الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوعلي ياسين : نحو علمنة الدولة بالعالم العربي ، قراءة في كتاب الثالوث المحرم (الجزء 2 )

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2018 / 8 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في الفصل الثاني من الكتاب، يرى بوعلي ياسين أنه لا يمكن فصل الدين (الأوامر، النواهي ) عن المجتمع الذي خرج منه، لأنه يعكس مصالح معينة، والدين المحمدي هو نتاج لظروف تاريخية وثقافية واقتصادية متضافرة، لقد ظهر هذا الدين في مجتمع بدوي يتعاطى للرعي تارة، ويتعاطى للتجارة تارة أخرى، كما تميز هذا المجتمع بالهجرات البشرية التي كان مردها إلى الحروب في الكثير من الأحيان. إلا أنه من اللافت القول أنه كانت هناك بعض الحواضر، يمارس أهلها الفلاحة، واهميتها كانت مرتبطة بالقبيلة المسيطرة .
في القرنين الخامس والسادس الميلاديين بزغت قبيلتان وهما المناذرة والغساسنة وارتبطتا بالصراع الفارسي- الروماني، وسادت علاقة التناحر بين القبيلتين، وهيمنت علاقة القوة والعصبية وصار كل سيد يملك عدة عبيد، كما كانت القبيلتان تتعرضان لهجوم من طرف الصعاليك .
إن هذا الهجوم هو السبب في ظهور اتحادات محلية مثل المناذرة والغساسنة وقريش، وهذه الأخيرة توحدت في عدة قبائل لمواجهة الطائف وثقيف اللتين كانتا تسيطران على سوق عكاظ . لقد ازداد ثراء قريش بعد كسب المعركة، وظهرت طبقة ارستقراطية غنية في مقابل طبقة العبيد و الأراذل، تتميز الطبقة الأولى بالمحافظة، والطبقة الثانية تراهن على التغيير، كما ازداد الصراع في يثرب بين القبائل العربية واليهودية، واعتبر النبي محمد منقذا ماديا لا روحيا للأنصار في يثرب.
ويعتبر هذا الانقسام عاملا من عوامل ظهور الاسلام، إذ رأى فيه العبيد أداة لخلاصهم من بطش السادة، لقد كان يوظف هؤلاء عبادة الأصنام لأغراض تجارية، ويتوسلون إليها ويتخذونها واسطة للتضرع إلى الله، فهذا المفهوم كان معروفا لديهم نظرا لاتصالهم باليهود والمسيحيين، والنبي محمد ليس الأول من دعا إلى توحيد الله من العرب، بل هناك مثلا محمد عمارة وخالد بن سنان العبسي وأبو ذر الغفاري، ثم إن ظهور الدين المحمدي ارتبط بالقهر الفارسي والمسيحي، إذ رغبت شعوبها في الخلاص من نظام العبودية ومن الصراع حول طبيعة المسيح .
حسب بوعلي ياسين شكل الإسلام ثورة في تاريخ الإنسانية، لقد بدأت رسالة الإسلام سنة 609، فنجم عنها تحريم الكنز وفرار العبيد، إلا أن الإسلام شابته عدة خروقات، منها تطمين الأغنياء بالحفاظ على ممتلكاتهم (صلح الحديبية )، وتعزيز الولاء للأسرة والسادة، والنبي محمد كان يرشي أبي سفيان حتى يتألف قلبه، وتحويل القبلة من القدس إلى مكة وتكريس تقديس الجاهليين للكعبة، إضافة إلى شن حروب دموية على القبائل الأخرى، ولا ننسى تبجيل آل البيت، إذ تم اعفاؤهم من الزكاة، وتمتيعهم بمقاضاة خاصة، كما كان يحصل المقربون من الرسول على غنيمة أكبر، زيادة على إغتصاب الأرض وقتل المشركين .
وفي هذا الصدد، يرى بوعلي ياسين أنه لابد من فصل الدين عن الدولة، لقد جمع النبي محمد بين الدولة والدين، فالنبي لم يكن زعيما دينيا وحركته لم تكن حركة وحسب، لأنه سيطر على المجتمع وسيره، إذ كان يحتاج إلى أيديولوجيا لشرعنة دعوته واتحاد الدين مع الإقطاع، ومازال الدين يلعب الدور نفسه حتى هذه اللحظة في تكريس عمل البورجوازية الكمبرادورية الحاكمة، ومن ثمة من اللازم فصل الدين عن الدولة، إن الله لم ينصب حكاما على البشر، بل أرسل رسلا لهداية الناس ومحمد أصبح زعيما سياسيا بطريقة عفوية و بإرادة الناس، و هنا من الطبيعي أن ينشئ خليفة له كنبي وليس شيئا آخر، وبما أن هذا غير ممكن، فمن المستحيل أن تتأسس دولة تتبنى الأيديولوجية الدينية، لأن الخليفة لا يستطيع أن يدعي إيمانا أفضل من الآخرين.
ومادام الأمر شورى بين المسلمين، فعلى الحاكم أن يكون خاضعا للمحكومين حسب بوعلي ياسين، إذ لهم الحق في صياغته كما يشاؤون، بحيث يصير مسؤولا من طرف ممثلي الشعب في مجالس الدولة وليس مسؤولا من طرف الله، وهذا يفسح المجال أمام عقلنة الإنسان ويتيح الاشباع الأمثل للحاجات البشرية ويجعل من البشر فاعلين تاريخيين يدركون أن النظام الاجتماعي و السياسي يطاله التغيير وليس هناك نظام أبدي، والأدهى من ذلك تتيح المساءلة بناء مجتمع علماني يقوم على المواطنة الكاملة التي تقطع مع الاقتتال العرقي والمذهبي بين السنة والشيعة، وتشجع على الإبداع والارتقاء بالمواطن والإنسان.
ويلفت بوعلي ياسين أنه في بداية الإسلام كان هناك انطباق بين الأيديولوجيا والواقع، إذ أن كل شيء تغير الآن، مثلا صار الآن التعامل مع شخص ما دون النظر إلى ديانته، وبالتالي خرج الدين عن الأهداف التي وجد من أجلها مثل تحرير العبيد وصار أداة بيد البورجوازية الحاكمة لممارسة الاستبداد وتمويه الصراع الطبقي الموجود في المجتمع، وهذا يشجع على البطالة المقنعة لطبقة دينية تعمل على الكذب وتزييف وعي المقهورين رغم أن هذه الطبقة تستلم أجرا من المقهورين وإن كان الدين المحمدي لا يعترف بالواسطة حسب ياسين .
ويختم ياسين هذا الفصل بالقول أن علمانية الدولة لا تعني حذف الدين ولا تعني إتهام الملحدين بالزنادقة والمتحللين أخلاقيا، وهذا تعدي على مواطنتهم، فالسبب يكمن في أن الأخلاق تتغير بتغير المجتمع والفرد، وإذا أردنا أن ننظر إلى الأخلاق، فلننظر أولا إلى الاضطهاد الطبقي، إذ يتم احتكار الدولة من طرف الطبقة البورجوازية الذيلية وتحتكر الدين هو الآخر من أجل ممارسة الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي واستعباد الطبقة المقهورة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا


.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد




.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو


.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي




.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل