الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جناية شكسبير على المسرح العربي

حكمت الحاج

2018 / 8 / 6
الادب والفن


قبل الدخول في صلب الموضوع، وبحسب دلالة العنوان أعلاه، سنشير إلى حادثة من التاريخ المعاصر للمسرح العالمي قد تكون عونا في توضيح أهداف هذا المقال. فلقد قرّر المعنيون بالمسرح في نيويورك ذات مرّة أن يقدّموا مسرحية شهيرة لكاتب إنكليزي مشهور هو أيضا، فوقع اختيارهم على نص بعنوان "أرض النفاق" للكاتب "جايلز كوبر"، فماذا فعلوا؟ لقد كلّفوا الكاتب المسرحي الأمريكي الكبير " إدوارد أولبي" بإعداد النصّ لغرض تقديمه في نيويورك. وهكذا ولدت مسرحية "الحديقة" بعد أن حوّرت في لغتها وأحداثها لكي تناسب البيئة الجديدة. وفعلا قُدّمت ونجحت وطبعت فيما بعد على شكل كتاب، هذا مع العلم طبعا، أنّ كلا العملين من جنس واحد ومكتوبان بلغة واحدة. فكيف يكون حالنا ونحن لا نتورّع عن تقديم مسرحيات لكبار الكتاب في العالم من دون أن نجري عليها أي تغيير أو تعديل أو حتّى إعداد، خاضعين بذلك لسلطة المخرج المطلقة في تعامله الشخصي مع النص المترجم، هذا إذا طرحنا جانبا مسألة مدى أهلية هذا المخرج للنظر في مسألة التفاوت في الترجمات ومدى أمانتها ودقّتها، ناهيك عن قابليته على المقارنة مع النص الأصلي حين الحاجة للعودة اليه؟
قبل موعد انعقاد واحد من مهرجانات العرب الفنية المنتظمة بسخاء، اتفق معي أحد المخرجين الشباب على تقديم عمل مسرحي ليكون فاتحة لإطلاق اسمه في فضاء الفن المسرحي في بلده عبر ذلك المهرجان.
وقد استقرّ الاتفاق على أن أقوم بإعداد مسرحية لا يتجاوز زمنها 70 دقيقة محتوية على شخصيات ثلاثة وعلى نظام الفصل الواحد مقسما إلى مشهدين. وقد قمت فعلا بإعداد واحدة من قصص الكاتب العراقي الكبير محمد خضير وتحويلها إلى نص مشهدي صالح للعرض. وبحماسة معهودة في فنانينا شرع المخرج الشاب منذ اليوم الثاني لاستلامه النص المسرحي بتهيئة فريق العمل الذي سيجسّد رؤياه على الخشبة. ومرّ الوقت، واقترب موعد المهرجان وكانت التمارين تجري يوميا بنحو معقول وكنت بين الوقت والآخر أحضر بعض التمارين كي أبدي ملاحظة لغوية هنا أو أجري تغييرا في الحوار هناك وكان الممثلون الشباب في فريق العمل قد بدأوا يلمسون بشكل واضح أهمية أن يتعاملوا مع نصوص عربية حتى لو كانت ضمن أفق الإعداد، حتى أنّ أحدهم طلب مني أن أوفّر له كل قصص محمد خضير التي وصفها بأنّها قد كتبت لكي تمثّل على المسرح.
بعد أيام فاجأني المخرج الشاب بخبر مفاده أنّه قد يعدل من تقديم مسرحيتنا "إلى المأوى"، وكان واضحا عليه عدم الراحة وشيء من القلق، وفهمت منه فيما بعد أنّه قد أوقف العمل والتمارين المسرحية وأنّه سيزجّ بنفس فريق العمل في نص مسرحي آخر غير الذي أعددته له بناءا على طلبه. وعندما استفهمت منه عن فحوى وعنوان النص المقترح قال لي بالحرف الواحد سأقدّم "هاملت" في المهرجان، لا أريد أن أخاطر بنص غير معروف. إن "شكسبير" سيشفع لي.. على حد تعبيره!
لقد سقت هذه الحادثة لا لكي أذكّر أحدا ما بشيء مما مضى، وإنّما لأدوّن ملاحظتين تخصان مسرحنا العربي الجاد، أولاهما أنّ المخرج المسرحي عندنا يتوهّم الفخامة والعظمة في النص العالمي خاصة الكلاسيكي منه ولا يتحقق من ضحالة الإخراج وتخلّف الرؤية، وثانيهما أنّ الأفق الذي يتحرّك ضمن مداه المخرج العربي والشباب منهم خاصة إنّما هو أفق ضيق ومحدود المساحة والأبعاد لا يتجاوز بعض الأسماء الشهيرة في مجال التأليف والتنظير يقف على رأسهم شكسبير، وله حصّة الأسد.
وبالفعل فإنّ ما يحصل دائما هو شيء من هذا القبيل. فما الذي يحتاجه المرء ليصبح مخرجا مسرحيا مهمّا؟ انه يكفي أن يتخرّج من معهد أو كلية للفنون وأن ينتظر فرصة مهرجان ما ليسارع إلى اقتناء نص مسرحي معرّب لشكسبير فإنّ ترجمات جبرا إبراهيم جبرا متوفرة وطبعا لن يخرج الاختيار على واحدة من المآسي الكبرى للشاعر الإنجليزي الكبير، إما هاملت، وإما ماكبث، أو عطيل، وربما العاصفة. ويجلس المخرج بنفسه إلى النص ويعمل فيه تمزيقا وحذفا وقصّا وبترا حتى يتوصّل إلى عرض مشهدي بأقل عدد ممكن من الممثلين ولمدة ساعة واحدة في الأكثر. وبما أنّ الجمهور موجود بشكل أو بآخر والصحافة تكتب لأنّ هذا هو عملها والذين لهم مصالح بالمديح والهجاء لا يفوتون الفرصة، إذن سنشهد دائما ولادة مسرحيات جديدة وولادة مخرجين جدد يحلمون بالصعود إلى ما يطمحون إليه. وتحت يافطة التجريب يمر كل الجهل والعفن، وتتهاطل الجوائز.
ولكنّنا نتساءل الآن هل بالإمكان تأسيس مسرح عربي حقيقي وناضج بالاعتماد على الترجمات حتى ولو كانت لأساطين المسرح في العالم؟ هل بالإمكان الحديث عن مسرح عربي جاد وأصيل وله مكانته بين مسارح العالم وهو عاجز عن اكتشاف ولو موهبة واحدة في مجال التأليف؟ وهل بالإمكان الحديث عن مسرح فني راق وهو أصلا بلا قاعدة بين الجماهير العريضة؟
من مأثور القول عن المخرج الروسي الكبير "مايرخولد" أنّه قال قبيل وفاته: "اكتبوا على قبري أنّني لم أجرؤ على تقديم هاملت". ومات "مايرخولد" وفي قلبه حسرة من شكسبير. وحسبنا ما قلنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أشرف زكي: أشرف عبد الغفور كان من رموز الفن في مصر والعالم ا


.. المخرج خالد جلال: الفنان أشرف عبد الغفور كان واحدا من أفضل ا




.. شريف منير يروج لشخصيته في فيلم السرب قبل عرضه 1 مايو


.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح




.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار