الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعًا مي سكاف، وداعًا.. سلامًا عى موتك المشتهى

أدهم مسعود القاق

2018 / 7 / 25
الثورات والانتفاضات الجماهيرية



من واجه مي سكاف وتمكّن من التأمّل في وجهها العذب، عرف سرّ استحواذها على ذلك الفيض الوجدانيّ الذي غمرت به محيطها من صبايا الثورة السورية وشبابها؛ أينما حلّت، منذ اللحظات الأولى للثورة، في ساحات الحرية وشوارع مدنها، وفي بيوت أهل الوطن الثائرين، وبين أوساط المثقفين، في أيام اعتقالها 2013م، وحينما أطلق سراحها، وتخفّت في بيوت أهل الشام، إلى أن صادرت أجهزة المخابرات لها شقّتها الصغيرة في جرمانا، وحلّ مكانها شبيحة النهب والموت، وصولًا إلى تهجيرها القسريّ إلى عمّان؛ إذ لم تتوان مي سكاف يومًا عن خدمة الثورة وأهلها فيها، ثمّ إلى باريس؛ فكانت صرخاتها من أجل حرية وطنها تخترق حواجز السماء، وتحطّ في آذاننا نحن المهجّرين في أرجاء الأرض ونواحيها.
منذ لحظات الثورة الأولى؛ إذ كانت الصدور عاريّة بمواجهة الرصاص والبراميل و... وصدر مي سكاف عارٍ، واجهت سلطة الموت، وتشردت مع من تشرّد، ورفضت التنازل عن ثورتها، لاقت الويلات، لكنها ظلّت حاضرة في ضمير الثورة، كانت أيقونتها، جميلة جميلاتها، فنانة الحياة، خالقة الحبّ في ميادين الثورة في الداخل والخارج، تحمل ملامح مدنيّة مدينة دمشق ورقيّها وطهرانيّة قديسة مرتدية قلوب المعذبين.
مي سكاف تسارعت صرخاتها مع كلّ يوم مرّ على سوريا منذ 15 آذار 2011م؛ وحتّى مماتها، ولكنّها استشعرت العجز - كما استشعره الآخرون من السوريين - أمام طغيان شرور العالم بقيادة بؤر الفساد العالميّ الأمريكية، التي أوكلت مافيات روسيا وملالي إيران الحاقدين وأذيالها؛ فحلّا في أرضنا استعمارًا متعاونًا مع مراكز الفساد في دول المنطقة وأجهزة مخابراتها؛ بإشراف إسرائيل.
مي سكاف؛ أيتها الجميلة التي ألهمتنا الولوج بعالمها الخصب، عالمها الذي شيّدته مع كلّ ذلك التوق بالرغبة في الحياة، شيّدته بأنوثتها الخالقة للحرية، بسعيها نحو المعرفة في حياتها الشخصية، منذ كانت طالبة في قسم الأدب الفرنسي بجامعة دمشق، وفي أدوراها التمثيلية الكثيرة على المسرح وفي السينما والتلفاز، وفي مسرح تياترو لفنون الأداء المسرحي الذي أسسته في دمشق 2004م، واضطرت لنقل فاعلياته من ساحة عبد الرحمن الشهبندر، إلى جرمانا، إلى حي القنوات الدمشقيّ؛ وخرّجت منه عشرات المسرحيين؛ فأسهموا في إنتاج عشرات العروض المسرحية والأفلام طيلة فترة الثورة السورية، منتصرين فيها لطهرانية ثوارها، وللإنسان أينما تواجد.
من حدّق في سيماء وجهك يا مي سكاف منذ ولادتك في مدينة دمشق 1969م، ولحظة إعلانك الموت في مدينة باريس، يدرك أنّك ممن تحملين مآسي الناس، ويعرف - أيضًا - سرًّ نجاحك في حياتك وانتصارك في موتك، أنت يا مي، لست الأولى التي تعلن الموت على واقع سياسيّ اتسم بالعهر والكذب والجريمة، أنت محطة جديدة من محطات صرخات الإنسانية لتتجاوز عجز البشر عن نشر المحبة والخير والمعرفة، أنت يا مي؛ عنوان لكلّ ما هو جميل في هذه الحياة التي استحقّت جمالك.
كلّ من سمع أخبارك أدرك أنّك لا تعرفين أن تطأطئي، أو تستكيني للظلم، أنت إحدى نساء ثورة شعب سوريا العظيم؛ اللواتي ألهمن شبابها التمرّد على سلطة النظام الفاسدة والقهريّة.
كانت مي سكاف معروفة بتطويعها لأدوار التمثيل المركّبة، التي تحتاج طاقات إبداعية خارقة، وبقيت وفيّة لفنّها - تمامًا - كما كان وفاؤها لثورتها، وقد أنجزت في أثناء إقامتها بباريس أعمالًا لافتة، كان آخرها فيلم سراب في 2017م؛ إذ أدّت دور "ريما مرشيليان" وهي مهجّرة سوريّة في أثناء الثورة السوريّة، كان يراودها حلم أن تتولى حكم بلد عربيٍّ في خضم الانتخابات الفرنسيّة الأخيرة.
أخيرًا ترجّلت مي سكاف، وأعلنت موتها المشتهى في زمن خؤون، وذلك يوم الإثنين 23 يوليو/ تموز 2018 م عن عمر ناهز 49 عامًا.
عهدًا لك، أيتها الشهيدة الجميلة، شهيدة الغربة القسريّة، شهيدة ثورة شعب سوريا العظيم، عهدًا أمام روحك الطهورة، أن نبقى على عهد بناء سوريا حرّة مدنيّة ديمقراطية، كما حلمت بها؛ إذ لم يعرف التاريخ هزيمة ثورة، بل لا يزال التاريخ الإنسانيّ يهزم الأوغاد والفاسدين والقتلة والمحتلّين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا