الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا وكيف يصل الانسان للعمر الثالث؟؟

زهير صادق الحكاك

2018 / 7 / 22
الطب , والعلوم


لماذا وكيف يصل الإنسان للعمر ألثالث؟؟
يقسم علماء الاجتماع عمر الإنسان إلى ثلاثة أجزاء
العمر الأول : سنوات الطفولة والمراهقة والدراسة 0 – 25
العمر الثاني: سنوات العمل والزواج وبناء الأسرة 26 – 65
العمر الثالث: سنوات التقاعد 65 وما فوق
في جميع حضارات وشعوب العالم، كان الإنسان وما زال يتساءل حول عملية تقدم العمر وتفسير التغيرات التي تحصل مع تقدمه ولا يستطيع الحصول على جواب شافي. من أهم هذه الأسئلة ما يلي:-
1- لماذا تشيخ الكائنات الحية وعلى رأسها ألإنسان ؟
2- ماذا يحصل في أجسامنا ليؤدي إلى ألشيخوخة ؟
3- هل كل الناس تشيخ بنفس السرعة ؟ وهل هناك ما يُبطؤها؟
كان الإنسان ومنذ عهد السومريون وفي كافة حضارات العالم يبحث عن أكسير الحياة، ويحلم بالشراب السحري الذي يحافظ على نظارة الشباب ويطيل الحياة أو يجعلها أبدية . وأنشغل كهنة معابدهم وفلاسفتهم وسحرتهم في هذا البحث دون جدوى.ولكنهم بدأوا بتدوين ملاحظاتهم عن التغيرات التي تظهر تدريجيا على جسم الإنسان مع تقدم عمره وإمكانية تأخير وقوعها الزمني. ولقد أدت هذه الجهود إلى ظهور عدة نظريات لشرح الشيخوخة وأسبابها.
نظريات الشيخوخة: وهي في مجموعتين:-
المجموعة الأولى: نظريات التلف أو الخطأ الحياتي وهي أربعة:
1- نظرية التلف الإستهلاكي: كلما أزدادت سرعة الأيض تتلف أجزاء حيوية مهمة في خلايانا وأنسجتنا نتيجة الإستهلاك المستمر.
2- نظرية سرعة العيش: وتقول بأنه كلما أزدادت سرعة نمط الحياة وأستهلاك الأوكسجين كلما نقصت فترة العمر.
3- نظرية الإرتباط الكيمياوي: والتي تقول بأنه مع تقدم العمر تزداد عمليات الإرتباط الكيمياوي بين جزيئات البروتينات الحياتية بحيث تتحول إلى جزيئات غير فعالة مما يؤثر على الفعاليات الحياتية المختلفة في الخلية الحية والجسم عموما.
4- نظرية الجذور الحرة: إن تكون الجذور الكيميائية الحرة (النشطة تفاعليا) يزداد بصورة مطردة مما يؤدي إلى تفاعلها مع الجزيئات الحياتية المهمة وتبطل فعالياتها. أنتجت هذه النظرية ثورة مانعات التأكسدAnti Oxidents
المجموعة الثانية: نظريات البرامج الحياتية، وهي ثلاثة:-
1- نظرية برنامج الهرمونات: والتي تنص بما أن الهرمونات هي التي تنظم الساعة الحياتية لجسم الإنسان وإن تدهور إنتاجها وعملها يؤدي إلى عدم مواكبة متطلبات الحياة ومن ثم ألشيخوخة
2- نظرية برنامج المناعة: وتنص على أن الجهاز المناعي مبرمج على أن يتدهور مع الزمن مما يؤدي إلى زيادة حساسيته للإصابة بشتى الأمراض المعدية التي تسبب تلف الخلايا والأنسجة الحياتية مؤديا ذلك إلى شيخوختها وعطلها عن العمل
3- نظرية البرنامج الوراثي: وتنص على أن الشيخوخة تنتج من جراء تشغيل وإطفاء عمل جينات معينة في الخلية الحية مما يؤثر على حيويتها وفعاليتها المختلفة، يؤدي بالتالي إلى تلفها وموتها.؟
ولقد ساهمت مساهمة متواضعة في تحقيق هذه النظرية خلال دراستي 1973 – 1976 في قسم الوراثة / جامعة أبردين في أسكتلندة للحصول على شهادة الدكتوراه. في حينها فكرت أن أفضل طريقة لإثبات ذلك هو الإنتخاب (لبرنامج وراثي يطيل العمر) واخترت ذبابة الخل لإجراء تجارب أستطعت فيها أن أنتخب عشرة خطوط من هذه الحشرة وصل فيها معدل عمر البالغة إلى أكثر من ضعف عمرها في المجموعة الأصلية وكانت هذه الحشرات المعمرة ذات نشاط حياتي ممتاز يعادل النشاط الحياتي لحشرات في منتصف عمر (شباب) حشرات السلالة الأصلية من هذه الحشرة .
لم يكن بأستطاعتنا قراءة الشفرة الوراثية للحشرات المنتخبة حيث أن العلماء وصلوا لهذه التقنية المتطورة في عام 2000 أي بعد 25 سنة ، لذا أجريت فحوصات تشريحية مجهرية على هذه البالغات (المعمرة) ومقارنتها ببالغات من السلالة الأصلية. لقد أفرزت جميع هذه الشرائح على مستوى عالي جدا من الفروقات الواضحة في (صحة) كافة الإنسجة التي دُرست وقورنت.
.
البرنامج الوراثي للشيخوخة موجود في الحامض النووي
في عام 2000 نجحت مجموعتان من العلماء في إيجاد طريقة سريعة لقراءة الشفرة الوراثية للحامض النووي DNA . منذ ذلك الوقت، أستطاعوا قراءة كامل الشفرة الوراثية للعديد من الكائنات الحية، نباتات، حشرات من ضمنها ذبابة الخل، قوارض، رئيسيات والإنسان، وتحديد تركيب العديد من الجينات. في الإنسان تم تحديد تركيب الشفرة الوراثية لعدد من الجينات ذات الإرتباط المهم مع بعض الأمراض مثل باركنسون، الزهايمر، السكري ، ضغط الدم العالي، الكوليسترول العالي وغيرها.
إذن نستطيع القول أن كل جين (أو مجموعة من الجينات) مسؤول عن إنتاج بروتين معين وقد يكون (بروتين تركيبي، إنزيم ، أو هرمون) وكلها ذات أهمية خاصة لبناء وإدامة فعالية الخلية الحية، وتحديد وظيفتها حسب ما تنتجه من هذه البروتينات مثلا على ذلك (خلايا الدماغ المسؤولة عن إنتاج هرمون الدوبامين) . إذن في كل خلية حية عدد من المعامل (الجينات) تعمل على مدار الساعة لإنتاج تلك البروتينات، وهذا العدد يتناسب مع حجم الوظائف المطلوبة منها.
وكما هو الحال في أي معمل ينتج بأستمرار (كما ونوعا وسرعة)، تؤدي عملية الإنتاج إلى وقوع بعض الأخطاء،في كل مراحل عملية الإنتاج، قد تؤدي أما إلى توقف الإنتاج (جزئيا أو كليا)،أو إلى إنتاج شيء آخر لا علاقة له ببرنامج المعمل. وبما أن الحامض النووي DNA يشكل الخريطة الأساسية، أو الوصفة الرئيسية لذلك المنتج، فإن أي خطأ يقع فيه يكون ( جسيما جدا ) على فعالية هذا المعمل، قد يؤدي في أغلب الأحيان إلى غلقه أو تدميره بالكامل. وبذلك تصبح الخلية والنسيج والجسم بدون ذلك المنتوج الحياتي المهم.
بما أن الحامض النووي DNA في أي خلية من خلايا الجسم هو نفس ال DNA (الأصلي) الذي تكون من أتحاد DNA الحيوان المنوي و DNA البويضة، وتضاعف عدة تريليونات من المرات خلال حياة الإنسان (بداية من اللاقحة) بدون أي تغيير.إذن من المتوقع أن تحدث (بعض الأخطاء) (الضعيفة والقوية) أثناء عملية التضاعف المستمرة.ولكن بما أن جزيئات الDNA هي جزيئات فريدة ووحيدة في الخلية خلافا لجزيئات البروتينات والحامض النووي RNA التي يوجد منها عدة نسخ، صار على الخلية واجب أساسي ألا وهو (حماية) هذه الجزيئة (الثمينة) بشتى الطرق. لهذا فقد حبا الله سبحانه الخلية الحية بعدة طرق لتصليح وإعادة بناء هذه الجزيئة الفريدة والأساسية في الحياة ولقد قضى عدد من العلماء نصف حياتهم لفهم وتحديد الطرق المختلفة التي يصلح الDNA بها نفسه ، توجت جهودهم بجائزة نوبل للسلام في عام 2015
وهكذا يعتقد العلماء أن حياة الكائنات الحية وعلى رأسها الإنسان تعتمد كليا على كفاءة الخلايا الحية في تصليح الأخطاء التي تظهر أو تنتج في الحامض النووي DNA بصفته حامل للخريطة الحياتية للجينات. وعليه تكون الشيخوخة ( والعلامات غير الصحية التي تصاحبها أوتؤدي إليها) كنتائج للتراكم التدريجي للأخطاء في الخريطة الحياتية (الحامض النووي) والتي تنتج داخليا أو بسبب مؤثرات خارجية وذلك للتقصير التدريجي لعمال التصليح من أداء وظائفهم بصورة صحيحة

آفاق جديدة
خلال الأشهر الأولى من عام 2017 ظهرت على الساحة العلمية مؤشرات جديدة يمكن إضافتها إلى نظرية (فشل في التصليح) للوصول إلى نظرية عامة في الإجابة على السؤال الأبدي: لماذا نمرض ولماذا نشيخ؟؟ والتي جاءت بالعنوان التالي: نظرية تراكم الأزبال في الخلية الحية وظهور الأمراض وعلامات الشيخوخة
قبل أن أبدأ بشرح هذه النظرية أود أن أطرح عليكم السؤال التالي:-
تخيلوا لو أن سيارة وعمال جمع النفايات أضربوا عن تأدية هذا الواجب العظيم لمدة شهر واحد، ماذا سيحصل في بيوتنا وشوارعنا ونحن في هذا البلد النظيف. تقول هذه النظرية بأن الشيخوخة وكافة الأمراض التي تنجم عنها مثل الزهايمر، باركنسون، وغيرها تنتج تدريجيا بسبب التراكم التدريجي للأزبال في الخلايا الحية مما يؤدي إلى عطل في وظائفها وأختناقها ومن ثم إلى موتها.
كيف تتراكم الأزبال في الخلية :
1- بما أن كل خلية حية تحوي على العشرات من المعامل لإنتاج البروتينات وتقوم بعشرات الفعاليات الأيضية ، إذن من المتوقع أن تنتج أيضا العديد من المواد والمركبات (المرفوضة) التي يتم طرحها (طبيعيا) إلى خارج الخلية، ومن ثم إلى الدم لطرحها خارج الحسم.
2- الفشل التدريجي في ( عدد وكفاءة ) الفرق المسؤولة على تنظيف الخلية وجمع الأزبال منها وطرحها إلى خارج غلافها الخلوي. وبما أن (جميع عمال) هذه الفرق هي بروتينات تتحكم في أنتاجها (جينات) معينة، فإن أي خلل يحصل فيها ( في ال DNA ) ويبقى دون (تصليح) يؤثر على أنتاجها أو على كفاءتها وهذا يعني أن هذه الآفاق الجديدة تقع ضمنيا في تفسير( نظرية العمر المبرمج وراثيا ) .
دراسة مرض باركنسون التي أنتجت هذه الفكرة
تظهر أعراض باركنسون بسبب تدهور تراكمي في عمل عدد من خلايا الدماغ العصبية الواقعة في فص الدماغ (Substantia Niger ) المسؤولة عن إفراز هرمون الدوبامين (Dopamine)، الذي ينظم وينسق الإشارات العصبية من و إلى كافة عضلات الجسم. خلال العشرين سنة الماضية بذل العلماء جهودا استثنائية في البحث وأستنبطوا عدة أدوية تبطيء إيقاع تزايد أعراضه مع الزمن ،
في بداية عام 2017 أنشغلت الأوساط العلمية المهتمة بهذا المرض بنتائج تجربة ميدانية قام بها فريق طبي من جامعة جورج تاون في واشنطون على 12 مريضا راقدين جميعهم في المستشفى بأعراض متقدمة من مرض باركنسون، واصلة إلى درجة عدم المقدرة على مغادرة السرير. لقد أعطي هؤلاء المرضى عقار جديد أسمته الشركة المنتجة AMN107 أو Nilotinib . بعد 3 أشهر من العلاج المستمر شعر جميع المرضى بتحسن كبير في صحتهم العامة وتحسن في السيطرة على عضلات جسمهم والقيام بالعديد من الحركات في عضلات الساقين والذراعين مثل مغادرة السرير، تغيير ملابسهم، أستعمال الحمام والإغتسال ، وحتى سياقه السيارة وغيرها .
كيف يعمل هذا العقار؟
يثبيط هذا العقارعمل إنزبم Tyrosine Kinase وبروتين آخر أطلق عليه أسم . C-Ablلهذين البروتينين علاقة مثبتة مع أعراض مرض باركنسون.، وذلك لأن ارتفاع مستواهم في الخلية العصبية، يؤدي إلى إبطال عمل بروتين مهم جدا فيها أطلق عليه أسم Parken Protein ، الذي يعمل بوضع علامة متميزة على أي جزيئة ضارة تنتج من مختلف الفعاليات الحياتية التي تقوم بها الخلية وذلك لإعلام جسيمات صغيرة في الخلية يطلق عليها(اللايسوسومات) بأن هذه نفايات (زبالة) حتى تقوم بتغليفها وطردها إلى خارج الخلية. وذلك لأنه عندما يقوم أنزيم تايروسين كاينيز وبروتينC-Abl بتعطيل عمل بروتين باركن تبدأ النفايات (أزبال) الخلية بالتراكم تدريجيا حتى تصل كمياتها إلى مستويات خانقة، وبالتالي تموت
الخلية العصبية ، وبهذا يقوم العقار الجديد بتعطيل عمل بروتينين ضارين حتى ينشط بروتين نافع.
أعتقد شخصيا أن هذا الإنجاز العلمي الكبير سيفتح باب البحث عن العقاقير التي تنشط عملية تنظيف الخلايا من الأزبال المسؤولة عن ظهور العديد من الأمراض المزمنة، التي ( تصاحب أو تؤدي إلى) الشيخوخة. حيث يقوم الآن فريق طبي عالمي بالبحث عن (منشطات عمال التنظيف) في الخلايا المسئولة عن مرض ألزهايمر(الخرف) و الخلايا المنتجة للأنسولين المسؤول على تنظيم مستوى سكر الدم


زهيــــر صــادق الحكـــاك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سخرية كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد الردّ الإسرائيلي


.. أنفلونزا الطيور لدى البشر.. خطر جائحة مُميتة يُقلق منظمة الص




.. يعد أكبر مجمع للأبحاث في إيران.. تعرف على قدرات مركز أصفهان


.. -إيران تهدد بمهاجمة محطات الطاقة النووية الإسرائيلية-




.. بسبب احتجاجهم على عقد مع إسرائيل.. غوغل تفصل 28 موظفا