اشتراكية، وكمكون ماركسي داخلها، هو تشبثنا المبدئي بالخط البروليتاري القويم، الذي يحدد طبيعة نشاطنا السياسي في الميدان، وقوامه "المساعدة على تطوير وتنظيم الحركة العمالية ببلادنا، وفي تحويل محاولاتها الحالية المنعزلة في الاحتجاج والتمردات والإضرابات ـ وهي خالية من أية فكرة موجهة ، إلى نضال متجانس تخوضه كل الطبقة العاملة ضد النظام البرجوازي، ويرمي إلى انتزاع مِلكية المغتصبين، وإلى هدم النظم الاجتماعية القائمة على اضطهاد الشغيل.. إن هذا النشاط مبني على اقتناع الماركسيين العام، بأن العامل في بلادنا هو الممثل الوحيد والطبيعي لكل السكان الكادحين والمستغلين".
بهذا نكون قد قدمنا بواسطة هذا الشرح البسيط ما نعنيه بالخط البروليتاري، المتميز عن غيره من كافة الخطوط والتوجهات والفرق داخل الحركة الاشتراكية المغربية.. باستناده وتشبثه برسالة الطبقة العاملة التاريخية، وبوثيقة "البيان الشيوعي" وموقفها من مشاركة الطبقة العاملة في النضال ضد الرأسمالية وضد المِلكية الفردية والخاصة.. على أن الطبقة العاملة تبقى هي الطبقة الثورية الوحيدة، وحتى نهاية الصراع على السلطة، وهي القادرة على قيادة التحالف الشعبي المقهور والمضطهد، جيش الكادحين المحرومين من المِلكية، وفئات عديدة من الطبقة البرجوازية الصغيرة، بالمدن والأرياف.. جيش مستعد لخوض حرب طاحنة لن تضع أوزارها، إلا بعد الانتصار، والشروع في التدابير الاشتراكية الأولى، وتصفية ما سيبقى من المطالب الديمقراطية البرجوازية العالقة.
فلا غرابة أن نجد الغالبية من الخطابات اليسارية، ما زالت لحد اللحظة محصورة ببرنامج الثورة البرجوازية ومطالبه.. هذه الخطابات التي تنقصها الجرأة في التحليل.. تخاف اللعنة، أو نعتها بـ"التحريفية" والانحراف عن الأرضيات السبعينية، وعن برنامج الثورة الديمقراطية الشعبية، بطريقة تدين عمليا الفكر العلمي وادعاءات "التحليل الملموس للواقع الملموس"، في أمور لا بد لخضوعها للحركة والتطور والزوال حتى.. فالبرنامج السبعيني الشهير، كان له مبرره لحظتذاك، لكنه شاخ خلال بضعة سنوات، ثم انتحر مباشرة بعد سنة 74.. وبعدها لم تستمر سوى نسخه الكاريكاتورية، التي احتضنتها بعض المجموعات الطلابية داخل الجامعة، مجمدة، ومكلـّسة بشكل خطير وملفت للانتباه، مجمل البرنامج وما يرتبط به من أفكار وطروحات سياسية..! مجموعات رفضوية لا تقبل الاتحاد، وتمنع النضال الوحدوي والمشترك، وتعادي جميع من يخالفها من داخل الحركة التقدمية والديمقراطية نفسها.. مجموعات ما زالت تتحدث عن "القواعد الحمراء المتحركة" وعن "الحرب الشعبية الطويلة الأمد" التي ستحاصر المدن بالأرياف، وعن الحرب الشاملة ضد الإقطاعية والإمبريالية"..الخ دون الإشارة لمهمة بناء حزب الطبقة العاملة، ولدور النقابات والاتحادات والجمعيات.. ودون تلميح لخطة الإضرابات وإعلان العصيان الشعبي المسلح..