الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آثارمصر بين الاعتزاز بالتراث والدونية القومية

طلعت رضوان

2018 / 7 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



أعتقد أنّ تهريب الآثارالمصرية، النموذج الصارخ لغياب الحس القومى، بينما لوتوافرالحس القومى فإنّ فكرة سرقة تراث الجدود، ليس لها وجود عند الكثيرمن الشعوب..مثل اليونان والمكسيك والصين والهند..إلخ..ولكن فى مصرفإنّ المُـنحرفين من جامعى الأموال، يعتبرون سرقة التمثال مثل سرقة ماسورة الصرف الصحى..ولايكاد يمريوم أوأسبوع إلاوتنشرالصحف (بعض) نماذج السرقات..ومن بينها خبربيع الآثارالمصرية فى باريس..وأنه منذ سنوت طويلة خرجتْ كميات كبيرة من القطع الأثرية من مصرإلى الخارج..وبدأتْ تظهرفى العديد من معارض ومتاحف العالم (أهرام15يوليو2018) والخبرطويل وبه الكثيرمن التفاصيل المهمة عن سرقة آثارمصر.
تمتلك مصرأكثرمن 75% من آثارالعالم..وهذه الثروة التى تركها جدودنا..تــُـعتبرأحد أهم عوامل جذب السياحة..ورغم ذلك تتدنى أرقام السياح الذين يزورون مصرمقارنة بدول أخرى مثل تركيا وإسبانيا إلخ..والآثارالمصرية كانتْ تـُحتــّم وجود علماء فى التنقيب عن الآثار..ولكن للأسف لازال هذا التخصص بعيدًا عن المنهج العلمى من ناحية..مع نـُـدرة العلماء المصريين فى هذا المجال. لقد كان للعلماء الأوروبيين الفضل فى اكتشاف الآثارالمصرية (وكان للعالم أوجست مارييت دورًا مهمًا فى إنشاء المتحف المصرى عام 1858فى بولاق وكان مديرًا للآثارالمصرية..وقام بترميم المعابد وحصركل الآثاروالتحف التى يمكن أنْ تتعرض للنهب ونقلها إلى القاهرة) وإذا كان الأمرمفهومًا فى حِقبْ الاستعمار، فكان يجب بعد وصول حكـّام وطنيين (أى ليسوا أجانب مُحتلين) أنْ ينال علم التنقيب عن الآثارما يستحقه من رعاية، التى كانتْ ستـُحقق لمصرنا ثلاثة أهداف: الأول توفيرالمناخ العلمى بحيث يأخذ هذا العلم صفة الاستمرار، وبالتالى عدم الاعتماد على علماء التنقيب الأجانب. الثانى توفيرالمبالغ التى يحصل عليها علماء التنقيب الأجانب..وعدم حصولهم على نسبة من الآثارالمُكتشفة وفقـًا للقانون المعمول به فى هذا الشأن. الثالث وفقـًا لقانون التراكم الكمى الذى يؤدى إلى تغيركيفى (فى ظل منظومة وطنية جادة) فإنّ علماء التنقيب المصريين سيكتسبون الخبرة التى ترفع من شأنهم عالميًا..وبذا يكون الطلب عليهم من كافة الدول التى تبحث عن آثارها، أى سيكون هؤلاء المصريون خبراء عالميين فى علم التنقيب وهوأمرسيرفع من شأن مصر، ناهيك عن العائد المادى الذى سيعود نتيجة التعاقدات العالمية.
وسرقة الآثارالمصرية تفضحها الصحافة العالمية..وأنّ التهريب يتم بمعرفة بعض كبارالمسئولين المصريين..ومن أشهرالأمثلة على ذلك ماورد فى شهادة (مارك بيرى) المتورط فى قضية تهريب الآثارالكبرى من مصرإلى لندن..حيث قال فى التحقيق معه أنّ ((ضابطــًـا فى البوليس المصرى برتبة لواء..كان يتابع عملية تهريبه للآثارالمصرية من مطارالقاهرة)) (أهرام7فبراير1997) والجديربالملاحظة أنّ الكشف عن هذه العملية تمّـتْ بمحض المصادفة، حيث أنّ مواطنــًـا بريطانيـًـا شاهد فى أحد المعارض بعض الآثارالمصرية..وبخبرته عرف أنها (أصلية) وتذكرأنه رآها فى المتحف المصرى..فبادربإبلاغ الشرطة الإنجليزية التى تولتْ التحقيق.
وإذا كان كثيرون يـُـردّدون مقولة: إنّ الفساد موجودٌ فى معظم دول العالم..فإنّ أنواعه تختلف من بلد لآخر..وهذا الاختلاف يحكمه عاملان: الأول وجود آلية الديمقراطية أوغيابها..فالدول الديمقراطية لاتعترف بقداسة الشحصيات العامة..والدليل أنّ الشرطة الإسرائيلية استدعتْ رئيس الوزراء نيتانياهوفى عام2018 لأنه تلقى رشوة من البعض..وهذه ليست المرة الأولى حيث سبق التحقيق معه أكثرمن مرة (أهرام18، 19قبراير97) وكذلك زوجته لأنها تناولت الطعام فى أحد المطاعم..ولم تدفع الحساب..وفى سابقة أخرى خضعتْ للتحقيق داخل مكتب مكافحة الفساد للإشتباه بإنفاقها أموالاعامة، لدفع مصاريف منزلية..وهوالخبرالذى أكــّـدته الإذاعة الإسرائيلية.
العامل الثانى: هوالحس القومى..وهومسئولية الشعوب والحكام..فالشعب الذى يـُـدرك القيمة الحضارية لتاريخه وتراثه، يضع عرفــًـا لحدود الفساد..فلواء الشرطة (المصرى) الذى شارك فى تهريب الأثارالمصرية، تربى تحت سنابك ثقافة سائدة روّجتْ لمقولة أنّ الحضارة المصرية (وثنية) وبالتالى يجب تدميرآثارها..وإذا كان التدميرواجبـًـا دينيـًـا..فلابأس من سرقتها..وسرقة الوثنيات حلال وفقــًـا للفقه الإسلامى لأنها من ((بدع الكفار))
وتحت سنابك هذه الثقافة فإنّ صحفيـًـا أهراميـًـا (كبيرًا) صاحب مربع يومى (أوقفص وفق تعبيرالناقد محمد مندور) اقترح ((تحطيم الأحجارالتى تسقط من الهرم الأكبرإلى قطع صغيرة، توضع فى سلسلة مفاتيح وبيع الواحدة بعشرة دولارات للسياح (أهرام8يونيو1991) فلوأنّ هذا الصحفى يـُـحرّكه حس بقوميته المصرية، لطالب بإعادة الأحجارالمتساقطة..وليس اقتراح الهدم من أجل حفنة دولارات..ومع غياب الحس القومى فإنّ هذه الدعوة المُـدمرة لم يتصد لها إلاّ بعض المصريين فى بريد الأهرام..وتجاهلها المثقفون باستثناء الرحل الجليل بيومى قنديل الذى كتب ((إنّ الأستاذ الفاضل قارن بين هذه الفكرة التى طرحها تحت عنوان: أفكاروبيع إسرائيل لهواء القدس فى علب صغيرة خالية لكنها "مباركة" فإسرائيل لم تفكرلحظة فى بيع قطعة واحدة من آثارها أوتراثها، سواء سقطتْ تحت وطأة الزمن أوالجورأوالاهمال، بل تبيع ثروة متجددة بإستمرار..لكن الأستاذ الفاضل يدعوإلى بيع حجرأوإثنين من الأحجارالمتساقطة، أى بيع ثروة غيرمتجددة..وحتى لوكان العزم مبيتــًـا على مساعدة الزمن..كى يتدخل بإسقاط آخرفآخركلما سال اللعاب للأخضرالساحق..وهذا أمرمرجـّـح فى ضوء عبادة المال وشعار"كل شىء للبيع" والسؤال الوحيد هوبكم؟ وفى هذه الحالة نتمكن من هدم الهرم الأكبرالذى يعتبرالأعجوبة الأولى من عجائب الدنيا..ووقف نابليون أمامه وقال: إنّ أمة تستطيع أن تبنى لنفسها قلبــًـا من حجرعلى هذا النحولجديرة أنْ تعيش إلى الأبد" واختتم قنديل مقاله قائلا ((إننى لا أدرى ما إذا كنتُ أتقدم بالشكرلأولئك الأجانب الذين سيتبركون بمثل تلك الميدالية الحجرية، لأنها جزء من الهرم الأكبر، أم أعتب على الذين يمكن أن تطرأ على أذهانهم مثل هذه الأفكارالهدامة)) (صحيفة الأخبار12يونيو91)
أعتقد أنّ القضاء على ظاهرة سرقة الآثارالمصرية، لن يتم إلاّبعد تعميق وترسيخ الاعتزازبمجمل الحضارة المصرية..وهذا الدورهومهمة التعليم والإعلام ومجمل الثقافة السائدة.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ثقافة وردع
ابو محمد ( 2018 / 7 / 23 - 13:49 )
الموضوع ثقافي وعلى الحكومة واهل الاختصاص التوضيح للمصريين بان الاثار ليست تخليدا لاشخاص جيدين او بفاشية فرعون وانما هي مراة لقدرات المصريين على انجاز الصعب والمثابرة مما يرسخ الثقة بالاجيال بانها قادرة على مجاراة باقي الامم
والدين ان ادان وجرم قادة واباطرة فلسلوكهم المشين وانما الاثر الحضاري هو عرق وجهد شعبي له احترامه وتقديرة ومفخرة للاجيال الحالية بان اجدادهم جربوا ونجحوا وليكونوا قدوة لهم
حينها سيخجل حتى اللصوص من سرقة الاثار ويحسوا انها خيانة عظمى للامة
والاحساس هذا يجب ان يبدا من راس الهرم مع عقوبات تكون اشد من الاتجار بالمخدرات
هكذا اجتازت الشعوب مثل هذه المشاكل بالتثقيف والتوهية فالعقوبات القصوى

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س