الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما القيمة؟

طارق سعيد أحمد

2018 / 7 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


حضور متوحش قابع في الوراء، ينتظر صامتا، انتهاء المعركة التي غالبا ما تبدأ حينما يقرر أحدهم تمزيق الصورة الخارجية "الغلاف"، تلك اللحظة الثورية يتغير بعدها شئ ما، لا بالضرورة في الواقع، حيث التغيير الأوضح يقع في دواخلنا مستهدفا الذات لتصبح بيتا له ومقرا دائما لمقابلة الأفكار القديمة، فإما أن يقرر استضافتها لوقت محدد لتثبت فيه حسن نواياها، وإما أن يطردها شر طردة كما نفعل مع فئران المنازل

ورغم هذا التوتر الذي يشبه بندول ساعة كلاسيكية يدق كلما تحرك يمينا ويسارا داخلنا، إلا أنه المستفذ الوحيد لانتخاب فكرة تشترك في صفاتها مع المتغير ـ الطازج ـ لتحدث طفرة أو نقلة ما نوعية

فالظاهر من كونه ظاهر ومتكشف أمام المستبصرات الخارجية والحسيات الداخلية يحمل صفة المزيف، فلا معنى أن الاتفاق على وجوده في العالم يمنحه صفة التحقق، فما أكثر التفاهات التي وصفت بالحقيقة لمجرد أننا اتفقنا على ملاحظتها أو الشعور بها في العالم!

خصوصا تلك الأفكار الواهية التي يطلقها الحُكام والساسه ليل نهار دون انقطاع يذكر، فبمجرد أن يتناولها أحدهم بالبحث والتحليل ويلقي بها على الشبكة العنكبوتية يمنحها الحياة!، ولا يمكن أن نغفل عن ما يصنعه (رجال الدين) في هذا الموضع من سخف فكري يلاحقنا اليوم وسوف يلاحق بعد أن نفارق العالم عقول أخرى

لا مبالغة حين أصف القيمة بالحضور المتوحش، ولم أقصد في وصفي الوحشية بمعناها المتداول والمشهور بينما أشير إلى القوة والرسوخ والتجذر، إلى الصفات والخصائص التي تميزها وتمنع الوقوع في شرك التشابه بينها وبين الصور الهشة المخادعة والمضللة التي يحملها على الأعناق ـ غالبا ـ الرعاع والغواني من قصور الحُكام المستبدون إلى شوارع المدينة، كما يفعل المتمنهجون مع أصحاب المذاهب الدينية الماضوية المتصخرة

أشك أحيانا أن العلوم السياسية وضعت لتحل محل الدين، لا لتنظم المجتمعات بما يتفق مع تنوعها، ربما أكون قد وقعت في خطأ ما، وانصهرت المفاهيم والأهداف أمامي، لكن ما أظن أنه واقع نحياه بتفاصيل ثقيلة هو أن السياسة والدين افسدوا الأبنية الاجتماعية، حينما ضلوا طريقهم وتخلوا عن البحث في العالم عن العالم

أم أن فكرة الإنسان الاجتماعي تسقط الآن بهدوء ولا يلتفت إلى سقوطها أحد؟ّ!، تلك الفكرة تأسس على ظهرها كل الأفكار الكبرى التي حاولت أن تجمع حولها أكبر عدد ممكن من البشر، وبالتالي حالت بين الإنسان وبينه أن يكتشف من هو أو بالأحرى العالم، حتى علق وجوده بنجاح أو فشل فكرة تبناها مع الآخر!

أظن إنني إن وجدت قبل ملايين السنين سأكون من هؤلاء الذين اندهشوا من رحابة الأرض وضخامة الأشجار والطيور المحلقة وظلمة الليل حتى نقشوا على جدران الكهوف بطولاتهم ومواجهاتهم دون أن يدركوا أن هذا النقش مجرد استدعاء لقيمة ما تكمن وراء وجودهم غير المبرر وقتذاك، واعتقد أنهم في هذا السياق كانوا يشعرون بأنهم متهضون بلا سبب مقنع!

لم يتزحزح هذا الشعور عن الإنسان ــ خصوصا من حدفه قدره على دول العالم الثالث ـ رغم اختلاف المشهد الكلي أو العالمي ورغم الحروب والانتصارات والتكنولوجي وتعاقب الأديان والفلسفات وانبثاق الفنون، كل ما تغير هو الظاهر أو الواقع الذي نتكاتف لتزييفه بوضع سياسات عالمية تحافظ على الفروق الطبقية قدر ما استطاعت لتعزز الرأسمالية وتقهر من هم دون ذلك، رغم محاولات الأدب والفنون المستميتة لكشف القيمة والجوهر عن العالم، وللأسف لم تنجح في هزم هذا الفيروس الذي استوطن الإنسانية!

ولا استثني الفنون والأدب فكلاهما منتج انساني، فما يُزيف به الواقع ينسحب عليهما بالضرورة، بل ويزيد خطورة فسادهما على الإنسانية من الإنحطاط الأخلاقي وتطور الأسلحة النووية

خصوصا حينما يُستغلوا من قبل السُلطة أو التنظيمات غير الشرعية التي تحارب بالوكالة لصالح دول كبرى لسحق المنظومة الثقافية لأعداءها، وضمن أهم المؤشرات الكاشفة لهذه الحروب القذرة هو تحول الفن والأدب إلى آداة تلتوي كثعبان يبحث عن فريسة حمقاء

والشاهد على ذلك واقعنا البائس، وعلى من يتهم وجهة النظر تلك ويرميها بأنها تتبنى نظرية المؤامرة أن يجيب على السؤال الذي يلقي بنفسه على الأرض ألا وهو.. كيف لدولة عظيمة وعريقة بدأ التاريخ ونشأت الحضارات على أرضها أن يكون هذا هو حالها الثقافي؟ فأين نظرياتنا النقدية؟ هل بيننا فليسوفا واحدا؟ هل اقتنص أحدهم أوسكار؟.

هذا ليس تشاؤما بالتأكيد حيث أن التشاؤم هو توقع السئ مع وجود احتمالات وعناصر النجاح والإنجاز، هنا فقط إشارة ـ من بُعد ـ على أكوام العفن التي منعت دون أدنى أنواع الشك عقولا عبقرية من عملها الإنساني.. بحثا عن القيمة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطائرات من دون طيار الفاعل الرئيسي الجديد في الحروب


.. سيول جارفة ضرب ولاية قريات في سلطنة عُمان




.. دمار مربع سكني بمخيم المغازي جراء القصف على غزة


.. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: سنرد على إيران وقاعدة نيفاتيم




.. بايدن ينشغل بساعته الذكية أثناء حديث السوداني عن العلاقة بين