الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القطاع العام في مصر في ظل ثورة 23 يوليو 1952 وتحت قيادة جمال عبد الناصر

محمد عبد الشفيع عيسى

2018 / 7 / 23
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


جزء تمهيدي


تميز النظام الاقتصادى المصرى قبل 23 يوليو 1952 ، بسيادة الملكية الخاصة لأدوات الإنتاج ، إذ بالإضافة إلى الأرض الزراعية التى شملتها الملكية الخاصة مع تركز عال في شرائح الملكية الكبيرة ، فقد امتد القطاع الخاص ، المحلى والأجنبى ليسيطر على المنشآت الصناعية والتجارية والائتمانية والعقارية ، ابتداء من صناعة النسيج وتكرير السكر وانتهاء بالبنك الأهلى – بنك الإصدار في مصر – وحتى شركة سكة حديد الدلتا الضيقة .
وقد تميز النشاط الخاص عموماً بالتركز في الأنشطة الأعلى ربحية : زراعة وتجارة القطن ، التسليف والرهونات وبعض الصناعات الخفيفة التى تتمتع " بالحماية " سواء من خلال الأدوات الجمركية أو غير الجمركية .. أو من خلال إعانات التصدير .. الخ .
وقد افتقد رأس المال الخاص القدرة على المخاطرة نظراً لافتقاده فئة "المنظمين" التى قادت حركة التصنيع في أوروبا ، واتجه، خاصة في الريف، إلى الإنفاق البذخي مع ما أدى إليه ذلك من تبديد للفائض الاقتصادي ، وبالتالي من عزلة وضعف القطاع الصناعي ..
ويعتبر النظام الاقتصادي المصرى قبل 1952 نظاماً فرعياً SUBSYSTEM داخل اقتصاد السوق العالمي ، فسيادة الملكية الخاصة لأدوات الإنتاج ضمنت وجود طبقة من كبار الملاك والمستثمرين ترتبط مصالحها بإنتاج سلعة أولية تصديرية ذات أهمية استراتيجية للصناعة الأوروبية وهي سلعة القطن – كما أن ضعف القطاع الصناعى ضمن فتح السوق المصرية أمام السلع الأوروبية ، الاستهلاكية والوسيطة والإنتاجية .
وهكذا فإن أهمية مصر كمزرعة للقطن وكسوق للمصنوعات الأجنبية كانت المحدد الرئيسى للنظام والبنيان الاقتصادى المحلى .
ولكن سيادة القطاع الخاص كانت تكملها " هامشية " القطاع العام : فالقطاع العام كان موجوداً ولكنه كان ذا أهمية هامشية ، وان كانت كافية لخدمة مصالح القطاع الخاص .
ولذلك فقد تركزت الملكية العامة في الأنشطة التى لا تدر ربحاً سريعاً ، أو التى توفر البنية الأساسية اللازمة لممارسة الأنشطة الخاصة.
تغيرت سياسة الدولة إزاء القطاعين الخاص والعام بعد 23 يوليو 1952 تغيرا جذريا وفقا للسياسة الاقتصادية الجديدة للثورة بقيادة جمال عبد الناصر. ولكن هذا التغير لم يحدث طفرة وإنما تم على مراحل زمنية متدرجة.
ويغطى بحث دور القطاع العام أساسا فى تجربة التنمية المصرية بعد 1952 منطقة عريضة من الدراسة سوف نقسمها إلى المراحل الآتية :
أولا : مرحلة الحرية الاقتصادية، وتمتد منذ 1952 حتى 1956.
ثانيا : مرحلة الاقتصاد الموجه، وتمتد منذ 1957 حتى 1960.
ثالثا : مرحلة غلبة القطاع العام على النظام الاقتصادى و
إثبات وجوده عمليا – منذ 1961 حتى 1971
وفيما يلى نتناول كلا من هذه المراحل فى أجزاء متتابعة.


















الجزء الأول
القطاعان العام والخاص في مرحلة الحرية الاقتصادية
(1952-1956)

تمثلت السياسة الاقتصادية للدولة فى تلك المرحلة فى تبنى الحرية الاقتصادية كأساس للنشاط الاقتصادى ، من خلال المحاولات المتعددة لإطلاق المجال أمام نشاط القطاع الخاص فى الاستثمار الإنتاجى والخدمى سواء فى ذلك القطاع الخاص المحلى أو الأجنبى 00 مع محاولة اجتذاب المدخرات الخاصة. ولكن هذا لا يعنى غياب دور الدولة ، بل بالعكس فقد عملت الدولة على الإسهام فى الجهود التنموية بتوفير الدراسات اللازمة عن المشروعات المقترحة والمشاركة فى تمويل التنفيذ وخاصة بعد إخفاق محاولة تشجيع استثمار الخاص.

تباطؤ نمو القطاع الخاص فى المجال الإنتاجى
رغم ما قدمته الدولة من إجراءات لتشجيع رأس المال المحلى والأجنبى للاستثمار فى المجال الإنتاجى ، فان رأس المال المذكور لم يحقق تقدما كبيرا على هذا الطريق 00 إذ يلاحظ أن متوسط ما أضيف إلى الاستثمارات خلال عامى 1953، 1952 لم يتجاوز 8ر6 مليون جنيه، مقابل 3ر10 مليون جنيه كمتوسط للعامين 1952،1951 (1) كما أن رأس مال الشركات المساهمة قد انخفض من 2مليون جنيه عام 1952 إلى 9ر1 مليون جنيه سنه 1953 ، فى الوقت الذى زادت فيه مدخرات القطاع الخاص من 58 مليون جنيه الى 64 مليون جنيه 00 أما رأس المال الأجنبى ، فلم يزد المبلغ الذى استثمره فى الفترة 1954-1958 عن 9ر1 مليون جنيه(2) .
تصدى الدولة لإقامة المشروعات الإنتاجية
نظرا لتباطؤ نمو نشاط القطاع الخاص فى المجال الإنتاجى ، رغم ما اتخذت الدولة من إجراءات ، فقد تصدت الحكومة لمهمة مباشره النشاط الإنتاجى فى ميادين رائدة قليلة انطلاقا من الإطار التنظيمى الذى وفرته الدولة وخاصة بإقامة المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومى.









الجزء الثاني

القطاعان العام والخاص في مرحلة الاقتصاد الموجه
( 1957- 1960)

فى الفترة من 1957 حتى 1960 حدثت تغيرات كبيرة فى الوزن النسبى لكل من القطاع العام والخاص، لصالح القطاع العام – لكن هذه التغيرات لم تصل إلى حد تغليب القطاع العام تغليبا تاما على نحو ما حدث بعد ذلك بمقتضى قوانين التأميم. وإذن فان المرحلة محل البحث ذات طابع انتقالى : فهى قد انطلقت بالقطاع العام الى آفاق جديدة لم يشهدها فى المرحلة السابقة ، وهى كانت بمثابة التمهيد للدفعة الكبرى التى شهدها القطاع العام فى المرحلة اللاحقة.

وفيما يلى أبرز الخطوات التى حددت طابع المرحلة الانتقالية محل البحث :
أولا : التمصيــر
بعد انتهاء العدوان الثلاثى البريطاني الفرنسي الاسرائيلى – فى أواخر 1956 ، قامت حكومة الثورة بمجموعه من الإجراءات لاستكمال المهام الوطنية لها فى مواجهة الوجود الاقتصادى الاجنبى، البريطانى والفرنسى خاصة ، فى مصر. وقد تمثل ذلك ضمن ما تمثل فى إجراءات التمصير للبنوك وشركات التأمين وعمليات التجارة الخارجية – فصدر القانون رقم 23 لسنه1957 بشأن التأمين والقانون رقم 23 بشأن أعمال الوكالة التجارية.

وقد قضت هذه القوانين بأن تكون البنوك وشركات التأمين ووكالات الاستيراد مملوكا بالكامل للمصريين ، على أن يبدأ التمصير فورا بالنسبة لما يملكه منها البريطانيون والفرنسيون على أن يمنح غيرهم من الأجانب مهلة خمس سنوات ( ). وقد آلت هذه المصالح الممصرة لا إلى القطاع الخاص ولكن الى الدولة ممثله فى المؤسسة الاقتصادية. وبالإضافة إلى ذلك فقد اشترت المؤسسة من الحراسة الحصص التى كان يملكها (الأعداء) وبلغت 20 شركة وبلغت قيمه الحصص فى آخر ديسمبر1957 نحو 24 مليون جنيه. كما قامت المؤسسة بشراء موجودات 19 شركه أخرى من الشركات الخاضعة للحراسة.



ثانيا : انشاء المؤسسة الاقتصادية
تعتبر المؤسسة الاقتصادية هى نواه القطاع العام الحديث فى مصر 00 وقد أنشئت كمؤسسة عامه بمقتضى القانون رقم 20 لسنه 1957 والمعدل بالقانون رقم138 لسنه 1957

وتختص المؤسسة مما يلى :-
أ – وضع سياسة استثمار أموال المؤسسة وتوجيهها فى المنشآت المشار إليها فيما سبق.
ب – القيام نيابة عن الحكومة بالتوجيه والأشراف على المؤسسات العامة الأخرى.
أما وسائل تحقيق أغراض المؤسسة فقد تحددت فيما يلى :-
أ – إنشاء شركات أو منشآت تجارية أو مالية أو صناعية أو زراعية أو عقارية.
ب – زيادة أو إنقاص أموالها المستثمرة فى المشروعات التى تسهم فيها .
ج – تملك أسهم وسندات الشركات عن طريق شرائها أو الاكتتاب فيها.
د – عقد قروض مع الحكومة أو البنوك أو الحكومات أو الهيئات الأجنبية أو المؤسسات الدولية
وإصدار سندات فى مصر أو الخارج للحصول على الأموال اللازمة لأعمالها.
هـ – إقراض الشركات التى تساهم فى رأسمالها أو ضمانها فيما تعقده من قروض.
وبذلك تكونت نواه قطاع عام له دور موجه ومسيطر فى مجال الائتمان والتمويل والصناعات الثقيلة مثل الحديد والصلب والكيماويات وغيرها – وكذلك فى بعض الصناعات الخفيفة الهامة، حيث سيطرت المؤسسة الاقتصادية على كبرى شركات السجائر "الشركة الشرقية للدخان" وعلى شركة السكر والتقطير المصرية. كما ترتب على القيام المؤسسة الاقتصادية ونشاطها ما يلى :-
- سيطرة القطاع العام على أربعة بنوك تجارية تمثل فى مجموعها حوالى 45% من نشاط الجهاز المصرفي.
- هيمنة القطاع العام على كبرى شركات التأمين فى مصر.
- أخذ القطاع العام يلعب الدور الأول فى صناعة التعدين واقتحم لأول مرة مجال التنقيب عن البترول.
- والت المؤسسة الاهتمام بتطوير الصناعات الهندسية والمعدنية.
- عملت المؤسسة على إنشاء شركة موحدة للملاحة البحرية لتدعيم الأسطول التجارى المصرى (1).

ثالثا : التصنيع
تختلف التعريفات حول مفهوم "التصنيع"، ولكن هناك شبه إتفاق على أن جوهر التصنيع هو إقامة مجموعة مترابطة من الصناعات التحويلية تكون بترابطها "قطاعا حاكما" يستطيع بالتالى أن يحدث تحولا هيكليا فى الاقتصاد القومي. ومن المعلوم أن الاقتصاد المصرى قبل 1952 كان اقتصادا زراعيا فى الأساس يعتمد فى هيكل إنتاجه وصادراته على محصول رئيسى هو القطن 00 ومن ثم فقد كان فى صدر المهام التى وجب أن توليها ثورة 23 يوليو عنايتها إحداث تحول جذرى فى الهيكل الاقتصادى ، وذلك عن طريق إنشاء قطاع تحويلى ديناميكى يتكفل بالزيادة المضطردة فى الدخل القومى وسائر المتغيرات الاقتصادية الكلية.

ومنذ 1952 حتى 1956 سار النشاط الصناعى وئيداً لأسباب متعددة ، ولكن منذ بداية عام 1957 أخذت حركة التصنيع يشتد عودها لتصبح أحد الأبعاد الجوهرية فى البنيان الاقتصادى 0 وتطبيقا لذلك فقد أعدت وزارة الصناعة فى سنة 1957 برنامج "السنوات الخمس للتصنيع" وقدرت تكاليفه بحوالى 250 مليون جنيه ، كما أنشئت من أجل تنفيذ هذا البرنامج "الهيئة العامة لتنفيذ برنامج السنوات الخمس للصناعة" وهى مؤسسة عامة تختص بتنفيذ مشروعات برنامج السنوات الخمس إما بنفسها أو بواسطة غيرها.

وقد صمم مشروع السنوات الخمس على أساس هدف عام هو مضاعفة نصيب الفرد من الدخل القومى خلال عشرين سنة ، وعلى أن تقوم الصناعة بالعبء الأكبر فى هذا المضمار 0 هذا وقد بلغ مجموع الدخل القومى فى نهاية سنة 1956 نحو 900 مليون جنيه ، ونصيب القطاع الصناعى فيه (من صناعات تحويلية وغير تحويلية) نحو 100 مليون جنيه أى بنسبة 11% ، ومتوسط نصيب الفرد من الدخل القومى نحو 38.5 جنيها فى السنة 0 ولإمكان وصول نصيب الفرد من الدخل القومى بعد عشرين عاما الى 77 جنيها ، ومع أخذ الزيادة السكانية فى الاعتبار فقد لزم رفع مجموع الدخل القومى فى نهاية الفترة المقررة إلى 2470 مليون جنيه 0 ولما كان نمو الدخل القومى يبدأ متباطئاً ثم يأخذ فى الزيادة تدريجيا فقد قدر أن يرتفع الدخل القومى فى السنوات العشر الأولى بنسبة 25% بينما تحقق باقى الزيادة خلال السنوات العشر التالية – ومن أجل مساهمة القطاع الصناعى فى السنوات الخمس الأولى فى الوصول إلى الهدف المذكور فقد لزم رفع نسبة مساهمة الصناعة فى الدخل القومى من 11% إلى 19% فى نهاية السنوات الخمس ، وأن تزيد مساهمة هذا القطاع بمبلغ 84 مليون جنيه فى نهاية البرنامج – ولما كان معامل رأس المال الناتج الذى تبنته التقديرات هو 3 : 1 لذلك فقد تحددت الاستثمارات المطلوبة خلال السنوات الخمس بمبلغ 255 مليون جنيه (1)


برنامج السنوات الخمس بين التقدير والتنفيذ :
تضمنت تقديرات البرنامج مشروعات قدرت قيمتها الإجمالية بمبلغ 220.736.000 جنيه كما رصد احتياطى قدره 29.700.000 جنيه – وبذلك تكون القيمة الكلية لمشروعات البرنامج 250.436.000 جنيه. ومن بين القيمة الكلية بلغ نصيب الصناعات التحويلية 181.200.000 جنيه بينما لم يرد نصيب المشروعات التعدينية عن 26.686.000 جنيه ، ونصيب المشروعات البترولية 40.000.000جنيه ، وبلغ نصيب التدريب المهنى 2.550.000 جنيه.
وقد تبين أثناء التنفيذ أن من الضرورى إضافة مشروعات جديدة أو التوسع فى مشروعات قائمة لم تكن مدرجة فى البرنامج ، وبلغت قيمة الإضافات إلى البرنامج 47.607.791 جنيه – وبذلك أصبحت قيمة البرنامج بعد الإضافة : 250.436.000 + 47.607.791 = 298.043.791 جنيه .
هذا على صعيد التقدير 00 أما على صعيد التنفيذ فقد بلغ اجمالى قيمة المشروعات التى تم التعاقد عليها حتى آخر يونيو 1960 حوالى 304.132.702 جنيه – وترجع الزيادة فى القيمة الإجمالية للتنفيذ عن القيمة التقديرية للبرنامج إلى عدة أسباب منها احداث توسعات فى أحجام بعض المشروعات مما لم يكن مدرجا فى التقديرات.

إنشاء المشروعات العامة
إذا كانت عملية التمصير قد شكلت نواة أولى لتكوين القطاع العام حيث أضيفت المشروعات التى كانت تملكها بريطانيا وفرنسا أساسا إلى الملكية العامة المصرية من خلال (المؤسسة الاقتصادية) – فإن هذه النواة قد توسعت بعملية أخرى واسعة النطاق : هى عملية إنشاء مشروعات عامة صناعية من خلال " الهيئة العامة لتنفيذ برنامج السنوات الخمس للصناعة" – وقد تمت عملية الإنشاء المذكورة أساساً بالاعتماد على الموارد المالية والتكنولوجية الأجنبية تغلباً على "قيد النقد الأجنبى" – وكان لسان حال الدولة حينذاك يقول إن : (من العقبات التى يجب مواجهتها عدم توافر موارد التمويل الكافية وخاصة ما يلزم توافره منها فى شكل عملات أجنبية – وظهرت هذه الصعوبة واضحة بعد أن عمدت قوى الاستعمار إلى تجميد أرصدة مصر من الاسترلينى وفرضت على البلاد حصاراً اقتصادياً كان يخشى أن يسبب عرقلة تنفيذ البرنامج ، غير أن الحكومة عملت جاهدة على تحطيم هذه المحاولات والتخلص من آثارها ، ونجحت فى عقد اتفاقات مع بعض الدول تتضمن تسهيلات ائتمانية لتمويل مشروعات البرنامج بما يلزم من نقد أجنبى فى شكل معدات إنتاج وخبرة فنية) (1).
وتطبيقا لذلك فقد تم الحصول على تسهيلات ائتمانية بلغت قيمتها حتى 30 نوفمبر 1959 حوالى 164.788.795 جنيه أى نحو ثلثى قيمة الاستثمارات اللازمة للبرنامج – ومن بين القيمة الاجمالية للاستثمارات المذكورة قدم الاتحاد السوفيتى وحده 60.942.000 جنيه أى أكثر من الثلث.
وكما واضح فإن التسهيلات الائتمانية المذكورة لم تأخذ الشكل النقدى الصرف ، فلقد كانت مقيدة بالشراء من الدولة مانحة القرض وهو ما يعنى أن نقل رؤوس الأموال قد ارتبط بنقل التكنولوجيا ومنتجات التكنولوجيا أيضا ، أى ارتبط بنقل كل من المعرفة والخبرة الفنية من جهة، والآلات والمعدات من جهة أخرى.
وذلك ما يتضح بجلاء من الاتفاقيات المعقودة : وأولها "الاتفاق فى شأن التعاون الاقتصادى والفنى" مع الاتحاد السوفيتى والموقع بتاريخ 29 يناير 1958 – ثم الاتفاق فى شأن التعاون الاقتصادى والفنى" مع جمهورية ألمانيا الديمقراطية فى 29 أغسطس 1958 – واتفاقية تسهيلات الدفع "مع اليابان فى 13 سبتمبر 1958 – وأخيرا اتفاقية التعاون الاقتصادى مع ألمانيا الاتحادية فى 7 مايو 1958 .
القطاع العام والقطاع الخاص
لا يعنى ما سبق أن الدولة قد نفضت يدها حينئذ من القطاع الخاص – بل العكس هو الصحيح 00 فإن الخطة الخمسية التى أعدت عام 1959 ، واعتمدت نهائيا فى أغسطس 1960 باعتبارها خطة للسنوات الخمس 1960/61 – 1964/65 أعطت دورا كبيرا بل ومسيطرا للقطاع الخاص – وفى وثيقة الخطة نقرأ هذه الحقيقة بالتفصيل 00 فلقد استهدفت الخطة جعل نسبة مساهمة القطاع الخاص فى توليد إجمالى الدخل القومى فى السنة الخامسة والأخيرة للخطة 64/65 ، هى نفسها تقريبا النسبة السائدة فى السنة الأولى 59/60 – فقد بلغت النسبة الأخيرة 81% ، أما النسبة الأولى فقد قدرت بـ 80% وقد بدأ تنفيذ الخطة الخمسية وكان القطاع الخاص يسيطر على نحو 90% من الإنتاج الصناعى و95% من الإنتاج الزراعي.
وهكذا يتضح أن الخطة الخمسية الأولى قد وضعت فى ظل فرضين رئيسيين :
1- افتراض إمكان وضع خطة متكاملة توضح فيها الأهداف التفصيلية للجانب الأكبر من القطاعات الاقتصادية، بينما تحمل جوانب عديدة من الخطة طابع التخطيط (التأشيرى) – كما أن الخطة قد تكونت من مجموعة من المشروعات التى قدمتها مختلف المصالح الحكومية داخل إطار عام فرضته لجنة التخطيط القومى ، وبذلك يمكن النظر إليها على أنها مجموعة من المشروعات الاستثمارية المتفرقة التى تم تجميعها وتنسيقها فى وثيقة واحدة.
2- افتراض استمرار قيام جهاز السوق بتخصيص الموارد وعدم وجود جهاز مركزى يؤدى العملية المذكورة (1) .

رابعا : بدايات التأميم
إلحاقا بالخطوات الثلاث السابقة : التمصير ، وإنشاء المؤسسة الاقتصادية ، وبرنامج السنوات الخمس للتصنيع ، جاءت خطوة رابعة فى المرحلة محل البحث وهى تأميم بعض المصالح ، وبالتالى تدعيم نواة القطاع العام وذلك على حساب القطاع الخاص.

فلقد اتضح للحكومة أن الاعتماد على القطاع الخاص فى تنفيذ الخطة لا يستند إلى أساس حقيقى ، خاصة فى ضوء سجل تجربة هذه الحكومة مع هذا القطاع منذ 1952 ، وبصفة أخص فى ضوء سجل هذه التجربة بعد بدء تنفيذ برنامج السنوات الخمس للتصنيع أى منذ أواخر 1958 – فلقد حجب القطاع الخاص موارده عن مشروعات التنمية الصناعية الواردة فى البرنامج ، بل وأخذ يحاصر مشروعات القطاع العام الوليد وأخذ يسحب الأموال منه عن طريق عقود الاستيراد والتوريد والمقاولات.
وقد بدأ يستقر فى إدراك الدولة بعد إعداد ، ثم بعد مباشرة تنفيذ الخطة الخمسية الأولى، أن تنفيذ هذه الخطة بكفاءة وفاعلية يتطلب سيطرة الدولة على معظم وسائل الإنتاج الصناعى وعلى قمم النظام المالى والائتماني.
وتطبيقا لهذا الاقتناع الجديد اتخذت الدولة خطوة حاسمة وجذرية فى فبراير 1960 ، وذلك بتأميم كل من بنك مصر والبنك الأهلى المصرى (القانون رقم 39 والقانون رقم 40 لسنة 1960) 0 ولتقدير أهمية هاتين المؤسستين المصرفيتين نشير إلى أن بنك مصر قبل تأميمه كان يسيطر على نحو 20% من الإنتاج الصناعى وكانت أصوله تبلغ حوالى ثلث أصول البنوك التجارية مجتمعة وودائعه أكثر من 40% من مجموع ودائعها ، وكانت هذه الودائع يصل حجمها إلى نحو 100مليون جنيه – أما البنك الأهلى المصرى فقد كان بمثابة البنك المركزى الذى يشرف على الجهاز المصرفى ويقوم بإصدار البنكنوت وتحديد سياسة الائتمان وتحتفظ الحكومة لديه بحساباتها 0 وتلزم الإشارة إلى القانون رقم 250 الصادر فى 19/7/1960 والذى أنشأ البنك المركزى ليتولى وظائف (البنك المركزى) وتفرغ البنك الأهلى للعمليات المصرفية العادية.
وقد تبعت هذه الخطوة خطوات أخرى خلال عام 1960 على طريق التأميم وأهمها :
1- تأميم الممتلكات البلجيكية فى مصر. وقد تم هذا التأميم إثر الأحداث السياسية فى الكونغو أواخر عام 1960 ، وصدرت لذلك القوانين رقم 285 ، 286 ، 287 ، 288 لسنة 1960 والتى نشرت فى الجريدة الرسمية بتاريخ أول ديسمبر 1960 . وقد قضى القانون رقم 285 بتأميم شركة سكك حديد مصر الكهربائية وواحات عين شمس ، وتحويل أسهم هذه الشركة وحصصها إلى سندات على الدولة لمدة اثنى عشر سنة وبفائدة 5%.
أما القانونان رقم 286 ، 287 فيقضيان بوضع مرفق ترام القاهرة وشركة الكهرباء المصرية تحت الحراسة الإدارية ، وأما القانون رقم 288 فقد قضى بتأميم البنك البلجيكى الدولى بمصر واعتباره مؤسسة عامة 0 وتجدر الإشارة إلى أنه بموجب أمر رئيس الجمهورية رقم 99 لسنة 1961 (المنشور فى الجريدة الرسمية فى 26 فبراير 1961) فقد تم فرض الحراسة على أموال البلجيك ، استكمالاً للقوانين السابقة بتأميم الممتلكات البلجيكية.
2- تأميم بعض المصالح وإنشاء بعض المؤسسات العامة
فى يوليو 1960 تم تأميم تجارة الأدوية ، وأنشئت المؤسسة العامة لتجارة وتوزيع الأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية ، وذلك بمقتضى قرار رئيس الجمهورية رقم 1253 لسنة 1960 والمنشور بالجريدة الرسمية فى 27 يوليو 1960 – وبموجب القرار رقم 2137 والمنشور بالجريدة الرسمية فى 13 ديسمبر 1960 تم إنشاء المؤسسة العامة التعاونية الزراعية 0 وبالقرار رقم 2347 والمنشور بالجريدة الرسمية فى 31 ديسمبر 1960 تم إنشاء المؤسسة العامة التعاونية الاستهلاكية .
3- وبمقتضى القانون رقم 267 لسنة 1960 فى شأن المؤسسات العامة التعاونية تم وضع الأسس لتطوير نشاط هذه المؤسسات التى تعمل على وضع السياسات الملائمة للقطاع التعاونى وتوفير المعونة الفنية والمالية للجمعيات القائمة والإشراف عليها.
ورغم اتساع نواة القطاع العام سواء بالتمصير أو بالتأميم أو إنشاء المشروعات العامة ، إلا أن الهيكل النسبى للمتغيرات الاقتصادية يشير إلى زيادة وزن القطاع الخاص داخل الهيكل حتى عام 1960 – وهو ما يتمثل فى توزيع القيمة المضافة الصافية وتوزيع القوة العاملة – فقد بلغ نصيب القطاع الخاص من القيمة المضافة الصافية عام 1959 – 1960 ما قيمته 1142 مليون جنيه، بينما لم يتجاوز نصيب القطاع العام 235.5 مليون جنيه ، وبلغ مجموع القوة العاملة فى القطاع الخاص 6069 ألف مشتغل، بينما بلغ مجموعها فى القطاع العام 834 ألف مشتغل. وقد جاءت تقديرات الخطة الخمسية الأولى لتحافظ على دور القطاع الخاص ولكن مع إعطاء دور متميز للقطاع العام.




الجزء الثالث
مرحلة غلبة القطاع العام على النظام الاقتصادي( 1961-1971 )



القطاع العام في ظل عمليات التأميم :
بادىء ذى بدء ، نجد من الضرورى أن نشير مرة أخرى الى مشروع الخطة الخمسية الأولى الذي صدر به قرار جمهورى في أغسطس 1960 كمرحلة أولى من خطة عشرية تستهدف مضاعفة الدخل القومى عن طريق تنمية الاقتصاد الوطنى فى كافة قطاعاته مع التركيز على التصنيع ... وقد اعتمدت تقديرات هذا المشروع على قيام القطاع الخاص بتوفير نسبة عالية من مجمل الادخار المحلى لتحقيق أهداف الخطة .
ولكن البدء في تنفيذ الخطة قد كشف ، وخاصة منذ عام 1961 ، أن هناك تناقضاً أساسياً بين العملية التخطيطية وسيطرة القطاع الخاص على الصناعة ومصادر الإدخار المحلى ، وبعبارة أخرى : بين ضرورات التخطيط ونمط تعبئة الموارد وتخصيصها ، وقد تجلى ذلك في عدم مقدرة رأس المال المحلى الخاص على مواكبة خطى التنمية الاقتصادية والاجتماعية كما رسمها مشروع الخطة الخمسية ، بما يعنيه ذلك من عدم الرغبة وعدم المقدرة على تعبئة الموارد اللازمة لإنجاز مشروعات التنمية .

ونتيجة لهذه الحقيقة فقد استقر في إدراك الدولة أن تحقيق أهداف الخطة بات يتطلب تحقيق سيطرة الدولة على الهياكل الرئيسية للإنتاج والإنتاج الصناعى خاصة .. وسعياً إلى بناء الإطار المؤسسى لسيطرة الدولة ، بدأ منذ مستهل عام 1961 العمل على اقامة هيكل تنظيمى لهذه السيطرة ولو فى شكلها الأولى .
ولذا فقد صدر في شهر مارس 1961 قرار رئيس الجمهورية رقم 249 لسنة 1961، بإنشاء مؤسسة مصر ، على أن يتكون رأسمالها من حصص بنك مصر في الشركات التابعة له، وهكذا نزل بنك مصر إلى مستوى بنك تجارى تابع المؤسسة العامة 0 ثم صدر القرار الجمهورى رقم 250 لسنة 1961 (في شهر مارس أيضا) ، بإنشاء مؤسسة النصر التى يتكون رأسمالها من حصص الهيئة العامة لتنفيذ برنامج السنوات الخمس للصناعة في الشركات التى أنشأتها ، وبذلك وجدت ثلاث مؤسسات رئيسية للقطاع العام هى : المؤسسة الاقتصادية ، ومؤسسة مصر، ومؤسسة النصر .
وفى يونيو من نفس العام صدر قانون لتنظيم سوق القطن ألغي بورصة العقود وحظر الاشتغال بتصدير الأقطان على غير الشركات المساهمة العربية التي تساهم فيها الدولة أو إحدى مؤسساتها العامة بما لا يقل عن 35% من رأسمالها ثم رفعت النسبة في شهر يوليو الى 50% وكان الغرض هنا تمصير سوق القطن وضمان تدخل الدولة في هذا الموقع الذي سيطرت عليه تقليدياً القوى الأجنبية والاحتكارية المحلية .
وفى أوائل يوليو صدر القانون رقم 107 بحظر مزاولة الوكالة التجارية على غير الشركات الحكومية أو التابعة للمؤسسات العامة والتى لا تقل حصة القطاع العام فيها عن 25%. وتلاه القانون رقم 109 بتأميم شركة البوستة الخديوية – وهى إحدى الشركات التى كان يسيطر عليها أحمد عبود . ثم القانون رقم 110 بتأميم منشآت كبس القطن .


حركة التأميم الكبرى
في يوليو 1961 تمت أكبر حركة للتأميم بعد 23 يوليو 1952 ، وبمقتضاها قام لأول مرة الجسم العريض للقطاع العام في مصر .. ونظراُ لما تمثله عملية التأميم من أهمية في التطور التاريخى للقطاع العام ، نقدم فيما يلى عرضاً تفصيلياً لهذه العملية كما تمت في السنوات 1961-1964 .

أولاً : تأميمات يوليو 1961
في يوليو 1961 صدرت قوانين التأميم الثلاثة الرئيسية : القانون رقم 117 ، والقانون رقم 118 ، والقانون رقم 119 لسنة 1961 .
وبمقتضى القانون رقم 117 تم تأميم 80 شركة تأميماً كاملاُ ، وكان منها جميع البنوك وشركات التأمين والتجارة الخارجية وتجارة الأخشاب والنقل والمياه والأراضي العقارية بالإضافة الى عدد من الشركات الصناعية الهامة مثل مصانع النحاس ، والدلتا للصلب ، والأهلية للصناعات المعدنية ، وأبو زعبل ، وكفر الزيات للأسمدة ، وشركات الاسمنت .. وكانت هذه الشركات جميعاُ واردة ضمن جدول ملحق بالقانون المذكور ، ولهذا كانت قوانين التأميم اللاحقة تقتصر على النص على إضافة الشركات إلى الجدول المرافق للقانون رقم 117 لسنة 1961 الذي أصبح بذلك هو القانون الاساسى للتأميم .
وبمقتضي القانون رقم 118 لسنة 1981 تمت مساهمة الحكومة بمقدار 50% من رأسمال 83 شركة تضم أساسا شركات مقاولات وتجارة ، وبعض الشركات الصناعية ، وكان تطبيق هذا القانون يعنى تأميم هذه الشركات تأميماً جزئياً ، أى تأميم نصف ما يمتلكه كل مساهم في تلك الشركات .
أما القانون رقم 119 لسنة 1961 فقد نص على ألا يزيد ما يملكه الفرد عن عشرة آلاف جنيه في رأسمال 145 شركة – وكان الغرض من هذا القانون تأميم كل ما زاد عن هذا الحد بقصد مواجهة سيطرة كبار أصحاب رأس المال على الشركات المذكورة ، حيث اتضح أن مجموعة من هذه الشركات كانت تتركز ملكيتها في يد أسر محدودة ، وتضم شركات صناعية وتجارية وشركات صباغة وبترول وكيماويات .
وتشير بعض التقديرات إلى أن قيمة رؤوس الأموال التى تأثرت بقوانين التأميم خلال سنة 1961 بلغت حوالى 200 مليون جنيه ، وبلغ عدد الأفراد الذين انطبقت عليهم قوانين التأميم الكلى والجزئى حتى آخر عام 1961 (5622) فرداً وذلك على النحو التالى :
-1772 فرداً انطبقت عليهم قوانين التأميم الكامل .
-1715 ،، ،، ،، ،، ،، الجزئي .
- 2070 ،، انطبق ،، قانون الزيادة عن 10.000 جنيه .
-65 ،، ،، ،، ،، تأميم محالج القطن .

وبالإضافة إلى ذلك فقد بلغ عدد من فرضت عليهم الحراسة حتى نهاية العام المذكور حوالى 1000شخص ، وشملت الحراسة بعض كبار الملاك الذين خضعوا لقانون الاصلاح الزراعى الأول وبعض كبار رجال السياسة السابقين وبعض كبار أصحاب رؤوس الأموال ممن كان يخشى من محاولتهم السيطرة على الحكم – من وجهة نظر القيادة السياسية .
كما قامت الحكومة – تعزيزاً لحركة التأميم – في ميدان النقل ، بإسقاط الالتزام الممنوح لشركة ( ليبون وشركاه ) لاستغلال مرفق الغاز والكهرباء بمدينة الاسكندرية وأنشأت بدلاً من ذلك مؤسسة الكهرباء والغاز بالمدينة – كما أسقط الإلزام الممنوح لشركة ترام القاهرة وآلت منشآتها الى مؤسسة النقل العام بالقاهرة .
وهكذا وبإتمام تطبيق قوانين يوليو وما تلاها في نفس العام ، تحققت الى حد كبير السيطرة العامة للدولة على وسائل الإنتاج والهياكل الاقتصادية الأساسية ، وذلك على النحو التالى :
- شمول التأميم الكامل لجميع المصالح الاقتصادية الكبرى وخاصة الأجنبية منها ، وشموله للجهاز المصرفى وشركات التأمين ، وبذلك تحققت سيطرة الدولة أيضا على الموارد المالية . وشمل التأميم الكامل أيضا شركات المرافق العامة ذات الاتصال الحيوي بالجمهور سواء في مجال النقل أو المياه .. يضاف الى ذلك شمول التأميم للصناعات الأساسية والثقيلة مثل مصانع النحاس المصرية وشركة الدلتا للصلب .
- التأميم الجزئي (50%) للشركات التى يمكن أن تمثل تجربة جديدة في مجالات الإنتاج والخدمات.
- تحديد ملكية الفرد بما لا يزيد عن عشرة آلاف جنيه في الشركات التى كانت تتضح فيها سيطرة عائلات محددة مثل شركة سما فيه الصناعية للغزل والنسيج ، وشركة سباهى الصناعية لخيوط الغزل والنسيج .

ثانياً : تأميمات الربع الأول من عام 1962
1- في 23 يناير 1962 نشر بالجريدة الرسمية القانون رقم 41 لسنة 1962 والذي نص على التأميم الكامل لبعض الشركات والمنشأت الملاحية بقناة السويس ، وبمقتضى القانون رقم 42 لسنة 1962 والمنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 3 فبراير 1962 تم تأميم بعض شركات النقل والتخزين تأميماً كاملاً ، كما ساهمت الحكومة بنسبة 50% من رأسمال 77 مخبزاً 98 مطحناً ، 77 مضرباً للأرز .
2- بمقتضى قرار رئيس الجمهورية رقم 1054 لسنة 1962 والمنشور بالجريدة الرسمية في 31/12/1962 تمت تصفية فروع البنوك الأجنبية بمصر .

ثالثاً : تأميمات عام 1963
خلال عام 1963 تحققت سلسلة من التأميمات لتكمل السلسلة الرئيسية من اجراءات التأميم لعام 1961 ، خاصة من حيث تطبيق التأميم الكامل على شركات ومنشآت تم تأميمها تأميماً جزئياً بمقتضى القانون رقم 118 ، 119 لعام 1961 .
1- ففى ابريل 1963 تم تأميم جميع منشآت وشركات تصدير القطن وكذلك جميع محالج القطن وذلك بموجب القانون رقم 38 لسنة 1963 .
2- وفى شهر مايو تم تأميم 167 مطحناً و78 مضرباً للأرز تأميماً كاملاً حيث كان بعضها مؤمماً تأميماًُ جزئياً من قبل ، وتم ذلك بمقتضى القانون رقم 51 لسنة 1963 والمنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 8 مايو 1963 .
3- وفى عدد الجريدة الرسمية بتاريخ 13 يونيو 1963 نشر القانون رقم 65 لسنة 1963 والذي نص على تأميم شركات ومصانع الأدوية وإلغاء التراخيص الممنوحة لـ50 مصنعاً ومعملاً للدواء لعدم ارتفاعها الى المستوى المقبول – ( ولم يبق من شركات الأدوية في يد القطاع الخاص إلا ثلاث شركات تم تكوينها بالتعاقد مع شركات أجنبية ) (1) .. وبالإضافة إلى ذلك فقد تم تأميم 8 شركات للملاحة والمقاولات البحرية بمقتضي القانون 67 لسنة 1963 .
4- وفى أغسطس 1963 تمت حركة رئيسية للتأميم ، فقد نص القانون رقم 72 لسنة 1963 على تأميم 228 شركة صناعية تأميماً كاملاً وهى شركات للغزل والنسيج وللصناعات الغذائية والكيماوية وللصناعات الهندسية ، كما تم تأميم 21 شركة للنقل البرى ، و14 شركة للنقل والملاحة النهرية – وشركتين لتجارة الخشاب – وذلك بمقتضى القوانين أرقام 77 ،78 ، 79 ، لسنة 1963 .
5- فى نوفمبر 1963 تم تأميم بعض مصانع الأسلحة والذخيرة وبعض شركات المقاولات البحرية ( القانون رقم 145 ، 146 لسنة 1963 ) – وتأميم شركات التخزين والتبريد وبعض شركات التجارة الداخلية( القانون رقم 147، 148 لسنة 1963 ) كما تم تأميم 83 شركة ومنشأة في قطاع النقل وإنشاء الطرق ( القانون 151 لسنة 1963 ) وكذا أممت 6 شركات زراعية تعمل في استصلاح الأراضى تأميماً كاملاً ، ووزعت الأراضى على صغار الفلاحين (القانون 157 لسنة 1963) 0
6- وبموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 2581 لسنة 1963 تم انتهاء أعمال 40 شركة من شركات التأمين الأجنبية.

رابعا: تأميمات عام 1964
يشكل عام 1964 علامة زمنية فاصلة فى تاريخ نشوء وتطور القطاع العام المصرى ، بموجب التأميمات والإجراءات الأخرى التى اتخذت فى ذلك العام ، وأخذ القطاع العام صورته التى نشهده بها اليوم، أى اكتملت ملامحه، وذلك بأن أصبحت جميع المشروعات والشركات الكبيرة فى مصر داخلة فى نطاق الملكية العامة00 إن الفترة من يوليو 1961 إلى مارس 1964 إذن – هى أهم فترات العملية التكوينية للقطاع العام00 وفيما يلى عرض لأبرز التأميمات والإجراءات الخاصة بالعام المذكور:
1- بمقتضى قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 51 لسنة 1964 والصادر فى أول مارس، تم تغيير وضع 11 شركة للتجارة الخارجية من التأميم الجزئى التى خضعت له بموجب القانونين رقم 118و 119 لسنة 1961 (تأميم 50% وتأميم ما زاد عن عشرة آلاف جنيه للفرد) إلى التأميم الكامل .
2- نص قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 52 لسنة 1964على التأميم الكامل لشركات المقاولات التى سبق تأميمها تأميما جزئيا، وعدها 119 شركة0
3- نص قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 137 لسنة 1964 (الصادر فى 24 مارس) على تأميم أهم شركات استخراج البترول وتسويقه وهى: شركة شل مصر ليمتد، وشركة شل لتوزيع الكيماويات (مصر ليمتد)، وشركة النصر لآبار الزيوت (شركة آبار الزيوت الإنجليزية المصرية سابقا) 0 وبالإضافة إلى ما سبق، فقد شهد شهر مارس 1964 إجراءات هامة أخرى تتعلق بتكوين القطاع العام ، وهى:
أ‌- إلغاء التعويض عن الأراضى الزراعية التى خضعت لقوانين الإصلاح الزراعى وأيلولة ملكيتها إلى الدولة دون مقابل- وذلك بموجب القانون رقم 104 لسنة 1964 والصادر فى 23 مارس 1964، على أساس أن ما ترك لأصحاب الأراضى (فى ظل القوانين الخاصة بالإصلاح الزراعى) يمكن أن يغل دخلا يقرب من الحد لأقصى المقرر للدخل من العمل فى أى مجال من مجالات الدولة والقطاع العام.
ب‌- نص القانون رقم 134 لسنة 1964 على جعل الحد الأقصى للتعويض عن التأميم مبلغاً إجمالياً قدره 15 ألف جنيه للفرد، سواء للتأميم الكلى أو الجزئى. ويؤدى التعويض بسندات على الدولة مدتها 15 سنة وبفائدة 4%.
ج‌- بموجب القانون رقم 150 لسنة 1964، تم رفع الحراسة عن أموال وممتلكات الأشخاص الطبيعيين الذين فرضت عليهم بمقتضى أوامر جمهورية طبقا لأحكام قانون الطوارئ ، على أن تؤول إلى الدولة تلك الأموال والممتلكات ويعوض عنها أصحابها بتعويض اجمالى قدره 30 ألف جنيه ، ما لم تكن قيمتها أقل من ذلك فيعوض عنها بمقدار هذه القيمة. وقد نص القانون المشار إليه على أن تستمر الحراسة المفروضة وقت صدوره على الأشخاص الاعتبارية إلى أن يتم رفعها أو تصفيتها أو بيعها.

وبالتأميمات والإجراءات الأخرى التى استعرضناها فيما سبق، استوى القطاع العام قوة ضاربة رئيسية وأصبح يتمتع بالسيطرة على الاقتصاد القومى فى مجموعه ، مجسدا مفهوم "السيطرة العامة على وسائل الإنتاج" وبتعبير أدق "سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج"00 وقد أصبح القطاع العام بذلك مسيطرا على جميع مجالات النشاط الاقتصادى القومى باستثناء:
أ- الزراعة ب- التجارة الداخلية ج- المقاولات والإسكان

