الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خجي وسيامند: الفصل الثالث 4

دلور ميقري

2018 / 8 / 4
الادب والفن




بقيت السيّدة السويدية تراقبُ " غزلانَ " مطولاً، وإن يكن بطريقة مواربة. من ناحيتها، كانت كنّة الدار من النباهة، أنها أدركت نوعاً كنهَ الاهتمام بها من لدُن امرأة الراحل " فرهاد ". لعله هوَ من حدّثها عن أفراد الأسرة المحسنة، التي قضى بين ظهرانيها الأشهرَ الأولى من إقامته في مراكش، مع تفاصيل وافية عن طبيعة العلاقات بينهم ـ كذلك خمّنت " تينا " حدَسَ الكنّة، ولم تذهب بعيداً عن الحقيقة في واقع الحال.
" هل ذَكَرني ذاتَ مرة؟ "، سألت الضيفةَ مُتهيّبةً من تسمية المعنيّ وبمجرد أن غابَ " حمو " في غياهب الدار لشأنٍ من شؤونه. وربما كانت " غزلان " خجلة أيضاً من فرنسيّتها، النامية ببطءِ نبات الظلال. بدءاً ينبغي التنويه بملاحظة كانت قد صدرت عن " عبد الإله "، ثمة في مطعم الفندق، وكانت بمثابة أحد إرشاداته كدليلٍ مفترض: " الاعتقاد السائد بين عامة الناس هنا، أنّ كلّ أوروبيّ يجب أن يكون بالضرورة متقناً للغة الفرنسية ". هكذا اعتقاد، في حالة " غزلان "، أحالته الضيفةُ إلى السذاجة المتلبّسة فتاةً ريفية مجلوبة إلى المدينة، كزوجة، قبل إكمالها التعليمَ الأساسيّ.
" بلى، وكان يقدّر موهبتكِ الفنية "، أجابتها السيّدة السويدية مع بسمة تشفّ عن حزن. عادت الكنّة لتهتف هذه المرة بلهجة جذلة، وكأنما لم تنتبه لملامح الأخرى: " كان فناناً كبيراً، وكنتُ أعدّه معلّماً.. ". ودّت الاسترسالَ، حينَ تدخل الدليلُ: " أظنّ تلكَ إحدى لوحاته، وتبدو كلاسيكية جداً؟ ". قالها متفلسفاً، مُشيراً لصورة رجل متوسط العُمر على شبهٍ بيّن بذَكر الدار الوحيد. بدَورها أومأت الكنّة الموهوبة إلى تلك الناحية، لتجيب الرجلَ بنغمة ساخرة: " هيَ صورة فوتوغرافية لِحَميّ الراحل، ولكنها ملوّنة بأسلوبٍ مبتكر! "
" ياه، كم هوَ مبتكر! وهل أنتِ من تعهّدَ تلوين الصورة؟ "
" لا قطعاً، بل هوَ المصوّر. أو بالأصح، أنّ الصورة أخذت بالأبيض والأسود ثم أعطيت لصاحب استديو كي يقوم بتلوينها. وثمة قصة متداولة في العائلة عن الصورة، أرغبُ ذكرها ولكن فرنسيّتي لا تسعفني "، نطقت الجملة الأخيرة بالمحكية الدارجة. بادرَ الرجلُ إلى نقل جملتها بالفرنسية إلى الضيفة. ثم توجه للكنّة بنفس اللغة، مُظهراً الاهتمامَ بهيئتها المثيرة أكثرَ من قصتها المأمولة: " بالطبع يمكنكِ التعبير بلهجتنا، وسأتولى الترجمة للسيّدة ". الفتاة كانت مرتدية ثوباً صيفياً، خفيفاً ومبتورَ الأطراف، يكشف ما تيسّر من مفاتنها مع كلّ حركة تبديها وهيَ على الكنبة الوثيرة، المقابلة لمجلس الرجل. لعلها دأبت على هكذا مسلك مذ أن كانت عروساً ( فكّرت الضيفةُ عندئذٍ )، ولطالما كانت معرّفةً بالطيش والاستهتار.. مع أنّ ملبسها قد تغيّر ولا غرو في الفترة الأخيرة، الشاهدة على نجاحها الفنيّ والماديّ.
" هل يروقُ لكِ أن تصدعي رأسَ السيّدة، مع علمكِ بوصولها اليومَ من بلدٍ بعيد؟ "، خاطبها زوجها الجهم السحنة بالفرنسية حالما عادَ. ظهرَ من الردهة المتصلة مع حجرات الدار الأخرى، التي زحفت عليها ظلالُ الغروب. كان يحمل في يده اليمنى أبريقاً فضياً، يزفرُ بخاراً منكّهاً بالنعناع الطازج، وباليسرى صينيّة عليها الأقداح المذهبة وآنية الحلوى. لم تُدهش السيّدة الأجنبية من قيام ذكر الدار الوحيد بمهمة الخدمة في وجود امرأته، قدرَ ما فعله جوابُها الحاد: " لو تعلّق الأمرُ بكَ، لكان على الضيفة أن تغفو في مكانها سأماً ومللاً.. ". واستطردت بنبرة آمرة، كي تبرهن على انحداره إلى دركٍ أسفل " ضَع الحلوى هنا في متناول الضيوف، ولا تحدّق بهم طوال الوقت! ". قالت ذلك، ثم آبت إلى مألوف حركاتها فوق الكنبة: وضع الساق على الساق، كي تتيحَ للسروال الداخليّ، المخرّم والمنمنم، فرصة التنفّس بحرية على مرأى بصر الرجل الغريب، بينما بسمتها الودودة تعبُرُ عينيّ رجلها معبّرةً عن عاطفة وقورة رصينة.
" الطفلة في غرفتها، مشغولة بعرائس من كل صنفٍ ولون. لو شئتِ أن نستدعيها، أو أن تصعدي بنفسك لرؤيتها؟ "، خاطبَ الزوجُ الضيفةَ وقد تكللت هيئته بالارتباك. كانَ واضحاً أنه يرمي إلى تغيير الحديث. ولكنّ " تينا " هبّت على قدميها على غرّة، مُظهرةً بهجتها بالخبر السعيد: " رائع، رائع! "، رددت وهيَ تستدير إلى ناحية حقيبتها الموضوعة بينها وبين دليل الغرام. قالت " غزلان " مطلقة ضحكة رنانة: " لا بدّ أنها ستُسرّ بالعروس الجديدة، السويدية، حال والدها الـ... ". واضمحلّت بقية الجملة على شفتيها، حال بسمتها سواءً بسواء. لاحَ أنّ عدوى الارتباك انتقلت إليها من شريك الحياة اللدود، مما ضافرَ من حنقها عليه. و مرة أخرى، أُنقذ الموقفُ المُحرج. ففي اللحظة التالية سُمعت جلبةٌ في الخارج ( أصوات نسائية ورجالية تخللها الضحك )، فأمسك من في الداخل ألسنتهم.
" كنا نودّ أن ننتظركما ونستقبلكما، لولا أنّ موعداً مهماً حالَ دون ذلك. مرحباً بكما! "، توجّهت الفتاة السمراء بكلامها للضيفين وهيَ تمد يدها لهما الواحد بأثر الآخر. ثم قدّمت إليهما، بنفس الطريقة المتسلسلة، القادمَيْن الآخرَيْن: " هذه السيّدة الوالدة؛ للّا بديعة ". تقدمت الأمّ لتقديم واجب التحية، متمايلة بجرمها الثقيل كبطة. وكان على " تينا " أن تنتفضَ مروّعةً، لما حانَ دورُ التعريف بالشاب المرافق للمرأتين: " سيامند..! "، ولم يتهيأ لها سماعُ بقية الجملة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى