الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرآن العراق وزمان الانتفاضات والنبوات

عبدالامير الركابي

2018 / 7 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


ـ قرآن العراق وزمان الإنتفاضات والنبوات
عبدالاميرالركابي
مع العقد الاخير من القرن الماضي، بدا الفصل النهائي من تاريخ الاحادية المجتمعية، حتى بصدرة قمته الاوربية الحديثة، وما قد اعتبر بناء على التوهمات الغربية المتاخره، بمثابه انهيار للاتحاد السوفياتي، الاشتراكي، لصالح "الديمقراطية" الراسمالية، بما ينهي "التاريخ" ويصل به لاخر مطافاته، لم يكن بالاحرى، سوى عتبة اخرى فاصلة، من عتبات انهيار حضور الغرب، وغلبته النموذجية والتفكرية على مستوى المعمورة، تضاف الى ماقد عرف القرن، من علامات انهيار للمشروع الحداثي الغربي، ضمن القرن العشرين، سواء بدلالة غلبة الايديلوجيات القاتلة، الفاشية، والاشتراكية التوهمية، او الحروب الكونية، ماقد تسبب بمجموعه، بقتل قرابه 70 مليون انسان، من دون احتساب المآسي الكبرى، والدمار، المادي والنفسي، الواقع على الانسان.
انتهى القرن المنصرم، بتبدل كلي في اشتراطات الحياة، والتاريخ، فقد فيها الغرب طاقته على الضبط، على مستوى النظام الدولي، فالامبراطورية الامريكية المفقسة خارج رحم التاريخ، دخلت عصر الافول، والتخبط، في اللحظة نفسها التي كانت قد اعلنت فيها عن " النظام الدولي الجديد" اثر الحرب الكونية الاولى على العراق 19191 ، كما اعلن جورج بوش الاب، انتقالا الى "الشرق الاوسط الكبير"، ثم الصغير، في حين بدا مما لايقبل الجدال، ان ماحدث من غياب القطب المقابل "الاشتراكي"، قد تسبب باختلال غير قابل للعلاج، سرعان مابدا كبار الاستراتيجيين الامريكيين، وفي مقدمهم بريجنسكي، يصفونه بضياع الفرصة النادرة، قبل ان يبادروا لاعلان "افول الامبراطورية الامريكية الوشيك"، بينما كانت مراكز راسمالية اسيويه تعتلي سلم الصدارة، بسرعه، فلقد تغير العالم كليا، بالاخص مع تراجع فعالية الانتاج الالي، والحضور الداهم، لشكل الانتاج المعرفي التكنولوجي.
على طرف المتوسط الاخر، عند المبتدأ المجتمعي التاريخي، كانت الولايات المتحدة، تحضر قاطعة الاف الاميال، لكي "تحارب ياجوج وماجوج قرب بابل" وهو ماقد ابلغه الرئيس الامريكي الابله، جورج بوش الابن، للرئيس الفرنسي جاك شيراك، الذي ازاح سماعة التلفون عن اذنه، غير مصدق انه يسمع مثل هذا الكلام، من رئيس اكبر دولة في العالم. كان العالم وقتها يدخل لاعصر "نهاية التاريخ"، بل عصر نهاية الغرب، وهيمنته على العالم.
بالمقابل، سيكون عام 1991، هو نفسه عالم الانتفاضة الشعبانية في العراق، وعالم نهاية التمثلات الاستبدالية، والاستعارات الحداثية الغربية في العراق، ومع بدايات ظهور ماعرف بالتيار الصدري، عند لحظة استعادة الازدواجية التاريخية، وتراجع احادية حكم البعث القاهرة، سجل الفصل الاول من "المهدوية"، واستعاد الايقاع الكوني العراقي، لمجتمع اللادولة التحولي، التاريخي شيئا من ايقاعه الاولي، بعدا كان الغرب وحداثته المستعمرة، طاغيا عليه. ووقتها كان قران العراق الموجل، والغائب، على مدى القرون، يصير اكثر فاكثر، على اول مفترقات الطرق المؤدية للحضور، متخذا مسارا انتقاليا اخيرا، متعرجا، ومفعما بالدينامية الشاملة والااولية والانتكاس، كما يمكن لقوة مختزنه من الاف السنين، ان تنبثق مزيحة ركامات الثباتية الاحادية، نحو العيش اللاثباتي، وقوة تعبير العيش على حافة الفناء، و"اللامجتمعية" المتجهة الى التحولية الانسانية الكبرى.
كان العراق الحديث، او الدورة الحضارية الراهنة الثالثة، "دورة اكتشاف القرآن العراقي الضائع/ المؤجل"، قد بدا يتشكل في القرن السابع عشر، في القرن نفسه، الذي عرف الغرب فيه الثورة الصناعية، والحداثة، غير ان وعيه لذاته، ولوظيفته الكونية، لم تكن ممكنه في حينه، واستمر هذا التعذر، والنكوص التاريخي، كما كان في الدورتين، الاولى السومرية/ البابلية، والثانية العباسية/ القرمطية، فجرى عبور حقبتين، استهلاليتين ضمن الدورة الراهنة، الاولى قبلية، بدات مع ظهور "اتحاد قبائل المنتفك"، والثانية " دينية تجديدية"، تمثلت بظهور "دولة اللادولة النجفية"، قبل ان يبدا الفصل الثالث، مع القرن العشرين، وحضور الغرب المباشر، ونشوب الصدام الكوني، على ارض الرافدين.
يقرا المتشبهون بالغرب، وممثلوه العلنيون والمبطنون، تاريخ العراق خلال القرن المنصرم بعين الغرب، ومنظومته النموذجية، والمنهجية الفكرية، المتاحة لهم، وبحسب ما تيسر لهم منها اعتباطا، واتباعا، فهم يرون اساسا، ان العراق الحديث، هو حصيلة التشكل المواكب لعملية الاندماج بالسوق الراسمالية العالمية، وتلك موضوعة، ليست حتى من نوع الاستشراق، انما هي وفي حالة العراق، من نوع التأسيس الاستعماري، وضع منطلقاته الضابط الانكليزي الملحق بالحملة البريطانية ويرلند، والغريب ان اليسار، والماركسيين منهم، والليبراليين، يقبلون هذه الموضوعة الفرية، الاكراهية، الخارجة عن ابسط مقومات البحث المجرد، ويبنون عليها، عراقا مفبركا، لاوجود له، الا بحسب مايريد ان يراه عليه الاستعمار، والغرب. ومن المميزات التي اختص بها الوضع العراقي، ان اشكال التعبير، او البنى المقترحة من الاستعمار والمفترض ان ترتبط به مباشرة، وبالاخص بصيغته الكولونيالية، كانت مستحيله، وغير صالحة للاستعمال، بينما كان الخط الثاني من التشبه بالغرب، وبالذات ماعرف بالحركة الوطنية الحديثة، من شيوعيين، وقوميين، وليبراليين، هي القوى الاكثر تلاؤما مع مشروع الغرب، واغراضه، المؤسسة على استبدال العراق وخاصياته، مع تامين الحد الادنى من امكانات ضبط حركته، المضادة الصادرة عن الكينونة الرافيدنية، المناقضة لمشروع الغرب، والمتعدية له باتجاه "مابعد غرب".
ان ماقد حدث من يومها، بعد نزول الحملة البريطانية في الفاو عام 1914، هو فصل صدامي تصارعي، نهائي، وفاصل على الصعيد الكوني، بين نمطين وصيغتين من المجتمعية هما: اللامجتمعية العراقية، المتطابقة مع اغراض الوجود الكوني العليا، المضمرة في الكائن الحي، وسيرورته الارتقائية التحولية، عبر عشرات الاف السنين، و المجتمعية الاحادية، التراكمية، بطابعها التابيدي، والتي تقف عند حاجز البيولوجيا الحيوانية، لاتتعداها. لتفرض على الظاهرة المجتمعية، منظورا قطيعيا حيوانيا(وهذا ماسيكون موضوع القسم التالي من تعرضنا هذا).
خارج ذلك، فان السردية المتعارف عليها، والشائعة، تزودنا بتخاريف، خارجة عن جوهر اللحظة التاريخية، وطبيعتها، واغراضها، وصولا الى المنعطف الاخطر، في المسار اللامجتمعي التبديدي، اللاثباتي العراقي، واليات دحره للمشروع الغربي الحديث، واكراهاته، ذلك مع ملاحظة حقيقة مهمة، تمثلت اليوم، في اختلال كبير في التوازن على المستوى المفهومي، فقد تمتع الغرب وهجومه الحديث، بفرصة الغلبة شبه المطلقة، وبالسيادة على المعمورة كنموذج ومفاهيم،خلال قرابه قرابة قرنين من الزمن، في حين كان "كتاب العراق"، و"قرآنه" الناطق عن كينونته، مايزال مختفيا، يكمل الباقي من زمن التاجيل، والتعذر، كما كان منذ مايزيد على السبعة الاف عام، ففي العشرينات، ومع ظهور اولى الارهاصات الدالة على شكل من اشكال "الوطنية"، المسماة حديثة، مع جعفر ابو التمن، و "الحزب الوطني العراقي"، عام 1922، تجلت بقوة، تلك المفارقة التاريخية، فامتنع وقتها، تبلور اي شكل من اشكال، ماعرف من وطنيات، في مصر، او الهند، كمثال، وهو مايحب الماركسيون تكراره، ليدللوا بالمقارنة، على ضعف وعجز الطيقة البرجوازية الوطنية العراقية، بان يشيروابالاسم الى "الوفد" المصري، و "المؤتمر الهندي" كامثلة مقابله تعذر تحقق مايماثلها في الحالة العراقية.
لقد مالت قوى الماركسية، والليبرالية، والقومية، المتشبهة بالغرب، منذ الثلاثينات من القرن الماضي، الى تجاوز مالايمكن تحقيقه في حينه، فانتكست امامه، وهربت منه، ومن تحدية، لتستبدلته بالجاهز الطاريء،مما يمكن الارتكاز اليه، اتباعا للغرب، ورضوخا لقوة حضوره، ماادى الى نشوء "وطنية حزبية ايديلوجية"، تلغي الواقع المجتمعي الوطني، لصالح منظومة تفكير عصبوية، وبيروقراطية، برانية،مهمتها قائمة على احتواء المجتمع، واكراهه على قبول اشتراطات الغرب وصورته، ساعية للاقتراب، والتماس مع ماتجده مكرسا لوجودها، بقصد تحويره، واستبداله، بهدف استعماله ضد ذاته التاريخية.
وجدت المجتمعية في ارض الرافدين، مختلفة كليا، عن اية مجتمعية معروفة على الكوكب، وهي الوحيدة التي تنتمي الى المجتمعية المزدوجة " التحولية"، المطابقة لاغراض الوجود الحي، والبشري لاحقا، والمتواصلة لحين حدوث الانتقال الاكبر، من الصيغة الحالية الازدواجية، ( عقل /جسد)، والتي انتهت اليها الصيرورة الحيوانية الاولى، الى حيث تحرر العقل النهائي، من آخر المتعلقات البيولوجية الحيوانية، الباقية من الصيرورة الاولى. ومع ان المجتمع الذي نتحدث عنه، هو بالطبيعة والكينونة، غير ماهو متعارف عليه الى اليوم، وماظل سائدا كرؤية للوجود، اي نمط المجتمعات التراكيمة، الثباتية، المغلقة، والتي من بلا افق.
ـ يتبع ـ
ـ ـ قرآن العراق وزمان الإنتفاضات والنبوات /ب/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة


.. قوات الاحتلال تعتقل شابا خلال اقتحامها مخيم شعفاط في القدس ا




.. تصاعد الاحتجاجات الطلابية بالجامعات الأمريكية ضد حرب إسرائيل


.. واشنطن تقر حزمة مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل وتحذر من عملية




.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را