الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصطفى النحاس هو صانع الثوره وليس جمال عبد الناصر

جمال عبد العظيم

2018 / 7 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان




كان قيام الثورة المصريه فى 1952 ثمرة لتضافرجهود اربعة هيئات كانت تعمل سرا وعلانية من اجل تحرير الوطن من نير الاستعمار البريطانى . وعلى راس هذه الهيئات الاربعه كان حزب الوفد يليه الشعب من خلال تنظيماته سواء العلنيه او السريه.وثالثا كان هناك الجيش الذى وجد الفرصه سانحه والساحه قد خلت له باقصاء الوفد فتحرك لانجاز الخطوات الاخيره للثورة. واخيرا كان القصر ممثلا فى الملك فاروق حيث ساهم فى صناعة الثوره بعدم الممانعه .ويعتبر الطرف الاهم والرئيسى فى صناعة ثورة يوليو هو حزب الوفد بزعامة مصطفى النحاس باشا حيث سعى لاستغلال الحرب العالميه الثانيه والاتفاق مع بريطانيا على ان يتعاون معها ضد الالمان (على عكس اتجاه القصر) مقابل ان تجلو بريطانيا عن مصر بعد انتهاء الحرب وقدم مذكره بذلك للسفير البريطانى فى 5ابريل 1940 ومن قبلها كانت معاهدة 1936تسعى الى نفس الهدف . وانتهت الحرب ولم تنفذ بريطانيا وعودها بل التزاماتها. وفى يوم 18 اكتوبر 1951ومن على منصة مجلس النواب القى النحاس بيانه التاريخى الذى قال فيه : " من اجل مصر وقعت معاهدة 1936 ومن اجل مصر اطالبكم اليوم بالغائها " . وهو ما يعنى ان الوجود العسكرى البريطانى فى مصر لم يعد شرعيا وبالتالى خروج الثوره عليه . دخلت بريطانيا فى حالة طوارىء فالغت اجازات جيش الاحتلال وفى الخرطوم طافت الدبابات الشوارع لارهاب السودانيين الذين استقبلوها بالهتاف " يسقط الاحتلال ". وتفجرت بهذا الثوره الثانيه التى يشعلها ويقودها حزب الوفد بعد ثورة 1919 حيث استقبل الشعب المصرى قرار الغاء معاهدة 1936بفرحه عارمه وحماس بالغ واعلن تجاوبه مع الحكومه التى مضت فى ادارة الثورة بعدة اجراءات منها : الغاء جميع الاعفاءات الماليه التى كانت ممنوحه للسلطه العسكريه البريطانيه وتشمل الرسوم الجمركيه على المهمات و الاسلحه والعتاد والمواد التموينيه وما الى ذلك وامتنعت الحكومه عامة عن اداء التسهيلات والخدمات التى كانت تؤديها للسلطه العسكريه البريطانيه ومنها مواد التموين ومنعت مغادرة ضباط وافراد الجيش البريطانى لمنطقة قناة السويس . ومنعت دخول رعايا بريطانيا المدنيين متى كانوا قد عملوا فى خدمة القوات البريطانيه فى اى بلد وانهت تصاريح الاقامه للبريطانيين الذين كانت اقامتهم فى البلاد لسبب الخدمه فى القوات البريطانيه . كما منعت الحكومه تعاون سكك حديد مصر مع سلطات الاحتلال ومنعت المتعهدين من توريد اللحوم والخضراوات والمستلزمات الاخرى اللازمه لاعاشة 80الف جندى وضابط بريطانى. واتخذت الحكومه قرارات فى شان معاقبة المتعاونين مع الاحتلال واباحت للشعب حمل السلاح للدفاع عن
نفسه وعلى المستوى الشعبى قادت حكومة الوفد حركة مقاومه شعبيه فى منطقة قناة السويس فكان اضراب العمال المصريين فى المعسكرات البريطانيه . وبلغ المد الثورى مداه ليتحول الى كفاح مسلح ببدء العمليات الفدائيه ضد الجيش الانجليزى وتساقط القتلى فى الجانبين وعجزت قوات البوليس عن مواجهة القوات البريطانيه وتساءل الناس بحق : اين الجيش المصرى ؟
وتطوع كثير من الشباب لقتال القوات البريطانيه وتشكلت منهم كتائب عرفت باسم " كتائب التحرير" تمركزت فى القاهره وفى القرى والمدن الواقعه فى منطقة القنال او القريبه منها .
ويقول الصاغ/ خالد محيى الدين عضو مجلس قيادة الثوره ان شعور الجيش بالحرج تصاعد مع تصاعد الاحداث وقررنا ان يتوجه عدد من الضباط بشكل جماعى الى رئاسة الاركان بكوبرى القبه مطالبين بالسماح لهم بالسفرلمنطقة القناة للوقوف مع الشعب فى مواجهة قوات الاحتلال وقوبل طلبهم بالرفض وفى النهايه قررنا تسريب كميات كبيره من الذخيره الى المجاهدين . ومع استمرار العمليات بدأ سلاح الفرسان يرسل سرا ضباطا لقيادة الفدائيين فى الهجوم على معسكرات الانجليز. ومن هذه العمليات كانت مهاجمة معسكر التل الكبير ونسف السكه الحديد امام بوابة المعسكر فانقلب قطار محمل بالمؤن والمعدات الحربيه .
واشترك سرا ايضا ضباطا منتمين للاخوان وحدتو (اختصار الحركه الديمقراطيه للتحرر الوطنى ) ومن تنظيم الضباط الاحرار. كما ساهمت جميع الاحزاب المصريه فى صنع الثوره على الانجليز
وانضم اليهم الحركات السريه كالاخوان والشيوعيين وطلبة الجامعه وقد اغتالوا الكثير من العسكريين الانجليز وجن جنونهم فقرروا نسف قرية "كفر عبده" القريبه من السويس بحجة انها تاوى فدائيين وحركت الحكومه قوات البوليس والفدائيين للدفاع عن القريه وبعد معركه غير متكافئه ازالها الانجليز من الوجود
ثم التقى الطرفان فى معركة "زيتية شل"3ديسمبر1951 وكانت الغلبه للمقاومه الشعبيه المدعومه بقوات البوليس حتى انهم قتلوا قائد العمليه . وانتقم الانجليز بمذبحة 25 ينايرضد قوات الشرطه واستشهد فيها نحو 80 من افراد الشرطه وسرعان ما انتشرت انباء هذه المذبحه وقدمت وزارة الخارجيه المصريه مذكره للجمعيه العامه للامم المتحده بوقائع هذه المذبحه كما سحبت
الحكومه سفيرمصر فى بريطانيا .
وفى صباح يوم 26 يناير ساد البلاد موجه من الغضب واحتشدت قوات بلوك النظام الموجوده فى منطقة القاهره لاظهار سخطهم على ما حدث لزملائهم فى الاسماعيليه وتحركت هذه القوات متجهه الى جامعة الملك فؤاد واخرجوا الطلبه وساروا فى مظاهره غريبه ضمت الطلبه الى جانب بلوكات النظام حتى وصلوا الى مبنى مجلس الوزراء وهتفوا مطالبين بالسلاح وخرج اليهم عبد الفتاح حسن يعلمهم بان الحكومه قررت قطع اى صله مع بريطانيا والتحالف مع الاتحاد السوفييتى ثم توجهت المظاهره الى قصر عابدين وانضم اليهم اعدادا غفيره من الجماهير واصبح المشهد مخيفا وعلى وشك ان ينفلت . وبينما كانت المظاهره المسلحه تتجه نحو ميدان الاوبرا ظهرت سياره نقل مفتوحه بها عدة رجال فى الثلاثينات من العمر خرجوا من سيارتهم حاملين صفائح البنزين وافرغوه فى كازينو بديعه بميدان العتبه واشعلوا فيه النار ثم انتقلوا الى الجانب الاخر حيث فندق شبرد واشعلوا فيه النيران . بعد ذلك انفضت المظاهره وسادت الفوضى وانضم الغوغاء الى المسيره وصاروا يحطمون واجهات المحلات ويسرقون ما بها . وانتشرت الحرائق بسرعه فطالت احياء الفجاله والظاهر والقلعه وميدان محطة مصر وميدان التحرير حتى وصلت الى شارع الهرم فى دقائق .ووصل الامر الى حد استخدام مضخات لرش البنزين على المبانى بل وقطع خراطيم المياه المستخدمه فى الاطفاء.
وقبيل غروب ذلك اليوم نزلت قوات الجيش الى الشارع . وفى مساء نفس اليوم تقدم النحاس باستقالة حكومته الا ان الملك رفضها وتم تعيين النحاس باشا حاكما عسكريا فاعلن الاحكام العرفيه وحظر التجول فى القاهره والجيزه واوقف الدراسه فى المدارس والجامعات الى اجل غير مسمى .وعاد الهدوء الى العاصمه واختفت عصابات السلب والنهب . وفى يوم 29 يناير كان خطاب الملك فاروق الذى اعرب فيه عن اسفه لما اصاب العاصمه وحمل المسئوليه كاملة لحكومة مصطفى النحاس باشا واعفاها من المسئوليه .
احترقت القاهره واقيلت حكومة النحاس بينما بقيت الاحكام العرفيه التى اعلنتها.
وفيما اختفت حكومة الوفد فقد بدأ تنظيم الضباط الاحرار يتعامل مع المشهد وكانوا من قبل قد قرروا انجاز ثورتهم فى 1955 الا ان الاحداث التى صنعها حزب الوفد قد اغرتهم بالتحرك لقطف ثمرتها والسيطره على مجريات الاحداث للفوز بالبلاد فى النهايه فاجتمعت اللجنه التأسيسيه للضباط الاحرار فى مساء يوم الحريق واتفقوا على ان الزمام قد يفلت فى اى لحظه وان عليهم التحرك بسرعه خاصة ان الملك كان قد عرف بامرهم وبتنظيماتهم داخل الجيش وذلك بعد ان تحدوه فى انتخابات نادى الضباط التى جرت يوم 31 ديسمبر 1951. وبسبب عدم اكتمال التنظيم وخلاياه فى كل الاسلحه وعدم جاهزيته فقد تقرر عدم التحرك رغم توافر الظرف الموضوعى
وبدأ التنظيم يعمل بسرعه لاستكمال بنيته التنظيميه فبدأت المنشورات السريه منذ اجتماع اللجنه التاسيسيه يوم الحريق
وراحت تتوالى حتى اصبح واضحا لجميع ضباط الجيش وجودا فعليا للضباط الاحرار فانضمت اليهم اعدادا كبيره من الضباط بحيث اصبح التنظيم قويا وقادرا . وطبعا وصلت انباء التنظيم وتحركاته الظاهره الى القوى الداخليه والخارجيه.وعن طريق الاخوان المسلمين ابلغ الانجليز الضباط الاحرار انهم غير راغبين فى وجود الملك فاروق وانهم يريدون التخلص منه لانه لا يضمن مصالحهم وانهم طلبوا فعلا من الاخوان اغتياله. والرساله المبطنه انهم يرحبون بحكم الجيش على انقاض النظام الملكى . وبهذا تكون بريطانيا قد وجهت احداث الثوره الى القصر لتستهدف الملك والنظام الملكى بدلا من الاحتلال البريطانى . ومن ناحيه اخرى اتصل الملحق العسكرى الامريكى ب على صبرى مدير مخابرات الطيران واعلمه بانه فى حالة تحرك الجيش المصرى لاحداث تغيير فان الامريكان سيطلبون من الانجليز عدم التدخل اذا كانت هذه الحركه غير شيوعيه ولا تهدد مصالحهم . وحدد الضباط الاحرار موعد تحركهم بشهر نوفمبر 1952.
فى ذلك الوقت عز على حزب الوفد ان يصنع هو الثورة ليجنى ثمرتها حفنه من الضباط فحاول تحريك بعض اذرعته فى الجيش وقام الضابط حسن علام بتوزيع منشورات لحساب الوفد وقبض عليه كما حددت الحكومه اقامة فؤاد سراج الدين وزير الداخليه وعبد الفتاح حسن وزير الشئون الاجتماعيه بحكومة
الوفد المقاله وعلى الجانب الاخر تشكلت حكومة على باشا ماهر وطلب منها التنكيل بالشعب لاحباط ثورته ورفضت الحكومه فسقطت وجاءت وزارة نجيب الهلالى باشا وسرعان ما سقطت وراحت الحكومات تتشكل ثم تسقط بعد ايام لدرجة ان تغيرت 5 وزارات فى 6 اشهر وهو ما يعنى ان عجلة الحكم قد توقفت عن الدوران . لتبدأ على استحياء
حركة الضباط الاحرار. فجر يوم 23 يوليو 1952.
تلك كانت احداث الثوره الشعبيه التى اشعلها مصطفى النحاس باشا وحولها الى الكفاح المسلح وادار احداثها باقتدار على مدى 100 يوم الى ان افلت الزمام على اثر مذبحة 25 يناير 1952وتطور الامر بسرعه لتفقد الحكومه السيطره ثم تغادر المشهد وتتوقف الثوره لغياب القائد . ويتهيأ تنظيم الضباط الاحرار لملء الفراغ ويوجه الضربه الاخيره للنظام الملكى والاحتلال البريطانى معا
ويتولى الجيش ادارة الحكم فى البلاد بدلا من حزب سياسى قدير ومحترف فى حجم حزب الوفد . لتبدأ مصر فتره عصيبه من تاريخها ويعيش اهلها كالعبيد تحت حكم سلطه عسكريه جثمت فوق انفاس البلاد والعباد حتى هذه اللحظات وهذا هو موضوع مقالنا القادم
" ما افلح قوم ولوا امورهم للعسكر "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن