الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين سترسو سفينة العراق؟

جعفر المهاجر

2018 / 7 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


أين سترسو سفينة العراق؟
جعفر المهاجر.
حين يرى المواطن العراقي إن ثروته التي منحها الله له قد وقعت بأيدي الفاسدين يتلاعبون بها ويسخرونها لخدمة أهوائهم وشهواتهم ، وحين يدخل إلى بيته ويرى أطفاله يتأوهون من شدة الحر وفي درجة نصف الغليان. وعندما يعودون من مدارسهم ويرى ملابسهم وأحذيتهم تشكو من الأوحال والغبار نتيجة للحفر وأكوام القمامة ومياه الصرف الصحي التي تملأ الطرق. وحين يفتح صنبور الماء ولا يسمع سوى صفير الهواء، ويذهب للمستشفى للعلاج فلا يرى إلا هيكلا من بناء تتكاثر فيه الحشرات والأوساخ وكأنه إسطبل للحيوانات ، وحين يذهب إلى دائرة حكومية ويصطدم بالروتين القاتل ويصعد وينزل لعشرات الأيام إن لم تكن أشهرا ولم تنجز معاملته في دولته (الألكترونية)كما تزعم الدعاية الحكومية. وحين يرى الأيتام والأرامل يتسولون في الطرقات وهناك من يبني القصورالفخمة، ويركب السيارات الحديثة، ويهرب الأموال الطائلة إلى خارج الوطن. وحين يصبح الملايين من الشباب عاطلين عن العمل، وقد وضعوا شهاداتهم تحت رؤوسهم لسنين طويلة يناجونها ويتذكرون سني الدراسة الشاقة. وحين يرى هذا المواطن العراقي المقهور عملية سياسية عرجاء، وإنتخابات يسودها الكثير من اللغط والإتهامات والصراعات. ويرى بأم عينيه دعايات لأشخاص وأحزاب تجاوزت الملايين من الدولارات ولا تقف أية جهة من الدولة لتقول بشجاعة من أين لك هذا؟ لأن الكل في سباق محموم لنهب المال العام. وحين يسمع هذا المواطن المقهور المتعب كلاما معسولا ووعودا خاوية، من هؤلاء السياسيين، ويمضي الزمن وتأتي أعوام تتبعها أعوام ولا يتحقق منها شيئ على صعيد الواقع،وحين يرى كل شيئ في وطنه يتراجع إلى الوراء. وحين يشعر أن لاكرامة ولا قيمة إنسانية له في وطنه.ودمه مباح لقوى الإرهاب في أية لحظة . وحين يستغيث وتتحول إستغاثته إلى صرخة في واد سحيق. فمن المؤكد أن يصاب بالإحباط ويستولي عليه الغضب، ويلعن هؤلاء السياسيين الذين خدعوه بشعاراتهم ، وأتخموا بطونهم بالمال الحرام. وجعلوا من أنفسهم فرسانا للصلاح والإصلاح وهم ليسوا كذلك، بعد أن سقطت أقنعتهم التي خدعوا بها الشعب لتفضح حقيقتهم الخالية من كل حس وطني نبيل ، ومن كل خطوة إنسانية فاضلة.ومن أية كلمة صادقة. ورغم كل هذا الفشل الذريع في مسؤولية الحكم لم يشهد المواطن العراقي منذ عام 2003 ولحد الآن واحدا من هؤلاء قال إنني أخطأت بحق الشعب ، وقد حان وقت الإعتذار له على مابدر مني من تقصير وإهمال عدا شخص واحد هو المقاتل هادي العامري الذي ترك الوزارة وبهرجتها،وقضى أربعة أعوام تحت الشمس الحارقة صيفا وفي برد الشتاء القارس وهو يجوب الفيافي والقفار، ويطهر الأرض مع رفاقه الأبطال من رجس الدواعش. لكنه لم يسلم من هجوم دواعش السياسة وحقدهم بعد أن تركوا مناطقهم وهربوا إلى هذه العاصمة العربية أو تلك.
إن المواطن العراقي كغيره من البشر لصبره حدود ، ولا يمكنه أن يصبر إلى مالا نهاية على مايجري في وطنه من قبل مسؤولين ليسوا أهلا لقيادة بلد حضاري مثل العراق. وبالتالي لاسبيل له إلا الثورة والإحتجاج على الأوضاع السيئة التي يعيشها.وهو حق مشروع لكل شعب يعيش على كومة من وعود خاوية صارت أرخص من كومة القش.
وحين نذكر البصرة التي تضخ 60% من ثروة العراق نتذكر البيت الشعري :
كالعيس في البيداء يقتلها الظما
والماءُ فوق ظهورها محمولُ
فأهل هذه المدينة ظلوا محرومين من خيرات مدينتهم لعقود من السنين ومازالوا كذلك. وكل الحكومات المحلية والمركزية لم تبذل أدنى جهد لمداواة جراحها ، وتحسين أحوال أهلها المزرية البالغ عددهم ثلاثة ملايين نسمه.وهذا ظلم كبير لايقبله إنسان يملك ضميرا حيا ،وشعورا إنسانيا، وحرصا حقيقيا على حالة شعبه.
ولا يمكن أن يتجاهل المرء معاناة سكان أخواتها في جنوب العراق من حرمان وتراجع كبير في مستوى الخدمات. وقد كتبنا وكتبنا عن معاناة أهل هذه المدن ولكن لاحياة لمن تنادي .
ولا يختلف إثنان في إن المشهد السياسي العراقي مشهد مأزوم، وإن سفينة العراق تتقاذفها الأمواج العاتية نتيجة الصراع المحموم على السلطة من قبل أطراف العملية السياسية. وتجاهلهم لمعاناة شعبهم.ومن الغريب أن يوقع رئيس الجمهمورية على تقاعد أعضاء مجلس النواب الذين أذاقوا الشعب غصصا كثيرة في خضم هذه الإحتجاجات الشعبية العارمة.وإن دل هذا الأمر على شيئ فإنه يدل على إن الإستهانة بحقوق الفقراء قد وصلت إلى حد لايطاق.
وحين ينتفض المواطن على الأوضاع المزرية ، ويطالب بحقوقه المشروعة من خلال المظاهرات السلمية يسارع أطراف العملية السياسية إلى الاتهامات المتبادلة وكل طرف
يلقي اللوم على الطرف الآخر ليبرئ نفسه من هذا التلكؤ واللامبالاة والأخطاء القاتلة ، والديماغوئية المفرطة المتأصلة في نفوس العديد منهم وقد أصبح اللهاث المحموم وراء المكاسب والمغانم والحنث باليمين هي الصفة البارزة لهؤلاء السياسيين الذين حولوا الساحة العراقية إلى ملعب مكشوف للتدخلات الخارجية المشبوهة التي وجدت في هذه الساحة مرتعا خصبا لتنفيذ مآربها، لخنق كل فسحة أمل يتنفس منها المواطن العراقي الباحث عن كرامته الإنسانية في وطنه . وهاهي أصوات الأعداء المتربصين بالعراق باتت ترتفع في أتون هذه الأزمة ، وأخذت تطالب كالعادة بتأليف (حكومة طوارئ) أو ( إنقاذ وطني.) لخلط الأوراق بعد أن أجهز بعض عملائهم على المؤسسات الحكومية وقاموا بحرقها وتدميرها والإعتداء على القوات الأمنية تماشيا مع هذه الدعوات المشبوهة. والحكومة وأجهزتها الأمنية والمخابراتية على علم مسبق بأن هؤلاء المندسين جاهزون دوما لآستغلال التظاهرات السلمية والتغلغل بين صفوف المتظاهرين لإغراق الوطن في فوضى عارمة.وربما حرب أهلية بعد اندحار داعش. وكان الأحرى بالحكومات المتعاقبة أن تنتبه إلى هذا الخطر المستمر الرامي لإعادة العراق إلى الحكم الفردي الطائفي ، وتقدم الخدمات المطلوبة للشعب ، ولا تغمض عيونها ،وتصم آذانها عن رؤية الواقع إلى أن يقع المحظور ثم يسارع رئيس السلطة التنفيذية إلى تقديم بعض الإصلاحات الوقتية، والعلاجات التخديرية التي لاتغني ولا تسمن من جوع. وهل بإمكان حكومة تصريف أعمال تنفيذ إصلاحات جذرية متراكمة منذ أعوام طويلة.؟
ومن الطبيعي إن خلايا الإرهاب النائمة تحاول دوما أن تجد لها منفذا لارتكاب جرائمها في ظل هذه الأوضاع، ولو حدث صدام بين الجيش والشعبكما تشتهي بعض الجهات الداخلية والخارجية لاسامح الله فستنتعش قوى الإرهاب من جديد ويقوم قطعانها بسفك دماء الأبرياء مستغلين الفراغ الأمني والسياسي والمهاترات التي لاتهدأ بين أطراف العملية السياسية.وسيقف معهم أيتام النظام الصدامي الفاشي الذين لايشغل بالهم غير حدوث إنقلاب يعيدهم إلى السلطة من جديد بدعم من مشيخات وممالك بترولية وعلى رأسها حكام آل سعود ولو حدث ذلك على بحر من الدماء.
لقد حدثت أحداث تشيب لها الولدان في الأعوام الماضية التي أعقبت سقوط الصنم بعد أن تنفس الناس الصعداء بسقوطه رغم أن سقوطه جاء من الخارج، وتصوروا إنهم سيمارسون حقهم الإنتخابي من خلال عملية إنتخابية نزيهة
يشرف عليها مراقبون دوليون. وتأتي هذه العملية السياسية برجال أمناء أكفاء لتخليص الشعب من محنته. لكن كل ذلك لم يكن سوى حلم عابر ضاع في زحمة الصراعات التي اشتد أوارها بمرور الزمن وأصبحت كالكابوس المسلط على رقاب الناس. فخبت تلك الأحلام تماما وتحولت إلى سرقات هائلة، وحرائق رهيبة، وفساد أداري ومالي لم يشهد له العراق مثيلا على مر تأريخه الحديث.
وآستقالة السيد حسن الياسري رئيس هيئة النزاهة من منصبه تثبت إنه عجزعن محاسبة رؤوس الفساد الكبيرة، ومرت تلك الإستقالة مرورا عابرا وكأن شيئا لم يكن.
ومع تراكم الأخطاء يدفع الشعب العراقي ثمن الأخطاء والتجنيات التي يرتكبها المنتمون إلى الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات. وهاهم اليوم كعادتهم سابقا يتخبطون ، ويجتمعون ويفترقون دون جدوى والأيام تمضي ولا يبالون بالأخطار المحدقة بالوطن . وربما ستمر أشهرا أخرى ولا يرى الشعب إنبثاق حكومة جديدة تأخذ على عاتقها المهمات الوطنية الكبرى التي تنتظرها.
إن الانتماء للعراق هو الذي يجعلنا نكتب بحرقة وألم بعيدا عن الترف الفكري، وإطلاق السهام السامة نحو خاصرة العراق كما يفعل الآخرون من أيتام الدكتاتورية الصدامية البغيضة التي جثمت على صدور العراقيين كالكابوس لعقود طويلة.
فشتان بيننا وبين هؤلاء الذين باعوا الوطن بثمن بخس وأخذوا يذرفون عليه دموع التماسيح في فنادق عمان وقطر والإمارات وإستانبول.
إن الحكومة العراقية اليوم أمام اختبار حقيقي بعد أن أصبح الوقت يضيق، ولم يعد في القوس منزع وبعد أن خلقت هذه الكتل السياسية وضعا مأزوما . ولا يدري المواطن المقهور أين سترسو سفينة العراق.؟وبدون أدنى شك إن كل يوم يمر دون تأليف حكومة وطنية قوية قادرة على حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية المتراكمة يتفاقم الوضع أكثر فأكثر بعد أن بلغ الإستياء الشعبي إلى حد الإنفجار.
جعفر المهاجر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الهدف وراء الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران؟|#عاجل


.. مصادر: إسرائيل أخطرت أميركا بالرد على إيران قبلها بثلاثة أيا




.. قبيل الضربة على إيران إسرائيل تستهدف كتيبة الرادارات بجنوب س


.. لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟




.. هل وصلت رسالة إسرائيل بأنها قادرة على استهداف الداخل الإيران