الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمة زكية.. ثلاثة واربعون عاماً و اللقاء بكِ لم يزل حاراً

كامل الدلفي

2018 / 7 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


في اليوم الرابع عشر من تموز /1975 كنت على موعد لزيارة العمة زكية في بيتها بالكرادة قرب مقام السيد ادريس واذكر ان اليوم كان جمعة ..لأول مرة التقيها بعد ان عادت من المنفى في العام /1969.. خططت ببراءة وجدان متطلعة الى عوالم جديدة لهذه الزيارة ..وكان داخلي اليساري يهفو بحنين جارف نحوها.. قبلتني بحرارة وجلست من دون حراك متقيدا باصوليات تقليدية رصينة ..كان هناك من يشغل البيت معها..وبدأت اتفحص نمط المعيشة في هذا المكان.. حضور الغداء اخذ يفك طلاسم العلائق المركبة في البيت.. و يساعدني في التكيف ..و تنتعش روحي بنسائم الفة لا قبل لي بها..فانا امام انماط عائلية تثير دهشتي..
عروسان شيوعيان جاءا من الشمال الى بغداد لقضاء شهر العسل.فتحت العمة بيتها لاقامتهما عندها؛ بدلا عن الاقامة في الفندق.. هذه بادرة لم أئلفها في بيوتنا القبلية و الدينية.. صاحت عمه حميد انده على صباح يجي .. ( المرحوم د. حميد مجيد خليفة ..كان وقتذاك عائدا منذ عام من الاتحاد السوفيتي وحصل على بكالوريوس زراعة من جامعة الصداقة ، باتريس لومومبو وهاجر بعد فركشة الجبهة الى اليمن ومن ثم السويد و مات هناك ) دخل صباح ؛ شاب نحيف طويل؛ يسكن شقة مجاورة ..دمث الاخلاق ..يتكلم باعتداد عال بالنفس ..قالت لي تعرفه هذا صباح عطوان . كانت احدى مسلسلاته الدرامية تغطي مساحة الاهتمام في البيت العراقي ..الدواسر..
عمه .. صباح من الناصرية .بس عفيه عليه مثرمة مال كتب ..ولك ماكو مكتبة ما كضاها.. يقرا الليل كله .. دخلت خديجة ..هاي الوردة مالتنا .. النظام قام بتسفير جميع اهلها ..
احبها صباح وتزوجها...قصة مفارقة نالت اهتمامي الخفي في الكتابة عنها..
ثم خرجت الينا .. شابة من غرفتها ..كأنها .لؤلؤة . لم يزل النعاس يتلبسها .قالت لي هاي بنتي حميدة ..حميدة حمد ..في كلية الادارة والاقتصاد ..اهلها بالعمارة..اخليها بعيوني وما أخليها تروح للاقسام الداخلية..حميدة هذا كامل اخوج..
صرنا أخوين انا وحميدة .. التقيتها مرارا في مسرح بغداد ..فهي ممثلة مسرحية ..ثم لم ارها .. بعد ثمانية عشر عاما اخبرتني العمة زكية بانها هاجرت الى السويد مع بناتها..بعد زواج مر بأحد المثقفين..
انتهى الغداء....تفرق الصحاب الى انشغالاتهم..
بقينا انا وهي ..فتحت المسجل نستمع لفيروز ..قالت تحب فيروز ...احفظ جميع اغانيها..
ثم سردت لي حكاياتها عن ثورة 14 تموز 1958
احسست ان الثورة مختلفة برواية زكية عما قرأته في الصحف او الكتب او برواية أحد غيرها ..كانت قريبة جدا من الحدث ..بل من شخوص الحكاية نفسها ..لايفصلها عن شخوص الثورة مسافات كبيرة.. تقول استقبلني الزعيم ..صفق لشهادتي في محكمة المهداوي ضد بهجت العطية .. حقا من بعد ابي هي ثاني شخص ممن اعرفهم يلتقي الزعيم قاسم ..ذلك يشكل أمرا كبيرا في تفكيري يومئذ.. وتقول : دخلت مع الثوار الى قصر الزهور. كانت هناك وثائق مهمة عن ارتباطات مختلفة وخاصة بالماسونية ..ذكرت لي اسماء بعض الفنانين..
اخرجت من تحت مخدتها كتابا مغلفا بقديفة سوداء ..قالت هذا الريل وحمد .. نسخة مفارقة تماما للنسخة التي تداولها الشارع .. فتحت الكتاب ألفيته بخط مذهل ومزدان برسوم تخطيطية ..نظرت لها بتعجب و ذهول..قالت هذا عمل الشهيد حمزة سلمان في نقرة السلمان ..كان سجين مع مظفر النواب..و الكتاب يحوي اضافة الى قصائد مختارة من الريل وحمد ..القصيدة الكبيرة حجام البريص..
دندنت:
ريحة شرطة يا حجام
والشرطة تلعب الروح
لا هي جلاب لا هي زلام
عصرا رجعت مع اخي الكبير المرحوم ابو مصطفى الى دارنا .. وتركت عند زكية خليفة روحا لم تفارقها ..فهي تمثل لي اكثر من عنوان.ام ..عمة ..رمز ..فخر ..رفيقة درب.. و مثال تحرري..وكثير من الدلالات الموحية بالقوة و الانفة والرقي وعدم الانكسار. واصبحت ابنها المقرب ..و تمر الايام ..و ترتقي في داخلي الى مصاف الام الكونية التي تتسع لكل الابناء على الارض..
حدثتني كثيرا عن تجاربها السياسية والتنظيمية والمهنية ..عن الكبار الذين تأثرت بهم و بهن.. عن. الاخ المشاعي الكبير مجيد ملا خليفة معلمها الاول ومفتاح تفكيرها والقوة الدافعة الخارقة لمشحوف الحرية والعقل الذي صعد بها الى سماء التفوق والتفرد والتعلم والثقافة والتنظيم والمواجهة والقطبانية ..من ليل المناجل الحرة التي اطعمت كل جائع في ريف تغوّل فيه الاقطاع وقتل فرص الحياة في نفوس البرية ..واطفأ جذوات الامل في عيون الاطفال وأ كحلها بمرود التراخوما و نخر الافئدة البريئة بمشارط البلهارزيا.. وتلك حماه تضج بطنين حارق في ذاكرة السهل الرسوبي.. علمها مجيد ان الحرف مثلما يكون عصا ..ويمكن ان يكون جناحا ويكون مهفة. ويكون دواء ً و طريقا طويلا..
وجاءت اول خطواتها في النزوح الى الحياة الواسعة الجديدة قسرا ؛ الترحيل القسري لعائلة مجيد بن ملا خليفة من حياة الإقليم القروي من ريف ميسان من كل ساقية او دوارة او جدول او سبخة او ذكريات .. احرق الشيخ على. نسوة. واطفال بيتهم القصب واصدر فرمانه النافذ تمنع هذه العائلة من العيش في جميع العمارة .. كان رب العائلة منشغلا بالحياة السياسية العامة للبلاد، و استقبل اهله في بيت استئجره في شارع الكفاح .. ليكون قاعدة التحرر النوعي لعائلة فارقت الريف مرة والى الابد؛ ثم في بيت للحزب فيه مطبعته..
الحزب الذي فتح لها مساحاته المغلقة ..
امرأة تتنفس الحزب ..تعشقه ..وحين تنام تضعه في احلامها..
حدثتني عن فهد..وليس عن اي كائن اخر فهي تتحدث عنه بقدسية وإجلال لا نظير لهما.. فقط عند المرور بسيرته ينخطف لونها كأنه واقف ينظر اليها ؛ يسمعها ؛ تنتمي لفهد بأبوية تتعدى المألوف..مع حبات من دموع ونشغات تسمع تكسراتها في صدرها..
قالت لي دخلت السجن في العام /1948وكان عمرها ستة عشر عاما.. على ضوء
اعترافات من كبار القادة..تفيد الاعترافات ان هذه الفتاة الريفية هي مراسلة يوسف سلمان يوسف مع العالم الخارجي.. الأبوة المخادعة. لا تطابق الابوة الحقة ..البراءة الريفية سحقت عليها الابوة الماكرة...الاب الخائن يضع ابنائه تحت اقدامه للخلاص بنفسه...
ذكرت اسم. يهودا صديق ومالك سيف..حكمت المحكمة عليها بالسجن ثمان سنوات ..
تعرفت في السجن على رموز الحركة التحررية النسوية..قالت لي اشياء كثيرة عن
نزيهة الدليمي...عمومة ..سعاد خيري ..وعشرات... خرجت من السجن في العام
/1956.
وقفت بشموخ في مفارق الطرق .. انتمت بحواسها كاملة لحياة الثورة..لكن الثورة تصدعءنت ... لم. تدفيء الاحلام الباردة ...
لم .. ولم ...وهي تغلف روحها بالفولاذ.
قاومت انقلاب شباط وأصدرت المحاكم العرفية بحقها حكما بالاعدام .. اختفت شهورا فسي السليمانية ..بعدها دخلت بغداد متخفية واتصلت بمن تعرفهم من الكوادر لتعيد التنظيم السري.. ثم صسقررت ان تهاجر. برا عن طريق الكويت بجواز مزور من تدبير بهاء الدين نوري .و ارسل معها ولديه ..تقول لبست ملابس امرأة قروية .حين وقفت. في شباك المغادرة في نقطة صفوان لاحظت صورتي معلقة مع اعلان تحتها القاء القبض على المجرمة الهاربة... احسست بقشعريرة في جسدي؛ حظنت ابنائي وعبرت الحدود بجنان ثابت...
