الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اميركا تغضب اصدقاءها ولا ترضي اعداءها

جورج حداد

2018 / 7 / 23
العولمة وتطورات العالم المعاصر


إعداد: جورج حداد*

في مطلع عام 1991 شنت اميركا ضد العراق الحرب المعنونة "عاصفة الصحراء" او "حرب تحرير الكويت" ووقف الاتحاد السوفياتي (حينذاك) يتفرج... وعلى الاثر انهار الاتحاد السوفياتي.
وفي اواخر عام 1999 شن حلف الناتو بزعامة اميركا الحرب الظالمة ضد صربيا وتم "تحرير كوسوفو" وتحويلها الى جمهورية مافياوية بنيت فيها اكبر قاعدة عسكرية اميركية في البلقان. ووقفت روسيا (وريثة الاتحاد السوفياتي) تتفرج ايضا حينذاك...
وبين هذين التاريخين و"الانتصارين العظيمين!" للمعسكر الغربي، طرح جورح بوش الاب شعار "النظام العالمي الجديد" بزعامة اميركا. وطرح الكانيبال البولوني الكاثوليكي الحاقد على روسيا زبيغنيو بريجينسكي شعار "ان النظام العالمي الجديد يجب ان يبنى ضد روسيا وعلى حسابها".
وبالفعل كانت مرحلة التسعينات من القرن الماضي "الحقبة الذهبية" للآحادية القطبية الاميركية ووحدة الكتلة الغربية ضد روسيا. وقد تكاتفت غربان الرأسمال الاحتكاري العالمي، بقيادة الرأسمال اليهودي، لنهش روسيا ونهبها وتمزيقها واذلالها.
ولكن هذا النهج كان باهظ الثمن لاميركا بالاخص، وللكتلة الغربية ووحدتها بصورة عامة.
فأولا ـ استنفر هذا النهج النزعة القومية والارثوذكسية المتأصلة في روسيا، فتمت ازاحة العميل يلتسين عن السلطة، ومن ثم تم نفض الغبار عن الصواريخ النووية وكافة الاسلحة الروسية "السوفياتية" القديمة واعادة توجيهها ضد اميركا وبلدان الناتو، كما تم الشروع في تجديد وتحديث الجيش الروسي واسلحته، مما وضع اميركا والكتلة الغربية امام التحدي الوجودي الحقيقي الذي لا قدرة لها على مواجهته كلها مجتمعة.
وثانيا ـ توجب على اميركا ان تدفع عدا ونقدا ثمن زعامتها الدولية وآحاديتها القطبية. وخاصة في الجانب العسكري. حيث ان الجيوش والاساطيل البحرية والجوية الاميركية انتشرت في كافة البحار والقارات. كما اصبحت غالبية ميزانية حلف الناتو تقع على عاتق اميركا. ونتيجة لذلك تفاقم بسرعة كبيرة العجز الضخم في ميزان المدفوعات الخارجي وميزان التجارة الخارجية لاميركا. وهذه هي الخلفية الاساسية التي انفجرت فوقها الازمة المالية ـ الاقتصادية في اميركا سنة 2008 وانتقلت الى كافة ارجاء العالم ولا تزال تجرجر ذيولها الى الان.
واذا كان عهد جورج بوش الاب قد دشن مرحلة الآحادية القطبية لاميركا، فإن عهد دونالد ترامب يجسد مرحلة نزول اميركا عن الشجرة والعودة الى "حجمها الطبيعي" بوصفها قطبا واحدا وحسب، وان كان قطبا رئيسيا، من ضمن اقطاب عدة على الساحة الدولية.
ولكن التحول من القطب الأوحد الى قطب واحد ليس ايضا بدون ثمن بالنسبة لاميركا.
ومن مظاهر هذا الثمن ان اميركا مضطرة الان، من جهة، لتقديم التنازلات امام خصومها او اعدائها التقليديين، ومن جهة ثانية، لمضايقة وإغضاب اصدقائها التقليديين.
ففي الاجتماع الاخير لقمة حلف الناتو في بروكسل قبل حوالى الشهر طالب دونالد ترامب جميع اعضاء الناتو برفع ميزانياتهم الحربية الى نسبة 4% من الناتج المحلي القائم، بحجة ان اميركا غير مستعدة للاستمرار بتحمل العبء الاكبر من ميزانية الناتو ومن ثم تحمل اعباء امن الحلفاء والاصدقاء على حساب الميزانية الاميركية والاقتصاد الاميركي.
وفي السياق ذاته لمح ترامب الى احتمال وقف او الغاء المناورات العسكرية الاميركية في بحر البلطيق، للوقوف بوجه "التهديد الروسي" المزعوم لجمهوريات البلطيق السوفياتية السابقة، ومن ثم لشمالي اوروبا.
