الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشرطة بين سندان القانون ومطرقة المتظاهرين

وليد خليفة هداوي الخولاني
كاتب ومؤلف

(Waleed Khalefa Hadawe)

2018 / 7 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


" الشرطة في خدمة الشعب " هذا الشعار الذي تعتمده الشرطة في العالم، للتعبير عن مهام هذه الشريحة الاجتماعية ، ولو رجعنا لطبقة عوائل رجال الشرطة لوجدنا ان معظمهم من اسر من طبقات فقيرة ولم يكن قبل سقوط النظام السابق عام 2003 احد يرغب بالانخراط في هذا المسلك ، وكانت مراكز البحوث والدراسات في الشرطة تبحث في اسباب العزوف عن الانخراط في صفوفها حيث وجدوا ان النظرة الاجتماعية للشرطي لم تكن بالمستوى اللائق لذا كان الناس يحجمون عن الانضمام لصفوف الشرطة وكانت الملاكات الادارية تعاني من نقص كبير في الملاك المقرر من العنصر البشري .
ان رجال الشرطة بحكم كونهم عصا القانون لا يجدون ذلك الترحيب من المواطنين ، فأكثر الناس يكرهون الحق، ولو اقتنع كل بحقه ، لأقفلنا ملف الجرائم والمحاكم ، وبين المشتكين والخصوم يقوم رجال الشرطة بالاستدعاء والضبط والتحقيق والقبض ،وكم من رجل شرطة قبض على شخص بموجب القانون ثم ضحكت الدنيا لذلك الشخص المقبوض عليه فاصبح ذا سلطة فبحث عن ذلك الشرطي وقام بنقله ومعاقبته ،وهذا هو حال الدنيا ،وهم اي رجال الشرطة ابناؤنا ، ابني وابنك وابن جارك، لم نستوردهم من الخارج للعمل في هذه المهنة .وهم يدفعون اغلى فاتورة في ضبط امننا ، لقد بلغت فاتورة داعش عشرات الالاف من الشهداء والجرحى والمعوقين من رجال الشرطة ، وعلقت قطع نعي الشهداء في دور اهالينا مكللة بالسواد ،لقد كانت احصائيات شرطة نينوى فقط عند ضهور داعش وقبل سقوط الموصل استشهاد ما لا يقل عن (50) رجل شرطة شهريا اغتيالا من قبل الدواعش ، فداعش يجد انه اذا اراد ان يعبث بالأمن ، فان اول من يتدخل ويمنعه بقوة السلاح هم رجال الشرطة داخل المدن ، فما ان يسمع رجل الشرطة صوت اطلاق نار الا وتوجهت دوريات الشرطة للبحث عن مصدر اطلاق النار والتعامل معه . لذلك كانوا يغتالون رجال الشرطة ويحرقون بيوتهم ويقتلون عوائلهم .
وبعد سقوط النظام ارتفع عدد رجال الشرطة من 50-60 الف رجل شرطة عام 2003 الى ان تجاوز النصف مليون بعد عام 2012، واختلفت آلية التطوع في هذا الجهاز حتى صار التوسط والتدافع ودفع المال مقابل التجنيد في مسلك الشرطة ،احدى مشاكل التطوع ،وكان هذا التقديم بسبب التضخم المعيشي وعدم كفاية التعينات على ملاك الدوائر المدنية وانتشار البطالة، حتى اقدم خريجي الكليات للتطوع كرجال شرطة ، منافسين الاميين و حملة الشهادات الابتدائية والمتوسطة والاعدادية ، ساعد على ذلك ارتفاع رواتب رجال الشرطة بسبب نسبة مخصصات الخطورة في الراتب ، والتي لم تأتي جزافا انما لكثرة من استشهد وجرح في مواجهة داعش ، وتحولت الوظيفة الشرطية من وظيفة ورغبة في خدمة الامن لدى البعض الى وسيلة لكسب العيش ،حتى وضعت وزارة الداخلية الية للتطوع عبر الانترنيت ،لمنع التدخلات والتوسطات. بسبب كبر حجم اعداد المتقدمين للتطوع ، شبابا لو امكن تشغيلهم في تنمية العراق لبنوا على ارضه الجنائن المعلقة بهمتهم وعزمهم وارادتهم هم يبحثون عن عمل يوفر لقمة عيش شريفة حتى وان ادى الى موتهم . ولكن فرص الاستثمار والتشغيل محدودة، وايد شابة عاملة متعلمة مقعدة .بسبب ضعف وعقم السياسات التخطيطية للبلد الامر الذى ادى الى بعثرة المئات من المليارات من الدولارات دون انعاش الاقتصاد في السنيين السابقة، ثم اجهز على بقيتها الحرب الضروس ضد داعش وما تتطلبه من اموال باهضه لشراء السلاح والعتاد والرواتب والتعويضات والاعمار ،لا بل حتى ان وجود داعش هو نتيجة لهذه السياسات العشوائية التي اوجدت البيئة التي تتميز بالبطالة والامية والتخلف ،وهي احدى عوامل ضهور ونمو الدواعش ، ورافق ذلك هجرة مئات الالاف من الشباب الى خارج العراق .
والتظاهر حق يكفله الدستور اذ جاء في المادة 38 منه" تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب حرية الاجتماع والتظاهر السلمي ، وتنظم بقانون" ، وعند تظاهر المواطنون بشكل سلمي يتواجد، رجال الشرطة من اجل الحفاظ على النظام العام وفي اولوياتهم الحفاظ على حياة المتظاهرين، فمن يحمي المتظاهرين فيما لو اندس بين صفوفهم داعشي ملغوم ولا زلنا نحارب داعش في أنحاء كثيرة من البلاد ، ولو تظاهر المواطنون قدر ما ارادوا بحريتهم وبسلام دون الاخلال بالنظام العام فهذا لا يخلق مشكلة ولا صدام مع القوات الامنية ، وبالعكس يفسحوا المجال للقوات الامنية عن تحري مثل هذه الحالات من اجل السلامة ،فالشرطة اساسا هم ابناء هؤلاء المتظاهرين الساعون لحمايتهم وضمان امنهم، لكن تحول بعض المظاهرات و بفعل وجود مندسين فيها الى الهجوم على دوائر الدولة او المرافق العامة واحراقها او اتلافها فان هذا يعد جريمة . ومن يستطيع تزكية مخرب اندس داخل المتظاهرين وقام بالتحريض على التخريب او اشعال النار في مؤسسة ما ، طالما ان الحشود المتظاهرة تأتي من اماكن مختلفة .
وبالنسبة لمسؤولية رجل الشرطة المتقاعس في حماية موقعه فان المادة (3)من قانون عقوبات قوى الامن الداخلي اولا تنص على: "يعاقب بالإعدام كل من :أ- ترك او اسلم الى الغير او الى اية جهة معادية مركزا للشرطة او مخفرا او موقعا او مكانا او استخدم وسيلة لإرغام او اغراء امر المركز او المخفر او الموقع او المكان بتركه او تسليمه بصورة تخالف ما تتطلبه الضرورات الامنية" فكل المواقع او الاماكن التي تقوم الشرطة بحراستها لا يجوز لها تركها . وبذلك فان ترك رجل الشرطة لموقعه او مكانه وقيام المندسين بتدميره ، او احراقه فان عقوبة رجل الشرطة هي الاعدام .وبالمقابل فقد اجاز قانون واجبات رجل الشرطة رقم 176 لسنة 1980 لرجل الشرطة القتل في سبعة حالات :منها
5"- احتلال او تدمير المكان الذي تستقر فيه قوى الامن الداخلي.
6-احتلال او تدمير الاماكن او المعدات او الممتلكات المسؤول عن الحفاظ عليها او تعريض حياة الاشخاص في هذه الاماكن الى الخطر الجسيم .
7- ارتكاب جريمة تخريب عمدي للمرافق الحيوية العامة ."
وابتداء فأن التظاهرات يفترض فيها السلمية او ان لا تتحول الى اعمال عنف او تدمير منشآت الدولة او الاماكن المسؤولة قوات الشرطة عن حراستها او المرافق الحيوية العامة .فلا نفع للمواطن العراقي من تدمير المقرات الحكومية ، التي يكلف اعادة اصلاحها مبالغ اضافية تنهك الاقتصاد المنهك في تبعات لها بداية وليس لها نهاية وفي مقدمتها الفساد ، وهي اساسا لتمشيه الامور الادارية و تدمير اي مرفق اداري او اقتصادي ويعطي صورة مشوهة عن البلد. وفي الوقت الذي تستثمر دول الجوار موارد ضخمة لتطوير اقتصادها وتشغيل ابنائها يؤتى في بلدنا بأفعال ترسل رسائل سلبية للدول التي تبحث عن الاستثمار تكون طاردة للاستثمار، فلا يمكن لراس المال الجبان العمل في بيئة ليست امنة وهذا ما يزيد الطين بلة . ومن باب اخر فان استعمال رجل الشرطة العنف او اطلاق النار لمنع تدمير واحراق المنشآت المسؤول عن حمايتها او المرافق العامة ، وهي صلاحية خوله بها القانون فربما يقتل بعض المواطنين الابرياء مما يعرضه للمسآلة بتجاوز صلاحياته، ومثل ظروف المظاهرات الحساسة وركوب بعض المندسين (التظاهرة)نحو التدمير او الاحراق او احتلال المباني او تعريض حياة رجل الشرطة للخطر يتخذ رجل الشرطة قراره خلال لحظات قد تعرض حياته للخطر فعلا . فيقع رجل الشرطة بين فكي كماشة ، اما ان يترك المباني تخرب وتحرق ويتهم بالتخاذل لعدم استخدام صلاحياته واما ان يستخدم صلاحياته فيقتل ناس هم اهله وناسه جلهم ابرياء دفعهم مندسون ومحرضون .
ومن هنا يبدو لنا ان رجل الشرطة فعلا يكون موجودا بين سندان القانون ومطرقة المتظاهرين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سقوط قتلى وجرحى في غارة إسرائيلية على سيارتين في منطقة الشها


.. نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: الوضع بغزة صعب للغاية




.. وصول وفد أردني إلى غزة


.. قراءة عسكرية.. رشقات صاروخية من غزة باتجاه مستوطنات الغلاف




.. لصحتك.. أعط ظهرك وامش للخلف!