الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


براغيت وسط البلد

طارق المهدوي

2018 / 7 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


أما البراغيت فهو اسم الجمع لحشرة البرغوث باللهجة العامية المصرية وأما وسط البلد فهو اسم مكان يتوسط العاصمة المصرية ويسمى رسمياً بالقاهرة الخديوية نسبةً إلى الخديوي إسماعيل، الذي كان قد كلف المهندسين المعماريين الفرنسيين هاوسمان وإيفيل بتشييده على الطراز الباريسي خلال ستينيات القرن التاسع عشر فوق مساحة أصبحت الآن مع امتداداتها تقارب السبعمائة فدان، كان يتوسطها آنذاك ميدان عابدين ثم أصبح يتوسطها الآن ميدان التحرير المحاط بشبه دائرة ممتدة بين ميادين العتبة والقصر العيني والزمالك ورمسيس، ومنذ نشأتها أخذ التكوين الاجتماعي لمنطقة وسط البلد نفس الطابع السكندري الكوزموبوليتاني، حيث كانت محل السكن المفضل للأجانب المقيمين في مصر والمصريين من أبناء الجاليات الأجنبية والمصريين من ذوي الأصول الأجنبية مع أعضاء النخب المصرية المختلفة، وهؤلاء جميعاً أقاموا كافة أنشطتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية الخاصة هناك جنباً إلى جنب مع كل الوزارات والمؤسسات والمصالح العامة التي أقامتها الحكومات المصرية المتعاقبة أيضاً هناك، لتصبح منطقة وسط البلد جاذبة لجميع القطاعات الجماهيرية الوافدة من كافة المجتمعات المدنية والريفية المصرية في كل معاملاتها اليومية الاضطرارية والاختيارية، ومع التقاء هؤلاء بأولئك يومياً أصبحت منطقة وسط البلد هي دون منازع القلب السياسي النابض لعموم مصر الحديثة والمعاصرة، فيما ترجمه المصريون الغاضبون عشرات المرات ابتداءً من مظاهرات ميدان عابدين ضد نظام الحكم الخديوي سنة 1879 حتى مظاهرات ميدان التحرير ضد نظام الحكم الإخواني سنة 2013، الأمر الذي كان ومازال يشكل هاجساً أمنياً مرعباً لدى أنظمة الحكم المصرية المتعاقبة الغارقة في التبعية والفساد والاستبداد والتطرف إلى درجات كفيلة باستفزاز أكثر القطاعات الجماهيرية وداعة وهم أولئك الذين يسمونهم في مصر "أعضاء حزب الكنبة"، لذلك فقد وضعت أنظمة الحكم الخائفة من الجماهير عدة خرائط طرق تؤدي إلى تغيير التكوين الاجتماعي لمنطقة وسط البلد ومنع استمرار كونها القلب السياسي النابض، عبر طرد سكانها الأجانب خارج الحدود المصرية خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين ثم الاستيلاء على مساكنهم ومنحها إلى ضباط الجيش والشرطة وأعضاء السلكين القضائي والدبلوماسي وغيرهم من توابع الأنظمة، وعبر تنفيذ خطة "البراغيث" المنقولة حرفياً عن الأجهزة الأمنية لحلف شمال الأطلسي ابتداءً من سبعينيات القرن العشرين حتى اليوم، وهي مستمدة من فكرة مفادها لو احتل أحد أنواع البراغيث العصية على وسائل المكافحة البيطرية العادية فرو القط العزيز، فعلى صاحبه أن يطلق على هذا النوع العصي عدة أنواع عادية من البراغيث لتقوم هي بطرده ثم يطرد صاحب القط لاحقاً تلك الأنواع العادية بوسائل المكافحة البيطرية العادية، وهكذا أطلقت أجهزة الأمن المصرية كل أنواع البراغيث البشرية من توابعها على منطقة وسط البلد يقتلون ويسرقون وينصبون ويتحرشون، بهدف قطع أي تراكم كمي يؤدي إلى أي تطور نوعي عبر الإفساد المتعمد لأي تواصل حقيقي بين أي أفراد أو جماعات حقيقية قد يثمر أي إفادة نخبوية أو جماهيرية حقيقية في هذه المنطقة الجغرافية الهامة، ومع طول المدى الزمني لتنفيذ تلك الخطة الأمنية ارتبطت ظاهرة البراغيث البشرية بمنطقة وسط البلد حتى أصبح الواعون من المصريين يسمونهم براغيت وسط البلد!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار