الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة 14 تموز والثورة المضادة

مرتضى عبد الحميد

2018 / 7 / 18
مواضيع وابحاث سياسية



ربما يعيب البعض على الشعب العراقي هذه الأيام انه لا يتحرك بالمستوى المأمول منه، وان اليأس والإحباط هما الخيمة التي يستظل بها، ناسياً أن غياب الديمقراطية غياباً تاماً وأستخدام أساليب البطش والإرهاب والقسوة المفرطة طيلة قرون وليست سنوات معدودة، وسياسة التجويع والحروب الداخلية والخارجية، قد أفضت الى هذه الحالة المؤقتة التي سيلفظها العراقيون سريعاً.
ويمكن الاستشهاد بثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 التي جاءت تتويجاً لكفاحه المرير في سبيل الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية، وسلسة إنتفاضاته الباسلة طيلة سنوات الحكم الملكي، الذي يعتقد البعض أنه كان يمتلك أساساً لقيام نظام ديمقراطي، لو قيض له الاستمرار في الحياة، وهو وهم لا يصمد امام حقائق ذلك الزمن.
فالجهل والخرافة كانت بيارقهما ترفرف عالياً في سماء الوطن، في ظل أمّية أبجدية بلغت أكثر من 90%، وكان الفقر غولاً لا يرتوي من دماء الفلاحين والعمال، والكادحين عموماً، بل كان يلتهم الفئات الوسطى أيضاً وقد بلغ التفاوت الطبقي خاصة في الريف مديات فلكية، ربما لا مثيل لها في كل أنحاء العالم، أما الصناعة والخدمات، فلا أحد يسمع بهما.
وفي حقل السياسة، كانت اليد الطولى للمستعمرين الانكليز، وأتباعهم من سدنة الولاء للأجنبي، وكانوا لا يتورعون عن كتم أنفاس المواطنين، وزجهم في السجون والمعتقلات وتعريضهم للتعذيب والأبعاد وإسقاط الجنسية، بل أن المظاهرات السلمية للطلبة والعمال وغيرهم، كانت تضرب بالرصاص الحي، وسقط من جرائها عشرات الشهداء، ومئات الجرحى لا سيما أيام الوزارات التي ترأسها "نوري سعيد" وعادة ما كان يشكلها عقب فترات محدودة من التنفيس بهدف إحتواء الغضب الجماهيري، والخشية من تحوله الى ثورة عارمة تطيح بالنظام الملكي وأركانه.
وبرغم ذلك كانت إستراتيجية القوى والأحزاب الوطنية والديمقراطية، تتمحور بأتجاه تغيير طبيعة النظام بالطرق السلمية، إلا إن ما جرى في تشرين الثاني عام 1956، وخروج العراقيين في مظاهرات صاخبة شملت أغلب المدن العراقية، إنتصاراً للشعب المصري، ورفضاً وإدانة للعدوان الثلاثيني الذي وقع عليه من قبل بريطانيا وفرنسا وأسرائيل، بسبب تأميم السويس، وقمع السلطات العراقية لهذه التظاهرات بأساليب غاية في العنف والشراسة، وسقوط عدد من الشهداء، أدى الى قناعة قوى شعبنا الحية، بأن لاسبيل لإسقاط هذا النظام المتهرئ إلا بالعنف الثوري، وهو ما حصل صبيحة (14) تموز عام 1958، بوحدة وطنية جسدها تلاحم الجيش والشعب التي نحن أحوج ما نكون إليها في الظرف الراهن.
أن كل من يجد الإنصاف سبيلا الى عقله ويتحلى بقدر من الموضوعية سيتوصل دون عناء إلى أن ما حصل في (14) تموز كان ثورة أصيلة، وليس أنقلاباً كما يدعي البعض من المستائين مما آلت إليه الأمور بعد ذلك.
لقد حققت الثورة إنجازات كبيرة ورائعة، سيكتبها التاريخ بمداد من الاعتزاز والاحترام والتبجيل لأنها أستطاعت خلال حياتها القصيرة، أن تغير وجه المجتمع العراقي بصورة جذرية سياسياً، واقتصادياً وإجتماعياً، وثقافياً، ووضعته على طريق الحداثة والتقدم والسعادة.
بيد أن أعداء الشعب العراقي من الأمريكيين والبريطانيين وشركات النفط الاحتكارية، ودولاً إقليمية وعربية، والقوى الداخلية التي تضررت من الثورة وخاصة الإقطاعيين و الكومبرادور، وأدواتهم المتمثلة بحزب البعث وبعض القوى القومية، شكلوا حلفاً غير مقدس، إستطاع في نهاية المطاف إغتيال الثورة في 8 شباط عام 1963، وتدشين الثورة المضادة، التي عصفت بالأخضر واليابس في حياة العراقيين، ومازالت تعصف بها لحد ألان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ومظاهرات اليوم وتخريباتها هي الثوره المشاده ثانية
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2018 / 7 / 18 - 17:22 )
لقد حصل شعبنا على انجاز تاريخي كفيل ان يجعله يتطور سلميا ويصبح مزدهرا ومرفها-هذا الانجاز الاسطوري الذي لم يمر بتاريخ العراق القديم والحديث هو العملية السياسية -ولكنها لايتم التقدم فيها على طريقة كن فيكون لذالك اءن البعثوهابيين يستغلون الجهل والغباء عند اوساط شعبيه ويستخدموها لالغاء العملية السياسيه وحرق العراق وعودة البعث لاستعبادنا من جديد-تحياتي

اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو