الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إخوتنا الأعداء !

ميثم محمد علي موسى

2018 / 7 / 28
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ما نشاهده اليوم من صور وأفلام مفجعة عما يحدث في العراق ليس سوى تكرار لماضي بشع . نرى مجموعة من المواطنين المدنيين التابعين ، ربما ، أو المؤيدين لهذا الحزب الإسلامي أو ذاك ، لمليشيا أو حركة بيدها جزء من السلطة في العراق ، أو لرجل دين معمم ، وهم يلقون القبض على متظاهر ، يجرّونه ويعتدون عليه بالضرب بالأيدي والآلات الجارحة ، يقودونه إلى جهة مجهولة ، ثم يتم العثور على جثته مرمية فيما بعد في مكان ما .
هكذا كان يمارس الكثير من العراقيين دور رجل الأمن في زمن حكم البعث تحت سلطة الطاغية صدام الذي لم يكن يعرف الرحمة . كان يكفي أن يسمع هؤلاء كلمة تأفف من نظام صدام على لسان أحدهم ، حتى يتحولوا إلى عسس ساعين لمكافأة ما ، واشين بالرجل أو المرأة ، ليواجهوا مصيراً مرعباً يبدأ بالتعذيب في السجون والاعتداء الجنسي ، وينتهي غالباً بالموت شنقاً أو بالإذابة في أحواض التيزاب أو بطرق أخرى أكثر شناعة. إنها سادية يصعب على الإنسان السوي استيعابها وفهمها.
كيف يتحول المواطن العادي إلى وحش ؟ ويكون مستعداً لتعذيب وقتل من يسعى لخلاصه؟
أراقب الأحداث في العراق اليوم ، وأتذكر قصة رواها لي رجل مسن قبل 19 عاما, كان هارباً وأسرته من جحيم صدام طالباً اللجوء في هولندا . فما أشبه عنف (اليوم) تحت حكم أحزاب الإسلام السياسي ، ببشاعة نظام صدام ( البارحة ) .
حدث هذا قبل أكثر من 19 عاماً حيث كان العراق أيضاً في جحيم تحت حكم صدام . اتصل بي أخ فلسطيني قادم من العراق وأخبرني انه يحمل لي ولرجل آخر مغترب وهارب من صدام، رسائل من الأهل في العراق، ويرغب في لقائنا معاً. فاتفقنا على موعد في امسية قادمة .
إلتقينا في أمستردام في بيت رجل عراقي من مدينة الكاظمية ببغداد ، في عقده السابع آنذاك ويحمل شهادة جامعية . أستقبلنا ( أبو ليث - هكذا عرفّه الصديق الفلسطيني) بدماثة و بلطف جم ، وطمأنني على أنه يعرف الأخ الفلسطيني ، ويمكننا الثقة به بشكل مطلق . كان ( أبو ليث) ودوداً وكريماً للغاية في إستقباله ، في تلك الأمسية الطويلة .
الأخ الفلسطيني الذي كان يعيش في العراق قصّ علينا الكثير من بشاعات مايحدث في الوطن وأخبار الأهل والأحبة والموت الذي يحوم فوق كل بيت وزاوية . وكنا وأبو ليث نستمع إلى الأحاديث ملهوفين ، ونحس بنشيج الأمهات والآباء وكل من فقد عزيزاً تحت حكم الطاغية صدام . ومع ان أبو ليث كان رجلاً متديناً ، الا أنه فاجأني مطلقاً حسراته وهو يردد ، ليتنا ساعدنا الشيوعيين عام 1963 في إنقلاب شباط ( نيسان ) الدموي . أثار ذلك فضولي ، فانهلت عليه بالأسئلة ! وكان يكرر في حديثه ( لولانا نحن ، لكان العراق بخير .. نحن أنفسنا سبب كل مِحننا ، لأننا نهتف ونصفق لكل من يدعس على أنوفنا ، ويمرغنا في الوحل والدم ! ( نحن من يخلق الدكتاتوريين ) . تحدث عن انقلاب شباط الأسود والدم الذي سال وكيف كان يتم قتل الشباب بدم بارد على أيدي مجرمي مايسمى بالحرس القومي .
ولكن كيف تضع اللوم علينا نحن ؟ سألته . فأجابني ، سأروي لك هذه القصة : قبل هربي من العراق ( والحديث لأبو ليث ) ذهبت لأقوم بواجب التعزية بحضور مأتم أحد الأصحاب . في ركن وعلى مقعد منزو جلس رجل أشيب مطأطئ الرأس وبيده مسبحة يردد آيات من القرآن ، يستغفر و يحوقل. أثار ذلك انتباهي فألتفت إلى صديق يجلس إلى جانبي وسألته عن هذا الرجل ؟ فسألني مستفسراً: ألا تذكره ؟ أنه ذلك الشيوعي المعروف والقيادي في مدينة الكاظمية ،الذي اعتقله البعثيون في شباط الأسود وعذبوه عذاباً شديداً في سجونهم .
كانت ملامح الرجل قد تغيرت ، ويبدو أكبر من سنه بعشرات السنين ، لذلك لم أتعرف عليه ، مع أنه كان معروفاً في ذلك الزمن .
ولكن كيف أصبح متديناً بهذا الشكل ؟ أجابني محدثي ، عندما حدث الانقلاب البعثي المشؤوم عام 1963 ، وبعد أيام من الإنقلاب عام 1963 وحين أصبحت السلطة بأيديهم ، بدأوا بإبادة الشيوعيين ، و داهم الحرس القومي بيتاً يختفي فيه هذا الشيوعي ، بعد أن وشى به أحدهم ! لكن الرجل استطاع أن يهرب ، فقفز من بيت إلى بيت ، ومن محلة إلى محلة ، وانتهى إلى شارعٍ ، يطارده أفراد الحرس القومي .. يقول محدثي ، أفاق الرجل فجأة وإذا به ممدداً في باحة إحدى مقرات الحرس القومي المرعبة وجسمه مليء بالجروح والرضوض ، ويتلقى الركلات واللكمات، من أفراد الحرس البعثيين المدججين بالرشاشات، يضحكون ويركلونه ويشتمونه ببذيء الكلمات . فسألهم كيف أتيتم بي إلى هنا ؟ فأجابوه باستهزاء : الشعب ! الشعب الذي تريد له السعادة.. جماعتك أتوا بك إلى هنا ، الذين تناضل من أجلهم .. ! وحكوا له كيف إنهم كانوا يطاردونه ، لكنهم في لحظة فقدوا أثره ، لكن الناس على مايبدو واصلوا مطاردته ، وجلهم لايعرف ربما سبب ، المطاردة ، حتى ألقوا القبض عليه ، وأشبعوه ضرباً حتى فقد الوعي ، فقاموا بنقله إلى مقر الحرس القومي ..
يقول ( أبو ليث ) عُذب هذا الرجل عذاباً مرعباً ، ولم يتم إطلاق سراحه سوى بعد إنقلاب عبد السلام عارف على حلفائه البعثيين في الحكم في 18 تشرين الثاني ( نوفمبر) 1963 .. من يومها وقد كفر هذا الرجل بهؤلاء الناس الذين كان يناضل من أجلهم ، فيقوموا بأنفسهم بتسليمه إلى سلطة غاشمة تقتل بلا رحمة ، فاعتكف من يومها ولجأ إلى التدين ، كفر بالسياسة ، ولم يعد يناضل من أجل الشعب .
أبو ليث ، الذي سُجن لعدة مرات ، كما روى بنفسه ، لم يكن منتمياً إلى حزب أو حركة ، كل مافي الأمر ، انه ميسور الحال ، فكان يتم إعتقاله بتهم غريبة عجيبة ، ويتم إطلاق سراحه بعد أن يدفع مبالغ كبيرة كإتاوات لأزلام صدام من المخابرات ورجال الأمن ، مما اضطره إلى الهرب مع أسرته من بطشهم وابتزازهم .
واليوم تتكرر الحكاية ،حيث هناك رجال مستعدون للبطش بكل من يحتج على الظلم وعلى أحزاب السلطة ومليشياتها ، مستعدون لممارسة دور الشرطي ورجل الأمن لحماية الحرامية واللصوص سياسيي ( الصدفة الأمريكية ) في العراق ، ومستعدون لقتل كل من يرفع صوته أو يتجرأ على الأنين من واقع مأساوي.
بقلم : د. ميثم محمد علي موسى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - احسنت
طلال مجيد ( 2018 / 7 / 29 - 16:01 )
احسنت ابو مكسيم على هذا الموضوع المؤلم و المفجع و المقرف في تفاصيله. الربط بين احداث الماضي و الحاضر ذكي جدا و مقنع وتشخيصك موجع لحد نزف الدموع. اذا كان لديك مواضيع مشابه فارجو الزيادة و شكرا وتحياتي لك صديقي الغالي

اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر