الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرات بوريكو ...الحمار

عبد الغني سهاد

2018 / 7 / 17
الادب والفن


(بوريكو) ....مسرات حمار...
==========
هل كان لابد من كتابة شيء له علاقة بالكاتب الياس كانتي صاحب كتاب (اصوات مراكش) الكاتب اليهودي النمساوي الذي حصل على جائزة نوبل لسنة 1981..وكتبه في سنة 1968..بعد رحلة قام بها الى مراكش سنة 1953 قصد انجار فيلم سينيمائي عن المغرب ..لادمج ما اكتبه عنه في ركن مساءاتي المركشية..ام التغاضي عن ماكتبه –وكم كان يسعدني ذلك - في سياق الحديث عن المدينة واحوالها من مختلف الواجهات الاجتماعية والتقافية والدينية وغيرها ..والذي لابد منه فلابد منه ...لذلك ساحوم حوله كما حومت مرارا على كتب اخرين كانوا يلهمونني بانتاجاتهم التاريخية والادبية عن المدينة الحمراء مدينتي الضاربة في اعماق التاريخ .. لقد تمت – حسب علمي - ترجمة كتاب (اصوات مراكش) مرتين المرة الاولى في سنة 1981 ...قراته في الرباط بعجالة طالب مهموم بمراجعة وحفظ كراساته الجامعية في سياق الحصول على اجازته في علم التاريخ ..والمرة الثانية علي يد مترجم لبناني بلغة ادبية رصينة وبديعة سنة 2012..والثانية افضل من الاولى ..
يضم هذا الكتاب الغير القابل للتجنيس لاهو رواية ولا رحلة مجرد مقالات ما بين تخوم فنون الادب تترصد وقائع وقعت للكاتب بمدينة مراكش خلال اقامته بها.. يضم 13 مقالا منهم مقال( رغبات الحمار العارمة )يحمل رقم 11..اثارني هذا المقال كثيرا وذكرني بمول الحمار في ساحة جامع الفنا في بداية السبعينات .(.الحمار بوريكو) ..ليس هو نفسه الحمار الذي تحدث عنه الاستاذ الملحوني في كتابه (ذاكرة مراكش )الجزء الثاني ...هو احد مشاهير حمير الساحة الكثر..ويا ما مر من الساحة من حمير اغلبهم خرجوا من التاريخ دون ترك روثهم في حشايا اوراقه النتنة كايام الساحة ....كم تعاطف الياس كانتي مع حماره ...وشعرت انا بالود والمحبة مع (حماري بوريكو).....
في بداية السبعينات كانت الدراسة معطلة والراحة ممدة بسبب السنة البيضاء ..قضيت اوقات طويلة في حلقة بوريكو الممدد وسط الجموع بساحة جامع الفنا..لم اكن اعرف اسم صاحبة كما يعرف الملحوني صاحب حماره ...لكني كنت اشعر ان التخاطر سهلا مع الحمار بوريكو البدين ..بوريكو دأب على تدخين السيجارة من نوع كازا سبور ..كانت علبة هذه السيجارة بيضاء بخطوط زرقاء وحمراء فاتحة اللون بها شخصا يقوم بحركة بيده اليمنى ليست رياضية .. يوجه مقبضه الى الاعلى ..كانه يستهزء من المدخنين..الحمار بوريكو شعبي الذوق لا ينتصب في حلقته يصبر زمنا طويلا وهو مستلقي على الارض المتربة ...فالساحة كانت كلها اتربة ...وتتحول الى اوحال وبرك في الشتاء ..وتتوقف الفرجة لايام طوال ...فيها يسترح الحمار بوريكو ...حين يتمدد في بداية العرض يستمر في هز راسه الى الاعلى ينتظر مجيء السيجارة ...لكن صاحبه الابله يماطل ويناور الى حين جمع ما يكفيه من الفرنكات من المتحلقين المتطلعين الى داخل الحلقة حيث بوريكو ممددا ...ثم يضرب بطنه المنتفخة تبنا وشعيرا وماءا قبيل العرض ..كلما احس بوريكو بالضربة الا وفتح دلقوشه كانه يضحك فيضع صاحبه سيجارة كازا ما بين شنفرتيه المشعرتين ..فيمسكها ويزيد في رفع راسه كانه يتباهى على الناس ؟.....يسأله صاحبه : هل انت فرحان ...؟.....ثم يلتفت الى الجمهور ليقول لهم ...بوريكو يفهم اذا لم تعطوني الفرنكات,,ويسمع رنينها فهو لن ينفخ دخان سيجارة ...؟
ويعود الى الحمار ليقول له : يالله بوريكو ...اكمي ( دخن ) ...لقد اخدنا منهم الفرنكات ...
عند مرور سائحة : يقف صاحب الحمار اليها ويصيح ..(.مادام. لو لان... فيم ...فينطو...)
سبق ان قلت يحدث لي نوع من التخاطر بيني وبين الحمار ( بوريكو ..) كنت امسخ حمارا كلما وقفت في هذه الحلقة اشاهد عروض صاحبي بوريكو ..كلمة بوريكو ربما جاءت من برك او جلس ...اذن هي الجالس ...عندما يقع التخاطر واضحا بالحمارية ارسل اشارة الى بوريكو اسأله من علمك التدخين ...الا تستحي من الناس ياحمار ...؟؟؟
بوريكو يرفع راسة ينفخ نفخة طويلة في سيجارة كازا سبور ويرد على السؤال دون ان يسمعنا احد حتى صاحبه الابله ..حدث الامر دون معرفة الوالد الكبير ...فهو يرابط في الفندق عند كل غروب يعلف الخبز اليابس منتهيا من يومه الشاق في نقل البضائع في اوكان المدينة ...وانا عكسه اظل نائما الى وقت دخوله بعد كل عصر ..فيركبني هذا الابله لياتي بي الى هنا ...لادخن ..وادخن ...وتدخنوا معي يامعشر الانسان ....
