الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حركة الشعب : الناصرية في تونس و أسس المشروع الوطني

رضا لاغة

2018 / 7 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


إن التطلع إلى صياغة المشروع السياسي الوطني أضحى من القضايا المشتركة بين جل الأحزاب السياسية و مكونات المجتمع المدني بتونس ، وإن كانت التعبيرات عن هذا التطلع متفاوتة . إلا أنها تفرض في مجملها احداث إصلاحات سياسية و دستورية واقتصادية عقب المتغير السياسي الذي تشكل مع ثورة 17 ديسمبر2010. حتى أنه أصبح خطابا شائعا بين قادة الأحزاب و لغة العصر لدى منظمات المجتمع المدني. فكان السؤال المركزي: ما هي آليات تنفيذ هذا المشروع في الواقع؟ و الأهم من ذلك ما هي ملامح المشروع الوطني؟ ما هي رهاناته ؟ وما هي عواقب التخلي عنه ؟
و في محاولة لإثراء هذا الحقل تتنزل رؤية حركة الشعب للحديث عن المشروع السياسي الوطني بوصفه مشروعا يتعلق بالثورة الوطنية الديمقراطية التي أطاحت بنظام السابع من نوفمبر، وباعتباره ترجمة لطرح سياسي شامل لفصيل قومي يصوغ رؤية قطرية تحترم خصوصية المتغير السياسي الذي حصل في 17 ديسمبر 2010؛ يتنزل في إطار الجهد الذي تبذله حركة الشعب للمساهمة في إرساء ثقافة وطنية ديمقراطية لعموم التونسيين.
يرتكز المشروع السياسي لحركة الشعب في بعده الوطني على:
ـــ التزام الحركة لاستعادة الدولة وسيادة الشعب وإرساء مبدأ المواطنة والحرية والمساواة بين كامل أطياف الشعب. أي أننا إزاء مشروع تتموضع فيه مجمل مكونات الشعب التونسي.
ـــ تأكيد الحركة بأننا لسنا إزاء ثورة ذات طابع قومي، لأن الأمر يتعلق بتونس شعبا وأرضا ونظام حكم. وهو ما يعني أيضا أننا لسنا إزاء ثورة إسلامية أو مذهبية كما يروج لها الإسلام السياسي، لأن الأمر يشمل كامل الشعب التونسي بجميع مكوناته. كما أننا لسنا إزاء ثورة ذات طابع طبقي من حيث أهدافها المطروحة والقوى المشاركة فيها، رغم واقع الهيمنة الذي مورس على الشعب قصد افقاره واستباحة موارده. وهو ما يملي على حركة الشعب أن تضع مطلب العدالة الاجتماعية ضمن أولوياتها.
ــ إن هذا المشروع في شقه الوطني يركز على صوغ إجماع تونسي جديد حول هويته ورموزه التاريخية.
وينطلق المشروع في بعده الديمقراطي من:
ــ إن الديمقراطية ليست هوية، فهي لا تعدو عن كونها رؤية لإطار العلاقات والتوازنات في المجتمع. وهي مرجع لتقنين الممارسات وآليات العمل بين القوى الاجتماعية والمواطنين من جهة وبين المواطنين وهياكل الدولة من جهة أخرى.
ـــ إن المعنى المحمول على تونس المستقبل هو أن يشارك جميع المواطنين في تقرير مصيرهم على صعيد ما هو سياسي و اقتصادي و اجتماعي و ثقافي و تربوي، و إدارة مثلى للعلاقة بين الأحزاب و مكونات المجتمع المدني بصرف النظر عن الاختلافات الأيديولوجية.
ــــ إن الاستناد إلى الآلية الديمقراطية كمفهوم ليبرالي لا يعني البتة تغييب المطالب الاجتماعية التي قامت عليها الثورة ضد نظام انتهج الليبرالية المتوحشة واستأثر بموارد البلد مقابل تفقير الشعب وهشّم البنى الإنتاجية فيه لصالح فئات مفيوزية عمّقت تبعية المنوال الاقتصادي للخارج.
في تعريف المشروع الوطني الشعبي
يكشف البحث في معنى المشروع الوطني الشعبي عن ضياع هذا المشروع بعد نصف قرن من انطلاق الحركة الوطنية. فرغم التضحيات التي تم بذلها في سبيل الوطن إلا أن التجربة الراهنة تثبت أننا ما زلنا لم ننجح بعد في صياغة مشروع وطني لتونس المستقبل. فمنذ الخلاف الذي نشب بين الزعيمين: حبيب بورقيبة وصالح بن يوسف لم يعد من الممكن الحديث عن مشروع وطني لعموم التونسيين لا بالمعنى الجامع للكلمة ولا بالمعنى الاجرائي الذي يجيب عن الأسئلة الحارقة التي ولدتها قضية الاستقلال الوطني.
لقد كان في الواقع هناك مشاريع مختلفة ومتباينة لا يجمع بينها أي رابط لا على صعيد الرؤية السياسية المستقبلية ولا على مستوى تعزيز الرؤية الوطنية.
إن هذا المعطى يدعونا ابتداء أن ننتبه إلى أن مفهوم المشروع الوطني ليس مجرد تعبير عن رؤية ذاتية ، بقدر ما هو تعبيرة عن القضية الوطنية ذاتها . إنه يحيل الى الإجابة الموضوعية عن تلك الأسئلة الحارقة التي تعترض مسيرة تطور مجتمع ما. وفي اللحظة التي يعجز فيها عن الإجابة عن تلك الأسئلة يكف عن كونه مشروعا وطنيا ليقتصر على كونه مشروع سياسي يقوم على أدلوجة افتراض وضع مثالي لمجتمع ما دون امتلاك الوسائل الكفيلة لتحقيقه.
في حالتنا إذن ونحن نتحدث عن المشروع الوطني الشعبي لن تتوغل كثيرا في التاريخ لنتحرى عن ارهاصات المشروع الوطني وإنما ستبدأ قضيتنا بظهور الخلاف البورقيبي اليوسفي الذي نجم عنه تشريد واعتقال مئات بل الآلاف من الحركة اليوسفية.
إن التحري في هذه الحقبة بالذات لصوغ المشروع الوطني لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يركن إلى تأثيم البورقيبية . فليس هذا مجال بحثنا وإنما حسبنا أن نبرز أن في الخلاف اليوسفي البورقيبي انكسرت الوحدة المجتمعية. لذا إن أي مشروع وطني ينبغي أن ينطلق بداهة من هذه النقطة.
إن تجاهل هذه الحقيقة يعني الانحراف عن مطلب صياغة المشروع الوطني، وبالتالي التكيّف إلى حد بعيد مع الرؤية البورقيبية التي تنظر لنفسها على أنها مشروع وطني تجسد ضمن لحظة تشكل الجمهورية الأولى. إن الانسياق وراء هذا الطرح الأيديولوجي قد يصل إلى أقصى مراحله تطرفا حين نعتبر أن البورقيبية نتاج حركة تحرر قومي.
إن هذا الإقرار يعتبر من منظور حركة الشعب أحد الأسباب الرئيسية لهزيمة و فشل المشروع الوطني.بل إن اختزال مفهوم المشروع الوطني ضمن البورقيبية يحوّلها إلى مجرد سلطة فرضت سياسة الأمر الواقع ، إذ هي من كسبت المعركة سياسيا غير أنها بتعبير أدوارد سعيد لم تنجح في السيطرة على المخيلة أو على الوعي بكون المشروع الوطني لا زال مشروعا مؤجلا . وهو معطى على غاية من الخطورة ، خصوصا عندما ندرك أن الانقسام السياسي البورقيبي اليوسفي تحول إلى انقسام اجتماعي و تنموي بين المركز و الأطراف . وهذا بحد ذاته كسر لمفهوم وحدة الشعب التونسي و تفريط لكتلة كبيرة من المجتمع، نعتقد أن حركة الشعب الممثل الشرعي و الوحيد لها.
إن حركة الشعب وهي تصوغ المشروع الوطني الشعبي كوثيقة عمل تطرحها على عموم الشعب دون تمييز و على الأحزاب السياسية و مكونات المجتمع المدني تدرك إدراكا عميقا أنه لا قيمة لأي مشروع وطني لا يثمن وحدة الشعب التونسي في علاقته بذاته كقطر عربي مسلم و في علاقته بالمغرب العربي كفضاء مغاربي ....
إن مبادرة حركة الشعب في صوغ وثيقة المشروع الوطني ، بعيدا عن التنظير و الحملات الانتخابية الظرفية و المشاحنات الأيديولوجية ، تراهن على تصحيح هذا الوضع السياسي كمقدمة لتأمين انطلاقة واعدة لتونس المستقبل. إن حركة الشعب تؤكد على الأحزاب السياسية و القوى الفاعلة في المجتمع على ضرورة تجديد مشروعهم الوطني. المشروع الوطني ليس أن نتمترس في الدفاع عن البورقيبية أو اليوسفية بحيث يتم المطابقة بين المشروع الوطني وإحدى المرجعيتين. إذ لا يمكن الحديث عن مشروع وطني يسقط عمدا أو سهوا رافدين أساسيين في الحركة الوطنية : البرقيبية و اليوسفية لا سيما إذا كان الأمر يتصل بالمستقبل.
إننا في حركة الشعب نرى أن تطوير الهوية الوطنية و انضاج الخطاب السياسي على نحو ما جاء في التصورات الأولية للمشروع الوطني يفترض العودة من جديد إلى الأسئلة ذاتها التي انبثق منها المشروع الوطني.
نحن هنا نتحدث عن الاستقلال بمفهومه الواسع ( السياسي و الاقتصادي و الثقافي ...). إن حل هذه الأسئلة لا ينبغي أن اليوم أن يتم باختلاق مشكلات أخرى من قبيل: اذكاء النعرات المذهبية و التشكيك في عقيدة المجتمع التونسي أو المزايدة بها على نحو ما نلمس ذلك عند الإسلام السياسي.
إن حركة الشعب تجزم يقينا أن إيجاد إجابات مبتكرة للقضايا ذاتها التي اصطدم بها المشروع الوطني في بداية تشكله ، هو ما يفترض أن ننشغل به و ليس بالغائها و افتعال قضايا طاحنة تأكل من وحدة الشعب بدل أن تسهم في تطوره. من هذا المنطلق تعتبر حركة الشعب أن المشروع الوطني يجد تمثلاته في دولة العدل و الحرية ؛ أي في نظام حكم سياسي يحمل في مضامينه الحل النهائي لــ:
ــ مشكل الاستبداد
ـــ مشكل العدالة الاجتماعية
ـــ مشكل التخلف الاقتصادي
ـــ مشكل السيادة الوطنية
ـــ مشكل الهوية الحضارية
من هذا المنطلق فإن المشروع الوطني يستمد مشروعيته من كونه الخيار الأمثل الذي يخاطب الشعب و يلامس همومه وفق رؤية وطنية ، واقعية ، تحررية ، ديمقراطية تتأسس على الحقيقة و العدالة.
من المهم هنا أن نلاحظ أن المشروع الوطني يستمد مشروعيته أيضا من تثمين دور الجمعيات المدنية التي تعنى بإشاعة قيم الحرية و المسؤولية و التسامح و الكرامة و المساواة كقيم عربية و عالمية.
في إطار هذه الرؤية يمكن تجديد معنى المشروع الوطني باعتباره لا يختصر القضية في مجرد عرض برنامج لحزب سياسي ، و إن كانت حركة الشعب ، و إنما باعتباره أفق مستقبلي يصحح حركة التاريخ و يمكّن الأحزاب الوطنية من استعادة طابعها الوطني بدل التعصب للانتماء الأيديولوجي.
أهداف استراتيجية
لأننا نتحدث عن مشروع وطني توقف منذ اندلاع الصراع البورقيبي اليوسفي ، فنحن اذن بحاجة إلى اغنائه بما يتلاءم مع واقعنا المعاصر. أي أننا نقر بضرورة الاستفادة من الدروس المستبطنة من الحركة الوطنية. لذلك فإن الأولوية التي تفرض نفسها اليوم هي تحديد الرؤية و التي هي بمثابة البنية التي سينهض عليها المشروع الوطني. في حالتنا هذه فالمطلوب العمل على توليد رؤية وطنية جديدة.
ليس من وليد الصدفة أن تتضاعف الأزمة السياسية منذ 17 ديسمبر إلى غاية اليوم 2018 . فما ينبغي ملاحظته أن المؤشرات الموضوعية تؤكد بأن الأحزاب السياسية الحاكمة و رغم التنازلات التي قدمها قياداتها ( علمنة حركة النهضة و التخلي عن الدعوي من قبل راشد الغنوشي أو شرعنة توافق النداء مع النهضة من قبل الباجي قايد السبسي)، فقط عملت على تجويف المشروع الوطني و ابتذاله في مفهوم التوافق المغشوش الذي لا يلب سوى المصلحة المتبادلة للطرفين بمسميات وطنية من قبيل حماية المسار الانتقالي .
نستنتج من ذلك أن حزب حركة النهضة و حزب نداء تونس شرعوا لا فقط في التخلي عن الرواية التاريخية ،تغييب اليوسفيين كفصيل أصيل في طرفي المعادلة ( التغييب مورس بكل الأشكال : اغتيال رموز ، تعتيم اعلامي ، ...) و استجلاب الإسلام السياسي كعنوان معتّم و مضلل للمشروع الوطني و اعتبار المصالحة بورقيبية / إسلامية؛ بل ، وهذا الأنكى ، في التخلي عن رؤيتهم لذاتهم وهو ما يفسر انسداد خيار المشروع الوطني مرة أخرى. مع ضرورة التمييز بين المرة الأولى و الثانية: في المرة الأولى الفشل يقترن يتباين الرؤى للمسألة الوطنية بين زعيمين لكل منهما باع في الحركة الوطنية ، أما في المرة الثانية فالفشل يعزى إلى تغليب المصلحة الحزبية على المصلحة الوطنية. على اية حال فإن عدم تنفيذ المشروع الوطني ليس مجرد خيار حزبي يحيل إلى تعثّر التسوية بين الزعماء ( وهو ما لم يحصل بين راشد الغنوشي و الباجي قايد السبسي) وإنما سببه الرئيس هو اختباره عن طريق أحزاب يبدو أنها فاقدة لأهليتها الكفاحية لأجل المشروع الوطني.
يتضح من ذلك أن النظام القائم على المحاصصة يأبّد الفشل التاريخي القديم و يعوق تطور المشروع الوطني .نحن هنا نشير إلى والتحديات الداخلية والخارجية التي تقف عائقا أمام تقدم النظام السياسي التونسي باتجاه المشروع الوطني و هي في اعتقادنا تتفرع إلى المستويات التالية:
ـــ تأثير الخلفية الإيديولوجية للنخبة والأحزاب السياسية التونسية على عملية التنمية السياسية وبالتالي صياغة مشروع وطني جامع.
ـــ التوجه الليبرالي للنخبة والأحزاب السياسية التونسية الذي يتعارض مع مسار التحول الديمقراطي في تونس بوصفه مسار جاء ليكرس مطلب العدالة الاجتماعية.
ـــ تأثير العوامل الداخلية والخارجية على المسار الديمقراطي في تونس ( أجندات دولية)..
إن حركة الشعب من منطلق مسؤوليتها الوطنية حريصة على استمرار هذا المشروع و إعادة انتاجه تأكيدا منها على مكانتها القيادية و امتيازها الذي يجعلها من الشعب و اليه . و هي و إذ تضع هذه الوثيقة أما أبناء شعبنا الحبيب و كافة القوى السياسية ، فإنها تقصد من وراء ذلك توليد خيارات وطنية بديلة تعزز النماء و الرقي لشعب صنع معجزة الحرية في كنف السلم و المسؤولية.
من هذا المنظور فإن حركة الشعب تؤكد أن الشرعية إذا ما اقترنت بالمشروع الوطني ، لم تعد تتحدد بصناديق الاقتراع بقدر ما باتت تخضع بقدرتها على حمل المشروع الوطني ، لأن الأساس في أي عملية انتخابية أن تعبر عن تطلعات الشعب من حرية و كرامة و عدالة اجتماعية.
و لئن تعددت أنماط الكتابة حول المشروع الوطني و تنوعت تبعا لتعدد خلفية الأجناس الحزبية فإن ترسخ المشروع الوطني من منظور حركة الشعب يتميز بسمات محددة و يظل الأقدر لمجابهة أزمة الحكم الهيكلية التي تضرب عميقا في كل مناحي الحياة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و التربوية و البيئية ... و مع هذا و ذاك لا تزال القوى القومية و هياكل حركة الشعب يحيون بوعي متخبط تحت وطأة انعدام الثقة و عدم اطمئنان مخيالهم للعمل ضمن الأطر الحزبية و القطيعة التي يضربونها على أنفسهم مع أبناء الشعب ليفسحوا للسفهاء من المنافقين و المتكسبين يدجلون و يفجرون عواطفهم الكاذبة ضمن خطاب يفكر بعيدا عن مصلحة الشعب.
إن بسطنا اليوم لملامح المشروع الوطني لحركة الشعب هو من صميم وعينا بضرورة استحضار المستقبل في أذهاننا باستمرار و التخطيط للحظات السعيدة التي حلم بها شباب ترشح لنيل شهادة الابتكار الثوري غير أنه أزيح عمدا ليترك مكانه لشيوخ صدئة دفعت البلاد مرة أخرى نحو انكسارات الماضي و مكبلات الاسلام السياسي المتجر بالدين و الليبرالية الرخيصة التي تبيع مقدرات وطن برمته من أجل أن تخلق وجودا شاذا منفتحا على اللاوطنية و اللامعقول.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. WSJ: لاتوجد مفاوضات بين حماس وإسرائيل في قطر حاليا بسبب غياب


.. إسرائيل تطلب أسلحة مخصصة للحروب البرية وسط حديث عن اقتراب عم




.. مصادر أميركية: هدف الهجوم الإسرائيلي على إيران كان قاعدة عسك


.. الاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي لبث المنافسات الرياضية




.. قصف إسرائيلي يستهدف منزلا في مخيم البريج وسط قطاع غزة