الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في البداوة السياسية: ثرثرة فوق النيل/الجزء ٢

مظهر محمد صالح

2018 / 8 / 1
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


تأملات في البداوة السياسية:
ثرثرة فوق النيل/الجزء ٢
                                        د.مظهر محمد صالح


يا لها من مفارقات مؤلمة في ليلتي الاولى ، انها الليلة التي سيمضي فيها الرئيس حسني مبارك يومه الاخر في سجنه ( الثابت ) غير المتحرك في طرة وهو خارج النيل حتماً ويصارع من اجل البقاء بلا امل وهو يشترك هنا سوية مع عوائل مصر الفقيرة التي تمضي ايامها ولياليها في سجونها ( المتحركة ) او قواربها التي افترشت سطح النهر بأفق مفقود. وفي ثرثرتي وانا اتحرى البداوة السياسية فوق النيل ، قلت في نفسي بأي حال سأقضي ليلة مختلفة عن هؤلاء جميعاً ؟ انها غرفة فارهة حقا في فندقي المطل على وسط النيل وحافات جزيرة القاهرة !  انها مفارقات اثارت في نفسي ثرثرة التي لم يحض بها في تاريخ مصر الحديث الا الروائي الراحل نجيب محفوظ في رائعته ثرثرة فوق النيل !
لقد اصابني شيء عظيم من الحزن في ليلتي الاولى وانا في فراشي الوثير ونافذتي المطلة على ضفتي النهر ، وقد تسائلت في نفسي ماذا يعتمر صدرك في هذه اللحظات ؟ اجبتها بهدوء وغضب النيل الصامت نفسه هو حزني على فقراء مصر وكل الاسر الموعزة الهائمة على سطح نهرها العظيم ، وتفترش قواربها امواجه وهي تقضي ايامها ولياليها متحركة او ثابتة بلاهدف تبحث عن الامل المفقود !
فالكل يقضي ايامه ولياليه على طريقته الخاصة في صراعه من اجل البقاء ويحدوها شيء من الامل الا تلك الاسر البدوية الهائمة فوق المياه فأنها تكابد الحياة في طريقة عيشها  تبحث فيها عن اليابسة التي لم تجدها الا في معاقلها او قواربها التي هي اشبه ما تكون بالسجون  ولكن سجون(متحركة) .
  انهم فقراء مصر ( البدو الرحل في قواربهم ) تحركهم المياه ذات الشمال وذات اليمين بعد ان تركهم طغاتها ليقبعوا اليوم في سجونهم ( الثابتة ) في طرة خارج النيل بلا وفاء . في وقت مازلت اقض ايامي في فندق رائع امام النيل ولكن احمل هموماً وخواطر هما حبيسان سجن كبير في نفسي ( ثابت اومتحرك )  في آن واحد اسمه الانسانية المعذبة .
لم اجد في همومي وخواطري الا ان ابحث عن سبيل كي انتصر لفقراء مصر الذين اهدتهم ثورتهم في 25 يناير كانون الثاني 2011 رئيساً مسجوناً مدى الحياة في سجن (ثابت) ولكن ابقت لهم سجونهم (المتحركة) عائمة فوق النيل بلا امل. فالقوة التي تسخرهم للاشيء هي اقوى من القوة التي تسخرهم لأشياء !.
انها ثورة مصر ، فهي ليست الثورة الفرنسية كي تأكل رجالها ، بل انها الثورة في عصر الديمقراطيات البدوية السائبة، فهي تأكل فقرائها قبل ان يلتهما رجالها : انك ستسمع وعلى الدوام من يصرخ في تلك القوارب، وحتى قبل ان يصرخ الرئيس في سجنه صرخته المدوية المشهودة، قائلين:
نحن نستمر في قواربنا المتحركة حتى يسحقنا اللاشيء !انه غياب في انسجام شامل وان الخوف الحقيقي هو الخوف من الحياة لا الموت!انها ثرثرة اخرى فوق النيل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح


.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز