الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خجي وسيامند: الفصل الثاني 3

دلور ميقري

2018 / 7 / 29
الادب والفن


الفتاة المرافقة للرجل الثري، كانت " بيضاء كالثلج "؛ بحَسَب التعبير العربيّ المأثور. المناغاة بينهما، في المقابل، كانت تفتقد للانسجام؛ فإنه في عُمر أبيها، على الأقل. راحَ من تدعوه السيّدة السويدية، " عبد "، يُرهف سمعه متجسساً على حديثهما. وكعادته، ترجمَ لها ملخصاً لأقوالهما مستهلاً بملاحظة مهمة: " إنه رجل خليجي، عالي المقام ". ثم عاد بعد مغادرتهما المطعم إلى إكمال نميمته، قائلاً لها بعدما جعّد فمه بحركة اشمئزاز: " وجاهته، لم تمنعه من عرض الزواج على فتاة تبيع جسدها مقابل المال. المدهش، أنها هيَ من ترفض عرضه للسبب نفسه؛ أي كونها مومساً. وهوَ يؤكد أن ذلك غير ذي أهمية، ما دامت ستتوب على يديه "
" المرأة، مهما يكن وضعها الاجتماعيّ، تعتبر الحُبَ أساس أيّ علاقة عاطفية "، عقّبت السيّدة السويدية على كلامه. جرى كلامها مع مسيل الذاكرة، المحفورة صخوره عميقاً في داخلها. كأنما كانت تقصُد نفسها؛ هيَ من ارتبطت بعلاقة مماثلة مع شابّ كان ينظر إليها وإلى كلّ فتاة أوروبية ـ كمتاع جنسيّ، بالوسع استعماله ومن ثمّ رميه في مستودع الأشياء البالية، المركون جنباً لجنب مع حاوية القمامة.
وشعرت " تينا " بالضيق، كونها عاجزة عن التفكير بمسألة آنية دون الرجوع إلى الذاكرة؛ إلى ماضٍ كانت تحاول التخلص من أطيافه بعدما سبقَ وأبدلتهم بطيفٍ حبيب عليه كان أن يرحل بدَوره إلى عالم العدم. ولكن، ألم يكن " فرهاد " بنفسه على الخصلة ذاتها فيما يخصّ النظرة إلى الأوروبية ذات الشعر الذهبيّ؛ أي أنها متاع للجنس، حَسْب؟ على أنها طردت هذه الفكرة للحال، طالما أنّ ذهنها أضحى من التشوّش أن يخلط بين البراءة والنذالة، الأصالة والزيف..
أخرجها الرجلُ اللجوج من غفوة الذاكرة، حينَ سمعته وهوَ يسترسل في الكلام: " أنتِ كمن يلقي قصيدة حُب وسط حمأة الحرب؛ لو جازَ هذا التعبير. الواقع غير الشعر. إن الفتاة في مجتمعنا تتزوج بسهولة من شخص لا يناسبها، شرط أن يكون غنياً. السعادة بالنسبة لها هيَ المال، والباقي لا وزن له "
" ولِم رفضت تلك الفتاة عرضَ ثريّ عربيّ، إذاً؟ "
" إنها سعيدة بثرائه، هنا في موطنها، لأنها تمتلك حريتها. ولكنها تُدرك جيداً ما ينتظرها ثمة، وراء أسوار قصر الرجل المشرف على صحراء الربع الخالي! "
" فالحرية، والحالة تلك، أثمن لدى التي تدعوها، مومساً، من حياة القصور؟ "
" لا يُمكن الجزم بذلك. قد يُعزى موقفها إلى شيء آخر؛ كأن يكون هدفها من الرفض هوَ رفع سقف مطالبها: أن يشتري لها، مثلاً، منزلاً في المغرب كي تشعر بالأمان مستقبلاً. أو أيّ شيء مماثل. أما عاطفة الحب، فلا تحدثيني عنها أرجوكِ! "، أجابها بنبرة وقورة متماهية بالصرامة. ابتسمت " تينا "، ثم نقلت عينيها نحوَ أعماق قاعة صالة الطعام، أين ازدحمَ أثرياءُ العرب النازلين في الفندق العريق. أرادت بترَ ذلك النقاش العقيم، للعودة إلى حديث الطفلة. انتبه جلّيسها لزهدها بالنقاش، وربما ساورته الفكرة نفسها بخصوص مهمة السيّدة السويدية. تنحنحَ على الأثر، مُستعيداً صفة السمسار الماهر في حلّ معضلات السوق. قال لها، هازاً رأسه في حركة اهتمام: " سنعود إلى موضوع ابنة صديقك، وقد علمنا أنك تعرفين عنوان إقامتها في مراكش. دعينا نفهم أولاً، ماذا تبغين من الطفلة؟ "
" أريد أن أسعد والدها، وهوَ في مثواه الأخير، بأن أضمن مستقبلها "
" كيف ستضمنين مستقبلها؟ بأن تقترحي مثلاً على مَن يرعونها راتباً شهرياً؟ "
" لا، أرغب باصطحاب الطفلة معي إلى السويد. سأكون في محل والدتها، المفقودة الأثر.. "
" آه، فأنت تريدين أن تتبنّي البنت؟ يجب ألا تحاولي ذلك، أبداً "
" لماذا تقول ذلك، يا صديقي؟ "
" لأن التبني محرّمٌ في ديانتنا الإسلامية، ولا سبيل لمناقشة هذا الأمر حتى لو تدخل ملك السويد نفسه لدى مليكنا! "، نطقَ الجملة الأخيرة بصوتٍ منخفض فيما يجول بنظرته في ما حول الطاولة. صمتت " تينا "، وقد تداخل القنوط في نفسها مع شعور الدهشة. تأثرت كثيراً بما سمعته، مع أنه كان لديها فكرة مسبقة عنه وإن تكن مشوشة غير مفهومة. أمام نبرته المبرمة، رأت صوتها يهنّ ولا يكاد يُسعفها في التعبير عن مُرادها: " ذلك كان كلّ ما أبتغيه من زيارة مراكش، ولا أدري لو أنّ ثمة مخرجاً آخر للقضية؟ "
" بلى، في مقدوركِ أن تفعلي شيئاً آخر للطفلة. ولقد نوهتُ به للتو "
" أتعني، تخصيصَ مبلغٌ من المال للأسرة تلك؟ "
" نعم، وهوَ أكثر الأمور واقعية. إلا إذا أردتِ المغامرة بإخراج الطفلة من البلاد عن طريق مهربين، أو تدبير أوراقٍ مزيّفة تثبت أنها ابنتك؟ وعندئذٍ سيكلفك ذلك كثيراً من المال! "، أجابها فيما وميضُ خُبثٍ يلمع في عينيه الرازحتين تحت ثقل حاجبين كثيفين. أجفلت الفكرة السيّدة السويدية، فردت من فورها دونما تفكير: " لا بالطبع؛ لا هذا ولا ذاك "
" كنتُ أعلمُ سلفاً جوابكِ، ولا غرو. بيْدَ أن واجبي كان عرض كل المقترحات عليك، بما فيها تلك غير القانونية. وعلى أيّ حال، المخاطرة لا بد منها أحياناً. مثلما في السوق، حيث يُجبر التاجر على رهن مصيره لهذا الوسيط أو ذاك السمسار ". آبت ابتسامتها إلى احتلال الفم المصبوغ بالأحمر، تعليقاً على المفردة الأخيرة في جملة الرجل. تركت حديث السمسرة والمغامرة، لترهن ذهنها مجدداً إلى أسر الذاكرة: الطفلة نفسها، دارت قبلاً على عجلة روليت المقامرة حينَ شاءت سيّدة سورية غنية تبنيها بصورة غير شرعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - هل الفنان محمد علاء هيكون دنجوان الدراما المصري


.. كلمة أخيرة - غادة عبد الرازق تكشف سر اختيار الفنان محمد علاء




.. كلمة أخيرة - الفنانة سيمون تكشف عن نصيحة والدها.. وسر عودتها


.. كلمة أخيرة - محدش باركلي لما مضيت مسلسل صيد العقارب.. الفنان




.. كلمة أخيرة - الشر اللي في شخصية سامح في صيد العقارب ليه أسبا