الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيعة دهاة في السياسة وحذاري من أخذ اليسار مطيّة

عمر سعلي
كاتب

(Omar Siali)

2018 / 8 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لقد أخذنا منذ مدة الشرق الأوسط بمرونة تقلبات معادلاته السياسية المتشعبة منجما لنا لفهم واقع السياسة الغربيّة وطبيعة أهدافها وأولوياتها وخططها، محللين ما يلتمع باستمرار في منطقة تصنف من أكثر المناطق ديناميّة في العالم ، وذلك من حيث تقاطع المصالح الكبرى فيها و الأداء التكتيكي والإستراتيجي لهذه القوى في تحصين مصالهحا ومراكزها ،بجانب لعبة الاعب المحلي التي لها دورها وتأثيرها، خاصة إذا كان هذا الاعب له شئ من الإستقلاليّة في قراره السياسي والإقتصادي وقادر بذلك على المناورة الفرديّة وتسويق مشروع خاص به كما هو الحال مع إيران وبدرجة أقل تركيا عهد الرئيس أردوغان ،ولو كون أردوغان لم يتمكن بعد من الإستقرار على نهج استراتيجي خاص به ،خاصّة بعد تخلي المؤسسات الأمريكيّة الحاكمة على الإعتماد على ورقة الإخوان المسلمين في فرض الإستقرار في الشرق الأوسط مع الإحتفاظ بالحد الكافي من الرضى الشعبي لعصر ما بعد الديكتاتوريات المستهلكة .

لا شك ولا يخفى عن أي متتبع للساحة الشرق الأوسطيّة أن لإيران طموح دولة نحو نفوذ جيوستراتيجي تستخدم له كل الأغطيّة الممكنة لنجاعته واستمراره ، ومنه الغطاء الطائفي والتسويق بتبني قضية فلسطين وأخرها محاولاتها للإستيلاء على ما أمكن لها من التنظيمات التي تعتبر نفسها يساريّة ،وحتى إذا ما تعذر لها أسرها كتنظيم ، فبلإعتماد على خبرة اليسار الطويلة في ميدان مقارعة أعداءه الوجوديين من الظلاميين والرجعيين وأدوات التآمر الغربي المتعددة، هذا مع رأينا بنجاح الدعاية الإيرانيّة في أسر كل الخطاب السياسي لليسار وحتى في أقصى يساريته كما هو الحال في خطاب أغلب الشيوعيين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ممن يصوغ معاركه الثقافيّة وخطابه السياسي على احتمال أن يكون النظام الإيراني صديق محتمل وليس عدو محتمل كما سنبين لاحقا .

المعلوم من التاريخ القريب أن قيام نظام الملالي في إيران أو نظام ولاية الفقيه الذي يصنف في خانة الأنظمة الثيوقراطيّة ، لم يكن ليقوم لولا ظروف معينة ومن ضمنها التواطئ الغربي على استقواء الملالي الدموي على من قادوا الثورة الإيرانيّة كحزب تودا اليساري ومجاهدي خلق ، إضافة إلى عشرات التنظيمات التقدميّة الأخرى التي كان عمودها الفقري من الشيوعيين والتعبيرات المدنيّة الأخرى المعبرة على تنوع مكونات الشعب الإيراني .

لقد كان الغرب قبل الثورة يعول على الشاه في تحصين الجبهة الشرقية للشرق الأوسط من المد الشيوعي القادم من الإتحاد السفياتي ، وكان الموقع الإستراتيجي لإيران يجعل منها بوابة الشرق الأوسط الأولى في تعيين ما سيكون عليه الشرق الأوسط برمته ، فلا يتصور من الاعب الغربي أن يترك إيران تسقط في الشرك السفياتي وبذلك تصير الشيوعيّة على أبواب بغداد والكويت والخليج المركز الأول لمصالحهم الإقتصاديّة والسياسيّة وأمن إسرائيل .

من هنا اتخذت المراكز الغربيّة قرارها بعد استهلاك الشاه بقطع الطريق وبكل الطرق الممكنة على القوى اليساريّة والتقدميّة من أن تصل إلى حكم إيران أو حتى تشترك في السلطة في دولة تعدديّة ديموقراطيّة ،فتم في النهاية القبول بأسوأ الأسوئين والتسهيل لسفر المرشد الروحي للملالي الخميني والطيران بطائرة فرنسيّة خاصة من باريس إلى إيران ليمسك بزمام قضم رواد الثورة الحقيقين بعدما ضمن الضوء الأخضر الغربي ورأى بوادر بيعهم للشاه .

هذا من جهة ، وحتى من جهة أخرى كانت هناك دراسات استشراقيّة بأن ضمان المصلحة الغربيّة في الشرق الأوسط لن تتأتى بالشكل المطلوب إلاّ بوجود تناقضات عميقة في المجتمع والسياسة الشرق الأوسطيّة ، وطبيعي أن يكون الصراع السني الشيعي معطى جيد لإدارات الغرب المتعاقبة في تدبير توازن القوى المختلفة في هذه الرقعة من العالم ،فلا يتصور أعتقد أن يستفرد لاعب إقليمي واحد بالشرق الأوسط ، حتى السعوديّة نفسها أمريكا الشرق الأوسط كما يحلوا للبعض تسميتها لن يتركها الغرب تلعب لوحدها ، وما صفقات الأسلحة والإبتزاز السياسي بالتخويف من إيران إلا أحد أوجه صناعة هذا التوزان ، وأمريكا لا تريد الشئ الكثير من إيران الملالي بعد إنهيار الإتحاد السفياتي سوى اللعب ضمن الخطوط المتعارف عليها كما يسميها رائد الإستخبارات الفرنسيّة كونت دي مارنشيز في كتابه الحرب العالميّة الرابعة ، أي الإلتزام بمواثيق الأمم المتحدة والسلم العالمي وتجنب العداء لإسرائيل .

من وجهة نظرنا أن كل التهويل الحاصل بقرب الهجوم على إيران وإسقاط النظام فيها كل ذلك معركة سياسية ونفسيّة تتوخى منها الإدارة الغربيّة مزيد من حلب الأنظمة الخليجيّة ومن جهة إيران تستغلها لمزيد من التعاطف خارجيّا والقبضة الحديديّة داخليّا، وليس من مصلحة الغرب مطلقا بوأد الصراع السني الشيعي ، هذا إذا لم نبالغ ونقول بأن التشيع السياسي حتى الردكالي منه أقرب إلى أن يكون جزء من الحداثة الغربيّة من نقيضه السني الأصلب فقهيا و الذي يتبنى الجهاد ضد الكفار والمرتدين وإقامة الخلافات والدول خارج منظومة الغرب القانونيّة والأخلاقية والفلسفيّة .

تعاطي الملالي مع الخطاب اليساري بدأ منذ توليهم زمام حكم إيران ، وكما هو معروف فالملالي خريجوا الحوزات الدينيّة في ذلك الوقت ولم يكونوا أهل للإدارة ولا منظرين للحرب النفسيّة والدعائيّة كما هو الشكل الأن، فقاموا باستقدام الإنتهازيّون من الأحزاب اليساريّة والأكادميين التقدميين الذين كانوا معارضين لنظام الشاه ، وزرعوهم في المرافق الإداريّة والإعلاميّة وحتى المخابراتيّة ،و بذلك تم لأول مرّة امتطاء اليسار في إيران بعد تحييده بقوة الدم من مراكز القرار إبان الثورة.

في الخلاصة ، نعتقد أن من الخطأ ،والرهان الخاسر اعتبار إيران وأذرعها في المنطقة أصدقاء محتملين لليسار ، ومن الخطيئة الإنصهار كليا في مشروعهم كما تعمل بعض التنظيمات المعروفة وخوض الحروب نيابة عنهم ، وهنا لا نهاجم الإنفتاح البراغماتي ، فهو نعتقده خاصّة إذا كان الخطر وجوديّا كما في العراق ،ولكن نهاجم الإنبهار المبالغ فيه ونفضح العمالة حين يقدم إرث اليسار وتضحياته دون مقابل إلى عمائم الملالي والمشروع الطائفي الرجعي البغيض ، ولنا في هذا أمثلة عديدة في التاريخ ومن الحاضر فلا نجح أحد بتحالفه مع الظلاميين أو مع الفاشيين ، وفي تجربة علي عبد الله صالح في اليمن خير مثال وفي العراق أيضا مع حزب البعث بقيادة عزت الدوري وما حصل لكوادر الحزب ومتعاطفيه على يد الدواعش المجرمين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا


.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س




.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و