وقد فرض ترامب الضرائب الجمركية على استيراد الصلب والالومنيوم من كندا واوروبا، وطالب الدول الاوروبية بتعديل ميزانها التجاري مع اميركا. وجوابا على سؤال من قبل قناة CBS News "من هو العدو الاكبر (لاميركا) على النطاق العالمي" اجاب ترامب "لدينا الكثير من الاعداء. واعتقد ان الاتحاد الاوروبي هو عدو نظرا لما يفعله معنا على الصعيد التجاري. ربما لا يخطر ببالكم ذلك، ولكن الاتحاد الاوروبي هو عدو".
وفي الوقت ذاته قال ترامب ان روسيا ليست عدوا بل هي منافس.
وبعد خروج اميركا من الاتفاق النووي مع ايران والاعلان عن استمرار فرض العقوبات الاقتصادية ضدها، اصدرت اميركا قرارت اضافية لفرض العقوبات على الشركات الاجنبية التي "تخرق" العقوبات ضد ايران، وهذا هو بيت القصيد في العقوبات ضد ايران، اي ان المقصود الاول هو الدول والشركات الاوروبية التي تواصل العمل في السوق الايرانية وخاصة في استيراد النفط من ايران.
وبعد اجتماع دونالد ترامب مع الزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ اون اعلنت اميركا وقف المناورات العسكرية المشتركة في شبه الجزيرة الكورية وبحر الصين الجنوبي من اجل ابتزاز كوريا الجنوبية واليابان والزامهما بدفع نفقات الوجود العسكري الاميركي في الاقليم.
هذا وقد فرضت اميركا الضرائب الجمركية والرسوم الاستثنائية على مروحة واسعة من السلع الصينية الواردة الى الولايات المتحدة الاميركية بقيمة تزيد عن 500 مليار دولار. مما دفع الصين لاتخاذ اجراءات مضادة. ولكن في الوقت نفسه فإن اميركا طلبت من الصين اجراء مفاوضات تجارية واقتصادية سرية، اولا، من اجل التوصل الى تسويات، وثانيا، من اجل قطع الطريق امام استفادة اوروبا من ازمة العلاقات التجارية بين اميركا والصين. علما ان الاتحاد الاوروبي سارع فورا لاستغلال هذا الوضع وارسل ممثليه الى بكين للبحث الشامل في العلاقات التجارية والاقتصادية بين دول الاتحاد والصين.
يبقى الجانب الاهم في العلاقات الجيوستراتيجية الدولية المتعلق بالعلاقات الاميركية ـ الروسية: فبعد لقاء هلسنكي بين الرئيسين بوتين وترامب، اعلن الجانب الاميركي عن استمرار فرض العقوبات على روسيا. وهو طبعا مما لا يرضي روسيا ويدفعها الى الاستمرار في انتهاج سياسة مستقلة خارج اي تفاهم مسبق مع اميركا، ووضع اميركا امام الامر الواقع في اي خطوة تتخذها روسيا بالتعاون مع اصدقائها وحلفائها. ولكن قمة هلسنكي اسفرت عن نتيجة رئيسية هي: الاتفاق على عدم تصعيد اي خلاف الى درجة الصدام. ومتابعة التشاور للوصول الى تسويات، على مختلف المستويات، بما في ذلك على مستوى القمة. وفي هذا الصدد قبل ترامب الدعوة لزيارة موسكو، كما قبل بوتين الدعوة لزيارة واشنطن.
واخيرا لا بد من الاشارة ان مخاض انتقال اميركا من دور القطب العالمي الاوحد الى دور القطب الواحد من ضمن عالم متعدد الاقطاب، هذا المخاض يلقى صعوبة داخل اميركا بالذات، الى درجة ان الاوساط الاميركية المتشنجة توجه الى دونالد ترامب اتهاما عبثيا هو انه عميل لروسيا وتابع لفلاديمير بوتين شخصيا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا، أي تداعيات لها؟| المسائية


.. الاتحاد الأوروبي يقرر فرض عقوبات جديدة على إيران




.. لماذا أجلت إسرائيل ردها على الهجوم الإيراني؟ • فرانس 24


.. مواطن يهاجم رئيسة المفوضية الأوروبية: دماء أطفال غزة على يدك




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا الحربية أغارت على بنى تحتية ومبان