الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يومي الاول بالمدرسة الابتدائية : (1)

محمّد نجيب قاسمي

2018 / 7 / 25
سيرة ذاتية


يومي الاول بالمدرسة الابتدائية : (1)

كان ذلك يوم الفاتح من اكتوبر 1970 ... أيقظتني امي من النوم باكرا بعد ان اعدت فطور الصباح لي ولوالدي ..كسرة تنقع بزيت الزيتون يتم تناولها في الحين واخرى احملها معي لوجبة الغداء اثناء الرجوع من المدرسة ..كان من المقرر ان تلاميذ الاولى ابتدائي يدرسون حصة واحدة تدوم حتى الساعة الحادية عشرة ..اركبني ابي بغلا كان يعتبر امتلاكه والكريطة وقتها من علامات الثراء !.
وقطع بي مسافة ستة كيلومترات تزيد او تنقص بين حقول الزياتين الممتدة على طول البصر والاودية لعل اشهرها واد الواعر العميق الذي يصل جبل الروانة بسلسلة جبال عرباط جنوبا بوادي اللبن شمالا ..
كانت حولنا كوكبة من التلاميذ من الاقارب تكبر كلما تقدمنا في المسير ...معظمهم من التلاميذ القدامى ...لباس واحد اهم مايميزه الميدعة الزرقاء ..مازلت الى يوم الناس هذا احتفظ بقطعة من "تابليتي" الزرقاء !!..ومحفظة موحدة كنا نسميها "مخلة " وقد قدت من قماش الحشايا ذي الخطوط المتوازية بيضاء وسوداء...كنا نحملها على الكتف ..بداخلها جميعا الاكلة نفسها.. كسيرة مستديرة للغداء.. والادوات نفسها تقريبا...كتاب قراءة ولوحة وقطع طباشير وكراسات معدودة ضئيلة الحجم للخط والتصوير والمحفوظات وغيرها من المواد القليلة وممحاة وريشة عربي وريشةسوري للكتابة واقراص واعواد لمن استطاع اليها سبيلا او دونها شجيرات السبط منها يقطع اعواده لتعلم الحساب ..
قبل ايام معدودة من غرة اكتوبر وبالذات يوم الاربعاء موعد السوق الاسبوعي كان الطفل نجيب ينتظر عودة والده بكل شغف ..لم يكن ينتظر كدأبه سابقا عودته بالحلوى والخبز وانما ينتظر ادواته التي بها سيدخل المدرسة وعالم المعرفة اللامحدود ...حالما لمح عربة الكريطة من بعيد جرى اليها مسرعا ولم يتوقف عن السؤال "آش شريتلي؟ ....شنو هذا ؟ وهذا شيعملوا بيه ؟"...لا يزيد الامر عنده عن شراءات جديدة ....ومازالت تحضر في الذهن تلك الفرحة الطفولية ومازالت تتردد في ذاكرة الشم روائح الكراسات والطباشير والكتاب كأروع ما تكون اثمن عطورات الكون اطلاقا...
قبل الوصول الى المدرسة بقليل طلبت من ابي ان ينزلني عن البغل لأسير على قدماي مثل اترابي فكان لي ذلك ..بدانا نقترب من المدرسة وبدأنا نرى جموع التلاميذ يتوجهون اليها من كل الجهات زرافات ووحدانا .. ولم يتبق امامنا سوى قطع واد بن جبارة ..لم يكن عميقا ولكنه كان مترامي الاطراف عرضا ومليئا بالحجارة ..انه يحكي قصة السيول الضخمة التي تنحدر من الجبل ...سيول على مر العصور ...من العصر الطباشيري وربما قبله الى ذاك الحين واخرها سيول فيضانات 1969 التي تحتاج الى نص مفرد يذكرها ويذكر حالنا وقتها ...
خرجنا من الواد المليء حجارة نصعد ضفته التي يكثر بها الصبار / الظلف وماتزال به حبات التين الشوكي حمراء تغري بقطفها فتراءت لنا المدرسة ...المدرسة الابتدائية اولاد المبارك ..المدرسة التي بناها الاهالي الاميون البدو الذين يعيشون تحت وطأة المحتل الفرنسي ..المدرسة التي تم فيها تسليم المقاومين ومنهم الوالد وجمع كبير من الاهالي للسلاح سنة 1954 ..
سورها من اشجار السرول ...مبانيها ناصعة البياض ..النوافذ والابواب زرقاء .. الساحة فسيحة نظيفة ...شعرت برهبة ....لاشك اني لم اكن اعي معنى لتلك الرهبة ولكنها لحظة استطيع الآن مقابلتها بلحظة اخرى هي لحظة رهبة عظيمة ولكني أعيها جيدا ...
ذات يوم من سنة 2004 عزمت على لقاء مدرستي مجددا بعد ان فارقتها وانا طفل الثانيةعشرة من العمر ويستعد لاجراء امتحان السيزيام بمعهد المكناسي في جوان 1976.
ومن اللطيف اني انطلقت من معهد المكناسي بالذات حيث انتقلت اليه مديرا ورافقت اسرتي متجها الى المدرسة بعد غياب 28 سنة ...وصلت المدرسة فاجتمعت في داخلي الرهبة والرغبة والدهشة ومشاعر متداخلة متضاربة فلم انجح في اتيان اي فعل ارادي سوى ايقاف السيارة ....دموع وبكاء وعجز عن الكلام بل حتى الاشارة بيدي لاتواصل مع من حولي عجزت عنها ...من طفل يلهو بتلك الساحة الى كهل تجاوز سن النبوة مرفوقا بأسرة ....ومما زاد اللحظة دراماتيكية ان المدرسة مهجورة منذ سنين ..فلا تلاميذ ولا مربون ..لا عمك عبد الله الغريب ولا بلقاسم ...تم اقتلاع النوافذ والابواب ...تصدعت الجدران ..وكانت نصف ساعة قاسية مرت بصعوبة بالغة وبجهد خائر في الحديث عن ذكريات تلاشت وتلاشى اهلها الا قليلا ...
وطئت قدماي ساحة المدرسة كاني أطأ القمر وشعرت بقداسة المكان ومما زاده جلالا وبهاء حضور السادة المعلمين ..بدا لي معلمي الاول سي عبد الفتاح الفيتوري وهو من منطقة جبنيانة عندما كان يقوم بالمناداة وادخالنا قاعة الدرس ملاكا لم نألف رؤيته من قبل ...شاب يرتدي ميدعة بدت لنا شديدة البياض ..حليق الذقن وشعر الرأس ..حسن الهندام ..حركته موزونة وصوته رخيم ....يرتدي حذاء اسود يلمع ...نعم يرتدي حذاء ....لم ارتد الحذاء قبل دخول الثانوي ومن حسن حظي انه كان مفروضا علينا ...
كنت ضمن مجموعة قليلة ممن نودي علينافي آخر القائمة ولما دخلنا القاعة كان كل تلميذ يقف حذو مقعده سوى نحن ..دعي التلاميذ الى الجلوس وبقينا واقفين اخر القاعة ...شرح لنا "سيدي " ان الامر سيحتاج اياما لتتوفر لنا المقاعد ولذلك فنحن مدعوون الى الرجوع الى بيوتنا وسيتولى اعلامنا بالمجيء حالما تحضر المقاعد عن طريق اقاربنا من التلاميذ القدامى ..
يتبع)

وها انا اليوم بغل .....
ترقبوا الحكاية كاملة ......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على