الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خجي وسيامند: الفصل الثالث 1

دلور ميقري

2018 / 8 / 1
الادب والفن


أفاقت طائشة اللب، بالكاد أصابت ساعة مُبتسرة من القيلولة. لولا المكالمة الهاتفية، المتفق عليها في تمام الساعة الخامسة مساءً مع مَن تدعوه " عبد "، لولاها لكانت قد بقيت مستغرقة بالنوم دونما وعيٍ نتيجة النصَب والسهاد، المتخلفين عن الرحلة الطويلة سواءً بالطائرة أو القطار. رفيقُ الرحلة الأخيرة، أنتظرها في بهو الفندق. وكان ما ينفكّ بسترة السفر نفسها، الفاتحة اللون كما بشرته الحنطية. إلا أنّ مفاجأة جديدة كلّ الجدّة، كانت ملامحُ الرجل توشك أن تفضحها آنَ نزول السيّدة السويدية للقائه.
" بونجور..! آمل أنني لم أتأخر عليك؟ "، خاطبته بالفرنسية ما أن نهضَ لاستقبالها. تأملها لحظةً، وكانت هيئتها مكتملة الزينة فضلاً عن رشاقتها وأناقتها. عطرٌ باريسيّ رفيع، ضمّخ جسدها جميعاً، فيما شعرها العسليّ الهفهاف تلوى على جانبيّ كتفيها شبه العاريين. على أثر ردّه تحيتها، قال باطراء: " انتظاري لم يكن عبثاً، طالما أنكِ ستبدين بهذه الصورة المُبهرة ". ثم عادَ ليسألها، ملوّحاً بمفاتيح سيارة في يده: " أظنكِ أجريت المكالمة المطلوبة، وبالوسع أن ننطلق حالاً؟ ". هزّت رأسها موافقة، بينما بسمتها تُفصح عن سعادتها بالمفاجأة.
" لقد استعرتُ هذه العربة من صديقٍ كاتب، كونه يستعد للسفر إلى الخارج مع وفدٍ رسميّ "، قالها مُتباهياً قبل أن يبادر للاستطراد كمألوف عادته: " صديقي، كان مثلي منفياً في فرنسا ولقد عاد مع من عاد بعد سياسة الانفتاح، التي قام بها العرشُ مؤخراً ". أدارَ محرك السيارة، وكانت " بيجو " قديمة بعض الشيء، ليتابع مع انطلاقها الحثيث من قدّام مدخل الفندق: " وعلى فكرة، فإنّ هذه العربة كانت تحت تصرف الأمريكي فريدرك بوول أثناء تصوير فيلم وثائقيّ عن حياته المغربية. شاعر مراكش، ويُدعى المهدي البغدادي، كان رفيق الرحلة الأبرز وهوَ أصلاً صاحبُ فكرتها أساساً.. "
" أعتقدُ أنني سمعت باسم الشاعر من صديقي، الراحل "، قاطعته وقد لاحَ الاهتمام على ملامحها. أومأ الرجلُ رأسه، متمتماً بنبرة منكسرة: " رحلَ هوَ الآخر، وكان ذلك في نهاية العام المنصرم وفي أحد فنادق مدينة طنجة ". حلّ تعبيرُ الأسف في سحنة الفتاة الناصعة كالثلج، ليشوبها ببعض الشحوب. سيرة الموت، المقيتة، أضحت ثقيلة للغاية على مسمع " تينا " مذ حادث انتحار صديقها، الذي باغتها وكانت في مبلغ من السعادة لم تبلغه قبلاً قط. طفقت صامتة، فيما ذكريات شريك حياتها، الآفلة، تمضي مع السيارة المتجهة إلى غيليز بمحاذاة أسوار المدينة القديمة.

***
السيارة، كأنما كانت تعود القهقرى مع ذكرياتٍ ترجعُ على أدراجها.. تعود إلى نقطة انطلاق رحلة الشقيقين، المراكشية؛ إلى العَرَصَة، الملتفة حول فيللا الأسرة المحسنة، ثمة أين قضيا ليلتهما الأولى في المدينة الحمراء؛ وإلى الحيّ الشتويّ الجديد، حيث مقر إقامة ومكتب أعمال مواطنتهما الغنية. الثقوب في الإسفلت الأسود، كان لابدّ أن تذكّر " تينا " بجراح روح صديقها، مثلما أنّ البقعَ على الرصيف هيَ آثارُ أقدامه. وهذا ظل طيفه، الأبيض، يطغى على الظلال السود لأشجار النخيل والليمون والزيتون، المترامية على دروبٍ تسلكها عربة " بيجو "، المتهالكة.
ما تفتأ أسوار المدينة القديمة محتفظة برونقها، مشكلة قوساً يميل مع دوران السيارة باتجاه درب قصر " المنصور "، المفضي إلى أكبر شوارع المدينة، " محمد الخامس "؛ ثمة، أين تقوم على جانبه الأيمن تلك الفيللا، المقصودة. ولكنّ السيّدة السويدية لا تعلم ما ينتظرها هنالك، أكثر مما يعلمه اللقلق عن تاريخ السور، المعشش على قمته. شعور الرهبة والقلق، عليه كان أن يتضاعف في داخلها، ولا غرو، مع كل دفعة بنزين في محرك السيارة. راحت عندئذٍ تخفف من غلواء داخلها، متشاغلة بتأمل مناظر الطريق وكل ما يتحرك من بشر وكائنات وجماد. وإنها حركة جديرة بالملاحظة حقاً، ما دام كل شيء يسير وفق هارمونية سلّم موسيقيّ كلاسيكيّ، مخترق هنا وهناك بإيقاعات تنتمي للمعاصرة.
الأصيل، ساعة انحسار موجة الحرارة المحوّلة الربيعَ إلى فصل لا يُطاق. على الأثر، تنطلق أمواجٌ من الدراجات النارية وكما لو أنها في سباق ( رالي ) مع أحدث السيارات. " الحابل يختلط بالنابل "، على حدّ تعبير القول العربيّ. فلا يُمكن التفريق بين العائد من العمل وذلك العاطل، المدمن على التسكع بلا هدى أو هدف. كذلك كان صديقها الراحل، في مبتدأ حلوله بالمدينة على الأقل. محرجاً من بطالته، دأبَ الشابُ الخجول على الخروج مبكراً من الفيللا ليعود عند الظهيرة، مطمئناً لخلود ساكنيها إلى رقاد القيلولة. قد تعترض تسلله للدار، " غزلان "، متحججة بأخذ رأيه في لوحةٍ جديدة أنجزتها تواً. ولا تلبث " خدّوج " أن تحرجَ إليه من عزلة حجرتها، المتخمة بالخيالات الأكثر جرأة، باحثة عن زادها الجنسيّ. بيدَ أنّ بطلنا، في كلا الحالتين، يغذ الخطى متعجلاً وقد عصب عينيه بقماش العفة والوفاء ـ كالجاموس، المسيّر عجلة المياه في آناء النهار.

> مستهل الجزء الأول/ الفصل الثالث، من رواية " الصراطُ متساقطاً "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أشرف زكي: أشرف عبد الغفور كان من رموز الفن في مصر والعالم ا


.. المخرج خالد جلال: الفنان أشرف عبد الغفور كان واحدا من أفضل ا




.. شريف منير يروج لشخصيته في فيلم السرب قبل عرضه 1 مايو


.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح




.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار