الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اوكرانيا تبتعد اكثر عن الانضمام الى الناتو والاتحاد الاوروبي

جورج حداد

2018 / 7 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


إعداد: جورج حداد*

كانت سنة 2014 سنة فاصلة في تاريخ الصراع بين المعسكر الاميركي وعملائه واذنابه الاقليميين والمحليين، وبين معسكر المقاومة الاممي بزعامة روسيا وايران.
ففي تلك السنة شنت منظمة داعش هجومها الكاسح الاولي في سوريا والعراق وسيطرت عى اراض واسعة وعلى منابع للنفط. وفي تلك السنة رفضت المنظمات الفاشية والقوى السياسية الاوكرانية المرتبطة بالمخابرات الاميركية، ـ رفضت اتفاق المصالحة والتسوية بين السلطة الاوكرانية الشرعية حينذاك وبين المعارضة، وقامت بالانقلاب الدموي على الشرعية وفر الرئيس حينذاك فيكتور يانوكوفيتش الى روسيا لضمان سلامته، وأسقطت الحكومة بالقوة، وتم تعيين حكومة انقلابية، تقودها المخابرات الاميركية مباشرة، بزعامة العميل ارسيني ياتسينيوك.
وقد وقعت هذه الاحداث تحت عنوان القطيعة مع روسيا، والتوجه نحو ضم اوكرانيا الى الاتحاد الاوروبي والناتو. ولكن ذلك لم يمر بدون مقاومة شعبية كبيرة لا سيما في شرقي وجنوب شرقي اوكرانيا حيث الاغلبية الساحقة من السكان هم من اصول روسية او من الناطقين باللغة الروسية. ووقع عصيان مدني في شبه جزيرة القرم (التي هي بالاساس مقاطعة روسية) وفي مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك. واعلنت هذه المقاطعات الثلاث الانفصال عن اوكرانيا، وطلبت الانضمام الى روسيا. وقبلت روسيا عودة شبه جزيرة القرم اليها باعتبار انها بالاساس مقاطعة روسية، واخذا بالاعتبار الاستفتاء الشعبي الذي جرى في القرم وصوتت فيه الاغلبية لصالح العودة الى الوطن الام روسيا. ولكن روسيا لم تقبل في حينه انضمام مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك اليها، الا انها ايدت استقلالهما بناء على الاستفتاء الشعبي فيهما. وفي هذه الاجواء المضطربة أجرى الانقلابيون انتخابات رئاسية في 25 ايار 2014. وتمت الانتخابات بدون مشاركة شبه جزيرة القرم ومقاطعتي دونيتسك ولوغانسك. وفاز فيها "ملك الشوكولاطة" وصاحب شركة "روشين" لصناعة الحلويات، الاوليغارخي الموالي للغرب بيوتر بوروشينكو.
ووضع بوروشينكو امامه تحقيق المهمات التالية:
ـ1ـ اعادة فصل شبه جزيرة القرم عن روسيا، وضمها من جديد لاوكرانيا.
ـ2ـ إلغاء اتفاقية تأجير قاعدة سيباستوبول البحرية لروسيا (التي تنتهي مدتها في الاربعينات وقابلة للتجديد) وطرد الاسطول الحربي الروسي من هناك.
ـ3ـ إخضاع مقاطعتي دونيتسك وغدانسك واعادة ضمهما بالقوة الى اوكرانيا.
ـ4ـ التعجيل بضم اوكرانيا الى الاتحاد الاوروبي والى الناتو وتحويل اوكرانيا الى قاعدة عسكرية متقدمة للناتو ضد روسيا.
ولكن رياح الاحداث لم تجر كما كان يشتهي بوروشينكو وطغمته. ونقدم فيما يلي ملخصا عما جرى:
أ ـ اعطت كييف الاوامر للاسطول الاوكراني في البحر الاسود بتوجيه فوهات مدافعه نحو الاسطول الروسي وانذاره بمغادرة سيباستوبول فورا. وكانت طغمة بوروشينكو تأمل في وقوع اشتباك اوكراني ـ روسي كمقدمة لاستجلاب تدخل ناتوي ضد روسيا. كما كانت قيادة الناتو تحبذ وقوع اشتباك اوكراني ـ روسي لاطلاق حملة من النباح المعهود ضد "العدوان الروسي!"، الا انها كانت اعقل من ان يدخل الناتو مباشرة في اشتباك مع روسيا ستكون عواقبه وخيمة جدا ومصيريا على جميع دول الناتو وخاصة رأس الافعى اميركا، فتركت قيادة الناتو سلطة بوروشينكو تقلع شوكها بيديها.
ب ـ وردا على اوامر كييف التعسفية، اعلنت غالبية جنود وضباط البحرية الاوكرانية (الذين هم من سكان القرم وشرقي اوكرانيا، الروس والناطقين باللغة الروسية)، ـ أعلنوا العصيان على اوامر كييف وأنزلوا الاعلام الاوكرانية عن الصواري ورفعت الاعلام الروسية، وانضمت السفن الحربية الاوكرانية (سابقا) الى السفن الحربية الروسية في اجواء احتفالية، تعبيرا عن دعم قرار الشعب في القرم باعادة الانضمام الى روسيا. وجرى مثل ذلك في جميع الثكنات البرية والقواعد الجوية في شبه جزيرة القرم. واحتجز الجنود والضباط من سكان اواسط وغرب اوكرانيا، وتمت تسوية اوضاعهم، ثم اطلق سراحهم كي يعودوا الى عائلاتهم بألبستهم المدنية وبدون أسلحة.
ج ـ ومنذ ذلك الحين الى الان، وبالرغم من جميع الجعجعات الفارغة، لم تجرؤ العصابات الفاشستية والسلطات الانقلابية الاوكرانية ان تطلق رصاصة واحدة ضد شبه جزيرة القرم، لأنهم يعلمون تمام العلم ان اليد التي تمتد ضد الاراضي الروسية ستقطع مع الرقبة.
د ـ انتقل العصيان ايضا الى جميع الثكنات العسكرية والقواعد الجوية الاوكرانية في مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك، وتم تشكيل "جيش الدفاع الشعبي الذاتي" في كل من "الجمهورتين الشعبيتين"، وانضم الى هذا الجيش عشرات آلاف المتطوعين من عمال ومزارعين ومعلمين واطباء وموسيقيين ومتقاعدين، وكذلك الالوف من قوزاق الدون الروس (المعروفين بشجاعتهم وتقاليدهم القتالية) الذين انضموا الى اخوتهم قوزاق الدونباس في اوكرانيا لمحاربة الفاشست والانقلابيين اعداء الشعب الروسي.
هـ ـ ارسلت كييف القوات النظامية الاوكرانية مدعومة بالعصابات الفاشستية الدموية لاكتساح "جمهوريتي" دونيتسك ولوغانسك. ولكن المقاتلين الشعبيين تصدوا للمعتدين ببسالة وكبدوهم خسائر فادحة ومنعوهم من التقدم خطوة واحدة داخل "الجمهوريتين". ونشأت بين الطرفين خطوط تماس جبهوية. واخيرا اضطر المعتدون للقبول بوقف اطلاق النار مكرهين، وارسل الاتحاد الاوروبي مراقبين عسكريين للاشراف على وقف اطلاق النار بين الطرفين. وحينذاك وجه المعتدون تاكتيكهم نحو الانتقام من المدنيين، فأخذوا يقصفون بشكل غادر بالمدفعية الثقيلة والصواريخ المجمعات السكنية والمعامل والمناجم والمستشفيات والمدارس ومحطات الوقود والساحات العامة، مما تسبب في وضع انساني صعب للغاية، واضطر مئات الالاف من المدنيين لترك بيوتهم والرحيل. واستقبلت روسيا اكثر من مليون نازح منحوا فورا الجنسية الروسية وتم توزيعهم في مختلف المدن الروسية ومنحوا جميع حقوق المواطن الروسي بالعمل والتعليم والرعاية الصحية الخ. كما ارسلت روسيا قوافل المساعدات الانسانية الى سكان المقاطعتين الصامدين، وكانت كل قافلة تتألف من مئات الشاحنات.
و ـ مضى حتى الان اكثر من اربع سنوات على انفصال دونيتسك ولوغانسك. وجميع القوى السياسية فيهما تضع نصب عينيها الخيار بين امرين: اما الانضمام الى روسيا، واما الاستقلال المعترف به دوليا. وفي هذه الحالة تتجه المقاطعتان الى تشكيل جمهورية مستقلة موحدة تسمى "روسيا الجديدة" (نوفا روسيا).
ز ـ تبقى اخيرا مسألة انضمام اوكرانيا الحالية (بدون القرم ودونيتسك ولوغانسك) الى الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو. وتجاه تحذيرات روسيا صرح المسؤولون الاميركيون المعنيون في اكثر من مناسبة انه ليس على جدول اعمال حلف الناتو في المرحلة الراهنة موضوع ضم اوكرانيا الى الحلف.
وبقيت عالقة مسألة الانضمام الى الاتحاد الاوروبي.
ح ـ قبل اربع سنوات كانت استطلاعات الرأي تقول ان الاكثرية الشعبية (اكثر من 60%) المضللة بالبروباغندا الغربية المعسولة حول "الجنة الموعودة" في الاتحاد الاوروبي، كانت تؤيد الانضمام الى الاتحاد. فكان بوروشينكو لا يفتأ يتشدق بأنه سيجري استفتاء عاما حول الانضمام الى الاتحاد الاوروبي والناتو. ولكن الاتحاد الاوروبي ذاته لم يكن مستعجلا لان له معاييره وشروطه لضم الالاعضاء الجدد وهو على غير استعداد لان يستقبل ملايين اللاجئين الاوكرانيين الجائعين ولا ان "يحمل على ظهره" اوكرانيا الـ 40 مليونا السائرة بسرعة نحو الانهيار الاقتصادي التام بعد القطيعة مع روسيا. ومع مرور الوقت كانت استطلاعات الرأي تشير الى الانخفاض المتواصل لنسبة مؤيدي الانضمام الى الناتو والاتحاد الاوروبي. ففي استطلاع للرأي اجرته المؤسسة العالمية للسوسيولوجيا في كييف في كانون الاول 2015 كانت نسبة مؤيدي الانضمام الى الاتحاد 58% مقابل نسبة 30% من المعارضين. وآخر استطلاع للرأي اجرته المؤسسة ذاتها سنة 2017 يشير ان نسبة المؤيدين انخفضت الى 47% (اقل من النصف) في حين ان نسبة المعارضين ارتفعت الى 42%. وامام هذه اللوحة الداكنة اصيب بوروشينكو بالذعر وبلع لسانه ولم يعد يتحدث عن اجراء استفتاء عام حول الانضمام الى الاتحاد الاوروبي. ولكنه طبعا لم يستسلم. ومؤخرا ـ وعلى طريقة "باض الديك" ـ طلع الرئيس بوروشينكو بمبادرة يقترح فيها ادخال تعديل على الدستور يقتضي الالتزام بضرورة الانضمام الى الاتحاد الاوروبي والناتو. ولكن الدستور ينص على ان اي تعديل على الدستور ينبغي ان يتم بواسطة الاستفتاء العام ايضا. اي ان بوروشينكو يهرب الان من استفتاء صعب الى استفتاء اصعب.
والسؤال الان هو: لقد قام الانقلاب الفاشستي والموالي للغرب في اوكرانيا بحجة تحسين اوضاعها بالانضمام الى الاتحاد الاوروبي، ولكن اوكرانيا سارت نحو الخراب. فمتى ستزيح اوكرانيا عن كاهلها زبالة القوى الفاشستية والموالية للغرب وتعود للتفاهم والتعاون مع شقيقتها الكبرى روسيا، للخروج من الحفرة التي وقعت فيها؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الصين يحمل تحذيرات لبكين؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. زيارة سابعة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي إلى الشرق الأوسط




.. حرب حزب الله وإسرائيل.. اغتيالات وتوسيع جبهات | #ملف_اليوم


.. الاستخبارات الأوكرانية تعلن استهداف حقلي نفط روسيين بطائرات




.. تزايد المؤشرات السياسية والعسكرية على اقتراب عملية عسكرية إس