الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ورقة نقدية في كتاب الاسلمة السياسية في العراق للدكتور فارس كمال نظمي

انور الموسوي
مهندس كاتب وصحفي

(Anwar H.noori)

2018 / 7 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


في هذا الكتاب شرح الباحث الدكتور نظمي مواطن الخلل في البنية السياسية والشخصية السياسية, وبنية الارتهان الجمعي الشعبي, وربط هذه المواطن برابط تاريخي تمثل بحقبة الديكتاتورية في عهد النظام البائد ومن ثم حقبة الاحتلال وتسلط أحزاب الإسلام السياسي على مفاصل الدولة, وما الت اليه المنعطفات في التأثير في شخصية الفرد العراقي, وفي بنيته الأخلاقية, ودوافعه نحو القبول أو الرفض, والاحتجاج , ذلك التشريح أعطى صورة واضحة حول التناقض الحاد بل والصراع في مكامن شخصية الفرد ومن ثم المجتمع من خلال مجمل قضايا نفسية يشير الهيا الكاتب في كتابه برؤية أكاديمية نفسية.

فصل الكاتب بين الدين كمصدر ملهم للقيم والرحمة والتسامح، كنسخة نقية محفوظة وبين تديين الحياة!

يشير المؤلف في مقدمته للتحول الذي حدث من العلمانية الاستبدادية التقليدية في عصر الديكتاتورية، إلى تموضع الدين في قلب الحدث السياسي المعاصر. يطرح المؤلف إشكالية وسؤال، صعود تلك الأحزاب السياسية، وان المواطن هو من ساهم في إيجادهم عبر إعادة انتخابهم لأكثر من مرة، وعبر مناصرته الضمنية لأسلمة السياسية، وسياسية الاسلمة، ويجيب على ذلك في تشخيصه لنصفي حقيقة كان الأول فيها هو : نتاج العقم السياسي الذي أنتجه النظام البائد والذي شاركه من بعد ذلك سياسة الإدارة الأمريكية، ومن بعدها الطبقة السياسية ، والتي تضمنت تأثير بث التخويف المجتمعي من الطائفة الدينية الأخرى.
أما النصف الثاني من الحقيقة، فيمثله بالأبعاد المتسامحة والكامنة في شخصية الفرد العراقي، إذ يحمل في جذرانية شخصيته السلوك المدني والتوجه العلماني وهذا ما دأب الكتاب على توظيف هذه النزعة وانعشاها في دينامية الشعور الفردي. على الرغم من الارتهان والمازوشية الجمعية التي تجعل من الضحية متماهية مع جلادها حد التطابق، في حين هي من أعماقها اللا واعية غريبةً عنه وكارهة لها.
يفرق الكتاب بين الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي كونها هوية سوسيو_ديمغرافية، وبين الهوية الإسلاموية أو الطائفية التي تعنى الانتقال من الطابع السوسيو_ديمغرافي المحايد للذات إلى طابع المواجهة مع الآخر المختلف عنه دينياً أو مذهبياً، بقوله إن الاسلمة ((تنقل المسلم من ذاته الاجتماعية المتسامحة والمتعايشة مع الآخرين المغايرين له إلى ذاته الاجتماعية المنغلقة المتأسلمة المتصادمة حتماً معهم)). وينطبق الحال على بقية الهويات والعقائد كالقوميون وغيرهم. يعكف الكاتب على فتح المجالات في مناقشة قضايا عدة مرتكز في تشخيصه على أسين هما الإسلام السياسي، والنزعة المدنية العلمانية الكامنة في شخصية الفرد العراقي، كما يعطي الدلالة الرمزية وما تعنيه المنطقة الخضراء والتحليل العلمي لشخصية السياسي العراقي القابع في تلك المنطقة، ويحدد معالم هذه الشخصية وتأثيراتها. فيقول حول ملامح شخصية السياسي العراقي المعولم الطائفي ((تخلو شخصيته من هوية سياسية محددة بالمعنى الفكري، مستبدلاً هذا النقص، ب "هوية طائفية" خاوية يستعين بها لتفعيل دوره السياسي بعد عجزه عن أن يكون امتداداً حقيقياً لجماعة اجتماعية أو ثقافية معينة. ينطلق الكاتب في إيجاد تفسيرات عن حالة الارتهان الجمعي المصاحبة
للمجتمع العراقي، ويحللها من جانب نفسي ذاتي لحالة الارتهان هذه. ليجيب المؤلف على هذا السؤال ((لماذا نحن العراقيون سلبيون وخانعون إلى هذا الحد؟ نعرف أدق تفاصيل مأساتنا ومع ذلك لا نتحرك جميعاً لوقفها أو على الأقل الحد منها!))
يتناول الكتاب أيضا مواضيع عدة منفصلة أحداها عن الأخرى من حيث البعد الزمني، لكنها متقاربة من حيث التحليل السوسيو_سياسي، والسيكولوجي لكل من تماهي المجتمع العراقي مع الحدث ودينامية هذا التماهي في المستقبل، وبين قضايا سياسية محورية كالإسلام السياسي، أو قضايا اجتماعية مهمة لا تخلو من بعد سياسي، كالقضية الدينية، وقضية المرأة، وحق التعبير، وظاهرة الايمو، وعصاب التفاوض في الشخصية السياسية، وأزمة الكهرباء، والفساد في الجامعات والمؤسسات والضمير الذاتي والضمير المهني، والاحتجاجات والكتلة التاريخية وموت السلطة في عقلية الوعي الجمعي العراقي، وتحليل للشخصية الشيوعية، والشخصية المسيحية، ومدار معنى الأقليات ورفض هذا المعنى في قبالة معنى الأكثرية كونها تعطي مسوغات لممارسات متحيزة تنظر لتسويغ التمييز والتعصب والتهميش. لا يخلو الكتاب من مزج هذه الظواهر مع ظاهرة الثورات العربية أو ما يصطلح عليه مفهوم الربيع العربي، والإسلام السياسي الصاعد، واليسار العربي المنحسر!، ليعرف الثورات أو الانتفاضات على أنها ((لحظات تدفق نفسي غامر تؤدي إلى فعل جمعي يريد تغيراً مجتمعياً جوهرياً يقطع الصلة بماضٍ بائس)).
في كل فصول الكتاب التي ظهرت على شكل مقالات بحثية قبل إصدار هذا الكتاب، يعطي المؤلف صوراً مختلفة ومتعددة عن ارتباكات الوضع القائم، وإشكاليات صعود التيارات الدينية المتطرفة، وحالة التماهي القسري الذي حصل للشخصية العراقية، بشقيها كشخصية فردانية حرة مستقلة، أو كشخصية ذائبة في اطار الجماعة السوسيو_سياسية، أو الجغرافية، هذه الشخصية أصبحت بحكم الرهينة للوظيفة الميثولوجية المفروضة عليها، أو المقتنعة هي بها قسراً نتيحة ظروف صادمة أثرت في حجم الوعي الفردي والجمعي لدى المجتمع، مما حدا بهذه الشخصية أن تستعذب الألم، وتواجه الظلم بمازوخية انفعالية عالية، دلالةً على تماهيها مع الجلاد من جهة ورضوخها كضحية، ومن جهة أخرى تعذيبها لذاتها ومحاولاتها لجلد الذات لكل ما يصاحبها من مأساة والم, غير قادرة على القفز عليه أو تخطيه بواقع يضمن لتلك الشخصية ما تطمح له، كان ذلك نتيجة الارتهان العميق في ذاكرة تلك الشخصية للمثل الثيوقراطية المأسورة بها، ولشعور حالة الاضطهاد الجمعي الذي تعانيه، فتولدت مجمل قضايا يثيرها المؤلف لدى تلك الشخصية ومن أهمها غياب أو اضمحلال الهوية الوطنية في الأفق العام، أو تغييب تلك الهوية بفعل إسقاطات تاريخية أو بسبب النظام الديكتاتوري البائد، وما زاد في الأمر اغتراباً مجيئ الإسلام السياسي وتفعيل مبررات الهويات الفرعية على حساب اصل الهوية الوطنية الرئيسية، في خضم كل تلك الصراعات التي تعاني منها الشخصية العربية، والشخصية العراقية على نحو الخصوص، فإن الكتاب يخرج في كل فصل بنتيجة تبشيرية لمسارات تلك الشخصية أو لمسارات الأمم في حقها بالتعايش، وحقها بامتلاك الهوية والوطنية والوطن، كل مؤشرات الكتاب في النتائج التي توصل لها المؤلف هي نتائج تصب في نهاية المطاف حول إخراج الدفائن النفسية في تلك الشخصية في لحظة سمو ولحظة تجلي شعبي واضحة في يوم ما، لتتحقق الهوية الوطنية ضمن هذا الإطار سوآءا طال الزمن أو قصر. يقول الدكتور نظمي في كتابه ((غير أن صراع الهويات في الشخصية العراقية لم ينقطع بعد، ولم تعلن نتائجه النهائية بعد، ولا يجوز علمياً التسليم بسرمدية المشهد الحالي، فتمظهرات الهوية وتحولاتها ومساراتها إنما تتغذى من مصدرين : الموقف السوسيو سياسي الضاغط، وسمات الشخصية الاجتماعية نفسها)) في إشارة منه صريحة إلى التفتح العقلي الهادئ والتدين المسالم والنزعة المدنية النقدية الجدلية المحبة للذوق والجمال في مكامن الشخصية العراقية والمتجذرة في أصولها منذ القدم.
يقترب المؤلف الدكتور من التحليل المهني الأكاديمي في كل فصول كتابه وهذا جانب جداً مهم في التعاطي مع الحقائق واستلام المعلومة من مصادرها العلمية وفقاً للاستبيانات، ووفقاً لذوي الاختصاص الباحثين في علم النفس السياسي وسيكولوجيا الشخصية، من جانب أخر لا يبتعد عن النظرة الاشتراكية وتعاطيه معها على أنها واقعٌ ذي جدوى حتمية في الخلاص، في حين هنا تبرز إشكالية واضحة، أو جدلية قائمة على هذا الأساس بين النظرية الاشتراكية المنحسرة، والنظرية الليبرالية المتقدمة، ورؤية المنطلقين نحو رأس المال، في حين لا اجد بواعث اختلاف كبيرة بين الفكرتين، كونهما لا تشكل أسا كبيراً فيما بحثه المؤلف من مرتكزات ذات صلة اكبر وأكثر أهمية في مضامين كتابه، كونه ركز في بحثه ومختلف فصوله على النهج العلمي السيكولوجي اكثر مما وظف أيا من تلك النظريات في منهجيته بالبحث.
يقودنا الكتاب وكل ما جاء فيه ومن ضمنه هذا المقال إلى سؤال اكثر أهمية في إرساء الدولة المستقرة، والديمقراطية الحقيقية، على هذا التضارب، والولادات المنشودة في جذور الشخصية العراقية، هل نحن مهيأين الأن لممارسة الديمقراطية بشكلها السياسي الصحيح؟ سأحيل هذا الإجابة الى ماقاله توكفيل في أهمية العنصر الثقافي المؤثر في إنتاج دولة أفاق الديمقراطية المستقرة، ولن اقترب أو ابتعد في هذا المضمون لا من الاشتراكية ولا من الليبرالية ما خلا أنى سأعتمد رأي توكفيل فيما يسميه ب (فن التجمع) بعيداً عن كل تدخل للدولة، حيث يدعي أن الديمقراطية تصلح أحسن إذا بدأت من الأسفل إلى الأعلى، وليس العكس، فالحكومة المركزية تظهر كنتاج طبيعي للسلطات الحاكمة المحلية المتعددة وللجمعيات الخاصة التي تستعمل كمختبرات ومدارس للتعلم وممارسة الحرية والتحكم بالذات. الديمقراطية فوق كل ذلك مسألة إدارة ذاتية وإذ كان في استطاعة الناس حكم أنفسهم في مدنهم في هيأتهم، في جمعياتهم أو كذلك في جامعاتهم فإنه يتأكد أكثر انهم يفعلون الشيء نفسه على مستوى الوطن. لذلك فالبنية الاجتماعية المسبقة أن لم تكن عادلة، أو في تاريخانيتها تحمل العادات والتقاليد المناهضة للديمقراطية وقريبة من شوط التعصب والتطرف القومي والديني، والعشائري يصبح من الصعب جداً إرساء مفاهيم الديمقراطية وتحقيق دولة خارج حدود الذهن الميثولوجي لتلك الشخصية وقادرة على القفز على ثيوقراطية السلطة واختيار بدائل اكثر عقلانية، فالوسواس القهري مانع أكيد عن إنتاج ديمقراطية ليبرالية أو اشتراكية متحضرة بمعناها الأكيد والصحيح خارج سياق العصاب الإسلامي، نتيجة لفوبيا تلك الميثولوجيا المتجذرة تاريخياً في عمق الشخصية إلا ما ندر. فالمجتمع العادل في العمق، والديمقراطي النزعة منذ زمن طويل هو المجتمع القادر على إنتاج حكومات مدنية لا تمتاز بعقدة التفكير الاضطهادي او الديماجوجية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الهدف وراء الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران؟|#عاجل


.. مصادر: إسرائيل أخطرت أميركا بالرد على إيران قبلها بثلاثة أيا




.. قبيل الضربة على إيران إسرائيل تستهدف كتيبة الرادارات بجنوب س


.. لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟




.. هل وصلت رسالة إسرائيل بأنها قادرة على استهداف الداخل الإيران