الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية والخيار وأصالة الإيمان

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2018 / 7 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سؤال_ عودة أخرى للأحكام والنصوص، هل تؤمن بحق الإنسان أن يراجع عقيدته طالما أنك تؤمن أن الدين خيار فردي وليس أختيار موضوعي بمعى أما وأما.
الجواب_ إيماني الراسخ والمبني على قراءة متأنية للنصوص ومقارنة بحوادث تأريخية قريبة من زمن الرسول ومن زمنه تؤكد أن العقيدة خيار ومسئولية فردية يمكن لأي شخص أن يعدل خياراته واختياراته وفقا لما يمكنه أن يكون بناء يقيني لديه، هذه الأساسية ركيزتها موجودة في كل النصوص القرآنية دون أن يكون هناك نقض موضوعي لها أو فسخ لأحكامها،فمن شاء فليؤمن أي ربطالإيمان بما يشاء الإنسان من قرار يعرف أنه سيتحمل نتائجه لوحده، فما كان يصح بالبداية دون قيد أو شرط يبقى مطلقا ويصح في كل الأوقات {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً }الكهف29.
البعض يربط هذا الحق بدخول الإسلام وينتهي مفعول الإشاءة بأعتبار أن الدخول هو نهاية الحق الفردي مستندا في ذلك إلى نص حاكم أخر، هذا النص يتكلم عن الإنقلاب العقيدي للمجتمع ولا يتعلق بالفردية {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ }آل عمران144، وحتى لو كان النص يتعلق بالفردية فلا وجود لمانع في هذا الإنقلاب غير ما كان موعودا به أصلا من لم يدخل الدين معاندا أو مكذبا أو جاحدا، النصوص الكثيرة التي تتوعد الكافرين بالعذاب أو الجزاء الأخروي لا تتحدث عن مسئولية المجتمع الإسلامي أو الفرد المتدين ولا حتى صاحب السلطة فيه أن يكون قيما على عقائد الناس وخياراتهم فالله هو الذي يفصل بينهم يوم القيامة وليس أحدا غيره {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ }آل عمران19.
ما يعرف في تأريخ المسلمين بعنوان الردة وأحكامها لا أساس له في النصوص ولا حكم فيه على وجه الأستقلال والبيان، وكل الذي حدث أن بعض فقهاء المسلمين وتحت ضغط فشلهم في مواجهة الفكر الغيري حاول أن يغلق باب الإشاءة الفردية في العقيدة، مستغلا حوادث تأريخية جرت في واقع المسلمين يستفاد من علاتها ونتائجها على منع الردة، وأيضا تسخيرا لبعض الآيات القرآنية التي تحمل نوعا من الإشارة أو الفهم على أنها تعني منع الخروج، من الحوادثالتأريخية الي يستند عليها الكهنوت الإسلامي قضية ما سميت بحروب الردة التي خاض غمارها وقادها الخليفة الأول تحت عنون (لا مجال للسماح لمن يفرق بين الزكاة والصلاة)، هذا هو واقع تلك الحروب القصيرة التي جرت في واقع مفصلي من حياة المسلمين عندما أمتنع بعضهم من دفع الزكاة للمركز، الحقيقة أنها لم تكن بعنوان الخروج عن الإسلام ولا أعلان الكفر فيه، بل هي أجتهادات وإرادات ضمن منظومة المجتمع الإسلامي، وحتى تبرير الخليفة الذي قاد الحروب لم يكن بعنوان إجبارهم للعودة إلى الإسلام.
هذه الحوادث وأمثالها حرفت وجيرت لمصلحة أن تغلق باب الحرية الدينية في النصوص بمعنى أستحداث أحكام أو تضييق في دائرة الأكثري لمصلحة ما، فالدين كما نقرأ بالنصوص خيار حر يتنافى مع مبدأ الأكراه الذي تبنته الفكرة الدينية منذ البداية {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة256، الموضوع برمته يبقى معلقا على جزاء الله وقراره الأخروي الذي لا نعلمه نحن ويعلمه الله وحده، فما كان لله يبقى له ولا حق لكائن ما أن يجبر إنسان على إيمان هو في الواقع كما يؤمن ويعتقد كل المتدينين هو (يقين روحي خالص بين المؤمن وقلبه).
سؤال_ ألا يفتح هذا الباب من الإباحة إلى المزيد من حالات الخروج عن الدين وبالتالي أضعاف المجتمع الإسلامي وسيطرة القوى الكافرة على مقاليده؟.
الجواب_ لو أراد الله من الناس أن يؤمنوا كرها لما أحتاج إلى رسل ورسالات وأنبياء وحتى أصلا لا يحتاج لعقل أن يخاطبه {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ }يونس99، فالقضية أذن خيار عاقل وواثق من يقينية ما يختار، فالإيمان الزائف أو الخاضع لأملاءات القوة لا يمكن أن ينتج تدينا وألتزاما حقيقيا وإيجابيا، على العكس من الخيار الحر المبني على عقلانية وإرادة مفكره، فإنه بالغالب يكون أكثر صدقا وتمثيلا لحركة الدين في المجتمع وأهدافة، ولو فتحت الحرية العقائدية على أبوابها لرأيت الكثير من الناس تخرج من الدين ولكن الغالبية منها سيعود له وهو أكثر يقينية وأصدق في إيمانه من الحالة الأولى، لذا أنا مع تشريع الإباحة وعودة الأمور إلى قاعدة ( لا أكراه في الدين).
سؤال_ في الصراع الديني سواء كان بين الأديان المختلفة أو حتى بين طوائف ومذاهب ومدارس الدين الواحد نجد هناك دور مهم للشخصانية المتمركزة والمتمحورة حول رموز محددة، هل من الممكن مثلا لو أسقطنا الرمزية عن هذه الأشخاص وعدنا إلى محورية ومركزية الدين ننجح في محاولة القضاء على أساس هذا الصراع الديني؟.
الجواب_ في الحقيقة لو عدنا إلى الأديان المختلفة أو حتى للمذاهب والمدارس الفكرية في الدين الواحد نجد أن الصراع ليس دينيا بمعنى أن كل دين أو مذهب له مرتكزات فكرية تتناقض مع الأخر، بل بالحقيقة أن كل هذه الصراعات هي صراعات فردية شخصية أنانية تحولت برداء الدين أو المدرسة الفكرية لتكون عنوان أخر، بمعنى أن من يصنع الرموز أو يتمحور حولها هو محور الصراع ومرتكزه وليس الفكرة الدينية أو حقيقة الدين، على المستوى الإسلامي لو أخذنا أشهر مدرستين فيه وهما السنة والشيعة ورجعنا إلى الرموز المتحور عليه الفكر الطائفي، نجدها متصالحة فيما بينها أو لديها توجهات شخصية في قضايا يمكن الأتفاق فيها بالعودة إلى ما يسمى المربع الأول، قد تخطئ بعض الشخصيات التأريخية التي أتخذت لاحقا كرموز، والإنسان بطبيعته كائن جائز عليه الخطأ والنسيان فلا يمكن أن نحول من هذه الأخطاء عوامل فرقة نتمحور حولها ونجعلها مركزية في رسم إيماننا بالدين، نحن هنا نحول القضية الدينية الكبرى إلى مسائل شخصية ونجنب العقل الراشد أن يصحح أو يحاول تجاوز الخطأ التأريخي من خلال العودة إلى القرأن والرسول كما هو مأمور ومنصوص عليه في حكم ثابت.
سؤال_ وهل تعتقد أن ظهور المدارس الفكرية في الإسلام مثلا هي أخطاء تأريخية.
الجواب_ كلا هي نتائج لتلك المعطيات وتضخيم بعوامل أعتباطية وتشغيلها وأستغلالها لصراع نشأ لاحقا عن هذا التشغيل وهذا الأستغلال الفج، ما بين الطوائف الإسلامية من مشتركات أساسية أكبر مما فيه من أختلافات فرعية، فهل من المنطقوالمعقول أن نجعل الأكبر مهملا ونبني على الأقل؟ هذا خيار سيء وسلوك منحرف، كان من الممكن أن تتحول هذه الأختلافات الفرعية إلى مصدر قوة للمجتمع الإسلامي حين توظف للوصول إلى الحقيقة في واقع عقلاني، ولكن وما تنتصر إرادة الأنا المتضخمة على أشتراطات المنطق العقلي طالما هناك مصالح ذاتية وميول منحرفة.
سؤال_ هل تعتقد أن المسلمون فشلوا في تبني الإسلام كدين ورجعوا إلى جاهليتهم السابقة حين عبدوا رموزهم بدل أن يتعبدوا بأحكام الدين؟.
الجواب_ نعم إلى حد ما أقول بكل أمانة لو أنتدب زعماء الطوائف وبنية مخلصة في الخلاص من حالة التشظي والإنشقاق وأتفقوا على أليات مجردة من الأنحياز وبتجرد تام على تفعيل المشتركات ومحاولة تجسير الهوة بين الفرعيات، على أساس أنها أما أجتهادات يمكن التلاقي عندها أو تحويلها إلى حكم النص الذي لا مجال في في تجاوزه أو تعديله أو الخروج عنه، لا تشديدا أو تساهلا كانت النتيجة أنهم أمام واقع أخر، واقع يفرض التوحد وإذابة الخلافات بدل التمركز حولها والتعصب لها، ولأمكنهم ذلك وعادوا جميعا للإسلام الواحد الذي هو دين التعبد ومعيار الإيمان الكلي، أقول وأكرر دائما من يجاهر بطائفيته من كل الأطراف ويجعلها عنوانه الرئيسي فقد خرج من الإسلام وإن صام وصلى وزكى وحج، الدين أساسا عمل تجميع عقلاني على قواعد مشتركة أولها الجميع عباد الله والجميع حسابهم عند الرب وليس عند الزعماء أو حتى عند الرموز الذي ننتصر لهم دون أن ننتصر لمن أتى بالدين وأمر به {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }الأنبياء92.
سؤال_ ما رأيكم فيما يعرف الآن بمسمى حوار الأديان أو حوار المذاهب ونحن نرى أشتداد الصراع مع كل ما يبذل من جهود في سبيل رأب الصدع؟.
الجواب_ حتى يكون الحوار مثمرا وناجحا ويؤدي الغرض منه ويحقق أهدافه، على الجميع أن يقروا أول مرة أن الدين لله وليس أنتصارا لفكرة أو أنحيازا لمبدأ، ثانيا عليهم أن يتفقوا على ما أكرره دائما أن الله وحده هو الحكم في الأختلاف، وأن الجميع إنما يسعون إلى تنفيذ هذا الحكم وبسطه واقعا دون أن يحق لأحد أن يصنف الناس هذا كافر وهذا مؤمن، والنقطة الأخيرة أن يكون الجميع صادقين في تحقيق الهدف وأن ما يجمع المؤمنين هي العلاقة مع الله وليس الواقع بما يفرضه من أحتكام إلى أقوال وأجتهادات الإنسان في فهم الدين أو فهم هذه العلاقة، قد ننجح بالتأكيد إذا جسدنا الهدف في سلوكياتنا تجاه الأخر وتقربنا من بعضنا لأننا في مركب واحد والهدف واحد والدين واحد، والنتيجة أن فهمنا للصراع سيكون لمصلحة الفكرة الدينية ليس من أجل فوز هذه الفرقة أو خسارة لتلك الفرقة كفكر وكنظرية يراد لها أن تتجذر بقوة الأعتقاد بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد