الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حزب العمال الشيوعى المصرى ومفهوم الإطاحة الثورية بالسلطة - حدوده ودلالاته

سعيد العليمى

2019 / 4 / 19
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ان التغييرات الموضوعية التى طرأت على الطبقة الحاكمة في مصر ، والتي ادت الى انتقالها موضوعيا الى ضفة الاعداء التاريخيين للشعب المصري والطبقة العاملة المصرية ، تجعل من الضرورى طرح قضية الاطاحة الثورية بها على بساط البحث .
فقبل هذه التغييرات ، لم يكن انتقاء الشرط الذاتى للثورة الشعبية المصرية هو الظرف الوحيد الذي يؤجل هذه المسألة ، بل ان الوضع الموضوعي لهذه الطبقة ( والارض التي كانت وما تزال تقف عليها) هو الشرط الموضوعي ذو الاهمية الحاسمة في هذا الصدد . وفي ذلك الظرف التاريخي كان الموقف اليساري يتمثل فى اغماض العين عن ذلك الوضع الموضوعي وما يترتب عليه ، بينما يتمثل الانحراف اليمينى ، الذي ادى الى انتحار الحركة الشيوعية السابقة ، في المبالغة فى دور هذه الطبقة ، والقول بالتالي بالتحالف مع السلطة الطبقية فى مصر .
فقد ركزت تلك الحركة على دور هذه السلطة في القضية الوطنية ، وفصلتها عن القضية الديمقراطية ، ركزت على التناقض بين البرجوازية والاستعمار العالمي بقيادة الاستعمار الامريكي ، وقللت من أهمية ما اعتبرته " تناقضا ثانويا " في مجال الاستغلال الاقتصادي والاضطهاد السياسي والفكري داخل مصر ، فكان ذلك الفصل بين القضيتين المترابطتين في مجري الواقع جريمة سياسية فكرية كبري ، سارت بالحركة الشيوعية في اتجاه التصفية و" الحل " ، بل ان تلك الحركة بلغت في طريق تدهورها ، حد اعتبار التأميمات الاقتصادية اجراءات اشتراكية تقوم بها مجموعات اشتراكية في السلطة ، يمكنها ان تسير بالبلاد في طريق الاشتراكية ،وزودتها المراجعة السوفيتية بالاسس النظرية لهذه المواقف ، اما السلطة الطبقية في مصر ، فقد ربطت في الواقع بين القضييتين الوطنية والديمقراطية بالاستناد الى انجازاتها في مجال القضية الوطنية كأساس موضوعي لتحطيم كل أسلحة الكفاح الديمقراطية في مصر ، أي تحطيم امكانيات نمو القوى الثورية الحقيقية ، القادرة وحدها على تحقيق استقلال حقيقي جذري في مواجهة الامبريالية ، وفي رجوعه بثمار الاستقلال الى الجماهير الشعبية في مصر .
لم يكن هناك اذن اي مجال للتحالف مع السلطة الطبقية في مصر ، لا من زاوية دورها الموضوعي ومستقبله ، ولا من زاوية وضع القضية الديمقراطية في مصر ، ولا من زاوية امكانيات الثورة الشعبية التي تجعلها قادرة على فرض تحالف على الطبقة الحاكمة بمشاركتها في السلطة لتحقيق المهام الوطنية والديمقراطية التي كانت امام بلادنا .
لقد كان الاختيار الثورى الوحيد هو السير في طريق الكفاح الوطني والديمقراطية وخلق اسلحة الكفاح التي تصب في الجمهورية البرلمانية بكل مكاسبها الديمقراطية : الاقتصادية والسياسية ، والتصدي للاستعمار الامريكي واسرائيل والرجعية العربية ، وفى نفس الوقت ان تصبح البرجوازية المصرية غير مطلقة السيطرة بفضل ما تسميه " بمصادرة الصراع الطبقي " واجبارها على عدم العبث بمصير بلادنا وقضاياها الاساسية وتأييد مواقفها الجديرة بالتأييد بصورة تؤكدها وتدفعها الى الامام وتحمي مكاسبها . ان كانت البرجوازية تقدر على وتريد توجيه ضربات الى الامبريالية ، فلتفعل ونحن نؤيدها بالاقوال والافعال ، ولكن ليسر كل فى طريقه ، فلا مجال للتحالف ، ولاشك في ان الضربات الكبرى والمعارك الحاسمة سوف تظل عبئاً على قوى الثورة الشعبية عندما تستعد لها .
ولكن الشروط الموضوعية والذاتية التى أدت الى تصفية اي قوة ثورية في مصر ، لم تكن لتسمح لوقت غير قصير بظهور حركة ثورية تبرز ذلك الموقف من السلطة المصرية ، لكن ظروف الهزيمة في 1967 بكل ابعادها ، الى جانب شروط اخرى موضوعية وذاتية فتحت السبيل امام امكانيات نشوء حركة ثورية جديدة ، برغم استمرار منهج الطبقة الحاكمة في معالجة القضية الديمقراطية في البلاد .
وكان من الطبيعي منذ هزيمة يونيو حتى الحرب الاخيرة بنتائجها الخطيرة ان يستمر الموقف الثوري من الطبقة على أساس السير منفردين ، برغم امكانيات الضرب في نفس الاتجاه (وليس الضرب معا بحال من الاحوال). ولكن هذا الاحتمال الذى وقفنا عنده من قبل كان يوجب الحذر من الوقوع في الخطأ اليساري باستبعاد اي موقف وطنى تضطر اليه السلطة ، وبالتالي معاملتها منذ ذلك الوقت على انها فى صف الاعداء بصورة كاملة .
ومهما يكن من شئ فان التغيرات الموضوعية التي تجرى الآن قد حسمت القضية ، وجعلت من الضرورى تطوير الموقف من هذه الطبقة التي تنتقل موضوعيا الى صفوف الاعداء. ان تناقض شعبنا مع الامبريالية يندمج الان في تناقضه مع البرجوازية المصرية الحاكمة .
والواقع اننا نجد انفسنا ازاء طبقة استغلالية مضطهدة ، تشكل عقبة كأداء في سبيل المحافظة على الاستقلال النسبي لبلادنا – فضلا عن تدعيمه وتطويره والسيربه الى الامام في طريق الاستقلال الجذري الذي لابد له ان يرتبط بالاشتراكية – طبقة يقضي الواجب الثوري بالاطاحة الثورية بها ، في الوقت الذي نجد الحركة الثورية غير مؤهلة للقيام بهذه المهمة في المدي المباشر ، بل انها ما تزال تشهد مرحلة ميلادها الجديد.
ان الربط بين الشرط الموضوعي لطبقة تجب الاطاحة الثورية بها ، والشرط الذاتي لحركة ثورية وليدة ، يؤدي بنا الى ضرورة مناقشة شعار الاطاحة .
ويقدم لنا التاريخ الثورى الواقع الحاضر، امثلة نموذجية يساعدنا فهم دروسها على تفادي خطر تحويل شعار الاطاحة الى كلمة لا معنى لها ، والى عبث اطفال.
فقد كانت القيصرية الروسية بحكم دورها التاريخي الرجعى على المستويين الداخلي والعالمي توجب على الثوريين القيام بالاطاحة بها ، ولكن هذه المهمة الثورية ، لم تكن الحركة الثورية الفعلية في مستوي القيام بها منذ البداية ، وكان من الطبيعي اذن الا تشكل مهمة مباشرة ، بل تتطلب تحقيق مهام اخرى تفضي الى امكانية القيام بها ، وكان من الطبيعي ان يجري التحضير للثورة ، ابتداء من الزيمسكي سوبور ( وهو شبه برلمان بالقياس الى البرلمانية الغربية ) وابسط المطالب الاخرى للعمال والفلاحين وبقية السكان والتي ترتبط مع ذلك باستراتيجية ثورية حاسمة الوضوح ، دون ان يطرح شعار الاطاحة الفورية بالقيصرية .
فاذا انتقلنا الى وقتنا الحاضر ، وجدنا في الولايات المتحدة الامريكية مثلا ... هذا التناقض الصارخ بين الظروف الموضوعية والظروف الذاتية ، فالبرجوازية الاستعمارية الامريكية التي تقف على رأس معسكر الاستعمار العالمي والرجعية العالمية ، لا يمكن الاطاحة بها (( على الفور)) وفى ((غمضة عين)) ولا يرجع هذا بالطبع الى دور ثورى او تقدمي ينتظر منها ؟!بل انها قائدة الاستغلال والقمع فى عصرنا ، ومع ذلك فان الظرف الذاتي شديد الارتباط بالظروف الموضوعية ، فى بلد استعمارى بل في اكبر بلد استعماري ، لا يسمح ولن يسمح في المستقبل القريب بالاطاحة بهذه الطبقة الاستعمارية .
فاذا انتقلنا الى بلد تحت سيطرة الامبريالية فان شعار الاطاحة بهذه الامبريالية وحلفائها فى البلاد لن يتحقق بمجرد الكلمات ، ولابد من تطور الثورة الشعبية من اجل تحقيق هذا الشعار ، الى مستوى الكفاح المسلح ، والمحك الرئيسي لاختبار القوي الثورية في مثل هذا البلد هو ارتباط برنامجها المباشر باستراتيجيتها ، هو تحضيرها للثورة الشعبية المسلحة عبرحلقات لا يمكن القفز فوقها ، وتفادى التردي الى حضيض المراجعة والاصلاحية بتحقيق مطالب جزئية متناثرة .
وينطبق هذا القول عن هذا النموذج حتى على حالة بلد سمحت ظروفه النوعية ببداية الكفاح المسلح الذى لن يصل الى اهدافه في غمضة عين، بل بتطوره عبر المراحل والحلقات الى حرب شعبية شاملة مظفرة.
ليست الاطاحة اذن كلمة سحرية تردد، بل مهمة استراتيجية ينبغي التحضير لها ، ومن المفارقات المريرة المضحكة فى آن واحد ان الحركة الشيوعية السابقة كانت ترفع في بعض الاحيان وبطريقة انتهازية شعارات الاطاحة والاسقاط ، دون تمييز بين الاطاحة بطبقة واسقاط حكومة ، ولكنها لم تلتزم ببرنامج ثوري يفضي بها تحقيقه الى الاطاحة الثورية بالبرجوازية المصرية فى يوم من الايام.
ولسنا امام لغز من الالغاز ، حول ارتباط الاستراتيجية بالتكتيك وحول الشعارات الدعائية والتحريكية والتنفيذية اليومية المباشرة ، ويجب ان ندرك ان مسؤولية الحركة الشيوعية السابقة في خلق خلط شديد في مفهموم الاطاحة بكلمة واحدة هي الثورة ، الثورة التي تدك عروش طبقة اجتماعية لتقيم مكانها سلطة طبقة اخرى ، ولابد لهذه الثورة ، لهذه الاطاحة الثورية من تحضير طويل تستحيل بدونه ، في الوقت الذي تمثل فيه الدعاية لهذه الثورة واسسها النظرية واهدافها الاستراتيجية شكلا اساسيا للنضال بجانب السياسي والاقتصادي .
ان شعار الاطاحة بالبرجوازية البيروقراطية وبشبكة علاقاتها التي تستكمل عناصرها مع الاستعمار العالمي بقيادة الاستعمار الامريكي وحلفائه في المنطقة ، يستوجب تحضيرا شاملا للثورة مع ربط هذا الهدف الاستراتيجي العظيم في كل لحظة من لحظات نضالنا ، بالمهام المباشرة واليومية بحيث تتراكم في اتجاه ثوري وحيد ، فلا تتبدد وتتناثر وتذهب ادراج الرياح ، بل تترابط في اتجاه تحقيق الثورة الاشتراكية المقبلة .
نيسان – ابريل 1974








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا