الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضجيجُ الموتى!

محمد ابداح

2018 / 7 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


لا ريب بأن الأمانه لا تجتمع مع الشكوى، فالأمين يعمل بصمت دون تذمّر، لأن حُسن أداء العمل أمانة تستأهل قدرا من المشقة، لكن وبالنظر إلى واقع الوطن العربي؛ يُحسن القول بأن الموتى فيه قد باتوا يُشكلون أغلبية ساحقة مقابل الأحياء، حيث يفوزون دوما بكافة الإنتخابات الرئاسية والنيابية وحتى المجالس القروية؛ فضلا عن أن مؤامراتهم قد أثقلت كاهل أحياء العرب ممّن يحملون أمانة العادات والتقاليد دون شكوى،غير أن الحق يقال بأن الأحياء العرب لايزالوا يمتلكون أفضلية إختيار ضجيج موتاهم المفضلين! وينبغي على الشعوب العربية الرقص على إيقاع ذلك الضجيج المُختار بعناية، وربما يكون هذا (اللامنطق) هو إطار لكافة الصُّروح الدينية المقامة منذ زمن المُعلقات الشعرية على طول امتداد طريق تخلفنا العربي إلى اليوم، ولو قُدّر لسوء الحظ أن يتشكل من العادات والتقاليد والثوابت الزائفة لحمله العرب أمانة في أعناقهم دون شكوى.
ومادام صحيحا القول بأن أكثر المواضيع التي تقل معرفتنا بها يكثرُ تنظيرنا حولها، فإنع سيصعب علينا دائما التمييز بين استعارة تجارب الأمم الأخرى والتشبّه بها، وإلاّ فماذا بقي غير أن يأذن لنا الأموات بأن نحيى، وبأن نفتح الحدود الطويلة بيننا وبين المضامير التي سبقتنا فيها باقي الأمم، ورصف بعض الطرق الواصلة بيننا وبين مفاهيم تسمح بتمييز الحقيقي من الزائف.
إن مثل هذا الطموح لا يقل تطرفا عن النقد السّياسي والديني، فإن كانت الأديان قد خُلقت لتبرير فتح باب الأمل في الحياة فمن باب أولى أن نقد الأديان سببا لإغلاقه، وبعبارة أخرى من أجل عقلنة أفكارك عليك أولا البدء بما هو لا عقلاني بهدف إقصاءه، ودائما ما يتجلى الأمر في صيغة موحّدة (مُمكن عمليا أم لا..؟)، على سبيل المثال: لا يُمكن تصور مجتمعا ما يُمكن له أن يعيش في سلام حقيقي مع نفسه أولا، ومع الآخرين ثانيا وهو بلا وطن! وكيف يقبل أيّ فرد أن يتمتع بأهلية لا يحق له ممارستها وحقوقا لايجوز له المطالبة بها؟ فما بال أنظمة سياسية عربية حاكمة يُحدد لها مسبقا أي جزء من سيادتها فقط يحق لها أن تمارسه. تلك أنظمة تبيع الخيبة والفشل مع ضمان التنفيذ لمدى الحياة.
وكما أن الوهم يُخلي مكانه للحقيقة حال ظهورها؛ فإن سياسات الأنظمة العربية الحاكمة لا تهدف إلى كشف الحقائق بل إلى إثبات مشروعية كشفها، كشرط لاستمرار حُكم التجمعات البشرية، وبذلك يكون محكّ الأمور ليس الصواب أو الخطأ، وإنما في مصلحة النظام الحاكم أم لا، وعلى هذا النهج تتشكل الكيانات السياسية العربية وتتمكن من حمل الأمانة لكن مع الكثير من الشكوى الدائمة.
وكما أن المتحجرات الحيوانية تُمثل ضجيجا يُعبّر عنه اهتماما خاصا بكل عصر تاريخي تُمثله؛ فإن لموتى بعض العرب ضجيجا أعلى يُعبّر عنه اهتماما عاما طالما أنه يُحقق مصالح خاصة لبعض الأحياء، وحينها فقط يكون أفراد الشعب مُجرد أرقام في دليل الهاتف، غير أنه وبرغم ذلك كله فثمة بصيصا من نور يمكن أن يُستنبط منه فكرة تمهيدية قد تريحنا من ضجيج الأموات وتأويل مُنظّري الأديان معا؛ إن كل أمر طبيعي في الكون غير قابل للإتهام بسلوكه، وليس عليه أن يعتذر عن أي شيء، والطبيعة البشرية تميل لذات السياق.
وبما أن قوانين الأعداد (الرياضيات) هي وحدها من يُعيد ضبط الأمور ويحدد النتائج والعواقب بدقة، لذا فإن المرء في النهاية يفعل ما في وسعه فعله لا ما يُريد فعله، ومن يُحاجج بخلاف ذلك فعليه مراجعة التاريخ، ولذات السبب فثمة الآلاف من الكيانات البشرية المختلفة فكريا وأيديولوجيا وثقافيا، لكن ثمة طريقة واحدة فقط كي تتمكن تلك الكيانات من المُحافظة على استمرارها ضد المخاطر التي تهدد وجودها، وهي غريزة البقاء.
وعليه فإن النقد العقلاني لسياسة الأنظمة العربية الحاكمة إقليميا ودوليا؛ يشي بانها استبدلت فكرة الرؤية الشاملة للعالم بنظرية ( التقنية الإجتماعية الخاصة بالعائلة الحاكمة )، وقاعدتها ترقيع المُخرّق وتجميد التنمية بإصلاحات محدودة جدا، لكنها بالنهاية لن تصمد أمام إختبار المطالب الإجتماعية العامة ولن تفلت من العقاب. ربما حان الوقت للتساءل عمّن هم أشد حُمقا المُتصامُّون من الشعوب العربية، أم منظّري الأديان والقصور الرئاسية الراقصين على إيقاع ضجيج الأموات؛ الذين يجعلون من موت فرد مأساة ومن مجازر جماعية مجرد إحصاء؟
لنقل ما نريد دفعة واحدة؛ إن مكر الأيديولوجيات الأرضية والسماوية يكمن في عدم احتسابها للتكاليف البشرية المقابلة للتعصب الديني، وكما أن ملامح (الحجة بالقوة) هي دينية قبل أن تكون سياسية، فإن ملامح الفردوس والجحيم هي سياسية قبل أن تكون دينية، ومن الجائز في هذا الصدد القول بأنه لو قُدر للرُّقي الديني والفكري والأخلاقي-صعودا وهبوطا- أن يكون تبعا لارتفاع المجتمعات السكانية عن سطح البحر؛ لكان البوذي في أعالي جبال الهملايا (الفردوس) أرقى البشر، وسكان منطقة البحر الميت وسواحل جنوب القارة الأفريقية (الجحيم) أدناهم، وقد يُجيب بتردد إى عالم دين أو حتى ماورائي عمّا يجول في باله أمام هكذا مشهد: لست أدري! ربما هكذا خُلقنا! وإن لم يكن الأمر لا هذا ولا ذك؛ فحينها إذا يُعمم المُطلق ويُقيّد الخاص في بحث لانهاية له عن لانهائي، وسيكون للبعض وقتها أن يرى بأن رفض فكرة الأديان هو مُنتهى الإيمان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة