الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسطين التي لا تموت

مازن كم الماز

2018 / 7 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


جندٌ أتوا من بعيد ... قالوا ارحل ... دخلوا بيتي .. قتلوا ولدي , اغتصبوا إمرأتي .... قالوا ارحل , هكذا تقول كلمات أغنية أحمد قعبور التي رددناها كثيرا و التي تشكل كلماتها جزءا أساسيا من وعينا العام و الفردي , إذا افترضنا وجود مثل هذا الوعي ... هذه الكلمات لا تتحدث في الحقيقة عن فلسطين أو عن كردستان فقط , عن فيتنام أو بلاد الآزتك و المايا التي أصبحت تسمى أمريكا بعد أن "اكتشفها" كولومبوس , إنها أغنية لكل "فلسطيني" و "فلسطينية" في هذا العالم على امتداد تاريخ طويل من الحروب و الفتوحات , عن استباحة الأقوياء لبيوت الضعفاء و عالمهم و "أوطانهم" .. لا يعني تكرار قتل الفلسطيني عبر التاريخ و لا أكاليل الغار و قصائد المدح التي تتوج قاتله أن قتله و استباحة عالمه هي أمر عادي أو يمكن أن يصبح عاديا .. أن يأتي بشر شاهرين سيوفهم و أسلحتهم زاعمين أن إلها ما قد وعدهم بالاستيلاء على بيوت لم يبنوها و أشجار لم يزرعوها فيقتلوا من بنى تلك البيوت و يعيش فيها و من زرع أشجارها و يستعبدوا أولادهم و نسائهم الخ الخ ... لا شك أن هذا التوصيف لما جرى و يجري في فلسطين سيبدو صادما جزئيا أو كلية بالنسبة لنا لأن هذا بالضبط كان ما فعله "أجدادنا" : العرب الغزاة "الفاتحون" , "بأجدادنا" : "سكان البلاد الأصليين" .. نحن اليوم نؤمن برواية المحتلين الغزاة و نعتبر أنفسنا أحفادهم , لقد اختفى أصحاب الأرض الأصليين , أصبحوا رعايا و مؤمنين "جيدين" , هكذا ينتصر رب الجنود مرة تلو أخرى .. لقد "حرروهم" , هكذا تقول الأسطورة السائدة .. "حرر" المسلمون أو العرب , الغزاة أو الفاتحون سكان البلاد الأصليين بأن استعبدوهم بالجملة , بالمعنى الحرفي للكلمة , بأن حولوهم إلى "عبيد" و "موالي" و "رعايا" في دول سلطانية ثم مملوكية , و أن أخرجوهم من عبادة "الطاغوت" إلى عبادة إلههم , "الله الواحد الحق" , إله الغنائم و السبايا و جهنم و القصور و التيجان و القيان و الجواري و العسس , تماما كما فعل بيزارو و كورتيز مع الأزتيك و المايا الوثنيين .. لكن الصورة التي قد تبدو غائمة أو مشوشة بفعل الأساطير المتوارثة و الهستيريا الجمعية القائمة على تمجيد القتلة و قتل الضحية مرة تلو أخرى تصبح فجأة فاقعة بلون الدم و السواد في إسبانيا : في الأندلس كان "أجدادنا" هم الإسرائيليون - الفاتحون البيض و الإسبان الكاثوليك هم الفلسطينيون - الهنود الحمر .. قاوم أصحاب الأرض الأصليين أجدادنا الغزاة لقرون , كان طبيعيا ألا يستسلموا و أن يتصدر تلك المقاومة ملوكهم و قساوستهم ( شيوخهم ) حتى تمكنوا أخيرا من تحرير أراضيهم و طرد الغزاة : لتعود الأندلس ( إسرائيل ) إسبانيا ( فلسطين ) من جديد .. و كان طبيعيا أن يرفض أبناء الأرض و أصحابها الأصليين كل ما يمت بصلة للغزاة , دينهم , نبيهم , إلههم , ذاك الذي برر الاحتلال و الاغتصاب و الاستعباد .. كان رفض كل ما يتصل بالمحتلين هو أساس الروح الوطنية الصاعدة و التي مع انتصارها عسكريا ستنتج أول محاكم التفتيش : لقد انتصر "إله" السكان الأصليين و لا بد من تكريس هذا النصر على الغزاة و إلههم , و في وقت لاحق على كل من سيجرؤ على الشك فيه أو البحث عنه أو التساؤل عن معنى أيا من الكوارث و المجازر التي ترتكب باسمه .. الآلهة لا تفرق بين خصومها على أساس القومية أو العرق أو الجنس .. لكن القصة لن تنتهي هنا .. إنها فقط بداية القصة , أو مجرد إعادة جديدة لها .. فمن أبناء الاسبان المضطهدين و من تلك الروح الوطنية الصاعدة سيظهر كورتيز و بيزارو و سيبحرون إلى أرض لم تطؤها أقدام الغزاة من قبل ليذبحوا أهلها و يستولوا على ذهبهم و أرضهم و مستقبلهم , كما حاضرهم و ماضيهم , و يحولوهم إلى كاثوليك كي "يخلصوا أرواحهم" .. جاء كثير من أوائل الإسرائيليين من معسكرات الموت الجماعي الهتلرية .. و من الروح الوطنية لماتزيني و غاريبالدي سيولد الدوتشي ليرسل جنوده إلى البلقان و أفريقيا ليستعبد كل ما أمكنه من الضعفاء .. و تستمر الملهاة - المأساة ..

ملاحظة : إن الروح الإمبراطورية و الهستيريا العسكرياتية في الإسلام تاريخيا و حاضرا ليست صدفة .. الإسلام كرغبة و ممارسة توسعية إمبريالية منافسة للقوى المسيطرة عالميا هو الذي تمكن و نجح في لعب دور "الآخر" بالنسبة للغرب الإمبريالي , الإمبراطوري ثم الرأسمالي , ليس فقط بالنسبة للغرب بل أيضا لأبناء الشعوب الإسلامية و تحديدا للقوى الطرفية الصاعدة الباحثة عن دولة و إمبراطورية .. تمكن الإسلام من أن يلعب دور "الآخر" الذي يستفز مخلية الغرب الإمبراطورية و يصبح وسواسا أو استحواذا غربيا تحديدا لهذا السبب بالذات : لأنه حالة إمبريالية توسعية مشابهة و معارضة للغرب الإمبراطوري الإمبريالي التوسعي .. ليست وثيقة المدينة هي التي تعبر عن روح الإسلام كما يقول الهذيان الشائع , بل العلاقة البنيوية نصا و تاريخا بين الإسلام و بين الطموح الإمبريالي لدولة المدينة الذي تجسد في "الفتوحات" بدءا بالغزوات الأولى لإخضاع القبائل المجاورة للمدينة ثم "فتح" مكة و الطائف فحروب "الردة" و انتهاءا بالفتوحات التي بدأت بالشام و العراق و فارس و مصر و تكررت مرة تلو أخرى في "فتح" القسنطينية و البلقان و بودابست و دلهي الخ .. ذلك الكمون الإمبراطوري الذي استخدم مرارا للتعبير عن صعود قوى ذات مطامح إمبريالية هو سر قوة الإسلام و جاذبيته "كآخر" في مواجهة الغرب الإمبريالي التوسعي و الذي أخطأ فوكو في فهمه في بحثه الدوؤب و المخلص عن "آخر" خارج إطار السائد غربيا في توهمه هذا الآخر , غير الإمبريالي , التحرري , في الإسلام الثوري الشعبي الذي مثله الخميني في تلك اللحظة و الذي أنتج نظام الملالي القائم بكل قمعيته و توسعيته و حروبه العبثية الخ الخ ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة