الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحجاج والخطاب التداولي

أبو الحسن سلام

2018 / 8 / 3
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


{الحجاج والخطاب التداولي
في حوارية مهدي بندق عن المفكرين والمؤرخين الجدد (1)
د. أبو الحسن سلام
مداخلة حول النظرية:
يتحدث د. عادل درويش في مداخلته مع مقال الأستاذ مهدى بندق بموقع(Middle East transpar) حول اختلاف أساليب الكتابة الإبداعية عند كل من ( شكسبير وبن جونسون وملتون وغيرهم) في العصر الإليزبيثي عن الكتابة الإبداعية في الإنجليزية الأمريكية عند (ميللر وتنيسي ويليامز) مع أن اللغة عند أولئك وعند هؤلاء هي اللغة الإنجليزية ؛ ليدلل علي أن إطارا أو وعاء لغويا واحدا يجمع إبداعاتهم وهو وعاء اللغة الإنجليزية . ويمد د. عادل) حبل فكرته متصلا بفن الموسيقي والغناء ؛ فمع اختلاف غناء (بول روبسن ) ـ مغني الجاز الشهيرـ عن غناء آخرين غيره ؛ إلاّ أن كليهما شتغل في غنائه علي الموسيقي ؛ ليؤسس علي استشهاده قرينة إضافية علي وحدة الإطار الموسيقي عند كل أهل الغناء كما هو الحال بالنسبة للروائيين المصريين الكبار: (نجيب محفوظ ـ يوسف إدريس) تنحصر في اللغة ، أ ى في أداة الاتصال البشرى الرئيسية ، سواء أكانت اللغة الكلامية العربية أو اللغة الإنجليزية أم كانت لغة الموسيقي والغناء. وفي ظني أن للنحو العربي نظريات متعددة يعرفها القاصي والداني فهناك (مدرسة النحو البصرية التي تعمل اللغة العربية ونحوها بها في كل الأقطار المتكلمة بالعربية حتي يوم لناس هذا . وهناك مدرسة النحو الكوفية وهناك البغدادية وهناك المدرسة المصرية وهناك المدرسة الأندلسية ) فما النظرية النحوية التي سادت في ضبط كلام العرب قديمه وحديثه ؟! هي نظرية المدرسة البصرية وفي مجال الموسيقي كما يعرف المهتمون بأمر الثقافة الموسيقية العربية أن العرب عرفوا نحو 300( مقام موسيقي) لم يتبق منها عند أعتي ملحنينا ( سيد درويش زكريا أحمد) سوى( 20 مقاما) وكان للغرب مثلها ثم اختزلت في مقامين فقط المنير والمجير) لحرصهم علي الزمن وقيمة ما ينفع ومالا ينفع أو ماكان ضروريا و مالا ضرورة له .. النظريات تتغير ويخطىء الأحدث النافع منها والمتجدد مع توالد الممارسات المتغيرة مابين ثقافة عصر وثقافة عصر آخر ما لا يصلح من تلك النظريات .إن في المسرح علي سبيل المثال ما يربو علي العشرين نظرية ؛ تضبط حدود ممارسات كل مدرسة مسرحية . وهل المدارس الأدبية والفنية علي اختلافها مابين ( كلاسيكية و رومنتيكية و طبيعية و واقعية و رمزية و تعبيرية و سيريالية و ملحمية و تسجيلية و عبثية و تكعيبية وتجريدية ) لا تعمل كلها وفق نظرية واحدة ابتدعها أرسطو؟ وقدم فيه الفعل علي الفاعل ( الشخصية) بالقطع لا . فبعضها تسكنه النظرية الأرسطية والبعض الأخريقدم الفاعل الشخصية علي فعلها باعتبار أن الإنسان خالق فعله) فالفلسفة المثالية عاملة في فكر أرسطو ونظريته ؛ بينما امتلك المفكرون والمبدعون الماديون نواصي الفلسفة المادية وأبدعوا مسرحهم وفقها ووضعوا أكثر من نظرية لضبط مسيرات الإبداع المسرحي المغاير لنظرية المحاكا ومنها ( نظرية الحكي التغريبي) لبريخت المستلهمة من الفكر (الهيجلي) ومنها مادار في فلك النظرية ( النسبية) ومنها ما سكنته (( النتشوية أو الفرويدية أو الدارونية أو الماركسية)) وهي النظريات الخمس التي عدلت موازين العالم . حتي الكلاسيكيون الجدد لا ينطلقون من المحاكاة الأرسطية بقضها وقضيضها بل يشاكلون الواقع في إبداعاتهم . ولا ننسي مافعلته التمثيليات المسرحية الدينية في العصور الوسطي ؛ التي هدمت الوحدات الأرسطية الثلاث وهدمت نظرية الفصل بين الأنواع ( كوميديا وتراجيديا) لصالح الخطاب الديني فيما يخلق حالة اتصال المؤمنين المسيحيين في ذلك العصلر الذى كانت تتلي فيه الصلوات في الكنائس الأوروبية باللغة اللاتينية كان المسرح أفضل إختراع اتصالي ناقل للخطاب الوعظي ـ حينذاك ـ وإذا رجعنا إلي عصر أرسطو نفسه ؛ سنندهش إذا عرفنا أن جمعية الممثلين اليونانيين علي أيامه لم تأخذ بنظرية فصل الكوميديا عن التراجيديا ؛ حيث كتب بعضهم المسرحية مزيجا بين النوعين مما يقطع بأن هناك أكثر من نظرية قديمة سادت عصره ؛ تبعا لاختلاف ممارسات أصحابه عن ممارسات أرسطو النقدية . غير أن السيادة كانت لنظرية أرسطو الطبقية التي خصت الملوك والنبلاء بفن مسرحي يكتبهم ( نبلاء قبل ميلادهم وبعد رحيلهم ) ؛ وخصت العامة والطبقات الدنيا بفن يكتبهم في الغيب متدنيين فعلا وقولا وسلوك ؛ (منحطين في الحياة أذلاء في الممات ) ؛ بمعني أن الفصل بين الكوميديا والتراجيديا لم يكن فصلا بين شكلين مسرحيين ؛ لأن النبل المخصوص بالطبقة العليا أو نخبها هومن حيث مضمونه قد ألبس شكلا ؛ اتخذ ( مأمأة الماعز: تراجو /دى ـ عند ذبحها قربانا للإله ( ديونيزوس ) - عنوانا له -. كذلك كانت الدناءة التي قصرها أرسطو علي الطبقات الدنيا ـ الغوغاء والعبيدـ موضوعا ألبس شكلا اتخذ من ( غناء القرويين والسوقة وثرثراتهم : كوموـ دى ) عنوانا له ـ وإن كانت التسمية من وضع (بلاوتوس) المؤلف الكوميدى الروماني. فما النظريا ت سوى مستودع مفاهيمي لضبط الممارسات في الحقول المعرفة النظرية والعملية الماضية التي لها نظائر في الحاضر المعيش وحده ؛ ولا امتداد لها في مستقبل لا نظائر فيه للممارسات التي وضعت النظرية من أجلها . وهذه الممارسات متغيرة بتغير الثقافات والتفاعلات المتباينة التي تقود الرأى العام في مجتمع ما أو في عصر ما ؛ مع مراعاة توزعه فيما بين أهل الفكر وأهل العلم وأهل الإعلام وأهل الفن مع اختلاف أنواعه وآثاره التي يفترض
لها نظرياتها الجامعة لقوانينها ، فالنظريات قوانين ضبط ممارسات ارتقت فأصبحت ظواهر؛ ومن ثمّ أريد الحفاظ عليها واستمرار فاعليتها في مجتمع ما أو في نشاط إنساني نوعي يرى فيه أصحابه نفعا ماديا أو أدبيا لحياتنا المشتركة.
ولأن الأنشطة متباينة ومتغيرة علي كل المستويات الحياتية مابين عصر وعصر أو جعرافية فكر وجغرافية فكر أخرى ؛ لذلك تزاح أو تهمش نظريات وتحل محلها نظريات أخرى دون قداسة لواحدة منها ؛ و لولا ذلكّ لتحولت حياة الأمم والمجتمعات بكل ما فيها إلي عبادة أصنام فالتغيير سمة التواصل الحياتي والديمومة وهو مشروط بالتفاعل الإنساني مع البيئة بكل مكوناتهاوتنوهات جغرافيتها الثقافية . فالأوربيون الذين هجروا قارتهم نزوحا إلي العالم الجديد غيروا لغتهم الأم من حيث ( المبني والمعني ) وبذلك يتحدثون بإنجليزية غير الإنجليزية الأصل . وزنوج أمريكا وإن تمثلوا الفكر الإيقاعي النغمي للموسيقي الإفريقية ؛ ابتكروا موسيقي جديدة (أفرو ـ أمريكان ) وكتاب العبث في المسرح الأمريكي ابتدعوا مسرحا عبثيا مغايرا لعبث المسرح الأوروبي . ومع أن هذه موسيقي وتلك موسيقي وهذا مسرح عبثي وذاك مسرح عبثي ؛ وهذه لغة إنجليزية وتلك إنجليزية ؛ إلاّ أن جغرافية الفكر والثقافة شديدة التباين بين الشعوب والأمم قد يمها وحديثها ومعاصرها . ولولا ذلك التباين ما تغيرت (نظرية عامود الشعر) عند العرب . ولو ضرب النقاد القدماء علي يد (أبي نواس ) عندما أبطل ركنا كان هو الركن الركين في القصيدة العربية وهو (المقدمة الطللية أو الغزلية) لما انطلق التجديد الشعري حتي وصلنا إلي ( نظرية شعرالتفعيلة ) بجهود رائدة كـ ( نازك الملائكة وباكثير والماغوط ) تلتها جهود بنّاءة لــ ( البياتي والشرقاوى وأدونيس وعبد الصبوروحجازى ودرويش ودنقل وبندق وغيرهم ) في القصيدة أوفي المسرح. ومع كل ماتقدم فهذا شعر الشوام مختلف في صوره وجمالياته عن شعر العراق ؛ ونذكر ويذكر من له مع تاريخ الأدب العربي علاقة كيف طلب ( أبوتمام) أو البحترى) من (الكميت) وكان ابن أخته ـ بعد أن التمس منه ستره وهو يسمعه قصيدة من نظمه ـ فلما سمعها منه نصحه بالرحيل إلي الشام والمكوث بين رحابها فترة من الزمن حتي تنهل لغته وصوره من روح الثقافة المناخية والبيئية حلاوتها وطلاوتها . من ذلك يتبين اختلاف إنتاج عن إنتاج واختلاف إيقاع فكر وحياة عن إيقاع فكر وحياة ؛ تبعا لاختلاف البيئة . فما بالنا لا نصدق أن النظريات تتغير وتتبدل مع تبدل الممارسات عندما تستحيل إلي ظواهر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق مستقل يبرئ الأنروا، وإسرائيل تتمسك باتهامها


.. بتكلفة تصل إلى 70 ألف يورو .. الاتحاد الفرنسي لتنمية الإبل ي




.. مقتل شخص في قصف إسرائيلي استهدف سيارة جنوبي لبنان


.. اجتماع لوكسمبورغ يقرر توسيع العقوبات الأوروبية على إيران| #م




.. استخراج طفلة من رحم فلسطينية قتلت بغارة في غزة