الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع الإسلامي وتحديات المعاصرة

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2018 / 8 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تتلخص الإشكالية اليوم في عموم الفكر الإسلامي المعاصر بالبحث عن هوية مميزة يركن إليها المسلمون في بناء النظام السياسي وصورته في ظل دولة أو مفهوم دولة، الحقيقة التي لم يتعظ فيها المجتمع أن شكل الدولة وطريقة تداول الحكم وطريق تداول السلطة لا علاقة له بصورة المجتمع المتدين، بل أن الدين حتى في تعامله مع المجموع الأجتماعي وقضاياه حياديا بمعنى أنه لن يكون بديلا عن إمكانيات الواقع وتفاعلات المجتمع معه بشرط عدم العصيان والتمرد على أسس الفضيله والخير، فهو يتعامل من منطلق قيمي يقود الإنسان من خلال النظام العقلي لديه إلى تجسيد الخير والمصلحة الإنسانية وبسط العدل والإحسان وكل الأوامر التي تؤسس لمفاهيم، ولا تتعامل مع تأسيس نظام أو منهج يحصر من خلاله الكيفية أو الطريقة التي تحول القيم إلى ممارسة.
فأصل الأزمة السياسية عند المسلمين عموما ليس في قصور المنهج الأستدلالي ولا في طريقة التفكير العملية التي من الممكن من خلالها الوصول للنظرية السياسية، ولكن أصل المشكلة تعود إلى أن الدين ذاته لا يتطلب منا أن نؤسس لدولة خاصة، وإنما نعيش الواقع ونمارس عملية البقاء في الوجود بناء على قضية أخرى، وهي تجسيد الخير والعدل والفضائل الأخلاقية، أبتدأ من الشعور الفردي للفرد المسلم وصعودا إلى المجتمع ككيان يهتدي بالمحددات الأخلاقية والقيمية، هنا يجب التركيز في البحث والتأمل والتفكير على كيفية تدعيم النظام السياسي العام لدى البشر يالمقومات الأخلاقية التي تتيح للإنسان أن يكون حرا وسعيدا، في ظل نظام جمهوري أو ملكي.
المهم في القضية الدينية أن لا تخرق القواعد الأسية التي تنظم حياة الإنسان وفق قاعدة الخير والحق، هذه القاعدة الأساسية لمجتمع الفضيلة والمثالية الواقعية التي توازن بين مسئولية الفرد وحقه، وتوازن بين متطلبات الدين والضرورات الوجودية،نظرية الحق والخير يمكنها أن تتلائم مع كل النظم التشريعية وتصلح لكل الأوقات والأمكنة شرط أن نمنح للمفهومين حد عام متفق عليه لا يمكن التجاوز عليه أو تأويله لمصلحة خاصة أو أتجاه فردي مأزوم.
ولم تقتصر إشكالية المجتمع الإسلامي على نظرية وشكل الدولة بل تمتد عميقا إلى تراث الفكر الديني الذي يهيمن عليه الشعور بالعنصرية تجاه غير المسلم من مواطني هذه الدولة، فكل الموروث السياسي يؤكد أن مفهوم المواطنة لا يعتمد الصيغة الواقعية للأنتماء الوطني، بقدر ما ينحاز إلى وهم التفرد الذي يصنف الرعية حسب المفهوم الإسلامي إلى (الأنا) و (الغير)، وهذا المفهوم مستحكم في كل النظريات التي طرحت وتم تداولها في الواقع.
الدولة في مفهومها العام نظام أجتماعي وسياسي يعتمد على فكرة العقد الأجتماعي المتبادل بين المواطن والمؤسسة الحاكمة، على أعتبار أن المواطن واحد بدون عنوان فرعي، وقد تداول هذا المفهوم حتى في سلوكيات المجتمع الإسلامي الأول حين تم ترتيب مسألة الولاء على قاعدة (أن الرعية هي مادة المجتمع والعناوين الفرعية شخصية بقدر ما تمثل من حالة مفصولة عن حق الأسترعاء)، وفي الأدب السياسي الأول من وثائق ومعاهدات وكتب بين الرعيل الأول الموجهة إلى المجتمع ما يثبت هذه الحالة.
أما الرفض المعلن للغير ووجوب أن يتماثل هذا الأخر مع قيم المجتمع الإسلامي ومنها الإيمان أو الأقصاء لم يكن حاضرا في الممارسة التفصيلية حتى تبلورت أفكار المدرسة المحافظة التي أتخذت مفهوم الدولة الدينية العنصرية عنوان لها، يقول الكاتب اللبناني كريم الحلو في معرض تقديمه لكتاب الدين والدولة ما يؤكد أن المدرسة المحافظة هي المسئولة عن إشكالية الحكم وتدهور المفهوم (ان مجال الدولة هو العام، ومجال الدين هو الايمان المتصل بعالم المطلق لا بعالم النسبي، والممايزة بين المجالين هي التي تحفظ لهما مكانتهما في حياة الفرد والجماعة وفي تصور كهذا، ان امساك العصا من الوسط هو السياسة الصحيحة، اما الغلو في المماهاة او في المباينة الحدية، فلن يكون من ثماره سوى دفع الحياة السياسية العربية الى المجهول) .
فالمواطنة في كل تحولاتها البنيوية لم تخرج عن مفهوم الأرتباط المشترك مع الدولة كنظام وكمجتمع حتى في النظم الشبه دينية أو القائمة على نظرية الحق الألهي، نعم هناك تجاوزات وخروج في أحيان كثيرة عن هذا المفهوم، ولكن من الناحية القانونية والدستورية المواطن عضو أجتماعي في مجموعة الدولة، في النظام الفكري السياسي المحافظ نرى أن القضية تختلف في مدلولات المعنى الذي يختصر في (أن هذا المفهوم قديم يعود إلى الدول-المدن الإغريقية، إلا أنه تراجع في ظل المجتمعات السياسية التي تلتها، ليعود مرة أخرى مع الثورة الفرنسية ليكتسب معنىً جديداً يرتبط بالحق في المشاركة العامة، والحقوق والواجبات المتساوية، وانتقال تمثل السيادة في الملك إلى تمثلها في المواطنين) .
هذا واحد من أهم جوانب الإشكالية وأحد الأنتقادات التي توجه لفكرة الدولة الدينية من أنها لا تقوم على مبدأ المساواة في المشاركة حقا وواجبا، ولا بأعتبار أن المواطن مجردا هو عضو مؤسس للدولة يتحمل عب الدفاع عنها كما يستحق منجزات ووظائف الدولة، وليس طرفا في نزاع بين الله وبين الأفراد كما يصورها الكثير من فقهاء وعقائدي الدين، المواطنة حق مكتسب وليس منحة يمكن أعطائها أو سحبها تحت مبررات علاقة الفرد مع الله، لأن هذه العلاقة أصلا محكومة بالتخصص في الفصل فيها لله وحده.
فالدولة الحديثة التي يراد لها أن تقوم متصفة بأنها تتقيد بالشريعة الإسلامية من خلال دعوات أن (الإسلام هو الحل) تقع في تناقض أساسي وجوهري في جذور الفكرة، وفي طريقة سيرورتها وفلسفتها المبنية على الحاجة إلى النظام والأستقرار المؤسساتي القائم على إرادة المواطنة وأتجاهاتها الخيارية، (فإذا كانت الدولة الحديثة هي منتج البراديم العقلاني الوضعي لفلسفة التنوير الأوروبي، فإن الحكم الإسلامي هو نتاج براديم ميتافيزيقي معياري، وإذا كانت السيادة في الدولة الحديثة وهي إحدى صفاتها الأصيلة المميزة تكمن في الدولة ذاتها، فإن مفهوم السيادة في الحكم الإسلامي يرتبط بذات متجاوزة -وهو الله سبحانه وتعالى- وإذا كانت تقنيات بناء الإنسان في الدولة الحديثة تهدف إلى خلق مواطن فاعل ومنتج، فإن نظيرها في الحكم الإسلامي هو البناء الأخلاقي للإنسان) .
التأريخ المروي والموثق بكتب المؤرخين بعيدا عن الصدق فيه أو مجال التحريف لم يشهد أي نجاح حقيقي لديننة المؤسسة الأجتماعية الكبرى، بقدر ما شهد تجاوزات حقيقية وعميقة لطرفي القضية الدينية (الفكرة والإنسان)، ولنا في مقولة الزعيم السوداني صادق المهدي متكأ صادق لأنها صادرة من واحد من أقطاب الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، يقول المهدي مشيرا إلى تحول الخلافة الراشدة إلى ملكية وراثية تحت ظل قداسة منتزعة من حقيقتها وتبريرا لظلمها وتسلطها (منذ تلك الفتنة تأسس حكم بني أمية ثم حكم بني العباس وكانت هذه الولايات تقوم بموجب التغلب، ولكن ولاة الأمر أرادوا أن يعطوا سلطانهم قدسية مصنوعة فقال مؤسس الدولة الأموية: “لو لم يرني ربي أهلاً لهذا الأمر ما تركني وإياه”. ولو كره ما نحن فيه لغيره”. وعلى نفس هذه الوتيرة قال مؤسس الدولة العباسية: “أنا ظل الله في الأرض أسوسكم بإرادته”) .
هذا هو العمق التأريخي لأزمة المسلمين وقضية الدولة وما ترتب من جراء ذلك من أدب سياسي يحاول اليوم البعض من المسلمين إحياءه بحجة إحياء الإسلام وبعثه من جديد، فأي أفق متاح في ظل هذا الإرث الدموي وضياع الدين والإنسان معا في ظل خلافات عقيمة لا يمكنها مع راهنية الوضع الإنساني العام المعاصر أن تنتج حلا توافقيا يعيد للدين والإنسان ما أستلب منهما عنوة بذرائع وحجج تعود جميعا إلى المطامح السياسية والعنجهية القبلية المتأصلة في الفكر الروائي التأريخي الإسلامي.
من المؤكد أن الخطاب العقلاني الذي ينبع من فهم حقيقي للدين سيكون واحدا من أساسيات الأفق الذي نسعى له ونتعلق به على أنه البوابة الحقيقي لقيام تحولات جذرية في طريقة تفكرينا في طريقة بناء المجتمع، وهنا أستعير جزء الخطاب الذي يبشر به الزعيم الصادق المهدي في نظريته حول بناء متجدد ومغاير لمجمل التراث الفكري الذي خبط خبط عشواء في أستدلالاته وممارساته في تأريخنا ووجودنا الإنساني (الخطوة الأولى هي: صحوة فكرية تقرأ تاريخ أمتنا قراءة غير أسطورية وتبين أن الإنسان كائن فريد في الكون يملك خصالاً تفسر تكريمه هي العقل، والقبس الروحي، وحرية الاختيار، إن الاعتقادات التي هيمنت على تراثنا ونفت عنه القدرات العقلية والإلهامية الروحية وجعلته مجرد مستقبل لنصوص نقلية، والممارسات التي نفت عن مجتمعاتنا الحرية وجعلتها مجرد مطية لأوامر الولاة المتغلبين، هي العوامل التي قعدت بأمتنا وجعلتها قابلة للاحتلال الأجنبي، وحتى بعد جلاء الاحتلال فإن الفكر الراكد والفقه اليابس وحكومات الاستبداد هي التي قعدت بأمتنا، لا بد من صحوة فكرية ثقافية تزيل هذا التخلف) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد 40 عاماً من تقديم الطعام والشراب لزوار المسجد النبوي بال


.. الميدانية | عملية نوعية للمقاومة الإسلامية في عرب العرامشة..




.. حاخام إسرائيلي يؤدي صلاة تلمودية في المسجد الأقصى بعد اقتحام


.. أكبر دولة مسلمة في العالم تلجأ إلى -الإسلام الأخضر-




.. #shorts - 14-Al-Baqarah