الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خجي وسيامند: الفصل الثالث 3

دلور ميقري

2018 / 8 / 3
الادب والفن


على عتبة المدخل، الرخامية، كان باستقبالهما الشخصُ المفترض أنه سلفُ صاحب الكشك، المُلحق بمبنى الفيللا. الرجل الثلاثينيّ، الأسمر والفارع القوام، حجبَ هيكل امرأته، الضئيل نوعاً، المتسمّر خلفه مباشرةً. تحركت هيَ لتسلّم على القادمَيْن بمفردة " بونجور "، التي لم تكن إلى الأمس القريب لتعرف تقريباً غيرها من قاموس الفرنسية، الجاري بسهولة مسيل الماء على ألسنة أغلب أفراد الأسرة. فيما بعد، ستعلمُ السيّدة السويدية أنّ كنّة الدار حفظت الكثير من مفردات ذلك القاموس بفضل علاقاتها مع الزبائن الأوروبيين ممن يقتنون، أو يسوّقون، لوحاتها الفنية. على أنّ " غزلان "، فوق ذكائها وموهبتها، لفتت الضيفة بجمالها الفتّان. رشاقة جسمها، يُمكن أن تُحال إلى عدم إنجابها بعدُ. ولقد أعربت " تينا " أيضاً عن الدهشة، آنَ معرفتها بأنّ البنت الفتيّة قضت حوالي عشرة أعوام تحت سقف الزوج. من ناحية أخرى، كان على الضيفين أن ينتبها منذ البدء إلى طبيعة العلاقة المتشنّجة بين الزوجين والمتجلية، خصوصاً، بنظرات غريبة تنسابُ بينهما ـ كأنها طلقات رصاص صادرة عن معسكرين عدوين، متخندقين في مقابل بعضهما البعض.
وجهُ ذكر الدار الوحيد، فارقَ التجهّمَ للحظات حين انفجرت امرأته ضاحكةً لدى سماعها اسم الضيفة، " تينا "، وذلك خلال مراسم التعارف في الصالة الأرضية. في حركة مسرحية رصينة، همّ " عبد الإله " بتوضيح اللبس للضيفة الأجنبية، لما أُخِذَ على غرّة بقولها مبتسمةً: " أعرفُ قبلاً أنّ اسمي يعني، الفَرْج، بلهجة بلادكم. أرجو أن تسامحوني! ". لقد نطقتها بفرنسية رائعة، أشبه ببيت شعر، وعلى الخصوص مقطع الاعتذار. لعل الرجل تمنى عندئذٍ لو أنها تتقن هذه اللغة، الغنية بالإيحاءات والاستعارات، وإذاً لأمكنهما التناغم بمفردات حميمة تُقصّر طريقهما إلى الفراش!
ولكن، أينَ بقية الأسرة؛ الأم وابنتاها؟ وأينَ الطفلة " خَجيْ "؟ هذه الأخيرة ( وذلك ما أضافته الضيفة لمعلوماتها لاحقاً )، كانت قد أُعطيت اسمَ صغرى تينك الابنتين، " خدّوج "، وفقَ تبادلٍ لغويّ، كرديّ ـ أمازيغيّ، بطرافة ما علمناه عن اسم " تينا ".
إذ كانت هيَ أسيرة لأغلال الذكرى المرهقة والمؤلمة، ففي المقابل، بدا لها كلا الزوجين مثل امرئ خارجٍ تواً من ظلمة بئر الماضي القريب. " حَمو "، كانت هيئته توحي فعلاً بذلك المجاز سواءً بحدّة ملامحه أو بما عليه من ملابس رثة خليقة بالمتسولين. وستصل الضيفة، في نهاية مغامرتها، إلى حقيقةٍ انطلقت منها لتفسير مسلك بعض مَن عرفتهم في المدينة الحمراء: البخل، كالتسوّل سواءً بسواء، هوَ فلسفة ( والأصح عقلية ) أكثر منها طريقة حياة فرضتها ظروفٌ خارجية قاهرة. فضلاً عن أنها متعة، تمنح صاحبها الاستقرارَ النفسيّ مثلما يفعله الخمرُ للمدمن.
" غزلان "، كانت ذات طبعٍ مختلف ولا غرو. بل إنّ ذلك، تحديداً، يُفسّر صبرها على العيش مع شخصٍ هوَ نقيضها في كلّ شيء تقريباً. بكلمة أخرى، أنّ الأمرَ هنا يتعلق بنظرية السالب والموجب العلمية، أو التضاد، فلسفياً. على أنّ حياة الإنسان لا تحكمها بالضرورة هكذا اعتبارات، بله الأنثى وفي مجتمعٍ مسلم. " صبر أيوب "؛ إنه مثلٌ عربيّ صالحٌ للاقتداء به عند عوام الناس إن كانوا ذكوراً أو إناثاً. ولقد جربت " غزلان " كلّ الحيل مع هذا الزوج الجلف، الشحيح، حتى استنفدتها الواحدة بأثر الأخرى. إحدى تلك الحيل، الإيحاء بكونها محط إعجاب الشبان، شأن وردةٍ مع سرب من النحل. على أنّ ذكور النحل أكثر خمولاً من نيل رحيق الوردة، وفي التالي، لم تجلب فتاتنا لنفسها سوى الأقاويل والمزيد من تشدد حماتها ورجلها. ابن أخت هذا الأخير، واسمه " غني "، كان الهدف الأول للأقاويل ولحين اعتقاله قبل نحو خمس سنين على خلفيّة اضطرابات عمالية تحوّلت إلى ما يُشبه انتفاضة عامة. الهدف الآخر، لم يكن سوى صديق " تينا "، الراحل.
غيرَ أنّ الأمرَ انتهى، وبشكلٍ مدهش، إلى استفادة " غزلان " من طبع رجلها العسر لاستخراج ما في مكنونها هيَ من مواهب فنية وأدبية. لقد برزت على صعيد الرسم في الفترة الأخيرة، فيما بقيت كتاباتها الأشبه بالخواطر حبيسةَ الأدراج. ولم يكن بالغريب أن تلقى التشجيعَ من رجلها نفسه، طالما موهبتها الفنية ذات مردودٍ ماليّ جيد. ولكن من الصعب التكهن بنتيجة ذلك على حياتهما الأسرية؛ المعلّقة بخيطٍ واهٍ لأسباب سبقَ عرضها، ولعل أهمها موضوع العقم. كذلك من المعروف أنّ عمل المرأة ينعكس على وضعها الاجتماعيّ، أقلّه منحها ثقة بالنفس وبعض الاستقلالية. الحماة، المتحمّلة زمناً نزوات الكنّة،عارضت بشدّة عملها. كان ثمة سببٌ ضاف، لا يقل وجاهةً، لاعتراض مَن يُخاطبها الابنُ باحترام، " الوالدة ": قضية أخيه الكبير غير الشقيق؛ الزوج الأول للمرأة الغامضة السيرة والمصير، " الشريفة "، التي كان عملها مع المقيمين الأوروبيين الخطوة الأولى لتدهوره ومن ثمّ انتهائه إلى القبوع وراء جدران السجن بتهمة قتل أحدهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما