الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيدى الرئيس.. نظرة دون خوف

سليم صفي الدين

2018 / 8 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


من وقت إلى آخر يعود بنا الرئيس إلى فكرة تطوير الخطاب الدينى، وبما أننا نعيش فى دولة ديمقراطية (عديها) تقوم على الحرية (مشيها) ورأى الشعب مسموع (ماتدقش) قررت أن أطرح على الرئيس سؤالا، وأسعى إلى فهم الأزمة التى حالت على مدار سنوات دون تطوير الخطاب الدينى: هل نحن بحاجة إلى تطوير الخطاب الدينى، أم تطوير الخطاب السياسى؟ وهل نحن بحاجة إلى تطوير الخطاب نفسه، أم تطوير المفاهيم الدينية والمنظومة السياسية بشكل عام؟

منذ طرح فكرة تطوير الخطاب الدينى وأنا لا أفهم المراد من هذا المعنى الغريب، كيف يمكن تطوير الخطاب؟ هل مثلا لو كان بعض كتب الأزهر أو مناهج التربية الدينية فى المدارس، أو إمام فى مسجد، يقول بحديث "لا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلا النَّصَارَى بِالسَّلامِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ"، رواه مسلم، فسوف نغير النص فى الكتب وزعيق الإمام ليقول "يا أحبتى.. يا حلوين.. بلاش تسلموا على اليهود والنصارى"!

فى الحقيقة لا معنى لفكرة تطوير الخطاب، فهو لن يتطوير إلا بنهضة ثقافية وإعادة بناء المفاهيم الكبرى للإسلام، مثلما فعلت الفلسفة الغربية الحديثة فى المسيحية، بحسب تعريف لوك فيرى لها، وبناء على ذلك يتطور الخطاب بعد دخول مصطلحات ومفاهيم وقيم جديدة متطورة مواكبة للتطور العلمى والفلسفى والتكنولوجى الذى نعيشه، أمّا أن نطور الخطاب ويبقى الأصل (المفهوم) ثابتا دون تطوير، فهو يعنى رسما هندسيا لناطحة سحاب يحل محلها على أرض الواقع منزل فقير مكون من طابقين!

بناء الإنسان المصرى لن يأتى إلا من خلال السينما والمسرح والفنون، ومن ثم لا يمكن وصف هذه الوسائل بأن بها سلوكيات لا تليق، فإذا كانت الدولة تسعى فعليا لبناء مواطن منفتح يقبل الرأى والرأى الآخر، ويرفض ما يختلف عنه بسلام، ولا ينبذ من يخالف أفكاره واعتقاداته، فإن هذا هو الدور الحقيقى للفنون، فالموسيقى تعرف ماهية الروح، والسينما تطور من الواقع، والمسرح يناقش الإشكاليات ويسعى لحلها، فضلا عن الكوميديا التى تعد مدخلا أساسيا لبناء إنسان سليم نفسيا، فلا يمكن العيش بين القضايا والمناقشات طوال الوقت، ولا يمكن الاعتماد على الكوميديا فقط.

كما أن السعى نحو بناء دولة مؤسسات، وشعب متحضر، لن يأتى أبدا بفكرة الإعلام الموجه، وفشل ما يسمى بـ"إعلام الصقور" خير دليل، وهو ما سبق وأكدته شركة إبسوس عندما أعلنت أن مجموعة القنوات تلك ترتيبها منخفض من حيث نسب المشاهدة، ولكى يكتسب المواطن المصرى فكرة التطوير والاختلاف يجب أن يعرض له الإعلام الرأى والرأى الآخر، وليس 4 ساعات كاملة فى برنامج العاشرة مساء يناقش فيها الإعلامى الفاضل وائل الإبراشى رقصة تحدى كيكى! التوجيه سيخلق شعبا معدوم البصيرة، وتفاهة القضايا التى تتم مناقشتها تخلق شعبا لا يكترث لقضايا وطنه بقدر ما يكترث لإنجازات "مو صلاح" مع الليفر!

نسب الطلاق لن تضمحل فى مجتمعنا إلا عندما يصبح رأى الفتاة فى اختيار شريك حياتها مماثلا لرأى الرجل، وهذا لن يحدث إلا من خلال العمل على دحض الفكر الذكورى والقبلى المتفشى فى المجتمع، والمثبت تماما بفعل الدين.

لنعُدْ إلى نقطة البدء سالفة الذكر: "تطوير المفاهيم.. السينما.. المسرح.. الموسيقى.. الإعلام"، فضلا عن الحياة السياسية التى تقوم فى أساسها على الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى.. سيدى الرئيس، نحن بحاجة إلى تغيير وتطوير الخطاب السياسى فى المقام الأول، وبالتوازى معه يأتى المفهوم الدينى، وفى نفس الوقت أن ترفع الدولة يدها عن الإعلام والصحافة، فتعود المواقع المحظورة التى تسبب حظرها فى تشريد مئات الصحفيين، ولتعمل دون خوف، وتناقش جميع القضايا وتحللها وتقدم آراء المؤيدين والمعارضين على حد سواء، ليحدد ويقيم المواطن ما له وما عليه بنفسه مستخدما عقله بعد عرض كل الآراء عليه.

سيدى الرئيس، عندما تحدثت عن الطلاق الشفهى، حالت السلطة الدينية دون حل الأزمة، ومن ثم لم تجد من يحلها، ولن تجد حلا إلا عند من يشتاقون إلى الحرية، فالقضية أبدا ليست كما ذكرت فى مؤتمر الشباب الوطني السادس بجامعة القاهرة السبت الماضى، ارحل يا سيسى، إنما قضيتنا هى الوطن، نختلف فى كل شىء، حتى الإله نختلف عليه، لكننا جميعا متفقون على الوطن.

سيدى الرئيس، نحن بحاجة إلى تغيير النظام السياسى، وفتح الآفاق للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى، فمواجهة المنظمات الإرهابية والفكر الإجرامى المتفشى بكل أسف ووضوح داخل مصر، لن يتم إلا من خلال العمل الحر، فالمستقبل يصنعه أرباب الفكر، لا أصحاب المصالح، والمجابهة تكون بالحرية والعمل، لا بالقبضة الأمنية والفكر الأحادى، وبالدراسات المنطقية لا بالعاطفة الوطنية. الخطاب الدينى إن تطور فلا معنى له والأصل ثابت، والخطاب السياسى إن تبدل فلا فائدة والكبت سيد الموقف، نظرة دون خوف منا جميعا قد تغيّر المسألة تماما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور الغندور ترقص لتفادي سو?ال هشام حداد ????


.. قادة تونس والجزائر وليبيا يتفقون على العمل معا لمكافحة مخاطر




.. بعد قرن.. إعادة إحياء التراث الأولمبي الفرنسي • فرانس 24


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضرباته على أرجاء قطاع غزة ويوقع مزيدا




.. سوناك: المملكة المتحدة أكبر قوة عسكرية في أوروبا وثاني أكبر