ويستكمل مفهوم القطاع كقوة ضاربة بتناول بعدين: أحدهما داخلى ، والآخر خارجى ، ونتناولهما فيما يلى:
1- البعد الداخلى، بعد تنظيمى، ويتعلق بإنشاء "المؤسسة العامة" بإعتبارها الوحدة التنظيمية للقطاع العام، والإدارة المجسدة لسيطرة الدولة على وسائل الإنتاج. وقد كانت " المؤسسة الاقتصادية" هى الجسد التنظيمى الرئيسى للقطاع العام منذ 1957 حتى أواخر 1960 وأوائل 1961 حين بدأ إنشاء العديد من المؤسسات العامة الأخرى بلغ عددها 11 مؤسسة وقت صدور قرار رئيس الجمهورية رقم 486 لسنة 1961 فى 22 ابريل 1961 ، وهو القرار المنشىء "للمجلس الأعلى للمؤسسات العامة" – وكان أهمها ثلاثة مؤسسات: المؤسسة الاقتصادية، ومؤسسة مصر، ومؤسسة النصر.
وقد أخذ عدد المؤسسات النوعية يتزايد حتى بلغ فى نهاية 1961 (28) مؤسسة ، واختصت كل منها بالإشراف على مجموعة من الشركات فى قطاع محدد من قطاعات النشاط الاقتصادى. وفى الأعوام 1962، 1963، 1964، أنشئ المزيد من المؤسسات الاقتصادية. حتى صارت المؤسسة العامة كما قلنا هى الوحدة التنظيمية للقطاع العام.
2- أما البعد الخارجى فينصب على الإجراءات والأبعاد الاقتصادية الجديدة المحيطة بالقطاع العام الوليد.
وأهم هذه الإجراءات والأبعاد ما يلى:
1- تحديد الحد الأقصى للملكية الفردية الزراعية بما لا يزيد عن مائة فدان، وتؤول ملكية الأراضى التى تجاوز الحد الأقصى إلى الدولة، وذلك بموجب القانون رقم 127 لسنة 1961 الصادر فى 25 يوليو00 وقد قضى القانون رقم 128 لسنة 1961 بإعفاء الفلاحين الذين استفادوا من قوانين الإصلاح الزراعى من نصف الثمن ومن كل الفوائد ، على أن تتحمل الدولة هذا القدر، ثم تم إعفاء الفلاحين (بمقتضى القانون رقم 138 لسنة 1964 الصادر فى 24 مارس 1964) من ثلاثة أرباع أقساط الأرض.
2- تخصيص 25% من الأرباح الصافية للشركات للموظفين والعمال، على أن توزع نسبة 10% منها فى شكل أرباح نقدية، ويخصص الباقى للخدمات الاجتماعية والإسكان، وقد تم ذلك بالقانون رقم 111 لسنة 1961.
3- تحديد يوم العمل بسبع ساعات، بموجب القانون رقم 133 لسنة 1961.
4- تحديد الحد الأدنى لأجور العمال فى شركات القطاع العام (25 قرشا كأجر يومى للعامل الذى يتجاوز عمره ستة عشر عاما) وتحديد الحد الأقصى للمرتب الذى يحصل عليه الفرد مقابل عمله فى الحكومة أو فى القطاع العام بمبلغ 5000 جنيه فى السنة. وقد تم الأول بقرار رئيس الجمهورية رقم 262 لسنة 1962 فى 13 يناير 1962، وتم الثانى بالقانون رقم 111 لسنة 1961 والصادر فى 19 يوليو 1961.
5- وبموجب القانون رقم 115 لسنة 1961 فى 19 يوليو تم تعديل أسعار وفئات الضريبة على الدخل، بزيادتها بالنسبة للشرائح الكبيرة، حيث رفعت فئات الضريبة على فئات الدخل التى تبلغ 4000 جنيه فأكثر فى السنة فأصبحت تتراوح بين 25% و 90%.
6- وبموجب القانون رقم 168 لسنة 1961 (والصادر فى 5/11) تم تخفيض إيجار المساكن بنسبة 20% من قيمة الأجرة السائدة حينذاك للمبانى التى أنشئت بعد العمل بالقانون رقم 55 لسنة 1958، على أن يسرى ذلك ابتداء من شهر ديسمبر1961 (1).

الوزن النسبي للقطاعين العام والخاص
خلال السنوات الأربعة الأولى من الخطة أى من عام 60/61 حتى 63/64 بلغت قيمة الاستثمارات المنفذة عموماً نحو 1148 مليون جنيه بمتوسط سنوى قدره 287 مليون جنيه ، وتحمل القطاع العام وحده تنفيذ 91% من هذه الاستثمارات وبما قيمته 1040 مليون جنيه خلال السنوات الأربعة ، أى بمتوسط سنوى قدره 260 مليون جنيه ، بينما قام القطاع الخاص فى نفس الفترة بتنفيذ استثمارات قيمتها 108 مليون جنيه بمتوسط سنوى قدره 27 مليون جنيه .
أما بالنسبة لنصيب كل من القطاعين العام والخاص فى توليد الدخل القومى ، فيمكن الاستدلال عليه من واقع التعرف على عوائد العمل ( الأجور) ، مقارنة بإحصاءات الدخل القومي عموما.
ويتبين أن ما دفعه القطاع العام في 63/64من أجور قد زاد بحوالى 55.6 مليون جنيه عن نظيره فى 62/63 بينما لم تزد الأجور المدفوعة في القطاع الخاص عن 12.8 مليون جنيه خلال نفس الفترة – وبذلك فإن الزيادة الإجمالية فى الأجور وقدرها 68.4 مليون جنيه تعود إلى القطاع العام بنسبة 81% منها – ومن الزيادة المقدرة للأجور في عام 64/65 وقدرها 91 مليون جنيه فقد تمثل إسهام القطاع العام بنحو 73.6 مليون جنيه بنسبة 81% ، بينما لم يسهم القطاع الخاص بأكثر من 19% .
وتأسيساً على ما سبق يمكن القول أن القطاع العام من خلال نصيبه المتزايد في توليد الاجور ، ومن خلال ارتفاع نسبة الأجور الى الدخل القومى بفعل التحول الاجتماعى – كان ذا دور متزايد في توليد الدخل القومى عموماً :
- فقد زاد الدخل القومى مثلا سنة 63/64 عن 62/63 بمقدار 112.3 مليون جنيه 0
- وزادت أجور القطاع العام فى نفس الفترة بمقدار 55.6 جنيه .
- أى ان نسبة الزيادة فى اجور القطاع العام الى الزيادة في الدخل القومي قد بلغت 50%.

.. وإذا كانت المؤشرات السابقة تقودنا الى الاستنتاج بتصاعد إسهام القطاع العام في توليد الدخل القومى ، فإن هذا الاستنتاج لا يعدو أن يكون وجهاً واحداً للحقيقة .... أما الوجه الثانى فهو أن القطاع الخاص لم يفتأ يلعب دوراً كبيراً في توليد الدخل القومي أيضا : فقد كان القطاع الخاص يسيطر على الإنتاج الزراعي ، وعلى أغلب التجارة الداخلية ، وكل الخدمات الشخصية، وهو ما يدلنا عليه الجدول الآتي والذي يمثل تقديراً للنصيب النسبى لكل من الاجور وعوائد التملك في الناتج المحلى الاجمالى لقطاع الزراعة المصرية ، فى الفترة من عام 51/52 حتى 64/65.
ومن هذا يتبين لنا أن المساهمة الرئيسية للقطاع العام في الدخل القومي إنما تأتى من دوره القيادى في قطاع الصناعة ، أى أن القطاع العام الصناعي قد لعب دور " حامل" النمو في فترة الخطة الخمسية الأولى ، بينما حدد توجيه الدولة للقطاع الخاص الزراعى والتجارى والخدمى طرق وقنوات المساهمة في توليد الناتج القومى ، وهو التوجيه الذي تم بواسطة الخطة وإجراءات وقوانين التحول (الاشتراكى) والدور القيادى للقطاع العام الصناعى .
وانطلاقاً من القطاع العام الصناعى وتوجيه الدولة للقطاع الخاص ، أخذ الناتج المحلى يحقق زيادات متواصلة في الفترة محل البحث – كما زادت العمالة بمعدلات عالية ، بالإضافة إلى تغيرات هيكلية أخرى ، على نحو ما يتضح من المؤشرات الآتية : -
1- زيادة إجمالى الدخل المحلى في فترة الخطة الخمسية 60/61 -64/65 بنسبة 37.1% أى بمعدل سنوى قدره 6.5% في المتوسط ، وذلك بتنفيذ استثمارات قدرها 1513 مليون جنيه _ وتجدر الاشارة الى ان تنفيذ الاستثمارات قد أعتمد اساساً على المدخرات المحلية ، وبلغ العجز الاجمالى في تمويل الاستثمار نحو 417.4 مليون جنيه بنسبة 27.6% من اجمالى الاستثمار ، وتم تدبيره من المصادر الأجنبية .
2- زيادة العمالة بنحو 1327 ألف مشتغل أى بمتوسط سنوى يبلغ 265 ألف مشتغل مع زيادة أجر المشتغل ، حيث ارتفع متوسط الأجر من نحو 80.5 جنيه في السنة الأولى الى 112.3 جنيه في السنة الأخيرة (1) .
3- التغير في الأهمية النسبية للأجور وعوائد التملك في الخطة الخمسية الأولى: فقد زادت الأهمية النسبية لمجموع الأجور في الاقتصاد القومى من42.8% فى سنة الأساس الى 46.7% فى السنة الخامسة من الخطة ، أما الأهمية النسبية لمجموع عوائد التملك فانخفضت من 57.2% في سنة الأساس الى 53.3% في السنة الخامسة (2).
4- التوزيع القطاعى للاستثمارات: يتميز هذا التوزيع بزيادة النصيب النسبى لقطاع الصناعة والكهرباء ، والذي حظى بما نسبته 34.1% من الاستثمارات في الخطة وقدرها 516.5 مليون جنيه(3)0

المصدر : د. على الجريتلى ، خمسة وعشرون عاماً ، دراسة تحليلية للسياسات الاقتصادية فى مصر 1952-1977 ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1977 ، ص 131


















القطاع العام في فترة
1965-1971
حينما انقضت الخطة الخمسية الأولى ، كان القطاع العام قد أثبت وجوده بوصفه القوة الرئيسية المنفذة لأهداف الخطة. وابتداء من عام 1965 بدا أن الاقتصاد القومى قد توفر له الأساس التنظيمى الذى يمكنه من تحقيق معدلات نمو منتظمة 0 غير أن دراسة مؤشرات الأداء للاقتصاد القومى قد أسفرت عن صعوبة العمل على مضاعفة الدخل القومى فى عشر سنوات ، وهو الهدف الذى قررته الخطة العشرية (1959/60-1969/70) 0 واتضح ذلك بجلاء من تقرير (متابعة وتقييم النمو الاقتصادى فى الجمهورية العربية المتحدة عن السنة 1965/66)، والذى ذكر بوضوح أنه من غير الممكن تحقيق هدف مضاعفة الدخل القومى فى عشر سنوات.
ولذلك وضعت خطة سباعية جديدة تشمل الفترة من 1965/66 إلى 1971/72 – وبعد بداية التنفيذ تم العدول عن الخطة السباعية إلى خطة ثلاثية للانجاز تشمل الفترة من 67/68 إلى 69-70 .
ولكن فى عام 1967 وقع ذلك الحدث الذى أثر فى مسار التطور الاقتصادى والاجتماعى والسياسى لمصر تأثيرا أساسيا – وهو العدوان الاسرائيلى والنكسة العسكرية 0 وحينئذ تغيرت الأولويات بحيث حلت متطلبات المواجهة العسكرية محل متطلبات زيادة الانتاج – وكذلك أخذت الأوضاع الاقتصادية تتهيأ لتقليص الدور المحورى للقطاع العام وتوسيع دور القطاع الخاص ، وذلك فى مواجهة مشكلات اقتصادية أخذت تتفاقم رويدا رويدا على هيئة انخفاض مضطرد فى معدلات النمو الاقتصادي.
ونظرا لعدم قدرة الاقتصاد القومى – فى ظل الظروف الجديدة - على مواجهة هذه المشكلات بآلياته "القديمة" – آليات الخطة الملزمة والدور المركزى للدولة والقطاع العام – فقد غير النظام الجديد بعد 1971 من هذه الآليات تدريجيا واعتمد آليات أخرى جديدة تقوم على إعطاء دور حاكم لقوى السوق ولرأس المال الخاص.
وتبلور هذا فيما بعد – ومنذ عام 1957 - فيما صار يسمى "الانفتاح الاقتصادى" 0 0
ولقد كان عام 65/66 عاما انتقاليا ، احتفظ بملامح من فترة الخطة الخمسية الأولى (اضطراد ارتفاع معدلات النمو) واستحداث بعض ملامح للسنوات القادمة وهى الملامح التضخمية والانكماشية (ارتفاع الأسعار وانخفاض الدخل المحلى وانخفاض الاستثمار المحلى الاجمالى) – هذا بينما أن عامى 66/67 و 67/1968 شهدا بالفعل تحقق هذه النذر بحيث أصبح الإنكماش الاقتصادى أمرا واقعا.
ولكن بدءاً من عام 68/1969 بدأت السياسة الاقتصادية تأخذ صورة السياسة (التوسعية) بحيث أخذت المتغيرات الاقتصادية الكلية وأبرزها الناتج القومى والعمالة تشهد تحركا بطيئا نحو التحسن – ولعب القطاع العام دورا محوريا فى ذلك. إلا أن هذا التحسن لا يخفى الحقائق الرئيسية للتطور الاقتصادى المصرى فى الفترة محل البحث ، إذ برزت الضغوط والأعباء وأخذت وطأتها تشتد عاما بعد عام 0 وتمثلت أبرز الضغوط والأعباء المذكورة فى تضخم نفقات الدفاع وفقدان حقول البترول فى سيناء وإغلاق قناة السويس وهجرة نحو مليون مواطن من منطقة القناة إلى جانب إنكماش خطير فى تدفق رؤوس الأموال إلى مصر خاصة من جانب دول الغرب ، وفضلا عن ذلك فلقد تأثرت مصر بموجه التضخم العالمية (1) بالإضافة إلى الأسباب الهيكلية الداخلية الداعية الى التضخم.

وفي مواجهة هذه الأعباء والضغوط اختار صانع القرار السياسي والاقتصادي خلال المرحلة التالية لوفاة عبد الناصر وتولي السادات عام 1971، انتهاج سياسة (الانفتاح الاقتصادي) القاضية بتقليص الوزن النسبي للقطاع العام وتخلي الدولة تدريجيا عن وظيفتها التنموية اقتصاديا واجتماعيا، و إطلاق العنان لقوى السوق، دون ضوابط حقيقية، وتوسيع دور القطاع الخاص ليصبح القوة القائدة للاقتصاد. وقد أدت السياسة الجديدة، والتي استمرت بشكل عام طوال أربعين عاما، خلال عهد السادات-مبارك( 1971-2010) إلى تصفية الإرث االتنموي الذي أوجدته ثورة يوليو وقائدها عبد الناصر، والذي قام على التصنيع والعدالة الاجتماعية. وحلت محل التجربة التنموية لثورة يوليو وعبد الناصر، تجربة قائمة على التبعية للنظام الرأسمالي العالمي، و استبدال التصنيع بقطاعات مدرة للدخل السريع في بعض المجالات الخدمية، واستئثار الأقلية الاجتماعية الممثِّلة للقطاع الخاص الكبير بالشطر الأغلب من الدخل القومي، وبالتالي تركّز الثروة احتكاريا، مقابل انتشار الفقر المجتمعي واسع النطاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024