الخ من التكتيكات اللينينية الصائبة. إذ لا جدال في حقيقة تطور الواقع، الذي تطورت معه المفاهيم وأدوات التحليل، التي انتصرت مرة أخرى للماركسية، ولرسالة الطبقة العاملة، وقطعت بشكل نهائي مع التجريبية، والشعبوية، وجميع الاتجاهات الرفضوية والفوضوية، التي ما تزال متشبثة بإنكارها لأهمية الحزب المستقل للطبقة العاملة، الحزب الذي يرفض بتاتا التحالفات الطبقية والحزبية.. لكنه لا يسعى لدمج تنظيمه ببقية التنظيمات الممثلة لباقي الكادحين والمقهورين، لسبب بسيط يكمن في تناقض وتعارض المصالح في صفوف الشعب الكادح، تناقض ثانوي بين العمال المنتجين والمستخدمين من جهة أخرى، وبين جمهور المالكين الصغار، في المدن والأرياف، من الجهة الأخرى.
هذا الحزب الذي نسعى ونطمح لبناءه، وتقويته، وغرسه داخل الحركة العمالية، مع التشبث الدائم بإستراتيجية الثورة الاشتراكية وبالخط النضالي السديد، خط الإضرابات، والإضراب العام، والانتفاضة الشعبية المسلحة، واحتلال المعامل والمصانع..الخ من التزامات الحزب النضالية والطبقية.. على أن قيادة العملية التحررية برمتها تظل بيد الطبقة العاملة وحزبها المستقل، وفق برنامج نضالي يراعي مصالح جميع المعنيين بالثورة والتغيير، برنامج لا يقبل بالتنازلات، يشجع على المصادرة وعلى الملكية الجماعية للخيرات ولوسائل الإنتاج، دون الانزلاق نحو فكرة توزيع الأراضي على الفلاحين التي ستمنع الانطلاقة الجيدة نحو الاشتراكية، وستشجع بوضوح المِلكية وتفرش لها الطريق للاستمرار في الحياة..! مما يتناقض جليا وجوهريا مع برنامج الثورة الزراعية من منظور الحركة الاشتراكية، حيث يجب مراجعة المفاهيم والتطلعات البرجوازية الصغيرة والتي أثخنت البرامج السبعينية بطموحاتها المهزوزة، التي يمكن أن تصبح مشوشا، وعدوا لذودا للاشتراكية، ولبرامجها في التخطيط، والتحديث، والتجميع، والتصنيع، والمصادرة، والتأميم، والبناء التعاوني..الخ وفقا لمعطياتنا المحلية الملموسة.
هذا الإهمال النظري المقصود، لرسالة الطبقة العاملة، شجع بعض المجموعات المحسوبة على اليسار الراديكالي، مجموعات ورثت الخطاب والمواقف السبعينية مشوهة لأقصى حد، مجموعات مرتبطة بالفصيل الطلابي المدعو بـ"البرنامج المرحلي".. فصيل ساهم بشكل كبير في الحفاظ على بعض من هذه التصورات الخاطئة، حول جدوى النضال الديمقراطي، عبر نعت جميع المنخرطين في هذا النضال، بالانحراف والتحريفية والإصلاحية..الخ والحال أن هذا الوصف، وهذا التصنيف خاطئ من أساسه، واتحاد الطلبة إوطم غير معني به، وغير ملزم به بتاتا، لأن المجال الطلابي مفتوح لجميع الطلبة، ولجميع المكونات الطلابية كيفما كانت خلفياتها وتوجيهاتها.. أما اتحاد الطلاب إوطم فهو إطار كل التقدميين والديمقراطيين المؤمنين بمبادئ إوطم الأربعة، مما يعني أن إوطم يتسع لجميع التقدميين، الثوريين والإصلاحيين، الماركسيين الأقحاح والتحريفيين.. دون أن يمنع هذا الانتماء الجماعي للاتحاد، خوض النقاش، والصراع الفكري والسياسي، بشكل ديمقراطي يضمن تعايش جميع الأطروحات ويصون مبادئ الاتحاد ووحدته.
هذا التصور الخاطئ وغير المقبول داخل الاتحادات الديمقراطية، الذي ينسب نفسه للحركة الماركسية، ويستفرد بالدفاع عن تراثها الثوري في المغرب وفي العالم، لا يرى مانعا، بل يعتبره واجبا نضاليا، في ممارسة التجني والعنف في حق مجموعة من التيارات والفعاليات المناضلة، والمخلصة فعلا لقضايا الطبقة العاملة، ولمشروعها الثوري الاشتراكي، والتي لا تخفي بتاتا دفاعها عن خط النضال الديمقراطي، وعن المطالب الديمقراطية السياسية، وعن بعض الإصلاحات الاجتماعية الضرورية، خلال هذه الظرفية، التي ما زالت تتميز بغياب الحزب الثوري، بل وغياب فكرة بناءه حتى.. أو أية مبادرة للشروع في تشييده، عبر وضع اللبنات الأولى والأساسية لذلك، مما سيقرب الثورة من النجاح مستقبلا، وسيقطع بالتالي مع التسيب، والعفوية، والفوضى التنظيمية.. الشيء الذي يتطلب من جميع الرفاق داخل الحركة الاشتراكية، المؤمنين والمتشبعين بفكرة التنظيم، وبأهميته في تطوير الممارسة والنظرية، بأن يراجعوا هذا الإهمال وهذا التقاعس، وبأن ينخرطوا مباشرة في العمل السياسي المنظم، وبأن يشجعوا على الانخراط بقوة في النقابات.. وبأن يُقوّوا حضورهم الميداني في ساحات النضال العمالي والاجتماعي، بحيث تصبح الحركة الاشتراكية قائدة للنضال ولجميع الحركات الاجتماعية المطالبة بحقوقها، والمناهضة للاستغلال الفاحش، والغلاء، وجميع مظاهر الظلم والاستبداد والفقر والبطالة..الخ الذي يمارسه النظام وحكمه القروسطي المطلق.
فالابتعاد عن النضال الاحتجاجي اليومي، وعدم الارتباط بفئاته البئيسة والمعوزة.. يعد نقصا وتهاونا أمام مهمة الارتباط والتعبئة والتنظيم، لهذه الفئة التي تستلزم منا رفع الوعي في صفوفها، بغية ضمها لمصلحة الحركة الاشتراكية، ومصلحة الطبقة العاملة.. فعدا هذا، هو الانحراف بعينه عن الخط، وعن الرؤية الماركسية، وعن منهجها في العمل، وعن رهانها على أكبر جبهة شعبية مناهضة للرأسمالية ولبرامجها وسياساتها، الجبهة التي يجب أن تبقى مفتوحة في وجه جميع الفعاليات الديمقراطية والتقدمية.. إذ بدون تطوير هذا المنحى وتكريسه على الأرض، سنفقد بالتالي أي موطئ قدم داخل الحركة الاجتماعية المناضلة، وهو موطئ ضروري وملزم لأي ماركسي يحترم مبادئه، ويحترم القضايا التي يدافع عنها بشراسة.. ارتباط وجب تطويره، ونزع الفوضى والعفوية عنه.
فنضالنا مستمر ولا تنقص من قيمته النضالية مجمل هذه الملاحظات النقدية لحركة اليسار.. واعتمادنا على هذا التأييد لحركة النضال الاجتماعي، لن يفقدنا البوصلة، ولن يؤدي بنا بأي شكل من الأشكال، للابتعاد عن الحركة العمالية وقضاياها النضالية السياسية والتنظيمية.. بل سيزيدنا ارتباطا بالطبقة العاملة وبمشروعها التحرري الاشتراكي وبرسالتها التاريخية.

وديع السرغيني
يوليوز 2018








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مسيرة 8 يوليوز 2018
عبد الرحيم العلام ( 2018 / 7 / 14 - 22:41 )
https://www.youtube.com/watch?v=PsmPmDAN2fM&t=37s

اخر الافلام

.. لماذا خصّ الرئيس السنغالي موريتانيا بأول زيارة خارجية له؟


.. الجزائر تقدم 15 مليون دولار مساهمة استثنائية للأونروا




.. تونس: كيف كان رد فعل الصحفي محمد بوغلاّب على الحكم بسجنه ؟


.. تونس: إفراج وشيك عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة؟




.. ما هي العقوبات الأميركية المفروضة على إيران؟ وكيف يمكن فرض ا