قلت : قلت لك من علمك التدخين ...؟ السؤال محدد ..ولا تراوغني في الجواب ..
قال : تريد الجواب الصادق ؟
قلت : نعم .
قال : الاستعمار ؟...
قلت : لم افهم جيدا.....ياحمار .......!
قال : على مهلك صديقي ...سافهمك خطوة خطوة وان اضطررت سافهمك بالخشيبات ..في بداية عروضي كنت التهم الخضر والفواكه والفصة والبرسيم كلما امرني صاحبي بذلك ...وتطور الامر فاصبح يامرني بالجلوس ..فاجلس ...والقعود ..فاحبض الى الارض ...ليركبني الزبناء ..فاقوم بلفة بهم في الحلقة ...لكن اتى يوما من الدهر...حضرت الحلقة جماعة من الادميين بروائح عطرة والبسة بالوان زاهية تقرقش العين ..لهم شعورشقراء وعيون زرقاء..يرطنون لغة لا استوعبها ولا يستوعبها صاحبي الابله ...ردفت واحدة منهم وكانت في غاية الرونق والجمال خفيفة الوزن فاتنة القوام . لا تكف عن الصياح والضحك وهي تمسك بذيلي وتدخل يداها في فتحتي ..حينها كانت حرارتي تشتد ونشوتي تزداد ...وهي تضع شيئا يشتعل راسه بالنار وتصعد منه روائح كالعطور .زمته في خنافيري ..والجميع كان يضحك ..واجتمعت حولنا حشود من الناس ...من كل الاصناف ..عندما استخبرت عن الامر قيل لي انها الكماية ...التي جاء بها الاستعمار ..ولم افهم الا بعد وقت طويل لاني حمار فعلا ...
ومن الغد توقف الابله عن منحي تلك الثروات الطبيعية التي كانت تكلفه الكثيرمن الفرنكات ..واقتصر على امري بالكماية ...واطعمني التبن والشعير ...انه دخل علينا الاستعمار ...
قلت : ما كان عليك ان توافق على التدخين ..فانت حمار وبسهولة يخنقك ويقتلك الدخان ..ثم هو عمل استعماري و لااخلاقي ومهين امام الحشود ..البلية دواها الستر ..
قال: لن يكن اشد مهانه مما فعله جدي في زمانه .
قلت : ماذا فعل جدك... اكثر مهانة من فعلتك هذه ؟
قال: يبدو انك حمار لا يقرأ ..فكل الناس تعرف في الساحة فعلته العاهرة بالرواية الشفوية او بالاطلاع على كتاب ( اصوات مراكش ) الذي اطلع عليه اهل الغرب قبل الشرق ... كان صاحبه يراقصه بموسيقى خاصة وهو شاحبا هزيلا مستعدا لاستقبال ملك الموت لذلك فيعصى اوامره لذلك شاهده الياس كانتي وهو يظهر دلك الشيء الطويل للناس تلك الليلة وهو على تلك الحال من الضعف والهوان... فاشفق عليك بل اشقف على كل حمير المدينة ..قائلا :(( وبدا النظارة الذين لم يعد ينقطع لهم ضحك الان في مظهر همجيين يلتهمون لحم البشر او لحم الحمير ...كنت استشعر منذ وقت طويل اشفاقا على حمير المدينة ))...كان انساني صرف يشبه تلك الشقراء التي لقمتني سجارتي الاولى وغبرت ..ثم عادت ...
قلت: لست كما تظن ..انت الغبي حقا لكونك لا تقرأ مابين السطور .وتغوص في اعماق النص...و ترى كل الناس مثلك حمير وانت في ذلك لافرق بينك وبين الياس الذي خصص مقالة في عمق اصواته للحمير. حمير المدينة ..اما الاستعمار و نفي السلطان واعتقال وتعذيب الحشد من المناضلين فليس لهم همسة عنده ....بل تمنى لكل المعذبين في الارض ان تكون لهم تلك القوة العارمة ( ذلك الشيء )التي كانت لوالدك حين يعتريهم البؤس والعذاب ...
عند هدا الحد المتوتر من الحديث توقف التخاطر بيننا .. اعاد صاحبه الابله الضرب على بطنه ووضع بين شنفرتيه سيجارة جديدة من نوع كازاسبور ...وتمر الايام واعود الى الحلقة ..لاجد بوريكو هزيلا بئيسا ... شاحبا لا يقوى على الحراك و لاعلى التدخين ..صاحبه يلكزه تارة من هنا و تارة من هناك والحشود على عادتها تهتز وتعلو ضحكاتها الساحة .. حقا كانت عيون( بوريكو) تدمع لا من جراء الدخان ولا من جهة الغبن الذي يعيشه اخوانه الحمير في ربوع المدينة ...ولكن من جهة رفض صاحبه بيعه للشقراء المرحة التي بليته بالدخان و التي عادت لاجله ....تريد ان ترحله الى نفس البلد الذي كان يسكنه كاتب ( اصوات مراكش ) بلد انجلترا ...
لخيبته سمعته حينها يردد مع نفسه :
(همجييون ...
اكلة لحوم البشر ...
ولحوم الحمير ...)...

عبد الغني سهاد..
مساءات مراكشية...
========
اشارة : يمكن اعتبار هذا النص دعاية مجانية لاعادة قراءة كتاب (اصوات مراكش ) الياس كانيتي طبعة 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-