توجهت الى براغ ..وفي المطار استقبلني مسؤولون كبار من الشيوعيين الجيك...
تتحدث بود عظيم عن بهاء الدينذ نوري...واعجابها. بشجاعته. وعدم طأطأة رأسه لازلام الانظمة..تتحدث بمهابة عن شمران الياسري..وعن الخيرين وهم كثار في تجربتها.
سفرها الطويل لا يمكن ايجازه بصفحات..
التقيت في بيتها شخصيات متنوعة في الفكر والادب والفن والسياسة...التقيت عندها بيتر يوسف..وعند وفاته يرحمه الله ..ساهمت في تجهيز الجنازة وذهبت الى المدفن الخاص بالمسيحيين في مقبرة في طريق خان بني سعد..
التقيت المناضل الشيوعي من مدينة تكريت المرحوم علي حسين الرشيد و جمعتني انا وهو اواصر صداقة متينة.. التقيت المؤرخ الكبير وكنا نلتقي صباح كل جمعة لفترة ليست قصيرة مجموعة من المثقفين من بينهم هو. المؤرخ حسين قاسم العزيز والمخرج المسرحي قاسم محمد و مئات الوجوه من الخالدين من الراحلين من الاوفياء و الانقياء و الناكثين و القاسطين و ...
الان تنام زكية خليفة في عرصات الغري قرب الولي الذي تطمئن له نفوسنا في الفتحة الحادية عشر في مقبرة وادي السلام ..
بناء على وصيتها حين وفاتها بالسويد ..
قبل ايام وتحديدا في اليوم الحادي عشر من تموز الجاري ارسلت لي العمة سعدية الزيدي الأخت الصغرى لزكية خليفة.. رسالة في الماسنجر كتبت فبها:
(يا كامل :صباح الخير.والعافيه ...كانت المرحومه عمتك (زكية) صنفتني باني لاشأن لي بالسياسة ..لكني اقرأ الادب بشغف يومادخلت ووجدتني اقرأ قصة فغضبت مني: ( اقري ..اقري قصص للطايح حظهم.. اطيني اشوف الكتاب ..واخذته كان لعبد الحليم عبد الله كاتب مصري موهوب رومانسي والرواية كانت بعنوان لقيطة قسمته قسمين بعصبيه ورمته بوجهي... وصارت تطلق الافاظ جزافا) و العمة الكبيرة طيب الله ثراها تفتدي العراق بروحها وتحملت الكثير من اجل العراق..
حتى ان الرئيس العراقي السابق ( صدام حسين) قال لي ليت عندنا عشرة مثل المناضلة زكية خليفة وقال انها شجاعة وتحملت الكثير... واخبرتها بذلك. تحفظ الفكر الماركسي والشيوعي والاقتصاد وافادها السجن كثيرا كانت تشاركني بقراءة روايات غوركي .. وتعرفت على سيرة كل الرجال العظام باسفار... التقت. ب كاسترو ونلسن مانديلا ولها صور معهم. .. وانشعلت بقضيتها المحورية ....وسيطرت على العائلة الصغيرة وكان الجميع يهابونها.وتزوجت (انا ) برضى وترشيح منها دد ..كنت اخاف منها وحتى رفاقها فهي( بلدوزر العمل بالمهمات الصعبه للحزب الشيوعي).
انا احترم جدا جدا رفاقها فهم مثقفين و كنت اصغي لمفردات حديثهم معي ومع امي حين تسنح الظروف بزيارتهم لنا..وفتحت بيتي الكبير في المنصور لهم ...
المرحوم الشهيد.(حمزه سلمان) اصغر عضو في اللجنه المركزية بالحزب..سألني : لماذ كل اهلك سياسيين ولن تكوني منا.. ؟ قلت له احس .. (براشدي واحد بالامن اجيبكم كلكم خليني صديق لكم وبيتي مفتوح لكل رفاق اخوتي) انا لست فلانة ( زكية) انا جبانة وضحكت وضحك وقال لا انت شجاعة وصديقة مخلصه قلت له انا جبانة ولست فلانة..
(النعجة تلدابيض واسود)..ركز بوجهي بعيني وو جه مبتسم .......و استشهد حمزة بالمركز الرياضي في. ساحة عنتر بالاعظمية بانقلاب 14 رمضان) انتهت رسالة العمة سعدية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن