الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
خجي وسيامند: الفصل الثاني 4
دلور ميقري
2018 / 7 / 30الادب والفن
قبل سنواتٍ خمس، جمعت الصدفةُ تحت سماء مراكش شقيقين دمشقيين مع امرأة سورية، تُدعى " سوسن خانم ". إبان وجود الشقيقين في فيللا الأسرة المُحسنة، كانت مواطنتهما قد استهلت أعمالها التجارية على رأس شركة يملكها زوجها السابق؛ وهوَ دبلوماسيّ كويتيّ بارز، ترك المغرب لكي يلتحق بالتحالف المعادي لصدّام حسين في حرب الخليج الثانية. سرعان ما تألقت السيّدة السورية في مجتمع المدينة الحمراء، الراقي، وكانت أينما تحلّ تُبهر الناسَ بحُسنها الفائق علاوة على رشاقتها وأناقتها. أما في مجال الأعمال، فإنها بزّت الرجالَ بفضل ذكائها اللامع، قوة إرادتها وثقتها بنفسها.
على أنّ " سوسن خانم "، وبالرغم من شخصيتها الموصوفة، بدت عاجزةً حينَ وصلت حياتها الزوجية إلى طريقٍ مسدود. الشركة، كانت مسجّلة باسمها. إلا أنها، مع ذلك، توجّست خيفةً من إمكانية عودة الشركة لملكية طليقها في حال قررَ استعمال نفوذه. عندئذٍ رأت أن تتخلص من المأزق بوساطة الحيلة، لتتفادى ما يُمكن أن تخسره في أي مواجهة مع الرجل سواء أكانت قانونية أو خلافها: في إحدى المكالمات الهاتفية، أدخلت في وهمه أنها حاملٌ. ولأن الشرط الأساس لزواجهما كان عدم الإنجاب، فإن المواجهة كانت حتمية. على سبيل الاحتياط، قررت هيَ أن تمثّل فعلاً دورَها ـ كحبلى في أسابيعها الأولى ـ ثم راحت تبحث عمن يؤمّن لها امرأة مفتقرة، مستعدة للتنازل عن وليدها مقابل المال.
في الآونة تلك، تحديداً، ظهرَ " فرهاد " في حياة مواطنته بصفة سكرتيرها أولاً. بدَوره، كان على الشاب الوسيم، المتعدد المواهب فناً وأدباً، أن يلفت نظرَ معلّمته إلى ضرورة البدء بترميم حياتها الخاصة بعدما طوت صفحة علاقة زوجية، مُحبطة وعقيمة عاطفياً. الخانم، التي تكبر الشاب بنحو ثلاثة أعوام عدا ما تتمتع به من حصافة ونفاد بصيرة، لاحَ أنها انتبهت لما في نظراته من بريقٍ يعكس أوار القلب المتقد عشقاً. ولكن ما كان في وسعها أن تنأى عن القاعدة، التي رسخت حياتها عليها مذ أن رضت الاقترانَ برجلٍ يكبرها سناً بكثير. " فرهاد "، ما كانَ أقلّ ذكاءً كي يُدرك عبثَ عاطفته. إلا أنّ اهتماماتهما الأدبية، المشتركة، جعلته يُمعن في الأوهام والأحلام. في واقع الحال، أن ذلك الإمعان هوَ ما كانت تأخذه عليه المرأة العملية طالما أنه امتد ليشمل نواحي حياته الأخرى: لقد بدا لها دوماً ضعيف الثقة بالنفس، غير مبال بما حبته به الطبيعة من مواهب، متردداً، وغير قادر أيضاً على تحديد هدفٍ واضح لعلاقتهما نفسها.
***
" المأساة، تحملُ دوماً بصمة صاحبها "
صاغت " تينا " في جملة واحدة ما ازدحم به ذهنها من ذكريات، مُحالة إلى حياة صديقها الراحل، المراكشية. الرجل الجالس في مقابلها، تململ على كرسيه وهوَ يدوّر في رأسه مفردات تلك الجملة العصيّة على الفهم. قال لها في سبيل العودة لحديث الطفلة، ويبدو أنه حاز على اهتمامه لسببٍ ما: " مأساة؛ إنها فعلاً كذلك طالما تتعلق ببنيّة بريئة. ها نحنُ أولاء هنا، في سبيل وضع حدّ لها.. أعني، المأساة! "
" إنها بريئة للغاية، مثل أبيها. وأخشى ما أخشاه، أن يكون مصيرها شبيهاً بمصيره "، قالتها بنبرة ساهمة. انتبهت من ثم إلى ما اعترى الرجل من حيرة، جراء ولوغها في المعميات. قررت إذاً أن تبسط له شيئاً من سيرة والديّ الطفلة، كونها مجبرة على الوثوق به. هكذا قضت نصف ساعة في حديثٍ شائك، قافزة كبهلوان على حبلي اللغتين الانكليزية والفرنسية. طفقَ الرجلُ ساكتاً، فيما تعبير عينيه أشبه بمن يُتابع عرضاً مدهشاً في سيرك. وكان على الدهشة أن تتلبّسَ المحدّثة، حينَ رأت يدها الموضوعة على الطاولة تُسحب إلى ناحية الفم المنفرج عن ابتسامة لطيفة: " أنتِ ملاك..! ". كانت القبلة، مثلما فهمتها هيَ، تعبيراً عن إعجاب رجلٍ شرقيّ بمثالية امرأة أوروبية؛ حزنها المتحوّل إلى قوة قاهرة للحزن نفسه، بما امتلكته من خصال الإخلاص والوفاء ونكران الذات.
" لا تتصوّر، يا صديقي، أنني أمد يدي لمساعدة الغير "، قالتها بشيء من التلعثم. ومضت موضحةً ما تعنيه " كأنما هذه الطفلة قطعةٌ من لحمي، بل هيَ ستكون جانب حياتي المضيء كما آملُ ". فرك الرجل يديه في حيوية، وقد بدا أكثر زهواً بنفسه. أضحى كما لو أنه أستاذٌ، اكتشفَ على حين غرّة عشقَ تلميذة جميلة له.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. برنامج TheStage يسترجع محطات لامعة من مسيرة الممثل فادي ابرا
.. معالم ولاية واشنطن.. إلهام لكثير من الفنانين
.. هكذا وصف أسامة الرحباني التطور الموسيقي للرحابنة
.. الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا يقدم استقال
.. د.تيسير الآلوسي بمحاضرة بعنوان مسرح المقاومة بين الجمالية وا