الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الصراطُ متساقطاً: فاتحة 3
دلور ميقري
2018 / 7 / 19الادب والفن
منبلجُ الصبحِ، كرّةً أخرى. خارجاً تبدو الأصواتُ على موعدٍ مع أشعة الشمس، المتغلغلة ـ كجذورٍ عنيدة ـ في أعماق المدينة الحمراء. عصافيرُ، قطط، حمير، ذباب، سيارات، عربات يد، دراجات نارية؛ جميعاً، يصدحون بأغنية العمل!
" أنا وحدي، في بطالتي الآبدة، منتشٍ بهذه الأصوات العاملة! "، فاكهتُ نفسي بأول أفكار الصباح فيما أتقلّبُ عارياً على السرير الكبير التماساً لبقعة رطبة. هكذا فكرة، تناوشني بين حينٍ وآخر. الكتابة ( بحَسَب ما يهمس به بعضُهم )، أضحت حيلةً مكشوفة للتلبيس على الكسل والعزوف عن العمل المجدي. وأيّ شيء هوَ ذلك " العمل المجدي "، إن لم يكن ملء الصفحات البيض بأحرفٍ سوداء ـ بحَسَب رأي محسوبكم المتواضع!
ذَهَلتُ عن أفكاري المشئومة، لأنقّل عينيّ بينَ الصفحات البيض، المذكّرة بالأمل. طيفُ " تينا "، طاف فوقَ أوراق تذكرتها، ليتراقصَ من ثمّ في ذهني ـ كجذوة خمرٍ. صديقتي السويدية، القديمة، شاءت أن ترمي دلوَها في بئر " كتاب مراكش " كي تصبح، بدَورها، كسرةً من مرآة الذاكرة؛ مرآة مهشّمة، لم تعُد تصلح سوى لعكس صورة الماضي في أشكالٍ مجزأة، وكاملة في آنٍ معاً. لقد تكهنتُ فيما مضى ( أم أنها هيَ من ألمحت إلى ذلك؟ ) بهذه الهدية الجميلة، التي وصلتني بالبريد على عنواني في السويد. نحو مائة ورقة، منضّدة على الكومبيوتر بلغتها الأم ومضمّخة بعطر فرنسيّ، كانت ما تفتأ تبحثُ عن عنوان. ما لم يكن لي سبيلٌ للتنبؤ به، أنّ تلك التذكرة سيعقبها أخواتٌ لها بخطوطٍ وعطورٍ، مختلفة!
***
" سيامند "، كان أحد المقيمين السوريين في المدينة الحمراء، الذين تمكنت من التواصل معهم عن طريق معارف مشتركين. إنه الأخ الأصغر لمَن باتا يُعرفان ب " الشقيقين الدمشقيين " في قاموس كتابنا المراكشيّ، المتخم بالأسماء والمصطلحات!
ربما عرفَ قارئُ أجزاءِ الكتاب، الأخيرة، أنّ وجودَ الرجلِ في المغرب كان على خلفيّة الاهتمام بمصير ابنة أخيه، " خَجيْ ". إذ بقيت الطفلة وحيدة، على أثر وفاة أبيها في السويد. لقد كان عليه أن يطّلعَ بدَورٍ غير متوقع في السرد، حينَ أعلمني برغبته في ضمّ مذكراته إلى الجزء الخامس من حكايتنا. هذا الرجل، كان حين تعرفتُ عليه في حدود منتصف الحلقة الرابعة من عمره؛ محتفظاً بأناقته ووسامته، وفوق ذلك، باللباقة مع شيءٍ من الترفع المقارب للغرور. سأتطرق إلى تفاصيل لقائنا لاحقاً، آنَ يحينُ دوري لقص حكايتي المراكشية!
المدهش في هذه الانعطافة المفاجئة للحكاية، أنّ يوميات " تينا " تكاد أن تكونَ منذورة للحديث عن ذلك الأخ غير الشقيق، الذي التقت معه بطريقة عرضية خلال تواجدها في منزل الأسرة المُحسنة، المتعهّدة رعاية الطفلة " خجي ". وإذ غطّت تلك اليوميات فترة مبتسرة، لا تزيد عن الشهر، فإنّ مذكرات " سيامند " تناولت ببعض التفصيل حفنةً من سنين إقامته في المدينة الحمراء.
***
رجلٌ آخر، عليه كان أن يرجع على أدراجه كي يرفد كتابنا بسيلٍ من معلوماتٍ ضافية عن الشقيقين الدمشقيين: " سيمو "؛ المُطلق السراح من السجن قبل قضائه فترة حكمه، مستفيداً من عفوٍ رسميّ بمناسبة أحد أعياد العرش، الذهبية. لقاؤه، الذي جرى اتفاقاً، كان ولا غرو خارجَ أيّ حدسٍ أو توقّع. التقيت معه في مدينة الصويرة، وكان يلوح سعيداً مرفرفاً بأجنحة الحرية ـ كنورس شواطئها.
طليقةُ صاحبنا النورس، " الشريفة "، سترفع هنا القناعَ عن وجهها عبرَ اعترافاتٍ تضمّنها الفصلُ المفقود من مذكرات المسيو الفرنسيّ. تسنى لي استعادة ذلك الفصل بفضل السيّدة السورية، " سوسن خانم "؛ ولكن ليسَ دونما إلحاحٍ من جانبي.. مع نوعٍ من الحيلة أيضاً: في إحدى مكالماتنا الهاتفية، مؤخراً، أوهمتها بأنّ لقائي بطليق مرافقتها الأولى، " الشريفة "، أمدّني بتفاصيل خطيرة عن طفولتها وصباها. أتخيّل الخانمَ تقرأ كلماتي، متبسمة بتسامح، وهيَ في جلستها المعتادة أمام الموقد، الملبّس بالرخام على الطريقة الإيطالية. الموقد، كما علمتم قبلاً، كانت تعلوه لوحة بورتريت تمثّل تلك المرافقة السابقة. لعل ذلك الموقد، الخامدة نيرانه الآنَ، قد سبقَ والتهمَ تلك اللوحة مع النسخة الأصلية لمخطوطة تذكرة الخانم، المراكشية؟
وبعد، لم يبقَ أمامي سوى أوراق المخطوطة الجديدة، أضعها بين أيديكم كما لو أنها أمانة..
> يليه الجزء الأول من الرواية، وهوَ بعنوان " خجي وسيامند "
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فودكاست الميادين | مع الشاعر التونسي أنيس شوشان
.. حلقت شعرها عالهوا وشبيهة خالتها الفنانة #إلهام شاهين تفاصي
.. لما أم كلثوم من زمن الفن الجميل احنا نتصنف ايه؟! تصريحات م
.. الموسيقى التصويرية لتتر نهاية مسلسل #جودر بطولة النجم #ياسر_
.. علمونا يا أهل غزة... الشاعر التونسي -أنيس شوشان-